العولمة والعالمية المهدوية
عماد جميل خليف
تمهيد:
لا شك ولا ريب أن الإنسان في وقتنا الحاضر - وعلى الرغم من كل التقدم العلمي والحضاري والتكنولوجي - يموج في بحر من الظلمات والفتن، فمنذ أن بدأت الخليقة وحصلت أول جريمة في تاريخ البشر حينما قتل قابيل هابيل غاصت البشرية منذ ذلك الوقت في بحر من الدماء، فلا زالت شعوب الأرض تتصارع فيما بينها لأتفه الأسباب، لا لشيء سوى الأنانية وحب السلطة والمال، فنسي الخلق خالقهم أو تناسوه، وغفلوا عن سبب الوجود وغايته، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، وتعامت أبصارهم عن الحق ونصرته، فعم الفساد والظلم وشاع الجور والعدوان، ولا يزال الله (عزَّ وجلَّ) يبطش بطشته الكبرى بكل جبار عنيد، وكل أُمّة ظالمة كي تكون عبرة لمن يعتبر ودليلاً لمن يستبصر.
ولازالت رسله تترى على أهل الأرض أُمة بعد أُمة، مبلغين ومنذرين وهادين لطريق الرشاد والسداد، حيث السعادة الأبدية برضا الرب وراحة النفس وطمأنينة القلب، بشرائع إلهية فيها نظم أمر الإنسان في دنياه وسعادته في آخرته، فكانت اليهودية والنصرانية بتوراتها وإنجيلها، حتى إذا حرفتا وغيرتا، ختم الله بالإسلام وجعله كاملاً متكاملاً فيه كل ما يحتاجه الإنسان لإصلاح أمر دنياه من قوانين وتشريعات، لم تترك ناحية من نواحي الحياة إلّا وبينت فيها الحكم وفصلت فيها القول.
لكن الإنسان يأبى إطاعة هواه، فنبذ فريق منهم كتاب الله وراء ظهورهم وعادوا إلى غيهم وبدأوا يكيدون لبعضهم البعض، وبرز شياطين القوم ينظرون ويقننون لأنظمة وضعية يريدون من خلالها تحقيق مصالحهم وغاياتهم الشخصية ورغباتهم النفسية، من خلال الضحك على عقول الجُهّال ممن لا دين لهم إنما همج رعاع يلهثون وراء كل ناعق.
فظهرت في القرون الماضية النظريات المادية التي تنكر الوجود الإلهي ولا تحد هدفاً لوجود الإنسان إلّا تحقيق ملذاته وشهواته وغرائزه، فتجعله كالبهيمة همّها علفها، إذ لا آخرة فلا حساب ولا عقاب، إنما هي حياتنا الدنيا نموت ونحيا.
فظهرت في قبال الأطروحة الربانية والشريعة الإلهية - الإسلام - نظريات وأنظمة وضعية معارضة، قام بتنظيرها بعض من أهل الغرب، فكانت الشيوعية والرأسمالية، وكل منها بهرت عقول الملايين من أهل الشرق - الاتحاد السوفيتي - وأهل الغرب - أوربا وأمريكا - فطافوا في الأرجاء مبشرين بتوحيد العالم، وتخليصه من الفقر والأمراض والظلم والفساد.
وكل يعد أنصاره بالنصر وبحياة لا مثيل لها، وبنعيم ليس له حدود.
ولكن هيهات يأبى الله ذلك.
لقد عجزت جميع القوانين والمذاهب الوضعية الإنسانية عن تلبية حاجات الإنسان في الحياة الحرة الكريمة والعيش الرغيد في مجتمع متوحِّد متسامح لا شائبة فيه.
وجميع الأديان الإلهية وخاصة الأديان الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) جاءت بما يخدم الإنسان في دنياه وآخرته من قوانين وتشريعات وطريقة سليمة وصحيحة للحياة، لكن الإنسان كان دائماً ما يعزف عن كل ما هو خير له ويسير خلف أهوائه ونزعاته الشيطانية التي تجرّه نحو الهاوية.
لذلك ترى أن المجتمع الإنساني يسير يوماً بعد يوم نحو الدمار والخراب، وما هذه الحروب والنزاعات بين الدول والشعوب إلّا دليل على فشل القوانين والأنظمة الوضعية في إدارة حياة الإنسان، والسبب في هذا كله يعود إلى أن واضع هذه التشريعات غالباً ما كان يراعي في وضعه لهذه الأنظمة أهواءه الشخصية ورغباته النفسية ومصالحه الآنية، دون النظر إلى رغبات الآخرين وتطلعاتهم وآمالهم.
كما أن المقنن لهذه القوانين ليس بذي خبرة تمكِّنه من استيعاب كل المشاكل الإنسانية وإيجاد الحلول المناسبة لها. لذلك نرى أن الشيوعية فشلت قبل أن تولد، ولم يبق منها سوى شعاراتها التي نادت بها ولم تطبق منها شيء يذكر.
والليبرالية تقترب يوماً بعد يوم من نهايتها المأساوية، فإذا كانت الشيوعية انتهت بتفكك الاتحاد السوفيتي فإن الرأسمالية الليبرالية ستنتهي بدمار الدول المتبنية لهذا النظام المستبد، بسبب نزاعات إقليمية ودولية على مصادر الطاقة ومنابع النفط ومراكز الثروات، لأنها تعلم جيداً أنها لن تستطيع الاستمرار بالتسلط إلّا من خلال ديمومة هذه المصادر واستمرارية السيطرة عليها، وسحق الشعوب المستضعفة، لأن البقاء للأصلح كما تدعي.
إنَّ الدولة الإسلامية العالمية المهدوية سوف تظهر بعد أن ييأس الناس من إيجاد الحلول لمشاكلهم المتوارثة والتي صنعوها بأيديهم من خلال الابتعاد عن التشريع الإلهي، ونبْذِهِم دين الله وراء ظهورهم، عند ذلك فقط سوف تتوحد الشعوب وتنهض الأُمة الإنسانية لبناء مجدها على هذا الكوكب المحطَّم، بقيادة الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه)، بعد أن يكونوا قد جرَّبوا كل ما لديهم من أفكار ونظريات وعلوم وتقنيات فلم ينجحوا.
لكل أناس دولة يرقبونها * * * ودولتنا في آخر الزمان تظهر
المبحث الأول:
مقدمة:
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور قطبين كبيرين عالمية هما الاتحاد السوفيتي والذي كان يتبنى المذهب الشيوعي، والولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تتبنى المذهب الرأسمالي، بدأت بوادر صراع جديد بين هذه الدول على أثر تقسيم ألمانيا، فظهر ما يسمى (بالحرب الباردة) والتي أنتجت سباق التسلح فيما بين الدولتين، ومحاولة كل منهما بسط نفوذه على مناطق ودول إقليمية اقل شأنا.
حتى جاء العام ١٩٦١ م حيث التقى الرئيس الأمريكي (كندي) والرئيس السوفيتي (خروتشوف) في فينا واتفقا على إنهاء الحرب الباردة.
غير أن أمريكا كانت تريد القضاء نهائيا على روسيا الاشتراكية، ولذلك أعلنت حرب النجوم وسباق التسلح، واستجابت روسيا لهذا السباق وهذا الصراع إلى أن انتهى بسقوط الاتحاد السوفيتي وانهياره وتفككه، وكان طبيعيا أن تعتبر أمريكا هذا الانهيار والسقوط انتصارا للمبدأ الرأسمالي بوصفه نظاما طريقة عيش وانتصارا سياسيا لها. (١)
فانتهت الشيوعية الاشتراكية قبل أن تولد وقبل أن تحقق أهدافها وشعاراتها وفي مقابل هذا كله كان المد الأمريكي يتقدم بكل قوة نحو الدول الضعيفة والنامية، فقد قامت أمريكا باحتلال أكثر من ثلاثين دولة طوال فترة نشؤها بشتى الحجج والذرائع وطوعت النظام الدولي من اجل خدمة أغراضها، فقد تم إنشاء جمعية الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية من قبل الدول الخمس العظمى، فوضعت القوانين وشرعت بما يلائم مصالح هذه الدول وأعطيت حق النقض (الفيتو) على أي قرار من شانه ان يضر بمصالحها، وانبثق عن هذه الجمعية مجلس الأمن الدولي والذي كان العصا الغليظة التي تستخدم لضرب كل من يحاول الخروج عن طاعة هذه الدول.
حتى جاءت حقبة التسعينات من القرن الماضي وخاصة بعد أحداث الخليج والتي أوجدت فرصة لأمريكا للتدخل في مناطق نفوذ حيث مركز العالم النفطي والثروات الهائلة فاخذ الساسة الغربيون يطرحون أفكارهم وآرائهم عن مستقبل العالم ونهاية التاريخ، فطرحوا فكرة النظام العالمي الجديد، وأخذت وسائل الإعلام الغربي تطرح لفظة العولمة ثم تبناه السياسيون واخذ يتداول على ألسنتهم ن ولم يتم تعريفه بشكل دقيق أو توضيحه وتحديده من قبل هؤلاء، بل ترك كي يلعب بعقول الآخرين ويفعل فعله السحري شأنه شأن الكثير من ألفاظ الاستعمار الساحرة والتي لا يمكن تعريفها أو إيجاد تعريف متفق عليه من قبل اثنين لها.
كالحرية والديمقراطية والمساواة والوطنية والقومية وغيرها من الألفاظ التي تستخدم للضحك على عقول شعوب الدول المستعمرة.
ان (العولمة) هي وليدة النظام الرأسمالي ووليدة الفكر المادي لهذا النظام، وتعد مرحلة من مراحل التطور التاريخي للرأسمالية العالمية المتمثلة (بأمريكا) إذ أنها بدأت مرحلة جديدة من الاستعمار والهيمنة والتوسع خاصة بعد فترة التسعينات من القرن الماضي والذي يمثل بداية الانطلاقة الحقيقية لفكرة العولمة وتبلورها كأطروحة تدعو لها اللبرالية الرأسمالية في الغرب وانتهجت لها طريقا خاصا في التطبيق من خلال الزحف باتجاه الدول الفقيرة والنامية والسيطرة على اقتصادياتها ومواردها وثرواتها عن طريق فرض الشروط والعقوبات لكي تفتح هذه البلدان أبوابها أمام منتجات الغرب.
تعريف العولمة:
هناك اختلاف كبير بين الكتاب والمثقفين في تعريف العولمة، ويرجع السبب في ذلك إلى أن هذا المصطلح حديث العهد في السياسة الدولية، ولم يتم لحد ألان إشباعه بالفهم والدراسة فلم يدخل في ميدان الدراسة الأكاديمية في الجامعات والكليات.
والسبب الثاني هو اختلاف وجهات النظر لدى الكتاب والمثقفين أنفسهم في تعريف العولمة فلا ينظرون إليها من وجهة نظر واحدة، فالكاتب الاقتصادي ينظر من زاوية الاقتصاد فيسميها العولمة الاقتصادية، والسياسي ينظر إليها من زاوية تأثيرها في السياسة فيسميها العولمة السياسية، والباحث الاجتماعي ينظر إليها من زاوية تأثيرها في المجتمعات وثقافة الشعوب فيسميها العولمة الاجتماعية والثقافية، وهكذا.
في حين أن العولمة كنظام وأطروحة رأسمالية شاملة لكل ما قيل أو يقال في الشأن الدولي من سياسة واقتصاد وثقافة واجتماع وغيرها.
لذلك فنحن هنا سنأخذ المعنى اللغوي للعولمة لنبدأ به، ثم ننتقل لنعرض بعض التعاريف التي فسرت العولمة لكي يتم لنا الإلمام بالمعنى الحقيقي للعولمة وفهمها ولو بشكل يسير.
كلمة العولمة في اللغة العربية، والبعض سماها (بالشوملة)، هي ترجمة للكلمة الانكليزية globalization، والكلمة الفرنسية mondialisation.
فالكلمة تعني وضع الشيء على مستوى عالمي، أو تعميم خاص وطني ليصبح عالميا (٢)
وقيل أيضا: العولمة ترجمة فرنسية تعني الشيء على مستوى عالمي، أي نقله من المحدد المراقب إلى غير المحدد الذي ينأى عن كل رقابة وهي أيضا ترجمة لكلمة globalization الانكليزية التي ظهرت أول ما ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعني تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكل. (٣)
في حين ان البعض الآخر يسميها بتسميات أخرى (الكوننة، الكونية، الكوكبة، الشوملة، الحداثة، الحداثوية).
ولكن الكلمة العربية التي شاع استعمالها في ترجمة الكلمة الانكليزية هي (العولمة).
وهذه الصيغة (فعولة) تستخدم للدلالة على تحويل شيء إلى شيء آخر أو صيغة أخرى.
أما في الاصطلاح فقد عرفت بعدة تعريفات منها، أنها:
مصطلح سياسي عرفه البعض بأنه: نظام عالمي جديد يقوم على العقل الالكتروني والثورة المعلوماتية القائمة على أساس المعلومات، والإبداع التقني غير المحدود دون اعتبار للأنظمة والحضارات والثقافات والقيم والحدود الجغرافية والسياسية القائمة في العالم. (٤)
وعرفه آخرون انه: القوى التي لا يمكن السيطرة عليها للأسواق الدولية والشركات المتعددة الجنسية التي ليس لها ولاء لأية دولة أو قومية. (٥)
أو هي:
تحرك متسارع نحو عالمية متكاملة عززه إلغاء القيوم التنظيمية والتفاعل مع التغيرات المتسارعة في تكنولوجيا الاتصالات والحاسب. (٦)
وقيل هي:
مسعى لإزالة الحدود والموانع ما بين الدول للسماح بحرية الأفكار والثقافات والأموال والسلع دون قيود تفرضها السيادة الوطنية أو الخصوصيات القومية. (٧)
والبعض الآخر عرفها بأنها:
كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو دون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع واحد. (٨)
من الملاحظ أن جميع هذه التعريفات لم تكن دقيقة التوصيف للعولمة الرأسمالية، لان الكثير منها يركز على الجانب الاقتصادي من العولمة، والحق معهم في ذلك لان العمود الفقري للرأسمالية هو الاقتصاد والربح المادي السريع.
كما أنهم يركزون على الجانب العلمي والتطور التقني الحاصل فيعدونه سبب رئيسي في ظهور العولمة فيعرفونها به.
بعد هذا كله يمكننا تعريف العولمة تعريفا جامعا مانعا بأنها:
مصطلح سياسي رأسمالي يصف مرحلة من مراحل التطور التاريخي لليبرالية الرأسمالية في العمل على توحيد العالم بصورة مباشرة أو غير مباشرة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا تحت قيادة الرأسمالية العالمية أمريكا.
العولمة الاقتصادية أو الجانب الاقتصادي للعولمة
لقد أعدت الرأسمالية العالمية الخطط الكفيلة بالسيطرة الاقتصادية على الدول الفقيرة والنامية، مستغلة البون الشاسع ما بينها وبين هذه الدول في مجال التطور العلمي والتقني والتكنولوجي، فقد أنشأت صندوق النقد الدولي والبنك الدولي:
وهما منظمتان أمميتان، فالأول يقوم على ضبط النقد الدولي واستقراره، والآخر يمارس عمليات الإقراض ودراسات الجدوى في مجال الإنشاء والتعمير للدول المتضررة من الحروب والدول الفقيرة ضمن شروط قاسية. (٩)
ولما كان صندوق النقد الدولي من إنشاء الدول العظمى فقد:
كانت طريقة إنشائه مصوغة بشكل يؤدي إلى هيمنة أمريكا على قراراته فقد جعلوا الأصوات التي تتمتع بها الدول تتوقف على حصتها في الصندوق ولما كانت حصة أمريكا هي الأكبر (٢ ،٢٧ %) من رأس المال فان قراراته كانت قرارات أمريكية كما تفرع عنها البنك الدولي للإنشاء والتعمير وأبرز اغراضه إعادة اعمار ما دمرته الحرب ومساعدة الدول المتخلفة اقتصاديا وتقديم القروض والضمانات لدول العالم النامي(١٠).
لذلك فان أية دولة تقع في أزمة أو ظروف طارئة وتحتاج إلى الدعم الدولي فإنها سوف تتجه نحو صندوق النقد الدولي والذي تتحكم به أمريكا، فيقوم بالإقراض لهذه الدولة بفوائد مركبة وضمن شروط قاسية وصعبة للغاية، حيث يفرض على هذه الدولة السير في نهج اقتصادي متشدد، من خلال تقليل الإنفاق الحكومي العام، ورفع الدعم عن السلع الضرورية، ورفع أسعار المشتقات النفطية وخصخصة القطاع العام وتحويله إلى الخاص، وفتح أبواب الاستثمار للشركات العالمية في جميع القطاعات الحيوية للدولة كالنفط والغاز وغيرها.
إن هذه الإجراءات وغيرها كفيلة بان تجعل هذه الدولة أسيرة لصندوق النقد الدولي ولا تستطيع التخلص من هذا الكابوس الذي الم بها ولفترة طويلة جدا ومن ثم تعجز عن النهوض من جديد فتقع تحت الوصاية الغربية.
ثم إن هناك مؤسسة اقتصادية أخرى تم إنشاءها من قبل الغرب قامت على أنقاض اتفاقية (الجات) -الاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة الكمر كية - التي لم تر النور، فتم إنشاء منظمة التجارة العالمية في مراكش عام ١٩٩٤م، وبدا العمل بها ١٩٩٥م. (١١)
حيث تم سن قوانين خاصة باقتصاديات السوق الحرة وحرية الملكية الفردية والاستثمار والتجارة بين الدول، وإنشاء هيئة لفض النزاعات والتحكيم، وقوانين حقوق العمال وغيرها.
حتى انك لتجد اليوم الكثير من الدول العملاقة (كالصين) مثلا تحاول جاهدة الدخول في هذه المنظمة لكن بدون جدوى، إذ أن الدول الغربية تفرض عليها شروط قاسية من اجل تركيعها ولكي تسمح بفتح أسواقها للبضائع الغربية وتخفيض الرسوم الكمر كية على السلع المصدرة إليها.
إن هذا الثالوث الذي ذكرناه (صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية) لكفيل بإذلال وإخضاع الدول التي تقف بوجه الدول العظمى أو تحاول أن تنهض باقتصادها لكي تنافس الدول المتقدمة، كما انه يضمن استمرارية تدفق السلع والخدمات إلى الدول الفقيرة والمستهلكة دون أي منافسة أو رسوم كمركية وبأقل تكلفة وأعلى قيمة من الربح.
حتى ترانا اليوم نلاحظ وبشكل واضح سيطرة الشركات الغربية على جميع مفاصل الاقتصاد في العالم حيث تدل التقارير على أن:
خمس دول غربية فيها ١٢٧ شركة من أصل ٢٠٠ شركة كبرى في العالم، وهي أمريكا، واليابان، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا. (١٢)
لقد نجحت هذه الشركات في الهيمنة على الأسواق والسيطرة على معظم التجارة العالمية من خلال إنتاجها الكبير ورأس مالها الوفير، بحيث أنها أصبحت قادرة على زعزعة أنظمة دول قائمة بذاتها.
وعلى سبيل المثال نصيب أمريكا من السوق العالمية من برامج الكمبيوتر سابقة التجهيز سنة ١٩٩٤ م،٦٠ % ونصيبها من سوق الكتب العالمية سنة١٩٩٥ م، ٣٢ %. (١٣)
لقد أدت عولمة الاقتصاد إلى تحكم مجموعة قليلة من الإقطاعيين بقوت الملايين بل المليارات من البشر، وظهر بشكل جلي مآسي العولمة الرأسمالية حيث أصبح الفقر سمة عالمية وبلغ حدا لا يمكن تصوره.
ففي عام ١٩٩٨ م كان في الولايات المتحدة وحدها ١٧٠ مليار ديرا، بينما لم يكن عددهم في عام ١٩٨٢ م يزيد على ١٣ مليار ديرا، ويكفي أن مليار ديرا واحدا هو بيل جيتس رئيس شركة ميكروسوفت يملك ثروة ما يعادل صافي ثروات ١٠٦ مليون مواطن أمريكي أي ثلث السكان تقريبا. (١٤)
في حين نجد:
٣٠ % من سكان العالم دخلهم اليومي يقل عن دولارين، و٢٠ % من سكان العالم يقل دخلهم اليومي عن دولار واحد وكلهم من الدول النامية. (١٥)
بعد هذا كله كيف لأي دولة من الدول النامية أن تنهض باقتصادها أو يمكن لها التمتع بثرواتها دون تدخل أجنبي غربي أو دون العودة إلى هذه الشركات المتعددة الجنسيات لكي تستثمر فيها وتجعلها متسلحة بسلاح التقدم العلمي والتكنولوجي الذي قطعت فيه الشعوب الغربية مراحل متقدمة لن تستطيع الدول النامية وخصوصا الإسلامية من اللحاق بركبه حتى قيام الساعة، خاصة في ظل حكام الجور والفساد الجاثمين على صدور أبناء هذه الشعوب.
ومن الجدير بالذكر إن العولمة الاقتصادية هي المجال الوحيد الذي اتفق على تعريف له: حيث تبنى مؤتمر الأمم المتحدة للإدارة والتنمية unctad تعريفا له يقوم على فكرة فتح السوق والتبادل الحر وتقليل سلطة الدولة على حركة الاقتصاد. (١٦)
لذلك فان المرحلة الرئيسية والأولى للعولمة تأتي من خلال السيطرة الاقتصادية والتي تمثل حجر الزاوية في هذا المخطط الرهيب للعولمة، لان ذلك يعني التحكم بمصير شعوب تلك الدول وتقييدها وخضوعها للغرب، وان حاولت هذه الشعوب التمرد أو الثورة فإنها سوف تصطدم بالحالة الاقتصادية المتأزمة والمشاكل المستعصية في البلاد، أو بانقلابات عسكرية لبعض عملاء الغرب الذين زرعتهم في المؤسسة العسكرية لخدمة أغراضها.
وهذا ما يفسر الاضطرابات الكثيرة في الدول النامية والفقيرة وعدم الاستقرار السياسي وكثرة الحروب والدماء، وهذه الأمور كلها لصالح هذه القوى الخارجية من اجل الهيمنة والتسلط.
وكما يقول ابرازموس ١٥٠٨ م (إذا حاربت بسيف المال فستكون الغالب دوما). (١٧)
وقد أشار كتاب (فخ العولمة - الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية) الذي ألفه هانس بيتر مارتين وهارالد شومان الألمانيان إلى مستقبل العولمة ونتائجها في الجانب الاقتصادي: فقد ذكرا فيه إن العولمة من خلال السياسات الليبرالية الحديثة التي تعتمد عليها إنما ترسم لنا صورة المستقبل بالعودة للماضي السحيق للرأسمالية، فبعد قرن طغت فيه الأفكار الاشتراكية والديمقراطية، ومبادئ العدالة الاجتماعية، تلوح الآن في الأفق حركة حضارة تقتلع كل ما حققته الطبقة العاملة والطبقة الوسطى من مكتسبات، وليست زيادة البطالة وانخفاض الأجور وتدهور مستويات المعيشة وتقلص الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدول وإطلاق آليات السوق وابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي، وحصر دورها في (حراسة النظام) وتفاقم التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين المواطنين وهي الأمور التي ترسم ملامح الحياة الاقتصادية والاجتماعية في غالبية دول العالم كل هذه الأمور ليست في الحقيقة إلا عودة الأوضاع التي ميزت البدايات الأولى للنظام الرأسمالي إبان مرحلة الثورة الصناعية (١٧٥٠ - ١٨٥٠م) وهي أمور سوف تزداد سوءا مع السرعة التي تتحرك بها عجلات العولمة المستندة إلى الليبرالية الحديثة. (١٨)
العولمة السياسية أو الجانب السياسي للعولمة:
إن الجانب السياسي للعولمة يعد من أهم الجوانب والذي يلعب دورا مهما في إخضاع الشعوب وإذلالها وهو يتخذ جانبين، جانب عسكري باستخدام القوة العسكرية لتطويع الدول وتركيعها، وجانب سياسي دبلوماسي باستخدام سياسات الضغط والابتزاز عن طريق مؤسسات ومنظمات أنشأت من قبل الغرب لهذا الغرض.
فقد تم إنشاء منظمة الأمم المتحدة وبشك يلائم التوجهات الغربية، فبعد سقوط ألمانيا برزت قوتين عظيمتين على الساحة الدولية هما (الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي). ومن اجل إعادة ترتيب الأوضاع بعد الحرب العالمية الثانية تم إنشاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي انبثق عنها مجلس الأمن الدولي الذي يتكون من خمس عشرة دولة بضمنها خمس دول دائمة العضوية هي (أمريكا، الاتحاد السوفيتي، فرنسا، بريطانيا، الصين). وهذه الدول هي دول نووية.
ومن الجدير بالذكر هنا أن جميع القوانين والأنظمة التي يطلق عليها أممية أو عالمية أو دولية من قبل هذه المنظمات هي في الأصل قوانين غربية وشرعت من قبل المشرع الغربي ولم يكن للشعوب النامية أو المستضعفة والإسلامية منها خصوصا، أي دور في صياغتها، بل إنها حتى لم تراعي التشريعات والقوانين الإلهية التي جاء بها الإسلام الحنيف ومع ذلك نجد أن الدول التي تدعي إنها إسلامية سارعت إلى الانضمام إلى هذه المنظمة والاحتكام إلى قوانينها.
كما أن الغرب قد تنبه لأهمية هذه المنظمة منذ البدء فجعل مقرها في نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية كي يتم السيطرة عليها بشكل دائم وكامل ولم يسمح بنقل مقرها إلى أي دولة أخرى كي تبقى هذه المنظمة ملبية لحاجات الغرب التسلطية.
إن من أهم أساليب العولمة والهيمنة السياسية بشقيها العسكري والدبلوماسي ما يأتي:
عقد الاتفاقيات والمعاهدات السياسية والعسكرية بين الدول الكبرى من اجل إيجاد تحالفات وتكتلات لإخضاع الدول الفقيرة، والوقوف ضد الدول التي تعاديها إيديولوجيا، ومن هذه التحالفات (حلف شمال الأطلسي، وحلف وارسو الذي انهار بانهيار الاتحاد السوفيتي).
عقد اتفاقيات الدفاع المشترك بين الدول الكبرى وبعض الدول النامية بحجة حمايتها، ومن ثم إنشاء قواعد عسكرية دائمة في هذه البلدان وهذا نوع جديد من أنواع الاستعمار.
التدخل السياسي في بعض الدول المضطربة، عن طريق فرض قرارات من قبل منظمة الأمم المتحدة أو من خلال ما يسمى بقوات حفظ النظام التابعة لها، والتي تكون بقيادة غربية.
الاحتلال العسكري المباشر لبعض الدول الضعيفة وخاصة الغنية بالثروات النفطية والطبيعية بحجة تهديدها للأمن والسلم الدوليين، أو دعمها للإرهاب والجماعات الإرهابية.
فرض صفقات الأسلحة والمعدات العسكرية على الدول النامية والفقيرة لضمان تبعية هذه الدول عسكريا.
إيجاد مناطق توتر عالمية وخاصة في الشرق الأوسط حيث منابع الثروات ومنها البترول لضمان السيطرة الغربية وإيجاد الذرائع للتدخل السياسي والعسكري بحجة بسط الأمن وحماية إسرائيل.
القيام بانقلابات عسكرية في بعض الدول لزعزعة استقرارها عن طريق تدريب وتجنيد ضباط وقادة عسكريين في الغرب وإرسالهم إلى بلدانهم حيث يكونون عملاء تابعين يطبقون الأوامر الغربية.
الضغط على بعض الدول سياسيا عن طريق بعض التقارير التي تتحدث عن انتهاك حقوق الإنسان أو انتهاك للحرية والديمقراطية في هذا البلد أو ذاك، حيث يستخدم هذا الأمر كوسيلة ضغط وابتزاز ضد الدول من اجل القيام بإصلاحات سياسية وإيجاد المبررات لقيام المعارضة المدعومة غالبا من الغرب بالتحرك الجماهيري لإسقاط الحكومة.
ازدواجية المعايير في تطبيق القوانين والتشريعات التي يدعى أنها دولية حيث تعمل الولايات المتحدة الأمريكية في فرض القرارات لأغراض نفعية وشخصية في حين تستخدم حق النقض الفيتو ضد أي قرار.
صناعة بعض القادة في هذه البلدان وإعدادهم لاستلام السلطة ومحاولة إظهارهم بالمظهر اللائق أمام شعوبهم في حين أنهم يعملون لتكريس مصالح الغرب.
لقد كانت البوادر الهيمنة والإخضاع للشعوب يتمثل:
بإسقاط أمريكا لأول قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناكازاكي باليابان، (حيث) خطا الإنسان خطوات عدة في أكثر من اتجاه على طريق السيطرة والإخضاع: خطوة على طريق القوة التدميرية الهائلة للأنفس والممتلكات، وخطوة على طريق التقاتل وإيقاع الخسائر بالعدو بأقل مواجهة تذكر مع استخدام أكثر للذكاء الإنساني في التخطيط والتنظيم والأدوات والتقنيات وخطوة على طريق التهديد بالقوة والبطش كرادع وقائي من اجل السيطرة والإخضاع. (١٩)
لقد فضحت هذه الإعمال وغيرها استغلال الغرب لمصطلح الديمقراطية وحقوق الإنسان في السياسة الدولية، إذ أنها حينما يتعلق الأمر بمصلحتها الآنية فان هذه الحقوق والمبادئ لا نكاد نراها أو نحس بها ولا يقام لها وزن.
وهي تعمل بجد كي تصبح هذه المفاهيم مقاييس وقناعات أمم العالم وخاصة الأمة الإسلامية فقد عملت على إيجاد دول كارتونية ترفع شعار الإسلام وتدعي إنها تطبقه وهي في الحقيقة لا تطبق منه إلا بعض الإحكام وبشكل مشوه إلى أن جعلت الناس يضيقون ذرعا بهم. (٢٠)
بعد هذا نصل إلى قمة المأساة الإنسانية في خضوعها للرأسمالية وسياسة العولمة المنبثقة عنه واستغلال النظام الدولي إلى ابعد الحدود.
فان هؤلاء السادة الذين وضع النظام الديمقراطي الرأسمالي في أيديهم كل نفوذ، وزودهم بكل قوة وطاقة، سوف يمدون أنظارهم - وبوحي من عقلية هذا النظام - الى الآفاق ويشعرون بوحي من مصالحهم وإغراضهم أنهم في حاجة الى مناطق نفوذ جديدة. (٢١)
العولمة الثقافية أو الجانب الثقافي للعولمة
إن الغزو الثقافي من قبل دول العالم وخاصة الإسلامية منها كبير وخطير جدا لأنه يمس ثقافة الشعوب وتقاليدها وأنماط عيشها كما انه لا يقف عند حد معين.
والعولمة الثقافية يمكن أن نصفها (بتغريب الثقافة) أو (أمركة الثقافة).
ونعني بها جعل الثقافة الغربية وما فيها من قيم اجتماعية وتقاليد وأعراف وأفكار وأنماط معيشة نموذجا يحتذى به من قبل شعوب الدول الأخرى، من خلال إلغاء ثقافات هذه الشعوب وتقاليدها لتحل الثقافة الغربية محلها.
وبطبيعة الحال فان هذا يعني مسخ الهوية الدينية والوطنية والقومية لهذا الشعب وقطع الجيل الجديد من الشباب من جذوره العريقة وحضارته المتوارثة لتحل محلها الثقافة والقيم والعادات الغربية.
وهنا تكمن خطورة العولمة الثقافية لأنها بالنتيجة تغزو العقول والأفكار، وهي لا تحتاج في هذا الأمر إلى جيوش وأساطيل وسلاح أو حروب ودماء، وإنما هي تعمل عملها السحري من خلال استغلال التطور التقني والمعلوماتي الحاصل في العالم ووسائل الإعلام التي تخترق جميع الحدود والبلدان بلا رقيب أو حسيب.
والدول الغربية وظفت هذا الأمر جيدا في مصالحها من خلال استغلال وسائل الإعلام والاتصال وسيطرتها عليها، حيث تقوم بترويج الفساد الأخلاقي من خلال عرض الأفلام الإباحية والفضائح الجنسية والمخدرات والمشروبات الكحولية والترويج لها حيث أن:
هناك نصف مليون موقع على الانترنت تتعامل مع الصور المخلة بالآداب، وتشرح طرق استعمال المخدرات ووسائل استخدام العنف ١٩٩٧م. (٢٢)
وما جعل المرأة سلعة تباع وتشترى إلا مثال واضح على ذلك، إذ أنها تستخدم في الدعاية الإعلانية للمنتجات والسلع الغربية وخاصة مستحضرات التجميل والعطور والملابس، وكذلك شيوع تجارة الجنس وغيرها من رذائل النظام الغربي.
لقد ساعد انتشار الفضائيات واستخدام الانترنت ووسائل الاتصال الأخرى بشكل واضح وسريع ف نشر الفكر الغربي الفاسد والترويج للثقافة الغربية، ويقابله من ناحية أخرى الضعف الثقافي والديني لشعوب الدول الفقيرة والنامية وعدم وجود أساليب دفاع وحصانة للشباب إمام هذا السيل الجارف من المعلومات والأفكار والبرامج والأفلام المستوردة.
ويسجل الكاتب والمؤلف (هنري غوباز) في كتابه: إن هذه الحرب هي أخطر والعن من الحرب الساخنة لان الأخيرة (أي الساخنة) تعيي الجماهير، بينما الأولى تشل الإرادات حيث تتسلل بمكر تدريجيا وتدق بمطرقتها بإلحاح واستمرار على الأذهان والعقول والأذواق فتسممها ليصبح المرء عبد قيم وأخلاقيات مستوردة غربية. (٢٣)
لذلك فليس من المستغرب إن نسمع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وهو يقول:
إن أمريكا تؤمن بان قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وأننا نستشعر إن علينا التزاما مقدسا لتحويل العالم إلى صورتنا. (٢٤)
هذه القيم المتمثلة بالانحلال الأخلاقي كالتحرش الجنسي والمخدرات وشرب الخمر هي صورة أمريكا كما يقول كلينتون صالحة لكل الجنس البشري، وكأنه غفل عن إنها لو كانت صالحة لشرعها الله عز وجل ولما حرمها.
ثم من أين لبشر أو إنسان عادي غير معصوم أن يحدد ما هو صالح أو طالح للبشرية جمعاء وإنهم يجب أن يكونوا عليه وعلى صورته؟
لقد أشار مؤلفا كتاب فخ (العولمة) إلى هذا الأمر حينما قالا:
إن ثمة جهود خارقة تبذل لكي يتخذ العالم صورة واحدة، ولا ريب في أن المحصلة النهائية لمثل هذا التطور ستكون في المجال الثقافي كما يتبناها ابن نيويورك الفنان (كورت روي ستون) بسيادة الصراخ والزعيق الأمريكي بمفرده في العالم اجمع. (٢٥)
ومن الجدير بالذكر الإشارة هنا إلى إن الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا يسيطران على ٨٠ % من وسائل الإعلام في العالم. كما إن أكبر قنوات الاتصال في العالم هي غربية، وقد جعل فيها اللغة الإنكليزية هي اللغة السائدة، وخاصة في مجال شبكة الانترنت والتي تستخدم من قبل جميع شعوب العالم وتسيطر عليها شركات غربية متعددة الجنسيات.
ويملك الغرب أكبر محطات ووكالات إعلام هي:
الوكالة المشتركة للصحافة (اسوسايتدبرس) الأمريكية.
الوكالة المتحدة للصحافة (يونايتد برس) الأمريكية.
وكالة رويترز الانكليزية.
وكالة فرانس برس الفرنسية. (٢٦)
إن استخدام التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة والتقدم العلمي استخداما معقولا وسليما لا إشكال ولا ضير فيه بل هو من صلب الثقافة العالمية من اجل التواصل بين الشعوب والدول والملاقحة بين الثقافات العالمية، وإيجاد القواسم مشتركة للتفاعل الحضاري ولكن ما يراد هنا هو عولمة الثقافة، فإننا:
إذا فرقنا بين عالمية الثقافة وعولمة الثقافة عرفنا البون الشاسع بين مجرد الانفتاح الثقافي العالمي وبين فرض الهيمنة على العقلية الاجتماعية البشرية، فعالمية الثقافة تجسدها تكنولوجيا الاتصالات والحواسب والتشابك الاقتصادي، بينما تشكل العولمة الثقافية فرض نهج بذاته ومصالح وقيم ثقافية بذاتها، وكل ما تراه القوة ذات الهيمنة أمرا نافعا وضروريا لها وفاء لمصالحها. (٢٧)
العولمة الاجتماعية أو الجانب الاجتماعي للعولمة
أما في الجانب الاجتماعي فان الغرب يعمل بجد كي يفرض النمط الغربي في العيش ويجعل الأسرة الغربية هي مثال الأسرة المتقدمة، وهو يستخدم منظمة الأمم المتحدة وما ينبثق عنها من مؤسسات من اجل توظيف هذا الأمر، ويكرس الجهود الحثيثة لفرض قيمه وآراءه على مجتمعات الدول النامية والفقيرة ن حيث يقوم بعقد المؤتمرات والندوات التي تخص الأسرة والطفل والشباب والمرأة وغيرها. فيطرح مواضيع خطيرة وحساسة نحو حرية المرأة والمساواة بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات والحرية الجنسية، ويجعل المقياس الأسري الغربي هو المقياس الحقيقي للأسرة الناجحة.
إن الطامة الكبرى هي أن هذه المؤتمرات والندوات غالبا ما تعقد في البلدان النامية والفقيرة، ويسارع أهلها إلى تطبيق ما يصدر عنها من آراء وأفكار وتوصيات وتعمل حكومات هذه الدول على تبني أطروحاتها، من دون النظر إلى ما يراد منها من محاولة لطمس الهوية الثقافية والاجتماعية لهذه البلدان، وتحويلها إلى النمط الاجتماعي الغربي.
بل إن الغرب يرى أن الدولة التي توجد فيها مطاعم (ماكدونالد) هي دولة متفتحة وراقية، كما أن الدول الغربية تستغل مسالة حقوق الإنسان وتجعلها ذريعة للتدخل في المجتمعات الأخرى فتدعو إلى إطلاق الحريات الشخصية وفتح الباب على مصراعيه أمام الشباب ليفعل ما يشاء.
بل إنهم ذهبوا إلى ابعد من ذلك، حين قاموا بعقد الندوات والمؤتمرات التي تناقش حقوق الحيوان، وكانت آخر صيحة في هذا المجال مؤتمر (الحمير) الذي عقد في مصر عام ٢٠٠٧م، برعاية بريطانيا وبمشاركة بعض الدول، من اجل النظر فيما تعانيه (الحمير) من ظروف عمل صعبة في بعض البلدان، واستغلال وضرب شديد وتجويع.
ولعمري إننا وصلنا إلى مراحل متقدمة من الرقي الإنساني حينما تقدس الشعوب الغربية المجتمعات الحيوانية للكلاب والقطط والحمير إلى حد العبادة، وتطالب بالحقوق الخاصة بها، فتنام كلاب أمريكا قريرة العين متخمة البطن لا يجفل لها طرف في حين أن شعوب العالم ومجتمعاته تعاني فقرا مدقعا يلتحف فيه الفقراء التراب ويأكلون الحشائش دون أن يعقد لهم أي مؤتمر دولي أو أممي لحل مشاكلهم، وما نراه اليوم في المجتمع الإفريقي لخير مثال على هذا الأمر.
إن هذه الازدواجية في النظر إلى الأمور ينبع من أن:
النظام الرأسمالي الديمقراطي ليس منبثقا عن عقيدة معينة عن الحياة والكون، ولا مرتكزا على فهم كامل لقيمها التي تتصل بالحياة الاجتماعية وتؤثر فيها (٢٨).
فمثلا انبثق عن مؤتمر بكين وثيقة تؤكد على حرية الإنسان في تغيير جنسه، وعلى حق الفتاة والمرأة بالتمتع بحياة جنسية آمنة مع من تريد وفي أي سن تريد. (٢٩)
ويمكن أن نعدد أبرز ما يخرج من هذه المؤتمرات والندوات من توصيات:
الحرية الجنسية وإباحة العلاقات الجنسية خارج إطار الأسرة، وتقليل قيمة الزواج.
تكريس المفهوم الغربي للأسرة، وهي أنها تتكون من شخصين فأكثر ولو كانا من نوع واحد.
إباحة الشذوذ الجنسي بكل أنواعه، ومن المعلوم انه مقر في بعض القوانين الغربية.
فرض مفهوم المساواة الشكلي بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات والحياة العامة. (٣٠)
من الملاحظ إن هذه الأمور موجهة لتدمير المجتمعات المحافظة كالمجتمع الإسلامي لأنها تؤدي إلى تدمير عقول الشباب بما تحمله من إغراءات ودعوات لإطلاق الشهوات الدفينة في النفس البشرية، وهي موجهة بالخصوص إلى الأسرة المسلمة لأنها أسرة مترابطة ذات علاقات متينة مبنية على الحب والاحترام المتبادل والطاعة للوالدين.
والإسلام بطبيعة تشريعاته وقوانينه واطر عمله يقوم على قاعدة رئيسية ولبنة أساسية هي الأسرة والتي تعد النواة الحقيقية لقيام المجتمع الإسلامي وتحطيم مشروعه الحضاري العالمي.
لقد صمم الغرب الصليبي الزاحف أن يهدم ويدمر، لكن بأسلوب غير أسلوب التتار والصليبين القدماء، لقد اتجه إلى تدمير العقائد والأفكار وهدم القيم والأخلاق وتحطيم الآداب والتقاليد بمعاول خفية لا تراها الأعين بسرعة ولا تلمسها الأيدي بسهولة، وبأساليب ماكرة لا تثير الشعوب، ولكن بغير إطلاق الرصاص، بل بطريقة السم البطيء.
وبعد تحطيم كل ما يملك الإنسان من عقيدة يؤمن بها وفكر إنساني حقيقي يسير نحوه، وطريقة عيش ينتفع بها فيسعد ويسعد مجتمعه معه، يصبح عند ذاك إنسان لا قيمة له غارق في بحر الشهوات والملذات غير مكترث بما يدور حوله ولا يشعر به، ويعيش على الهامش ويذوب في بحر المجتمع المادي الذي انشاءه الغرب ويدعو إلى تبنيه.
وينطلق من هنا عملاق المادة، يغزو ويحارب، ويقيد ويكبل، ويستعمر ويستثمر، ارضاءً للشهوات وإشباعا للرغبات. (٣١)
أهداف العولمة:
العولمة تبشير سيء يهدف المبشرون به إلى إرجاع العالم إلى العصور القديمة المظلمة في تاريخ البشرية حيث كان العالم مقسما إلى طبقتين طبقة الإقطاع وهي الأقلية الضئيلة، وطبقة الأكثرية الساحقة وهي طبقة الفقراء والعبيد (٣٢).
إن أصحاب فكرة العولمة يدعون إلى أن يصبح العالم عبارة عن قرية كونية صغيرة متوحدة بإدارة غربية رأسمالية، يساعدهم في ذلك التطور العلمي الهائل الحاصل في مجال الاتصالات ونقل المعلومات، وان يسود النظام الاقتصادي والسياسي والثقافي الغربي على جميع اقتصاديات وثقافات المجتمعات الإنسانية.
إن المشرعين لهذا النظام يرون بأنهم الأحق في قيادة العالم من غيرهم بما يمتلكون من قوة وسلطة ومال وتقدم علمي وتقني يدعمه اقتصاد رأسمالي عملاق.
إن الهدف المعلن من العولمة هو إزالة الحواجز وتذويب الفروق بين المجتمعات الإنسانية المختلفة لسيادة آلية رأس المال التي تأبى أي قيود، والية المعلومات التي تأبى أي رقابة، وكذلك إشاعة القيم الإنسانية المشتركة التي يراد لها أن تجمع البشر وتكون أرضية لإنفاذ آلية رأس المال وآلية المعلومات المشار إليها، فإجراءات العولمة الحالية تحاول ان تشمل الاقتصاد والسياسة والاجتماع والإستراتيجية والثقافة، من خلال نظرية ليبرالية شاملة جاعلة شعارها (المصير الواحد للبشرية). (٣٣)
إن رفع شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمصير المشترك ومحاولة توحيد العالم تحت إطار ليبرالي غربي، لا يلغي الحقيقة التي تختفي خلف هذه الشعارات والتي تعود الغرب على إخفائها خلف شعاراته البراقة، هذه الحقيقة التي أشار إليها أحد الكتاب الامريكين وهو فوكوياما حين قال إن هذه التحولات هي نهاية للتاريخ بعد أن تسقط كافة المبادئ والمذاهب وتسيطر الرأسمالية الليبرالية وينتهي التاريخ. (٣٤)
ومع ذلك يجب التأكيد بان العولمة التي يراد لها أن تسود هي نتاج حضارة الغرب والصيغة الأكثر حداثة وفجاجة لهذه الحضارة، والتي تجسدها الولايات المتحدة الأمريكية، إنها تجسيد وتكثيف المابعديات، ما بعد الرأسمالية وما بعد الحداثة، وما بعد الايديولوجيا، وما بعد سيادة الدولة القومية (٣٥).
نتائج العولمة ومستقبلها:
إن النتيجة الحتمية لمشروع العولمة سوف يكون مأساويا ومدمرا لشعوب الدول المتبنية لهذا المشروع ن لان العولمة تقوم على أسس مادية لنظام رأسمالي ليبرالي مادي بحت، وهو بدوره لا يرتكز على قاعدة فلسفية للحياة أو عقيدة حقيقية يسير على نهجها، بل هو نظام وضعي غير قادر على إسعاد البشرية، شانه في ذلك شان الكثير من الأنظمة الوضعية التي شرعها الإنسان وبان في نهاية المطاف خطؤها أو عدم قدرتها على تحقيق سعادته.
وقد أشار السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) إلى هذا الأمر في كتابه (فلسفتنا) حينما قال:
إن الديمقراطية الرأسمالية نظام محكوم عليه بالانهيار والفشل المحقق في نظر الإسلام، لكن لا باعتبار ما يزعمه الاقتصاد الشيوعي من تناقضات رأس المال بطبيعته، وعوامل الفناء التي تحملها الملكية الخاصة في ذاتها، لان الإسلام يختلف في طريقته المنطقية واقتصاده السياسي وفلسفته الاجتماعية عن مفاهيم هذا الزعم وطريقته الجدلية ويضمن وضع الملكية الفردية في تعميم اجتماعي خال من تلك التناقضات المزعومة.
بل إن مرد الفشل والوضع الفاجع الذي نبت به الديمقراطية الرأسمالية في عقيدة الإسلام إلى مفاهيمها المادية الخالصة، التي لا يمكن أن يسعد البشر، بنظام يستوحي جوهره منها، ويستمد خطوطه العامة من روحها وتوجيهه(٣٦).
إن هذا الفشل الذي أشرنا إليه يمثل الجانب الفكري والفلسفي الذي تقوم عليه الليبرالية الرأسمالية ومشروعها العولمي.
أما الجانب الآخر للفشل فيتمثل في التطبيق العملي لهذه النظريات والأفكار والأطروحات المادية، إذ أنها سوف تصطدم بالواقع الإنساني الرافض لهذا المشروع من جهة من جهة أخرى الاصطدام بالسنة الإلهية للكون المتمثلة بإرادة الله عز وجل في خلقه.
فالعولمة بما تتبناه من فكر إلغاء الآخر في ثقافته وسياسته ومجتمعه وعقيدته سوف تصطدم بالمجتمعات المحافظة والتي ترتكز على أسس عقائدية ودينية متينة ضاربة في عمق التاريخ مما ينتج عن هذا التصادم ردة فعل معاكسة لمشروع العولمة.
كما إن الشعوب المتبنية لهذا النظام هي نفسها تعاني من مشاكل جمة لا يمكن حلها بسهولة، فإذا نظرنا إلى العولمة باعتبارها غزوا فكريا ومواجهة حضارية بل فرضا لنمط من العيش فان آثاره المدمرة لا تزال كامنة في الشعوب التي تعيشه وتحياه، ولا يزال المشرعون الذين شرعوا أفكاره وإحكامه مشغولين في تشريع الأفكار والإحكام التي ترقع ما أحدثه هذا النمط من العيش من مآس للبشرية، ومن شرور ترزح تحتها الشعوب التي تعتنقه وتطبقه في حياتها ولا تملك منه فكاكا بعد أن أصبح لهذا النمط في بلادهم من العراقة ما يجعل الانفكاك منه أمرا في غاية الصعوبة. (٣٧)
أما الجهة الثانية وهي الاصطدام بالسنة الإلهية والتخطيط الإلهي في تدبير شؤون خلقه، فان الله عز وجل أبى إلا أن يجعل وراثة أرضه لعباده الصالحين، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ الأنبياء ١٠٥.
فالقوانين والأنظمة والتشريعات الإلهية التي بينها الأنبياء وأرسل للناس هي الأمثل لقيادة الشعوب والأمم، دون أخطاء أو هفوات، لو طبقت بشكل صحيح لان المشرع لها هو الله عز وجل وهو اعلم بنفوس خلقه وغاياتهم ورغباتهم، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.
بخلاف الأديان والقوانين الوضعية التي تنبع من أشخاص عاديين من اجل إرضاء رغباتهم أو تحقيق غاياتهم وطموحاتهم الشخصية، والتي تكون قاصرة عن الإحاطة بكل نواحي الحياة.
إن الأديان الوضعية تعتمد في هذا التحليل على اجتهادات شخصية دون دليل علمي بينما الأديان الإلهية تنطلق من قرار الهي إن هذه المسيرة البشرية بقرار من الله تعالى ستنتهي إلى مجتمع سعيد ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾. هذا القرار الإلهي موجود بان الحكم سيكون للمستضعفين في الأرض وقد أنبات به الكتب الإلهية ولو بقي التقدم العلمي بدون إخبار الهي غيبي فانه لا يملك دليلا يتوصل به إلى هذه النتيجة، نحن نرى اليوم كلما زاد التقدم العلمي زادت المأساة والبؤس بسبب عدم الاستخدام الصحيح لهذا التقدم العلمي. (٣٨)
المبحث الثاني:
المنقذ العالمي في فكر الشعوب والأمم:
إن فكرة المنتظر والمنقذ العالمي تكاد تكون القاسم المشترك بين جميع الشعوب والأمم والحضارات فقد أكدت الدراسات والبحوث والاستقراء لجميع الأديان والعقائد، انه لا يكاد شعب من الشعوب أو امة من الأمم تخلو من هذه الفكرة، وهي ضاربة في عمق التاريخ البشري منذ نشوء الخليقة، فكل شعب وكل امة تنتظر الشخص والقائد المنقذ الذي يخلصها من الشرور والظلم ويحقق لها الحياة الحرة الكريمة حيث يسود العدل والأمان والاطمئنان.
حتى لنرى أن هذه الفكرة قد استغلت بشكل واضح وكبير من قبل بعض الأفراد ذوي النفوس المريضة من اجل الوصول إلى السلطة، من خلال إيهام شعوبهم بأنهم هم المنتظرون لإنقاذ الأمة، حتى إذا ما استمكنوا من السلطة بطشوا بالشعب وأصبح حكمهم ملكا عضوضا يتوارثه الأبناء عن الآباء.
إذا فاصل الفكرة مشتركة بين جميع الأديان والشعوب، ولكن الاختلاف يقع في نفس مصداق المصطلح، ومن هو؟
إذن فالمنتظر هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري، أدرك الناس من خلاله - على الرغم من تنوع عقائدهم إلى الغيب - إن للإنسانية يوما موعودا على الأرض، تحقق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير وهدفها النهائي وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مر التاريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل. (٣٩)
ففكرة المنتظر والمصلح العالمي من البديهيات والضروريات الإنسانية، فالشعوب المظلومة تنتظر من يحقق العدل ويأتي بقوانين عادلة حقيقية، ويخلصها من القوانين الظالمة التي شرعها بعض حكام والجبابرة من اجل السيطرة عليهم وتقييد حرياتهم وقتل الروح الإنسانية فيهم لا لشيء سوى الأنانية والطمع.
فقد امن الزرادشتيون بعودة بهرام شاه، وامن الهنود بعودة فيشنو، وينتظر البوذيون ظهور بوذا*، كما ينتظر الأسبان ملكهم روذريق، والمغول قائدهم جنكيز خان، وقد وجد هذا المعتقد عند قدامى المصريين، كما وجد في القديم من كتب الصينيين، وينتظر المجوس اشيدربابي احد أعقاب زرادشت، وان مسيحي الأحباش ينتظرون عودة تيودور كمهدي في آخر الزمان. (٤٠)
يعتقد البوذيون في(بوذا) حتى أنهم يسمونه(المسيح) المولود الوحيد ومخلص العالم، ويقولون (انه اله كامل تجسد بالناسوت، وانه قدم نفسه ذبيحة ليكفر ذنوب البشر) أهل البيت في الكتاب المقدس ص١٢٦.
فجميع الشعوب والأمم تحمل في عقائدها وطيات فكرها الفكرة أو الأطروحة المهدوية، ولم يقتصر الأمر على الشعوب المتدينة أو التي نشأت الفكرة لديها عن طريق الاعتقاد الديني.
بل إن الكثير من الملحدين والمنكرين للوجود الإلهي، آمنوا بهذه الفكرة وكذلك الفلاسفة والكتاب والعلماء وخاصة من أهل الغرب.
فقد صرح عباقرة الغرب وفلاسفته بان العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الأمور ويوحد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد.
منهم الفيلسوف الانكليزي الشهير برتراندراسل قال (إن العالم في انتظار مصلح يوحد العالم تحت علم واحد وشعار واحد).
ومنهم العلامة اينشتاين صاحب النظرية النسبية، قال (ان اليوم الذي يسود العالم كله الصلح والصفاء ويكون الناس متحابين متآخين ليس ببعيد. (٤١)
وكذلك الفيلسوف الانكليزي برنارد شو بشر بمجيء المصلح في كتابه (الإنسان والسوبرمان) (٤٢).
ومنهم أيضاً مينا جرجس إن العلامات التي ذكرها الرب في الإنجيل تبدو واضحة بأكثر جلاء هذه الأيام وأصبحنا نعيشها كلها..... كما انه لا توجد علامة من تلك العلامات التي ذكرها الرب في الإنجيل إلا ونراها واضحة هذه الأيام، الأمر الذي يدعونا أن نكون في حالة استعداد قصوى لاستقبال الرب الآتي على سحب السماء (٤٣).
إذاً فاصل الفكرة ثابت عند جميع شعوب العالم ولا وجود للشك فيه وان كان هناك اختلاف في شيء ما، فمرده إلى الاختلاف في ثقافة الشعوب نفسها، إذ أن كل شعب يدعي أن المنقذ سوف يكون منه، أو كل شعب يرى أن قائده هو الذي سيخلصه في نهاية المطاف من الظلم وبغض النظر أيضاً عن كون هذا الشعب موحِداً أم لا.
المنقذ العالمي في الأديان الثلاث:
تكاد تكون فكرة المنقذ أو المصلح العالمي واضحة المعالم وبشكل بارز في الديانات الثلاث الرئيسية (اليهودية والمسيحية والإسلام).
وان الدين الإسلامي قد انفرد - باعتباره خاتم الأديان والشرائع - بكونه يعطي الصورة الحقيقية والواضحة بكل أبعادها عن المصلح العالمي، بل حتى انه يسميه ويذكر نسبه واصله وصفاته وحركته وغيرها.
ولكن مع ذلك نجد إن بعض أجزاء هذه الصورة أو مركباتها قد سبق أن ظهرت في الديانتين السابقتين (اليهودية والمسيحية)، ومع كل ما جرى على الكتابين المقدسين (التوراة والإنجيل) من تحريف وتزوير ودس وحذف وإضافة، لكي يناسب أذواق الأحبار والرهبان، إلا إننا نجد بعض الخيوط والإشارات متبقية هنا أو هناك في هذين الكتابين تشير وبشكل واضح إلى المصلح العالمي.
فاليهودية تؤمن بوجود منقذ ومخلص يظهر في (جبل صهيون) وقد جاءت البشارة من سفر اشعيا لتشير إلى هذا المعنى:
ستخرج بقية من القدس من (جبل صهيون).
غيرة رب الجنود ستصنع هذا.
وكما ورد التأكيد على هذا المعنى في سفر (زكريا)
ابتهجي كثيرا يا بنت صهيون.
هو ذا ملكك سيأتي إليك.
عادل منصور.
نجد في هذه البشارة التأكيد على مجيء المنقذ في المستقبل. (٤٤)
هذه الإشارات وغيرها كثير نراها بوضوح موجودة ويؤمن بها اليهود، وهم يؤمنون بعودة عزير (عليه السلام).
وبغض النظر عن مناقشة صحة ما ورد من تفصيلات في هذه العقيدة عند اليهود، إلا إن المقدار الثابت هو أنها فكرة متأصلة في تراثهم الديني وبقوة بالغة مكنت اليهود - من خلال تحريف تفصيلاتها ومصاديقها - أن تقيم على أساسها تحركا استراتيجيا طويل المدى وطويل النفس، استقطبت له الطاقات اليهودية المتباينة الأفكار والاتجاهات - ونجحت في تجميع جهودها وتحريكها باتجاه تحقيق ما صوره قادة اليهودية لأتباعهم بأنه مصداق التمهيد لظهور المنقذ الموعود. (٤٥)
أما المسيحيون فان إيمانهم برجوع المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام)، وانه هو المنقذ فهو من الواضحات التي لا تحتاج إلى دليل، بل إننا نجدها واضحة على السنة كتابهم ومثقفيهم وعلمائهم واضحة جلية كما أشرنا إليها سابقا.
وفي الإسلام فان فكرة المصلح العالمي من البديهيات لدى جميع المسلمين ولا نكاد نرى منكر إلا من بعض الكتاب في العصر الحديث (كأحمد أمين) ويرجع اسبب في ذلك إلى تأثرهم بالمستشرقين، مثل جولدزيهر المجري في كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام) حيث وصفها بأنها من الأساطير ذات الجذور غير الإسلامية لكنه قال أيضا باتفاق كلمة الأديان عليها. (٤٦)
وما عدا ذلك فان الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة قد دلت بوضوح وبشكل لا يدعو إلى الريب أو الشك إن المنتظر والمنقذ الإسلامي العالمي سيظهر في آخر الزمان لكي يقيم الحق والقسط ويوحد العالم.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾. الأنبياء ١٠٥.
وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾. النور ٥٥.
وقال عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ الصف ٩.
أما الأحاديث النبوية الشريفة فهي متواترة وكثيرة، فقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):
والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب (٤٧).
وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال سيكون بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك جبابرة ثم يخرج المهدي (عجّل الله فرجه) من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. (٤٨)
فهذه الأحاديث وغيرها دليل على ثبوت الفكرة المهدوية وفكرة المصلح العالمي عند المسلمين، وفي ذلك يقول ابن خلدون اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الاعصار، انه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى الهدي. (٤٩)
لذلك نرى أن المسلمين في كل مكان في شوق كبير وعظيم ليوم الظهور المقدس، فكلما زادت التحديات وازدادت قوى الظلم الغربية بطشا وتنكيلا بالشعوب الإسلامية، ازداد معها الإيمان بقرب الظهور المبارك وانتصار المسلمين، وإظهار الإسلام بحقيقته على يدي الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه).
الركائز الأساسية لعالمية الفكرة المهدوية:
إن فكرة المنتظر والمصلح العالمي أو المهدي المنتظر وحكومته العالمية في دولة الحق الإلهية تنطلق من أساسين متينين رئيسيين يمثلان القاعدة الرئيسية والحقيقية لعالمية الأطروحة المهدوية:
أطروحة إلهية:
إن أطروحة المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) هي أطروحة إلهية، لأنها تمثل إرادة الله عز وجل في الوصول بالإنسان - هذا المخلوق الأرضي الذي كرمه الله عز وجل على سائر الموجودات - إلى درجات الكمال والرقي في جميع المجالات الروحية والمادية من خلال قيادة موحدة لجميع شعوب الأرض في دولة واحدة عظيمة تدين بدين واحد هو الإسلام، وما هدف إرسال الرسل والأنبياء إلا هذا الأمر والذي وعد الله عز وجل في كتابه الكريم بأنه سينجزه لعباده لا محالة في كثير من الآيات المباركة.
قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
وقال تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.....﴾.
وإلا إذا لم تظهر هذه الدولة وتتوحد الشعوب وتوحد الله عز وجل، ويتم القضاء على الفساد والجور والطواغيت، فما هي الفائدة من بعثة الأنبياء والرسل وإنزال الكتب السماوية، إذ سيكون الأمر كله عبثا ولهوا، وحاشا الله عز وجل أن يفعل هذا، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾.
ضرورة إنسانية:
إن جميع الشعوب والقبائل والحضارات كانت وما تزال تؤمن بوجود مصلح عالمي يظهر لكي يوحد البشرية جمعاء تحت لوائه وحكومته فيزيل كل الحواجز والمعوقات نحو التوحد ونشر الإخوة بين الشعوب ويزيل كل أنواع الظلم والاستعباد، وهذه الفكرة لا يختص بها شعب دون شعب آخر، ولا يختص بها الدين الإسلامي أو الشعب الإسلامي فقط، وان كان المنتظر الإسلامي هو المصداق الحقيقي والوحيد لمفهوم المصلح العالمي.
عالمية المهدي الإسلامي:
إن عالمية المهدي الإسلامي تنطلق من عالمية الإسلام باعتباره خاتم الأديان والشرائع وكتابه المنزل (القران الكريم) خاتم الكتب السماوية.
فالإسلام دين لكل الشعوب، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ ومن يأت يوم القيامة بغير هذا الدين فلن يقبل منه ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾.
إن الإسلام في عقائده وعباداته وأخلاقه وشرائعه ونظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية رباني بصورة مطلقة من حيث المبادئ الأساسية والقواعد الكلية. (٥٠)
فكل ما جاء به الإسلام من قوانين ونظم وتشريعات وأحكام، هي عالمية صالحة لكل البشر في كل زمان ومكان، وان حدث ما حدث في تاريخ الشعوب الإسلامية من حروب ودمار وخراب وتأخر فليس مرده إلى قصور في الدين الإسلامي بل إلى تقصير في المسلمين أنفسهم فهم لم يستوعبوا التشريع الإسلامي بكامل حدوده وأطره.
والفكرة المهدوية الإسلامية تعد من ركائز الدين الإسلامي العقائدية، إذ أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة أشارت بوضوح إلى ذلك، والمهدي الإسلامي ضرورة لابد منها من اجل إكمال مسيرة الخط الرسالي للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فخاتم الأنبياء قد رحل إلى دار البقاء ولم يتحقق معه الهدف الأكبر من نشر الرسالة المحمدية في جميع بلاد الأرض، وهذا الهدف سيبقى منوطا بظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
وجميع الفرق الإسلامية تتفق على ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في آخر الزمان، وانه لابد من ظهوره وقيام الدولة الإسلامية العظيمة وجعل الإسلام الدين الوحيد الذي تدين به البشرية ويوحد الله عز وجل أهل الشرق وأهل الغرب، حتى لا يبقى على الأرض مشرك.
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ الفتح ٢٨.
وقال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ التوبة ٣٢-٣٣.
وقال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ النور٥٥.
فهذه الآيات وغيرها تشير بوضوح إلى الوعد الإلهي للمؤمنين باستخلاف الأرض وإظهار الدين الإسلامي في جميع أرجاء المعمورة.
وقد بشر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وانه من أهل البيت (عليهم السلام)، وبالخصوص من ولد فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، وانه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): أبشركم بالمهدي، يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما. (٥١)
وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي، وحجج الله على أمتي بعدي، المقر بهم مؤمن والمنكر لهم كافر. (٥٢)
وقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): إني تارك فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما بعدي لن تضلوا: كتاب الله وعترتي، وإنما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
وكان أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير من عرفهم النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأمر من الله تعالى لقيادة الأمة من بعده. (٥٣)
فإذا كان الدين الإسلامي خاتم الأديان فان مهديه هو من سيحكم الأرض ويوحد العالم، وينشر القسط والعدل، وأي ادعاء غير ذلك فهو باطل لان جميع الأديان السابقة قد نسخها الدين الإسلامي، فلا يؤخذ بها، ولا يؤخذ بشيء مما يدعيه أتباعها.
وأما أهل الإلحاد والكفر كالبوذيين والمجوس وغيرهم، فان بطلان عقائدهم وادعاءاتهم واضح لا يحتاج إلى دليل.
والمشروع الإسلامي المهدوي مشروع متكامل من جميع نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، بل حتى الروحية منها.
وإذا كانت الظروف والأوضاع لم تساعد على إقامة الدولة الإسلامية العالمية فإنها ستكون مؤاتية في عهد الظهور بلا معوقات ولا عراقيل وخصوصا بعد فشل الأطروحات غير الإسلامية وفشل الحكومات السابقة للظهور في إقامة الدولة الموحدة. (٥٤)
ان دولة الحق الإلهي بقيادة الإمام المهدي(عجّل الله فرجه) سوف تظهر للوجود بعد أن تصل البشرية إلى مرحلة اليأس من جميع القوانين الوضعية والتي لن تحقق له إلا الشقاء والعناء والقهر، عند ذلك يبدأ الناس يلهجون بذكر المهدي(عجّل الله فرجه)، وينادون باسمه لكي يخلصهم مما هم فيه من ظلم واستبداد، فيبدأ تحركه المبارك، لذلك فان:
الخطوة الأولى في توحيد العالم والمجتمع البشري هو إيمان الأديان جميعا بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، والدخول تحت رايته ذلك أن الدعوة لدمج العالم ليست دعوة حديثة بل إنها ارتبطت تاريخيا بالديانات السماوية القديمة، لقد انطلقت هذه الديانات من فكرة وحدة البشرية أمام الخالق وبالتالي فان الجوهر بالنسبة لكل الديانات هو دعوة الشعوب والأمم للتقارب والتكامل تحت راية الإيمان بوجود رب واحد وخالق واحد وقيم وقناعات ومسلمات مشتركة تحكم السلوك الإنساني في كل أنحاء العالم. (٥٥)
ثم يبدأ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) رحلته العظيمة في السير بالبشرية نحو التكامل والرقي والسعادة من خلال بناء المجتمع الموحد المتكامل فيدعو الشعوب إلى التوحد تحت رايته ويعطيهم الأدلة على عالمية قيادته وشموليتها، فيخرج لليهود التوراة، وينزل عيسى (عليه السلام) فيدعو المسيحيين للإيمان بالمهدي (عجّل الله فرجه)، والدخول في الإسلام وتنقاد له الأمة الإسلامية لأنه هو القائد الحقيقي الذي سيبعث الأمة من سباتها العميق فيحيي معالم الدين الإسلامي وسنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فيدين له القاصي والداني، والى ذلك يشير القران الكريم في قوله تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾ آل عمران٨٣
وكذلك قول الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم): والذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب. (٥٦)
أهداف المهدوية ونتائجها:
لم يعد المهدي (عجّل الله فرجه) فكرة ننتظر ولادتها، ونبؤه نتطلع إلى مصداقها بل واقعا قائما ننتظر فاعليته وإنسانا معينا يعيش بيننا بلحمه ودمه ونراه ويرانا ن ويعيش آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمد يده إلى كل مظلوم وكل محروم وكل يائس ويقطع دابر الظالمين. (٥٧)
والمهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) يمثل حل لجميع معاناة الشعوب المحرومة، ويمثل الحل الإلهي لمشكلة الحكم الجائر والتسلط المزمنة في تاريخ البشرية، إذ إن كل ما جرى ويجري من ظلامات مرده إلى جور الحكام وفسادهم.
وقد أكد ذلك القران الكريم فهو:
يرفض بشدة النظرة العبثية إلى التاريخ ويشدد على وجود قواعد ثابتة لمسيرة الأمم والجماعات فيقول: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ فاطر ٤٣.. (٥٨)
فالسنة الإلهية تقتضي انتصار الحق على الشر، وزوال ملك الجبابرة وانتصار المستضعفين والمحرومين.
وانه لابد لكل فرعون من موسى، والمهدي (عجّل الله فرجه) يمثل آخر حلقة من حلقات الصراع بين قوى الخير والشر فهو المجتث لأصول الظالمين والكافرين.
فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال دولتنا آخر الدول ولم يبق أهل بيت - لهم دولة - إلا ملكوا قبلنا - لئلا يقولوا - إذا راؤا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عز وجل (والعقبة للمتقين). (٥٩)
إن هدف الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) هو نشر العدل والمساواة وتحقيق الأمن والسعادة لجميع الشعوب إن العالم البشري الذي يتخبط في أزماته وحروبه وان العولمة تسير في الاتجاه المعاكس لتحقيق السعادة البشرية، دليل على أن العدالة حلم بشري تحن لتحقيقه، ومن هنا فان هذا الحلم البشري لا يتحقق إلا عند ظهور المنتظر الذي يحمل راية نشر العدل والقضاء على الظلم. (٦٠)
ويمكن أن نوجز مظاهر الدولة العالمية المهدوية بما يأتي:
انتصار الحق والتقوى والعدل والحرية على الظلم والدجل والاستكبار والاستعباد.
عمران الأرض بحيث لا تبقى بقعة غير عامرة.
بلوغ البشرية حد النضج والتكامل يلتزم فيه الإنسان طريق العقل والعقيدة.
قيام حكومة عالمية موحدة. (٦١)
القضاء على أعداء الإسلام وحكام الجور.
وحدة العقيدة والفكر. (٦٢)
بسط الأمن وانتهاء الحروب والنزاعات.
إن هذه المظاهر للدولة المهدوية بالتأكيد سوف تأتي ثمارها على جميع الأصعدة، فمن أبرز أهدافه (عليه السلام) هو القضاء على الظالمين والمستكبرين الذين أذاقوا شعوبهم كل أنواع العذاب، فعن الصادق (عليه السلام) ان القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض وتظهر الكنوز كلها ويظهر الله به دينه ولو كره المشركون. (٦٣)
وفي عهده (عليه السلام) تنعم شعوب الأرض نعمة عظيمة لا مثيل لها، إذ تؤتي الأرض خيراتها وتمطر السماء مدرارا، وتصفو الدنيا لأهلها، فعن الإمام علي (عليه السلام) لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء مطرها ولأخرجت الأرض نباتها وذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدما إلا على النبات وعلى رأسها مكتلها لا يهيجها سبع ولا تخافه. (٦٤)
ويكون قانون الدولة هو القانون والتشريع الإسلامي، ويطبق كل ما جاء في الإسلام من أحكام ونظم. وبطبيعة الحال فان سعادة الشعوب هو من خلال عدالة القوانين السائدة ودقة تطبيقها.
إن القوانين بشتى أقسامها وأنواعها من جميع جوانبها ومجالاتها تعتبر هي الأداة التوجيهية والجهاز التربوي الذي يسّير المجتمع نحو الفضائل والرذائل ويسوقهم نحو الخير أو الشر.
كما انه (عليه السلام) يصل بالإنسان إلى مرحلة التكامل والنضج العقلي والمعرفي فيزيل ما في عقول الناس من عاهة وما في قلوبهم من أمراض اجتماعية أو نفسية، وسوف تنفتح شعوب الأرض على العوالم الكونية الأخرى التي عجز الإنسان عن الوصول إليها إذ أن نشر العلم والمعرفة واكتمال حلقة التطور التقني على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيجعل الإنسان قادرا على الاتصال بالعوالم الكونية البعيدة عنه.
العولمة والعالمية:
إن العولمة بكل ما تحويه من اطر ومفاهيم وسياسات ما هي إلا نظام استعماري جديد بطرق جديدة أكثر حداثة من خلال استغلال التطور العلمي والتقني.
ونتائجها سوف تكون مأساوية على الشعوب من خلال انتشار الظلم والفقر والحرمان، وما تخلفه الإمراض الاجتماعية من حروب ودمار وخراب.
ودعاة العولمة لن يستطيعوا توحيد العالم تحت قيادتهم، وما تعانيه شعوبهم من مشاكل ومآسي لأكبر دليل على ذلك فهم غير قادرين على إسعاد البشرية بما يطرحونه من أفكار ونظم.
وفي هذا الإطار يقول أحد الأمريكان:
هل تملكون في أفواهكم احتياطيا مناسبا من اللعاب كي تبصقوا على تمثال الحرية بأمريكا، إذ لا حرية سوى حرية الإباحية، فنحن شعب مستعبد لقوى مجهولة تتحكم فينا وفي مصائرنا وتسير بنا إلى حيث تريد هي لا إلى حيث نريد نحن.
وقال آخر: التكنولوجيا لدينا نحن الأمريكان موجهة إلى جهتين لا ثالث لهما، تكنولوجيا تصل ببعض الأمريكان للقمر، وتكنولوجيا تصل بالشق الأعظم من الأمريكان ومن يلوذ بهم إلى مستودع النفايات. (٦٥)
هذا هو باختصار الطريق الذي تسير به العولمة ودعاتها، طريق الخراب والدمار وإضعاف الشعوب واستعمارها.
أما العالمية المهدوية فهدفها واضح وصريح هو هدف الشعوب المحرومة والمستضعفة - لأهدف أصحاب رؤوس الأموال والإقطاعيين - في الحياة الحرة الكريمة العادلة، وفي العيش بأمان من خلال دولة موحدة، فلا حدود ولا فواصل بين بقاع الأرض.
فالمهدوية نظام عالمي متكامل لأنه ينطلق من النظرية الإسلامية ومن التشريع الإسلامي.
فالإسلام يمثل بنظامه المتميز الفريد منهجا متكاملا لتنظيم الحياة عقائديا من حيث علاقة الإنسان مع الله، وقانونيا مع الناس، وسياسيا مع الدولة، واقتصاديا مع العمل، بما يستوعب الحياة كلها وحركتها.
أما العالمية فتعني أن الشريعة الإسلامية في أحكامها ومبادئها وتوجيهها ذات صيغة إنسانية عالمية. (٦٦)
وهذه العالمية الإسلامية هي الامتداد الحقيقي للعالمية المهدوية وقد عرف التاريخ الإنساني أكبر ثورة أخلاقية وتشريعية قام بها الإنسان على وجه الأرض، وهي ثورة النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فنقل العرب من مجتمع البداوة والتصحر إلى مجتمع الحضارة والتقدم والعلم، مجتمع التوحيد والإيمان، من خلال الشريعة الإسلامية.
صراع حضارات أم حوار حضارات
يعرف البعض الحضارة بأنها:
نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي فهي تتكون من أربعة عناصر، المواد الاقتصادية والنظم السياسية والتقاليد الخلقية ومتابعة العلوم والفنون. (٦٧)
أن الغرب يعتقد أن حضارته وما فيها من نظم سياسية واقتصادية واجتماعية تمثل قمة الحضارات الإنسانية وأرقاها، وهي جديرة بان تعمم على جميع حضارات الشعوب بما حققته من أمان وحرية وتقدم لشعوبها.
وأنهم جديرون بقيادة العالم بما يمتلكون من حضارة متقدمة ومتطورة، وما يجري على الساحة الإنسانية من صراع وحروب ما هو إلا نتيجة صراع حضارات قديمة في طريقها إلى الزوال وحضارات حديثة متطورة ناهضة تشق طريقها نحو الأمام.
ولكن هذا الأمر خلاف الحقيقة والواقع البشري الإنساني، فالنظرية الإلهية والإنسانية على حد سواء تؤكدان بان أصل البشرية واحد وحضارته واحدة يتناقلها الأبناء عن الآباء من آدم (عليه السلام) إلى يومنا هذا، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾، وكل الحضارات السابقة ورثتها الحضارة الإسلامية، فلا حضارة سوى الحضارة الإسلامية باقية وستبقى، وما نراه اليوم لدى الغرب ما هو إلا مدنية وتقدم علمي فقط فلا وجود لحضارة حقيقية تستحق أن تقود العالم أو أن يقتدى بها.
مع العلم أن الغرب يحتقر كل الحضارات - باستثناء اليونانية - ولا يقيم لها وزنا، ويدرب إفراده على التعالي والتكبر، كما يصم كل معتز بحضارته بأنه يعادي الغرب وحضارته. (٦٨)
والإسلام يتقبل كل ما لدى الغرب من مدنية وتطور فلا مانع منه، أما ما لديهم من مفاهيم وقيم وعادات غير أخلاقية فانه يرفضها، إذ أنها خلاف التشريع الإلهي والفطرة الإنسانية.
والغرب يعتقد بان الخطر الأساسي الذي يواجهه هو الإسلام، وفي هذا الإطار يقول:
نعوم تشو مسكي: في هذا الجزء من العالم سيكون الإسلام بسبب تأييده المطلق للمقهورين والمظلومين أكثر جاذبية، فهذا الدين المطرد في الانتشار على المستوى العالمي هو الديانة الوحيدة المستعدة للمنازلة والكفاح. (٦٩)
فالغرب يعلم جيدا أن العقيدة الإسلامية شاملة لكل نواحي الحياة وقادرة على اسعاد البشرية إذا ما طبقت قوانينها وتشريعاتها، وفيها الدواء الشافي لكل الامراض الانسانية.
يقول مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية عام ١٩٥٢م ليست الشيوعية خطرا على أوربا فيما يبدو لي، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديدا مباشرا وعنيفا هو الخطر الإسلامي، فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون ان يقيموا بها قواعد عالم جديد دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية وإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نظامه الواسع انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الغني وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الروح الغربية ويقذفون رسالتها إلى متاحف التاريخ. (٧٠)
إن هذا العداء للحضارة الإسلامية متأصل في نفوس هؤلاء، فهم يرون ان كل ما جاء به الإسلام يهدد عروشهم ونظمهم الفاسدة وتطلعاتهم للسيطرة متناسين سنة الله عز وجل في الأرض وتحطيمه للأنوف الظالمين والمستكبرين.
فالحضارة تراث عالمي لا يجوز شطره إلى جزئيين منفصلين، فلا وجود لحضارة شرقية ولا غربية وإنما هناك حضارة عالمية واحدة يجب الإيمان بها والإخلاص لها، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الغرب يريد أن ينكر هذه الحقيقة خصوصا على الحضارة الإسلامية (٧١)
المصادر:
١- أعلام الهدية، المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام).
٢- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق.
٣- كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي.
٤- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب، الشيخ اليزدي الحائري.
٥- الإمام المهدي من المهد الى الظهور، محمد كاظم القزويني.
٦- فلسفتنا، محمد باقر الصدر (قدس سره).
٧- المفاجأة بشراك يا قدس، محمد عيسى داود.
٨- الإسلام مقاصده وخصائصه، د. محمد عقله.
٩- ثقافة أهل البيت (عليهم السلام)، كاظم النصيري الواسطي.
١٠- معالم الحكومة في عهد ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، شهاب الدين حسيني.
١١- أهل البيت في الكتاب المقدس، كاظم النصيري الواسطي.
١٢- الحركة الإصلاحية من الحسين (عليه السلام) إلى المهدي (عجّل الله فرجه)، السيد صدر الدين القبانجي.
١٣- بحث حول المهدي، السيد محمد باقر الصدر (قدس سره).
١٤- تاريخ ابن خلدون.
١٥- نهضة الإمام المهدي في ضوء فلسفة التاريخ، مجموعة كتب إسلامية.
١٦- موقع النبأ، العدد ٣٥، العولمة رؤى ومخاطر، مرتضى معاش.
١٧- موقع النبأ، العدد ٣٩- ٤٠، دولة الإمام المهدي وبدائل العولمة، مرتضى معاش.
١٨- موقع الفسطاط، العرب وتحديات عصر العولمة، د. إبراهيم الابرش.
١٩- موقع البيان، العولمة ومقاومة واستثمار، د. إبراهيم الناصر.
عولمة الرأسمالية ورأسمالية العولمة، احمد عبد الدائم.
العولمة حلقة في تطور آليات السيطرة، خالد ابو الفتوح.
٢٠- بحث البعد الثقافي لمفهوم العولمة وأثره على الثابت والمتغير في الشريعة الإسلامية، ناصر بن سليمان.
تم الاستعانة في إتمام هذا البحث ببعض الأقراص المدمجة والتي تحتوي على بعض المؤلفات والكتب الإسلامية، وكذلك بعض المواقع على شبكة الانترنت.
الهوامش:
(١) عولمة الرأسمالية ورأسمالية العولمة.
(٢) الفسطاط، ص٢٣.
(٣) البعد الثقافي لمفهوم العولمة، ص١.
(٤) عولمة الرأسمالية ورأسمالية العولمة، ص٢.
(٥) المصدر السابق، ص٢.
(٦) البعد الثقافي لمفهوم العولمة، ص١.
(٧) الفسطاط، ص٤.
(٨) النبأ، اعدد ٣٩- ٤٠، ص١.
(٩) العولمة مقاومة واستثمار، ص٣.
(١٠) عولمة الرأسمالية ورأسمالية العولمة، ص٢.
(١١) المصدر السابق، ص٢.
(١٢) العولمة مقاومة واستثمار، ص٧. (حيث أشار التقرير إلى وجود ٦٢ شركة في اليابان، ٥٣ شركة في أمريكا، ٢٣ شركة في ألمانيا، ١٩ شركة في فرنسا، ١١ شركة في بريطانيا، ٨ في سويسرا، ٦ في كوريا الجنوبية، ٥ في ايطاليا، ٤ في هولندا وهذه الشركات تحتكر ٨٠ % من التجارة العالمية.
(١٣) البعد الثقافي لمفهوم العولمة، ص٦.
(١٤) النبأ، العدد ٣٥، ص٣.
(١٥) العولمة مقاومة واستثمار، ص٦.
(١٦) المصدر السابق، ص٢.
(١٧) العولمة حلقة في تطور آليات السيطرة، ص٣.
(١٨) البعد الثقافي لمفهوم العولمة، ص٩-١٠.
(١٩) العولمة حلقة في تطور آليات السيطرة، ص١.
(٢٠) عولمة الرأسمالية ورأسمالية العولمة، ص٣.
(٢١) فلسفتنا، محمد باقر الصدر، ص٣٣.
(٢٢) العولمة مقاومة واستثمار، إبراهيم الناصر، ص٨.
(٢٣) ثقافة اهل البيت، ص١٧٢.
(٢٤) العولمة مقاومة واستثمار، ص٣.
(٢٥) العولمة مقاومة وتفاعل، ص١، عن فخ العولمة ص٤٩.
(٢٦) البعد الثقافي لمفهوم العولمة، ص٧.
(٢٧) المصدر السابق، ص٦.
(٢٨) فلسفتنا، محمد باقر الصدر، ص٦١.
(٢٩) عولمة الرأسمالية ورأسمالية العولمة، ص٢.
(٣٠) العولمة مقاومة واستثمار، ص٨.
(٣١) فلسفتنا، محمد باقر الصدر، ص٣٤.
(٣٢) النبأ، العدد ٣٥، ص٢.
(٣٣) العولمة حلقة في تطور آليات السيطرة، ص٤.
(٣٤) النبأ، العدد ٣٩ - ٤٠، ص٢.
(٣٥) الفسطاط، ص٩.
(٣٦) فلسفتنا، محمد باقر الصدر، ص٥٣.
(٣٧) عولمة الرأسمالية ورأسمالية العولمة، ص٦.
(٣٨) الحركة الإصلاحية، السيد صدر الدين القبانجي، ص١٢٢.
(٣٩) بحث حول المهدي، محمد باقر الصدر، ص٧.
(٤٠) معالم الحكومة، ص٤٦.
(٤١) أهل البيت في الكتاب المقدس، ص١٢٧.
(٤٢) معالم الحكومة، ص٤٨.
(٤٣) المصدر السابق، ص٤٩.
(٤٤) أهل البيت في الكتاب المقدس، ص١١١-١١٣، بتصرف.
(٤٥) أعلام الهداية، ص٢٤.
(٤٦) المصدر السابق، ص٢٢، بتصرف.
(٤٧) معالم الحكومة، ص١٠٦.
(٤٨) إلزام الناصب، ص٤٤١.
(٤٩) تاريخ ابن خلدون، ١: ٥٥٥ / الفصل ٥٢.
(٥٠) الإسلام مقاصده وخصائصه، ص٢٤.
(٥١) إلزام الناصب، ص٤٤٠.
(٥٢) كمال الدين، ص٢٤٧.
(٥٣) أعلام الهداية، ص١٢.
(٥٤) معالم الحكومة، ص١٠٤.
(٥٥) النبأ، ص٩.
(٥٦) معالم الحكومة، ص١٠٦.
(٥٧) أعلام الهداية، ص٥١.
(٥٨) نهضة المهدي، ص٣٩.
(٥٩) كتاب الغيبة، الشيخ الطوسي، ص٣٨٢.
(٦٠) النبأ، العدد ٣٩ - ٤٠، ص١٠.
(٦١) نهضة المهدي، ص٨٢.
(٦٢) معالم الحكومة، ص١٠٤.
(٦٣) معالم الحكومة، ص١٤٨.
(٦٤) الإمام المهدي من المهد إلى الظهور، ص١٣٩.
(٦٥) المفاجأة بشراك يا قدس، ص٣١.
(٦٦) الإسلام مقاصده وخصائصه، ص٣٨.
(٦٧) ثقافة اهل البيت (عليهم السلام)، ص١٣.
(٦٨) المصدر السابق، ص١٣.
(٦٩) النبأ، العدد ٣٩-٤٠، ص٨.
(٧٠) ثقافة أهل البيت (عليهم السلام)، ص١٥٢.
(٧١) المصدر السابق، ص١٤.