لماذا الإنكار في ظل عمليات التجديد الخلوي
الدكتور عاصم فهيم محمد
مع تطور أدوات البحث العلمي وبزوغ عصر المعارف الكونية، أصبح العلماء لا يندفعون وراء فكرة علمية إلّا بعد التأكد التام من إمكانية تحققها بنسبة كبيرة.
وفكرة الخلود وإطالة عمر الإنسان فكرة طالما راودت حلم البشر وداعبت خيالهم، وإنْ اختلف التعبير عنها، وها هو آدم (عليه السلام) يراوده إبليس ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى﴾ (طه: ١٢٠)، والمعروف أن آدم (عليه السلام) كان في المُلك الذي لا يبلى ومتمتعاً بالخلود!
ولا شك أن الخلاف حول الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بين المسلمين يدور بين عدم مولده وبين مولده وطول عمره حتى الآن، بينما أنكر آخرون المسألة كلياً.
وبالتفاتة بسيطة إلى الديانات السابقة نجد أن مسألة انتظار المخلّص أو المهدي موجودة، فاليهود مازالوا ينتظرون المسيح الحقيقي بعد إنكارهم عيسى (عليه السلام)، بينما يقطع المسيحيون بمولده ورفعه إلى السماء، والغريب أن القرآن جاء لينتصر إلى الطرح الذي يبدو الأضعف في الحجّية فأقرّ بالمولد ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ (مريم: ٣٣)، والرفع ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾ (النساء: ١٥٨).
الأدلة العلمية على إمكانية إطالة العمر:
في مقالة علمية حديثة أثبت العلماء أنه أمكن إطالة أعمار الفطريات والديدان إلى ما يوازي مائة، إلى مائة وعشرة أعوام من عمر الإنسان، ومازالت التجارب مستمرة على الفئران.
ولوحظ أن الفئران تطول أعمارها بنسبة (٥٠%) عن الطبيعي باتِّباع تغذية منخفضة السعرات الحرارية.
وتمكن العلماء أيضاً في تجربة أخرى مستقلة من التحكم في جين إطالة العمر لذبابة الفاكهة والذي يعتبر شديد الشبه بالجين الآدمي (جين أندى)، وتمكن العلماء أيضاً من إطالة أعمار سبعة نماذج من الفئران البيضاء المعالجة وراثياً والمعدَّة لمثل هذه التجارب ، وخلال شهر يوليو (٢٠٠٥م) اهتزت الأوساط العلمية المهتمة بأبحاث إطالة الأعمار بخبر نشر في الـ(cnn) العلمية - قسم الصحة - حيث أعلن العالم (دى جراى) أنه بحلول عام (٢٠٢٠م) سيكون من الممكن علمياً إطالة عمر البشر ببضع مئات من السنين من خلال التحكم في الجينات الوراثية المسؤولة عن ذلك. واستطاع الباحثون بجامعة سياتل الأمريكية، قسم أبحاث تقدم العمر أن يطيلوا أعمار فئران التجارب بمقدار خمسة أضعاف وذلك بإزالة السموم الخلوية .
ولقد نجح العلماء أيضاً في تقنية تبديل الأعضاء والتي تتيح حياة أطول للفئران ، وهذه التقنية تعتمد على تقنية الخلايا الجذعية والتي تتيح استبدال الأعضاء التالفة أو المريضة في الكائن الحي.
وموضوع الخلايا الجذعية - والتي اعتبرت ثورة علمية في الآونة الخيرة - قد فتح باباً آخر أمام العلماء، حيث تستطيع الخلايا الجذعية (خلايا - جنينية وغير جنينية - غير متخصصة) أن تعوض أو تستبدل أي نوع من الخلايا الجسدية، مما يعني مدّ حياة الخلايا إلى أمد بعيد.
وعلى المستوى المحلي، نشرت جريدة المساء القاهرية بتاريخ ٢٨/٨/٢٠٠٥ مقالاً عن اكتشاف العلماء لهرمون يطيل العمر في الإنسان.
ولا نستطيع أن نغفل جهود العلماء الروس في الأبحاث المتعلقة بالحياة المعلقة، والمغزى منها وضع الإنسان في حالة ثبات لمواجهة الرحلات الطويلة في الفضاء الخارجي (بما يشبه السبات الشتوي أو الكمون الصيفي عند الحيوانات)، ولسرية هذه الأبحاث فإن المعروف عنها قليل.
الحقيقة أن المهتم بهذا المجال يجد على شبكة الانترنت العلمية - وبدون مبالغة - مئات الأبحاث التي تدور حول هذا الموضوع، مما يعني أن الأمر ليس عبثاً فكرياً ولا خيالاً علمياً، بل منظومة بحثية تعمل جاهدة للوصول إلى نتائج في أمر جائز عقلاً لتحقيق حلم قديم (طول العمر).
لقد توصل العلماء إلى تحديد الجين الوراثي المسؤول عن التحكّم في إطالة عمر الخلية الحية في الفئران، وأيضاً حددوا الإنزيم الوراثي الذي يقوم بالدور الأساسي في هذه العملية، ما يعرف بقص جزء من الحامض النووي المسؤول عن التجديد الخلوي، حيث إن إطالة عمر الكائن الحي هو ببساطة استمرار عملية التجديد الخلوي، وأنّ توقّف التجدد في الخلية الحية يعني الموت.
مما سبق يتَّضح لنا - وبدون لبس - أن البشرية على عتبة تحقيق إنجاز علمي غير مسبوق، وهو (تمديد عمر الإنسان).
وهذا ما يستطيعه البشر للبشر، فكيف بربّ البشر؟ ألا يستطيع أن يطيل عمر إنسان إلى ما يشاء وكيف يشاء بسبب وبدون سبب؟ إن كان الأمر جائزاً لمحدودي القدرة ألا وهم البشر، فلماذا يُنكَر ذلك على صاحب القدرة المطلقة؟ أليس هو الفعّال لما يريد؟ وأمره بين الكاف والنون كن فيكون.
ومما لا شك فيه أن التاريخ البشري يذكر الكثير من البشر طالت أعمارهم في أزمان مختلفة وبمدد زمنية خارجة عن المعدلات الطبيعية، أمّا نوح (عليه السلام) ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ﴾ (العنكبوت: ١٤) فلبث يدعو قومه (٩٥٠) سنة، والغالب أن الأنبياء يصدعون بالدعوة بعد بلوغ الرشد والاستواء - أي بعد الأربعين - في حالة كون أعمارهم حول الستين. فبالقياس يكون عمر نوح (عليه السلام) قد جاوز الألفين وخمسة عام.
ثم أليس إبليس عدو الله مُنظَراً وطويل العمر؟ أيمدّ لعدوّه ولا يمدّ لوليّه؟ والكون كلّه مبني على التقابل، ليل ونهار، صحة ومرض، قبض وبسط، شر وخير، أيبقي الله رمز الشر - ولا نراه - ولا يبقي رمز الخير؟! وأخيراً أجمعت الأُمة على حياة عيسى (عليه السلام) في السماء وهو المرتبط بظهور المهدي (عجّل الله فرجه) وهو حي ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾ (النساء: ١٥٨).
إن منظومة معركة آخر الزمان (هرمجدون) مبنية على ثلاث شخصيات رئيسية: الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وعيسى (عليه السلام) والمسيخ الكاذب (الدجال)، والغريب أن الشخصية الثانية والثالثة في هذه المعركة لا يوجد خلاف على بقائهم أحياء حتى هذه اللحظة، فلما الإنكار على حياة الشخصية الأولى والأساسية في هذه المعركة؟