آفاق مهدوية - الصيحة والنداء
حسن عبد الأمير الظالمي
جاءت لفظة الصيحة من السماء أو النداء السماوي في عدة روايات نذكر منها حديث المفضل عن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: «إذا طلعت الشمس وأضاء الصباح صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمعه من في السماوات والأرض: يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويسميه باسمه واسم جده ويكنيه وينسبه إلى أبيه الحادي عشر، بايعوه تهتدوا».
هنا الصائح الذي يصيح في السماء هو جبرئيل (عليه السلام) كما يحدثنا الإمام الباقر (عليه السلام) فيقول: «الصيحة لا تكون إلّا في شهر رمضان وهي صيحة جبرئيل بهذا الخلق».
وواضح أن الصيحة تكون في شهر رمضان وفي أشرف ليلة منه وهي ليلة الثالث والعشرين، عن الإمام الباقر (عليه السلام) يقول: «الصوت في شهر رمضان في ليلة الجمعة ثلاث وعشرين منه، فلا تشكّو في ذلك واسمعوا وأطيعوا».
وربما وردت الصيحة باسم النداء السماوي، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «يكون النداء ليلة الجمعة ثلاث وعشرين من شهر رمضان أول النهار».
لقد ذكرت الروايات ما يقوله جبرئيل في ندائه بعبارات مختلفة، لكنها جميعاً تدعو إلى معنى واحد، فقد وردت الروايات عن:
١ - الإمام الصادق (عليه السلام): «يقول جبرئيل: يا معشر الخلائق هذا مهدي آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بايعوه تهتدوا».
٢ - الإمام الرضا (عليه السلام): «يقول جبرئيل: ألا إن حجة الله (عليه السلام) قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه».
وهذه الروايات يكاد يكون فحواها واحداً، هو أن جبرئيل (عليه السلام) ينادي أول النهار: «بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِل إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ يا معشر الخلائق إن الحق مع علي (عليه السلام) وشيعته وأنهم هم الفائزون، هذا مهدي آل محمد خارج من أرض مكة فأجيبوه وبايعوه تهتدوا، فإن الحق معه وفيه» ولا تضاد في فحوى هذه الروايات.
أمّا اللغة التي يتكلم بها جبرئيل (عليه السلام) بهذا النداء، فهي اللغة العربية: فقد ورد في رواية المفضل عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يصيح صائح بالخلائق بلسان عربي مبين، وهو يسمع العالم أجمع بهذا الصوت، فكل قوم يسمعونه بلسانهم ولغتهم»، ففي رواية زرارة عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «ينادي منادٍ باسم القائم يُسمعُ كل قوم بلسانهم».
هنا تتضح لنا لغة النداء السماوي الذي ينادي به جبرئيل (عليه السلام) في السماء وهو ليس كباقي الأصوات التي تطلقها الفضائيات وشبكات الأخبار عبر الفضاء، فهو صوت رهيب مفزع له تأثير واضح على الناس لشدة وقعه وتأثيره فيهم، وذلك ما نفهمه من مضمون الرواية الآتية: عن ابن مسعود عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «إذا كانت صيحة في شهر رمضان فتكون هدّة توقظ النائم وتخرج العواتق من خدورهن».
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «فلا يبقى شيء مما خلق الله فيه روح إلّا ويسمع الصيحة، فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره وتخرج العذراء من خدرها، وهي صيحة جبرئيل».
وفي هاتين الروايتين بيان واضح على شدة الصيحة وقوة النداء الذي يسمعه كل شخص في الأرض. وقد أسمتها بعض الروايات بالفزعة التي توقظ النائم وتفزع اليقظان لشدتها، وتفقد العذراء رشدها فتخرج من الدار.
كيف يستقبل أهل الأرض هذا النداء؟
تفيد الروايات أن المستضعفين في الأرض يستبشرون بهذا النداء ويتحدثون به، قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «كأني بهم أسرّ ما يكونون وقد نودوا نداءً يسمعه من قرب ومن بعد».
أمّا رد الفعل المعادي فهو صوت إبليس ينادي بنداء آخر، تقول الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): «صوت في آخر النهار وهو صوت إبليس اللعين ينادي: ألا إن فلاناً قتل مظلوماً». ويمكن لنا أن نحمل كلمة إبليس الواردة في الروايات على معناها الحقيقي الوارد في القرآن بمقتضى أصالة الحقيقة.
ولا شك أن هذا الصوت يترك دوياً هائلاً في الأرض تتحدث به الدنيا جميعاً وتبعث أنظمة الضلال رجالها للبحث عنه (عجّل الله فرجه) تراقب ظهوره ونشاطه، ويكون الإمام (عجّل الله فرجه) ساعة النداء في المدينة، ثم يخرج متخفياً إلى مكة ويكون عند واد قرب جبل رضوى حيث يجتمع إليه أصحابه بانتظار يوم ١٠محرم الذي سيكون يوم ظهوره المقدس - إن شاء الله -.