المهدوية في الفكر الإسلامي
السيد ثامر هاشم حبيب العميدي
امتازت مسألة المهدوية في الفكر الإسلامي بأصالتها الدينية، وعمق حقيقتها التاريخية، وثبات أساسها، ومتانة حجتها، وحركتها في وجدان الأُمة، لما تختزنه من فلسفة قادرة على العمل المبدع الصالح، وتهذيب النفوس بالورع ومحاسن الأخلاق، وبناء المجتمع بناء إسلامياً، والتخطيط لمستقبله بوعي وإدراك بما يناسب حجم اللقاء المرتقب مع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في يومه الموعود.
ولكون العقيدة المهدوية واضحة مشخصة في عقل الأُمة ووعيه صار انتظار المؤمنين لليوم الموعود لظهور مهدي الحق، مهدي آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مواكباً لأنفاسهم؛ لأنهم ليسوا بانتظار حلم من أحلام اليقظة، بل بانتظار حقيقة من حقائق الإسلام الكبرى التي عرفتها الأديان السماوية كلها، وبشّر بها نبي الرحمة (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأكدها أهل بيته الأطهار (عليهم السلام) بكل قوة، مع التركيز المستمر على مصداقها الخارجي، وتفصيل هويته ببيان اسمه وكنيته ونسبه الشريف بمنتهى الدقة.
ومع كل هذا الوضوح في هوية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وتعاقب الأجيال على تلك العقيدة، وتراكم المؤلفات في بيان أدلتها تفصيلاً، بقيت طوائف من الأُمة تقول بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان! وأنكر شذاذ - من هنا وهناك - المهدوية جملة وتفصيلاً، معللين ذلك باستلزامها الانهزام من الواقع، والانعزال عن الحياة، والانسحاب عن مشاكل الأُمة!
هذا في الوقت الذي يرى فيه يقظة عقول المؤمنين بتلك العقيدة، وتحركهم الواعي المدروس، وانتظارهم المثمر للجهاد الأكبر من خلال الالتزام بعرى الإيمان الوثيقة، وإقامة شعائر الدين الحنيف، وتحمل المسؤولية الكاملة في تحقيق ما أراده الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أن يكون بناء الإنسان والحياة بشكل أفضل.
والواقع أن العقيدة بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان لا تمتلك رصيداً علمياً، وليس لها أي سند معتبر أصلاً، ولهذا فقدت أي حس ديني، وعاشت الخواء الفكري في نفسها، وبقيت تدور في فلك الاتجاهات الدخيلة التي نمت ضمن نطاق إسلامي مميز قد احتضنها، وغذّاها بطائفيته وصبغها بألوان من الزيف والخداع.
وهكذا صار الإيمان بمهدي مجهول يخلقه الله في آخر الزمان كإنكار أصل القضية جملة وتفصيلاً؛ لأنهما - في النتيجة - سيان.
وعلى الرغم من دعاية هذا الاتجاه المزيفة، المخادعة والكاذبة قد فقدت مبررات إثارتها من جديد، إذ لا انسجام لها مع واقع القرآن والسنة النبوية، ولا مع الفكر الإسلامي الأصيل، كذلك تقاطعها مع التاريخ الإسلامي بكل وثائقه ومستنداته، فضلاً عن منافاتها لشهادات أعلام الأُمة، الذين أفاضوا - منذ أقدم العصور وإلى الوقت الراهن - بكتابات سديدة وكثيرة بهذا الشأن تفصيلاً.
على الرغم من كل ذلك، برزت بقايا من تلك الاتجاهات الدخيلة على الفكر الإسلامي، لتحاول عبثاً الوقوف بوجه الصحوة الإسلامية المعاصرة، لتنال منها من خلال التطاول الغبي على عقيدتها بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
إن الواقعية التي عاشتها أجيال الأُمة مع المهدوية الحقة في التاريخ، وانعكاساتها على مسرح الحياة المعاصرة في الفكر والسلوك والعقيدة حتى بلغت الذروة في نفوس أتباعها، لن تخنق مبدأها أكذوبة.
وإذا كان الافتراء أعجز من أن يقتل ولو مجرد فكرة، لأنه زبد، فيكف له أن يحجب - بطرقة من الغش والتضليل - ما ينفع الناس في حاضرهم ومستقبلهم، والله تعالى يقول: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾.