الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٦٥١) البصيرة الأخلاقية في عصر الظهور - (الآليات والأساليب)
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٦٥١) البصيرة الأخلاقية في عصر الظهور - (الآليات والأساليب)

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: رحيم كارگر تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٣/١٢ المشاهدات المشاهدات: ٤٣٧٩ التعليقات التعليقات: ٠

البصيرة الأخلاقية في عصر الظهور - (الآليات والأساليب)

بقلم: رحيم كارگر
تعريب: حسن مطر

المدخل:
إنَّ التحقيق في كلِّ مشـروع، والوصول إلى كلِّ هدف يحتاج إلى انتهاج أساليبه وآلياته، وإنَّ البحث غير المنهجي أو توظيف آلية غير مناسبة، سيُحدِث خللاً في مسار الأُمور الإنسانية، ويُؤدّي إلى الانحراف وعدم فاعلية المشاريع.
إنَّ الأصل الجوهري في الفنون والعلوم هو العمل على منهجتها وتنظيمها ضمن المباني المعرفية، والتحقيق والبحث والتخطيط والانتاج العلمي. ولهذا الأصل مكانة خاصَّة في العلوم الإنسانية، ولاسيّما العلوم التربوية منها، وتؤدّي إلى حيويتها واستمراريتها في مجال التنظير وتقديم الحلول العملية.
لقد كان للمدارس والمذاهب التربوية المختلفة سعي إلى لعب دور مؤثِّر في حقل التربية - من خلال أساليبها وأدواتها الخاصَّة - وحضور جادّ ومثمر في هذا الحقل المؤثِّر والحسّاس.
ويمكن بيان الأساليب الهامَّة في هذا المجال من الناحية الدينية، على الترتيب الآتي:
١ - الأُسلوب الأخلاقي: في هذا الأُسلوب يتمُّ بحث كلّ من الصفات الحسنة والقبيحة من أجل إبعاد الناس عن الصفات السيِّئة وتقريبهم من الفضائل، ويتمُّ تمحيص محاسنها وعيوبها من خلال الاستناد إلى الآيات القرآنية والروايات الإسلاميَّة، وما يترتَّب عليها من النتائج والتبعات، ويتمُّ تقديم الحلول المناسبة لرفع النواقص والعيوب.
٢ - الأُسلوب العرفاني: في هذا الاتِّجاه يتمُّ الاعتماد - بشكل رئيس - على تصفية الباطن واستئصال الصفات القبيحة، وإيجاد الفضائل الإنسانية من طريق معرفة النفس ومعرفة الله تعالى، والانقطاع الكامل عمَّا سواه. وفي هذا النهج يتمُّ الاهتمام في الغالب بأصل الكمال الإنساني، ويتمُّ الاستناد إلى عنصر محبَّة وعشق مبدأ الوجود.
٣ - الأُسلوب الفلسفي: في هذا الأُسلوب تتمُّ مواجهة الرذائل الأخلاقية، وتحقيق الكرامة الإنسانية بواسطة أدوات العقل ومن خلال التدبّر بشأن حُسن الأفعال وقبحها، مع التأكيد كذلك على حقيقة أنَّ الصفات الحسنة هي من الأُمور الوجودية ومن آثار الوجود، في حين أنَّ الصفات القبيحة أُمور عدمية. إنَّ الوجود خير محض، ويجب على الإنسان أن يتَّجه نحو الخير، وكلَّما أمكنه الابتعاد عن العدم والاقتراب من الوجود، كان أقرب إلى الكمال.
٤ - الأُسلوب التجريبي: وهو أُسلوب حديث الظهور، يُروِّج له علماء النفس الحديث والمتصدّون لشؤون التربية والتعليم في العالم المعاصر. وفي هذا الأُسلوب يتمُّ التأكيد في الغالب على الأضرار الجسدية، ورفاهية البدن، والنجاحات والإخفاقات الاجتماعية، ويحظى دور الإحصاء وإعطاء الأمثلة فيه بأهمّية كبيرة(١).
إنَّ كلَّ واحدٍ من هذه الأساليب، يستعرض آلياته وأدواته المتناسبة، أو أنَّه يهتم ببعض الجوانب التربوية للإنسان بشكل أكبر من الاهتمام بالجوانب الأُخرى.
ويبدو أنَّ أكثر المدارس والمناهج التربوية نجاحاً، هو المنهج الذي يهتمُّ بجميع أبعاد الإنسان، ويعمل على توظيف الأساليب والأدوات المناسبة في هذا الاتِّجاه. وقد اهتمَّ القرآن الكريم والروايات الشريفة بهذه المسألة بشكل جادٍّ، وأكَّدت على جامعية الأساليب والآليات التربوية.
إنَّ أهمّ بعد تربوي في الإسلام - طبقاً لفرضية هذا البحث - هو وصول الإنسان إلى (البصيرة الأخلاقية) الذي يحصل من طريق أساليبه وأدواته الخاصَّة.
إنَّ (البصيرة الأخلاقية) تعني التعليم والتربية القدسية للإنسان، والتي سوف يُكتَب لها التحقّق في عصـر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) الموعود بشكل كامل. وهذا لا يحصل إلَّا من خلال الآليات والأساليب المتنوِّعة.
وفي الحقيقة يمكن التعريف بعدَّة عناصر أخلاقية - فكرية هامَّة في هذه المنظومة، وذلك على النحو الآتي:
١ - رفع مستوى وعي الإنسان وطاقاته العقلية.
٢ - اجتثاث جذور الفساد وأسباب ضياع الفرد والمجتمع.
٣ - الاستعانة بالعقل في معرفة المبدأ والمعاد والخير والشرّ.
٤ - الاستعانة بقدرة الناس على الاختيار، وتوظيف ذلك في توجيههم من أجل تغيير واقعهم المزري.
٥ - تهذيب أخلاق الناس، وتعريفهم بالفضائل الإنسانية، وما إلى ذلك.
واضح أنَّ هناك الكثير من الأدوات والأساليب التي يجب توظيفها واستخدامها من أجل انتشال الناس من حمأة الضلالة والجهالة، تمهيداً لإصلاح المجتمع والتقليل من المشاكل والعقبات الماثلة أمام تقدّم الإنسان نحو الكمال. وفي عصـر الظهور سوف يتمُّ توظيف كافَّة الإمكانات والأدوات المتاحة من أجل إصلاح الأخلاق وتوفير بيئة مناسبة لبناء حياة طاهرة وسالمة للإنسان، وهذا إنَّما يأتي في ضوء العناية الإلهية وشخصية ودراية ومقدرة خاصَّة من الإمام المهدي (عليه السلام).
إنَّ أوَّل عمل سيقوم به الإمام المهدي (عليه السلام) يتمثَّل في تربية الناس، ليتسنّى له تحقيق سائر مشاريعه الاجتماعية الأُخرى بالشكل المناسب، وإقامة العدل والقسط في المجتمع. وتتمُّ الاستفادة من مختلف الأساليب والأدوات - المتناسبة والمستوى الفكري والأخلاقي للناس - من أجل تحقيق هذا المشـروع الأخلاقي الجامع والكامل. وفي هذا البحث سوف نتعرَّض إلى ذكر الآليات والأدوات المقتبسة من الروايات والمصادر الدينية، على النحو الآتي:
أدوات الوصول إلى البصيرة الأخلاقية
إنَّ (البصيرة الأخلاقية) ليست مجرَّد مصطلح أو مفهوم لاستهلاك الوقت في البحث والتحقيق، بل هي حقيقة عينية، يتمكَّن الفرد - من خلال تحقيقها - من الوصول إلى أعلى المدارج التربوية والأخلاقية، ويضع خطواته على المسار الصحيح والقويم. إنَّ هذه الحقيقة قابلة للتطبيق من خلال آلياتها وأدواتها الخاصَّة، والتي سوف نخوض فيها ضمن هذا البحث على أساس مختلف الاتِّجاهات من خلال التدقيق في المصادر الحديثية والروائية، وهذه الاتِّجاهات عبارة عن:
١ - الاتّجاه الثقافي - الإعلامي الجامع:
طبقاً لهذا الاتِّجاه تقوم (البصيرة الأخلاقية) والتعليم والتربية القدسية للإنسان على أساس المشاريع الثقافية - الإعلامية الجامعة والشاملة، لتعميم الإرشاد والهداية الدينية على جميع الناس وفي كافَّة أقطار العالم.
إنَّ الآليات والأدوات الثقافية - الإعلامية الجامعة عبارة عن:
١/١ - بناء الثقافة الجامعة:
إنَّ من بين العناصر الهامَّة في التربية استيعابها لجميع أفراد المجتمع، بمعنى أنَّه يجب توفير المشاريع التربوية والأخلاقية على مختلف مستويات ومراحل الحياة المختلفة للجميع، وعلى كافَّة الأفراد أن يبادروا إلى التزكية وتهذيب النفس وتعلّم الحكمة والتعقّل. فلو أنَّ أجزاءً من المجتمع - مهما كانت صغيرة - لم يكن لها نصيب من طهر النفس والأخلاق الفاضلة، فإنَّها ستعمل على تلويث سائر الأجزاء الأُخرى، وتؤدّي بها إلى الضياع والانحطاط، وتحول دون تأثير المشاريع التربوية عليها. والأهمُّ من ذلك أنَّ المنحرفين في المجتمع يُمثِّلون مانعاً رئيساً أمام مشاريع التربية والتعليم، حيث يعملون على الدوام من أجل حرف وإغواء الآخرين والسعي إلى إفساد المجتمعات. من هنا فإنَّ التربية والتعليم الحقيقي هو الذي يستوعب جميع الأفراد، والذي يُقدِّم الطرق والحلول المناسبة للإصلاح الأخلاقي. إنَّ عملية التربية والتعليم في عصـر الظهور ستكون عملية عالمية شاملة وفاعلة، وتستوعب جميع الأفراد من كافَّة الأعمار والفئات والاتِّجاهات الفكرية والاعتقادية والسياسية والجغرافية وما إلى ذلك، فلن يكون هناك شخص محروم من هذه الهداية والتربية، ويبقى هكذا سادراً في الضياع. جاء في الروايات:
- «لا يبقى كافر إلَّا آمن، ولا طالحٌ إلَّا صلح»(٢).
- «يذهب الشرُّ، ويبقى الخير..، يذهب الزنا وشرب الخمر ويذهب الربا»(٣).
- «... يعمل بكتاب الله، لا يرى فيكم منكراً إلَّا أنكره»(٤).
- «... تُعدَم الفتن والغارات، ويكثر الخير والبركات»(٥).
- «به يمحق الله الكذب، ويُذهِب الزمان الكَلِب...»(٦).
١/٢ - توظيف الهداية الكلامية:
إنَّ من بين العناصر الهامَّة والمؤثِّرة في التربية والتعليم، الاستفادة في بيان التعاليم والأفكار من الكلام النافذ والمؤثِّر والصـريح والمخلص. فإنَّ النبيَّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان في منهجه وأُسلوبه التربوي يستخدم الكلام المباشر بشكل كامل، ويُؤثِّر بحديثه النوراني والرصين في روح ونفسية المخاطَب، بحيث تنفذ الموعظة فيه إلى أعماق وجوده.
من هنا كان هذا الأُسلوب موضع اهتمام العلماء، ولاسيّما أساتذة الأخلاق وتهذيب النفس.
إنَّ البيان الصـريح للمسائل الأخلاقية والتربوية والتنويرية بشأن الخير والشـرّ، والسعادة والضلال، والنور والظلمة، والاستقامة والانحراف، والقيم والآفات، وما إلى ذلك من المفاهيم يستوجب التقدّم والتطوّر الفكري والأخلاقي للإنسان، ويُخرجه من حالة الغفلة والجهالة.
إنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) عند ظهوره مسنداً ظهره إلى جدار الكعبة وفي جوار بيت الله، سوف يُبيِّن كلامه النوراني بوضوح ويُعرِّف الناس بتعاليمه الدينية والسماوية والقيم والفضائل التي يجب عليهم التحلّي بها، ويدعوهم إلى الأخلاق الحسنة وإلى التمسّك بها على طبق كتاب الله تعالى. وسوف يكون لكلامه التأثير الواضح والنافذ في هداية وتربية الناس بشكل لا يقبل الإنكار. وقد جاء في الروايات:
- «فيدعو الناس إلى كتاب الله وسُنَّة نبيِّه (عليه وآله السلام)، والولاية لعلي بن أبي طالب...»(٧).
وروي عن الإمام الباقر (عليه السلام)، أنَّه قال: «ثمّ يظهر المهدي بمكّة عند العشاء، ومعه راية رسول الله وقميصه وسيفه، وعلامات ونور وبيان، فإذا صلّى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: أُذكِّركم الله أيّها الناس ومقامكم بين يدي ربِّكم، فقد اتَّخذ الحجَّة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب، يأمركم أن لا تشـركوا به شيئاً، وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسوله، وأن تُحيوا ما أحيى القرآن، وتُميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على الهدى، ووزراً على التقوى، فإنَّ الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها، وأذنت بالوداع وإنّي أدعوكم إلى الله وإلى رسوله والعمل بكتابه وإماتة الباطل وإحياء السُّنَّة، فيظهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً»(٨).
١/٣ - حُسن تطبيق القوانين الإلهية والمسائل الأخلاقية:
إنَّ التمسّك بالتعاليم والتكاليف الدينية (التشـريعات الإلهية) والمسائل الأخلاقية الثابتة هي السـرُّ في حيوية وبقاء المجتمعات، وسلوك طريق سعادة الناس الساطع واللاحب. وإنَّ عدم تطبيقها بشكل كامل وحسن، أو تطبيقها بشكل منقوص أو ضعيف في المجتمع، يؤدّي إلى زوالها واضمحلالها، كما يؤدّي إلى اضطراب الحياة وتحويلها إلى حياة غير إلهية وغير أخلاقية. إنَّ التهاون في تطبيق الحدود الإلهية، والعمل بالقوانين الوضعية المخالفة للتعاليم الدينية، والتعاطي المزدوج مع التكاليف الدينية، وتفسيرها وتحليلها الشخصـي والخاطئ، والانغماس في الحياة المادّية والشهوانية وما إلى ذلك، يؤدّي إلى بُعد الإنسان عن الله تعالى والروحانيات، ويرمي به في حمأة الآفات والرذائل الأخلاقية.
إنَّ (عصـر الظهور) هو عصـر تحرّر الإنسان من هذه الآفات والانحرافات في ضوء العمل بالتعاليم الإلهية - ولاسيّما القيم الأخلاقية - وتطبيق القوانين الدينية والتعاليم السماوية. وقد ورد في الروايات:
- «... يُمهِّد الأرض، ويُحيي السُّنَّة والفرض»(٩).
- «يُقيم الناس على ملَّتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربّي»(١٠).
وقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد، فجمع به عقولهم، وأكمل به أخلاقهم»(١١).
٢ - الاتّجاه المتمحور حول العقل:
في هذا الاتِّجاه يتمُّ الاهتمام بآليات وأدوات التربية العقلانية وجمع المعلومات المقدَّسة، ويتمُّ الخوض في رفع مستوى العلم والمعرفة والحكمة لدى الإنسان في ضوء تعاليم القرآن والاستيعاب الكامل للتعاليم الاعتقادية والمعرفية ورفع مستوى المعرفة والتعقّل لديه.
إنَّ الإنسان في ضوء التقدّم الفكري والعلمي والاستفادة من العقل الإنساني الخالص، يغدو بإمكانه التعرّف على الحقائق، واختيار الطريق الصحيح والمناسب.
وفي هذا الإطار يمكن أن نُعدِّد الآليات والأدوات الآتية:
٢/١ - تطوّر العقل الفردي والجمعي:
إنَّ أهمّ آلية للوصول إلى البصيرة الأخلاقية، هي آلية الكمال الفكري، بمعنى الاهتمام الخاصّ من قِبَل الدين بتطوير العقل والوعي البشـري، ورفع مستواه المعرفي مقترناً بوضوح الرؤية. وعليه فإنَّ أوَّل وأهمّ آلية تكمن في تطوير وازدهار البُعد الفكري والعقلي للناس.
إنَّ العقل يُمثِّل أساس ودعامة الإنسانية، والحجَّة الباطنة لله تعالى، وأداة الفهم، وطريق الحصول على المعارف الاعتقادية الجوهرية، وأحد مصادر استنباط الأحكام الفقهية للإسلام.
إنَّ تطوير وإنعاش هذه النعمة الإلهيَّة القيِّمة، كان هو الهدف والغاية لجميع الأديان السماوية ولاسيّما الدين الإسلامي منها.
لقد اهتمَّ الإسلام بالعقل والتعقّل كثيراً، واعتبر التربية الأخلاقية نوعاً من التربية العقلانية وإنعاش قوَّة الاستدلال.
وقد ذهب الفلاسفة والمتكلِّمون الشيعة - ومن بينهم: الشيخ الطوسي، والشيخ المفيد، وابن سينا وآخرون - إلى الاعتقاد بأنَّ العقل البشـري قادر على تحديد حُسن الأفعال وقبحها، ومعنى ذلك أنَّ عقل الإنسان في بادئ الأمر قادر على تشخيص حسن عملٍ ما أو قبحه.
إنَّ مضمون بعض الروايات يقول بأنَّ الأخلاق تقوم في الأساس على العقل والتعقّل؛ لأنَّ العقل هو الذي يردع الإنسان عن ارتكاب الأعمال القبيحة، ويدعوه إلى الطهر والبصيرة الإيمانية والأخلاقية. وبعبارة أُخرى: إنَّ العقل مثل النبيِّ الظاهري في نهي الناس عن ارتكاب الأعمال القبيحة.
روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنَّه قال: «العاقل من تورَّع عن الذنوب، وتنزَّه عن العيوب»(١٢).
بالالتفات إلى كلام الإمام علي (عليه السلام)، يكون العقل عبارة عن: قوَّة تشخيص وإدراك الحقِّ والباطل (على المستوى النظري)، والخير والشـرّ (على المستوى العملي) من جهة، ويردع عن ارتكاب المعاصي، ويهدي إلى صالح الأعمال من جهة أُخرى.
إذن لكي نتمتَّع بالروح العالية لا بدَّ في الدرجة الأُولى من العمل على تطوير العقل وتنميته. ومن الطبيعي إذا كانت العلَّة متكاملة، فإنَّ المعلول بدوره سيغدو أقوى وأشدّ رسوخاً وثباتاً. وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: «دعامة الإنسان العقل، والعقل منه الفطنة، والفهم والحفظ والعلم»(١٣).
إنَّ الوصول إلى الكمالات الأخلاقية إنَّما يمكن في ضوء العقل، وكلَّما أُصيب العقل بالركود، سيمتنع الانتعاش الأخلاقي بنفس النسبة. روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال: «إنَّما يُدرَك الخير كلّه بالعقل»(١٤). وبطبيعة الحال فإنَّ الذي يحظى بالأهمّية في أمر التربية العقلانية، هو بذل المزيد من الاهتمام بتنمية العقل الإلهي؛ لأنَّ الإنسان السعيد في الإسلام هو الذي يكون بالإضافة إلى حصوله على التربية في عقل المعاش، يكون عقل المعاد عنده مزدهراً.
يرى الفقيد النراقي أنَّ العقل يُمثِّل أكبر طاقة في وجود الإنسان، وأنَّ اتِّباعه هو الذي يضمن تعديل سائر القوى والطاقات الأُخرى، ويحصل من خلال ذلك على الفضائل ذات الصلة(١٥).
وفي الوقت الذي تمَّ التأكيد فيه على العقل كثيراً - بطبيعة الحال - هناك اهتمام بنفس الحجم في التأكيد على تهذيب النفس أيضاً، بمعنى أنَّه لا بدَّ من الاهتمام بأمر التربية الأخلاقية والوصول إلى الطهر الداخلي أيضاً.
إنَّ القرآن الكريم كلَّما تحدَّث عن هداية الإنسان، عنى بذلك الهداية الداخلية والقلبية والشهودية (الإلهامية والإيجابية). فعلى سبيل المثال: نجد الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدى﴾ (مريم: ٧٦)، إنَّ هذا الشهود من وجهة نظر الإسلام يعني التحوّل الداخلي والباطني الذي يربط الفرد بمنشأ متعال (وهو الله سبحانه وتعالى)، ويجعل الإنسان أهلاً لتحصيل الإلهامات والمكاشفات الدينية والمذهبية.
يتميَّز عصر الظهور بازدهار العقل الفردي والجماعي للبشـر، ويتغلَّب فيه على الجهل، كما يتفوَّق فيه الوعي على الجهالة، والمعرفة القدسية على العلم المهلهل.
في العقل الفردي يصل الإنسان إلى ذروة التعقّل والتفكير، حتَّى يغدو بإمكانه تمييز الحسن من القبيح واختيار الصالح ونبذ الطالح.
وفي العقل الجمعي يصل جميع الناس إلى نموٍّ فكري متوازن، وإلى إدراك اجتماعي كبير، ومن خلال تظافر العقول يتمُّ التمهيد لاجتثاث الآفات والمشاكل، ويتمكَّن العقلاء وذوو الألباب من بلوغ حقيقة الحياة.
وقد تمَّت الإشارة في الكثير من الروايات إلى هذا البُعد من الكمال الفكري والعقلي للإنسان الذي سيرتقي إلى أعلى مراتبه في عصـر الظهور. ومن ذلك ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد، فجمع به عقولهم، وأكمل به أخلاقهم»(١٦).
قال العلَّامة المجلسـي في (مرآة العقول) عند شرحه لهذه الرواية: (الضمير في قوله: (يده) إمَّا راجع إلى الله أو إلى القائم (عليه السلام)، وعلى التقديرين كناية عن الرحمة والشفقة أو القدرة والاستيلاء، وعلى الأخير يحتمل الحقيقة)(١٧).
يبدو أنَّ هذه الجملة كناية عن تربية الناس من قِبَل الإمام القائم (عليه السلام)، وأنَّ التعبير بـ (الرؤوس) يأتي من اعتبار الناس الرأس مركزاً للعقل والتفكير، وأنَّ وضع اليد على الرأس كناية عن الإقناع والتربية، وليس هناك من فرق بين أن يكون المربّي هو الله أو المهدي عليه السلام؛ لأنَّ تعاليم الإمام المهدي هي ذات التعاليم الإلهية، وأنَّ تربيته هي آية تربية الباري تعالى. وعلى هذه الشاكلة فإنَّ النتيجة الطبيعية والمنشودة من التربية - والتي تعني الخضوع للعقول وتكامل الأفكار - سوف تؤتي أُكُلها وثمارها(١٨).
إنَّ المراد من جمع العقول، هو توحيدها وتوافقها على معتقد واحد وعلى مشـروع وقانون موحَّد، بحيث يصعب تصوّر أن يختلف شخصان بعد انصهارهما في بوتقة المسار الفكري العامّ للدولة المهدوية العالمية، لاسيّما في الفترة التي تبلغ فيها الأُمَّة والبشـرية درجة من الكمال بحيث تبلغ الأفكار درجة (العصمة)، ويغدو التناغم والانسجام في الأُمور ميسوراً للغاية.
إنَّ المراد من تكامل الأفكار في عبارة (كملت به أحلامهم) هو بلوغ الناس أقصـى مراتب النموِّ والازدهار الفكري.
إنَّ هذا التعبير يعود إلى الناحية الخيِّرة من وجود الإنسان، وهي الناحية التي تُشكِّل العدالة الفردية أُولى مراحلها، لتبلغ أعلى مراحلها في (العصمة)(١٩)، والتي سيصل المجتمع إليها في نهاية المطاف.
إنَّ هذه النتيجة على كلا الصعيدين العلمي والنفسـي، تؤدّي إلى ظهور رؤية وصحوة في الدولة والمجتمع المهدوي، وهي الرؤية التي لا تتحقَّق في عمقها إلَّا لأُولئك الذين يعيشون في ذلك العصـر، وأمَّا نحن فلا يسعنا إلَّا التعرّف على عناوينها العريضة والعامَّة فقط.
وعليه فإنَّ وضع اليد على رؤوس العباد، يعني تربية واعتلاء الأفكار والعواطف الإنسانية، والتي إن اقترنت بالرقيِّ الأخلاقي والتزكية والتربية الصحيحة، فإنَّها ستخلق في الإنسان (بصيرة أخلاقية)، وتهديه إلى القصد والغاية.
إنَّ تنمية العقل والفكر البشـري (التربية العقلانية) ورفع مستوى المعرفة والبصيرة لدى الإنسان، يعتبر آلية مؤثِّرة وقيِّمة في تنميته وتطويره على المستوى المعنوي، وهو أمر ناجع في كلِّ العصور، ولكنَّه في المجتمع المهدوي سيتحقَّق على نحو أكمل.
٢/٢ - بلورة الفكر القرآني (الفكر القرآني الواحد):
إنَّ القرآن يُمثِّل مشـروعاً جامعاً وكاملاً لإنشاء مجتمع سليم ومزدهر وإنساني، يسير نحو التعالي والتسامي والرقيّ.
إنَّ وجود التعاليم السماوية في القرآن بوصفه ملاكاً ومعياراً للتمييز بين الصواب والخطأ في الأفكار، ومربّياً ومصلحاً للنفوس والقلوب، خير عنصـر للفلاح والنجاة لجميع الناس من أيِّ طبقة أو منزلة كانوا.
إنَّ سيادة الأفكار الفلسفية والسياسية الوضعية والدنيوية الناقصة، تُمثِّل سبباً لبعض الانحرافات، ونقض القيم، والانغماس في المظاهر الدنيوية، والاضطراب وحتَّى الظلم وأنواع الحروب.
ومن الناحية الدينية ينشأ الكثير من هذه الآراء والنظريات عن الأهواء النفسية والأفكار البشـرية الناقصة، وحيث إنَّها لا تؤدّي إلى الحقيقة، فإنَّها تعجز عن إيجاد الحلول للمشاكل البشـرية. ولو أمكن تشذيب وتهذيب هذه الآراء والأفكار في ضوء التعاليم القرآنية، والحدّ من تكثّرها وتعدّدها، لأمكن لنا أن نتفاءل بإمكانية حلِّ المشاكل الماثلة أمامنا.
روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنَّه قال بشأن تطبيق الإمام المهدي (عليه السلام) للأفكار والقوانين والرغبات بما يتطابق وتعاليم القرآن الكريم: «يعطف الهوى على الهدى، إذا عطفو الهدى على الهوى. ويعطف الرأي على القرآن، إذا عطفوا القرآن على الرأي...»(٢٠).
وعلى هذا الأساس يعمد الإمام المهدي (عليه السلام) إلى تجميع الأفكار والآراء، وفي ذلك روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد، فجمع به عقولهم، وأكمل به أخلاقهم»(٢١). وسوف يسوقهم ناحية التفكير القرآني الواحد: «هو الذي يجمع الكلم ويُتِمَّ النعم»(٢٢).
ولكي يتمَّ تحقيق هذا الفكر الواحد والجامع، يعمد الإمام المهدي (عليه السلام) إلى تعليم حقاق القرآن وتعاليمه الأصيلة، فيبني قاعدة من العلماء الأتقياء؛ لأنَّ القرآن الكريم يزيد من نور قلوبهم، ويرفع مستوى العلم والحكمة لديهم؛ فقد ورد في الحديث: «... يُعلِّم الناس القرآن على ما أنزل الله (جلَّ جلاله)»(٢٣). وفي حديث آخر: «استأنف بكم تعليم القرآن، وشرائع الدين... كما أنزل الله على محمّد»(٢٤).
٢/٣ - تعليم الحكمة المقدَّسة:
إنَّ الحكمة عبارة عن: (المعرفة اللازمة للوصول إلى قواعد الكمال في الحياة الدنيا والحياة الأُخرى، والعمل بها في مسار الحياة المعقولة)(٢٥).
لقد عبَّرت الآيات القرآنية عن الحياة المقترنة بالحكمة (والتي هي الهدف والغاية من بعثة جميع الأنبياء) بأنَّها الحياة التي يريدها الله للإنسان، وتمَّ التعبير عنها بـ (الحياة الطيِّبة)، بل تمَّ التعبير عنها بأنَّها هي الحياة الحقيقية، وذلك إذ يقول الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل: ٩٧).
يكمن خير وصلاح قوَّة العلم في القدرة على التفريق بين الصدق والكذب، وبين الحقِّ والباطل، وبين صالح الأعمال وطالحها، وحيث يتمكَّن الإنسان من الحصول على هذه القوَّة، فإنَّه سيحصل منها على ثمرة الحكمة، التي هي مصدر الأخلاق الحسنة، والتي قال الله سبحانه وتعالى عنها: ﴿...وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ...﴾ (البقرة: ٢٦٩). ومن حُسن قوَّة الغضب أن يتمَّ قبضها وبسطها وتحديدها بالمقدار الذي تقتضيه الحكمة. ومن خير الشهوة وصلاحها أن تأتمر بأمر الحكمة (العقل والدين) أيضاً وهكذا(٢٦).
وعليه فإنَّ الحكمة في هذا الاتِّجاه - كما نرى - تحتلُّ مكانة مرموقة في تطوير الإنسان على المستويين الفكري والأخلاقي، فهي نور إلهي يتجلّى في صفحة قلوب المؤمنين، وتؤدّي بهم إلى البصيرة (والبصيرة أعلى درجة من الحكمة).
وعلى هذا الأساس فإنَّ تعليم (الحكمة المقدَّسة) سوف يكون من أبرز خصائص عصـر الظهور، كي يتمكَّن الناس في ضوئها من اختيار الطهر وطريق الخير، وأن يستفيدوا من قوَّة العلم والعقل في سياق تحصيل النور والمعنويات الباطنية. فقد ورد في الروايات المأثورة عن المعصومين الأطهار (عليهم السلام) أنَّهم قالوا:
- «تؤتَون الحكمة في زمانه...»(٢٧).
- «يملأ الله (عزَّ وجلَّ) به الأرض نوراً بعد ظلمتها، وعدلاً بعد جورها، وعلماً بعد جهلها»
(٢٨).
إنَّ تعليم الحكمة يؤدّي إلى معالجة واجتثاث الجهل، وزيادة العلم والمعرفة «كما هدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أمر الجاهلية»(٢٩).
حقّاً إنَّ (الجهل) مصدر للكثير من الآفات والرذائل؛ إذ من دون العلم والمعرفة لا يتحقَّق الشـرط الأوَّل من شروط سلامة العمل، وسوف تتمخَّض الكثير من الآفات والرذائل الأخلاقية من الجهل والجهالة. وهو الأمر الذي سيكون عكسه هو القائم في عصـر الظهور، حيث تتَّخذ الأُمور شكلها الواقعي والطبيعي (حيث سيتمُّ القضاء على جميع أنواع الجهالة).
٢/٤ - تنظيم المعلومات الأصيلة:
لكي يتمكَّن الفرد - طبقاً لهذه الآلية - من إبراز السلوكيات والأفعال الصحيحة والمعتدلة، وأن يكون أخلاقياً وروحانياً، يجب أن تكون أُسسه الفكرية والمعرفية متينة وراسخة، بمعنى أنَّ الإنسان ما لم يمتلك رؤية ومعرفة صحيحة وعميقة تجاه أُسسه الاعتقادية (ولاسيّما التوحيد)، فإنَّه قلَّما يتقبَّل المعايير، ونادراً ما يتحرَّك نحو كمالاته الواقعية.
وعليه فإنَّ التقدّم الفكري والأخلاقي يترتَّب على تعميق المعتقدات الدينية، والتعرّف بشكل عميق إلى البداية والنهاية وحملة الوحي الأنبياء والأئمَّة (عليهم السلام). فكما كانت أهمّ غاية للنبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) تكمن في استبدال الشـرك بالتوحيد، وإقامة الحضارة التوحيدية، وذلك من طريق تغيير عقائد الجاهلية، فإنَّ عصـر الظهور بدوره سيشهد تعزيزاً للأُسس الفكرية والاعتقادية، وسوف تحظى هذه الأُمور باهتمام خاصٍّ من قِبَل الإمام المنتظر (عليه السلام):
- «يدعو الناس إلى كتاب الله وسُنَّة نبيِّه، والولاية لعلي بن أبي طالب، والبراءة من عدوِّه»(٣٠).
- «لا يبقى أرض إلَّا نودي فيها شهادة لا إله إلَّا الله»(٣١).
٣ - اتّجاه بناء الشخصية:
في هذه الآلية يتمُّ البحث في النفوذ المعنوي والروحي لصاحب الولاية العظمى (إمام العصـر (عليه السلام) في قلوب الناس، كما يتمُّ الاهتمام بتربية الشخصية وتقوية الهوية الإنسانية. وعلاوة على ذلك يتمُّ التأكيد في آلية بناء الشخصية على رفع الشعور بعدم الافتقار والتسامي الروحي، ويتمُّ الالتفات إلى إعادة صياغة المنزلة الواقعية للإنسان وبلورة شخصيته. إنَّ هذه الآلية عبارة عن:
٣/١ - النفوذ المعنوي (آلية الولاية التكوينية):
إنَّ هذا النفوذ والتأثير العميق والداخلي يتمُّ على أساس ولاية الهداية والتربية المعنوية للإمام المعصوم (عليه السلام). تقع الهداية المعنوية وتربية الفرد والمجتمع على عاتق الأنبياء والأئمَّة عليهم السلام: ﴿وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا﴾ (الأنبياء: ٧٣)، وهذا يستلزم توفّر الاختيارات الخاصَّة والقدرة على النفوذ والتأثير والسلطة والولاية الخاصَّة، كي يتسنّى للإمام من طريقها إحياء القلوب الميِّتة وجلاء الصدأ عنها، وتجريد الأرواح، وتهذيب القلوب، وهداية الناس معنوياً.
في الظروف القاسية حيث تقف الكثير من الموانع والعقبات أمام المصلحين الإلهيين، تستدعي الحكمة الإلهية أن يتمتَّع الإمام بقدرة خاصَّة كي يتمكَّن - رغم الظلمات والموانع والحُجُب - من التأثير في أعماق النفوس الميِّتة، والضمائر النائمة، والفطرة الصدئة، للتصـرّف وإحداث التغيير فيها من جهة، ونفخ روح وحياة جديدة في وجدان وفكر عامَّة أفراد المجتمع، وهداية الفرد والمجتمع في المسار التكاملي من جهة أُخرى(٣٢).
كما كان يصنع النبيُّ عيسى (عليه السلام)، والنبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) في بناء أصحابه وتسخير قلوبهم وأرواحهم لإحياء المجتمع، وكذلك ما كان يقوم به أمير المؤمنين (عليه السلام) في تربية النخب والخاصَّة من أصحابه، وإعداد الشخصيات الفذَّة من أجل إحداث التغييرات الجوهرية في المجتمع والتاريخ وما إلى ذلك.
وهناك الكثير من الأمثلة المذهلة لهذا النوع من التصـرّف والنفوذ في القلوب والنفوس، في حياة الأئمَّة المعصومين الأطهار (عليهم السلام) - ولاسيّما الإمام الحسين (عليه السلام) -، وسوف تصل في عصـر الظهور وعلى يد الإمام صاحب العصـر والزمان (عليه السلام) هذه القدرة إلى ذروتها.
وفي الحقيقة يجب القول: إنَّ ما سيقوم به صاحب الأمر (عليه السلام) تغيير لأرواح الناس وأنفسهم ومصائرهم، حيث سيُحوِّل نحاس الوجود إلى ذهب من الإبريز الخالص، ويُحوِّلها من العوج إلى سيرتها الإلهية.
إنَّ هذه الآلية التغييرية الكبرى على مستوى الباطن والتي تتمُّ في إطار التقدّم الفكري والأخلاقي للأفراد ستكون من الأعمال الإعجازية والكرامات المعنوية التي ستجري على يد الإمام المهدي (عليه السلام)، وقد تمَّ تأييد هذا الأمر بشكل صريح في الرواية المأثورة عن الإمام الباقر (عليه السلام)، إذ يقول: «إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد، فجمع به عقولهم، وأكمل به أخلاقهم»(٣٣). وجاء في رواية أُخرى: «... وضع يده على رؤوس العباد، فلا يبقى مؤمن إلَّا صار قلبه أشدّ من زبر الحديد...»(٣٤).
وبطبيعة الحال فإنَّ جميع هذه المتغيّرات ستكون بإرادة الله وعينه ورعايته، وقد جاء في بعض الروايات بهذا الشأن: «... يمسح الله بطونهم وظهورهم، فلا يشتبه به عليهم حكم»(٣٥).
٣/٢ - الارتقاء الجذري (ازدهار الفطرة الإنسانية):
كلُّ الناس وُلدوا على الفطرة التي فطرهم الله عليها، وعلى الرغم من إمتلاكهم للغرائز البهيمية، إلَّا أنَّ ملكاتهم الإنسانية والقدسية أقوى وأكثر بقاءً وثباتاً. فلو خضع الفرد لتربية صحيحة، ولم يتعرَّض لوساوس الشيطان، فإنَّه سيتكشَّف عن حيوية روحية ومعنوية استثنائية فذَّة.
وعليه فإنَّ البقاء على هذه الفطرة الطاهرة أو العودة إلى هذا المصير والسيرة الإلهية من أنسب الطرق لوصول الإنسان إلى الكمال والسموِّ الحقيقي، والتنامي والازدهار الإنساني الواقعي.
إنَّ هذا الأصل البديهي يُمثِّل الركن الثابت في الفكر المهدوي ومن الآليات التربوية الهامَّة لإخراج الإنسان من الحالة البهيمية والمادّية البحتة، ورفعه إلى ذروة (الطهر) و(القداسة)، وقد ورد في الحديث قول المعصوم (عليه السلام): «... حتَّى يكون الناس على مثل أمرهم الأوَّل، لا يوقظ نائماً، ولا يهرق دماً»(٣٦).
إنَّ المهمَّ في الارتقاء بالمنظومة هو خروج الإنسان من الحياة السطحية والنازلة والبائسة، والعمل على تفعيل طاقاته الكامنة.
٣/٣ - إصلاح الهوية والمنزلة الأصيلة:
إنَّ الإنسان يمتلك منزلةً ومقاماً عالياً وممدوحاً، ومكانة عظيمة للغاية، إلَّا أنَّها للأسف الشديد تنزل إلى الحضيض عند أدنى انحراف واعوجاج أخلاقي ونفساني، وتفقد هويتها.
إنَّ للإنسان مكانة خاصَّة في دائرة الوجود، إنَّ هذه الدائرة تبدأ من الإنسان وبالإنسان ومع الإنسان وتعود إلى الإنسان. وممَّا قاله شيخ الإشراق السهروردي في هذا الشأن:
(إنَّ الإنسان كائن مقدَّس، ذو علم وإرادة، ولا يقبل الفناء. وقد سافر من العالم العلوي إلى هذا العالم السفلي، حيث وجد نفسه حبيس هذا السجن. إنَّه الكائن الذي اختاره الله، وقد ارتدى ثوب الكرامة الإلهية. فعليه في حياته أن يُقدِّر كرامته، وأن يحجم ويبتعد عن كلِّ ما من شأنه الإضرار بهذه الكرامة. إنَّ الصدق والعدل والإيثار وما إلى ذلك من الأُمور تعمل على بقاء وارتقاء هذه الكرامة، وإنَّ حبَّ الدنيا، والأنا، والذلّ، والارتهان إلى الغضب والشهوة يؤدّي إلى زوال هذه الكرامة)(٣٧).
إنَّ الكرامة الإنسانية وعزَّة النفس هي النقطة التي يُؤكِّد عليها الإسلام من أجل إحياء الأخلاق الإنسانية، وهداية الإنسان نحو التقدّم والكمال والارتقاء. إنَّ كرامة النفس دعامة ومحور لجميع التعاليم الأخلاقية، بمعنى احترام النفس وإبعادها عن الذنوب والمفاسد، كما يقول الإمام علي (عليه السلام): «مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ هَانَتْ عَلَيْهِ شَهَوَاتُهُ»(٣٨).
وعليه فلو تمكَّن الإنسان من الحفاظ على عزَّة نفسه وكرامته، سيغدو باستطاعته أن يصل إلى ذلك المقام وتلك المنزلة الحقيقية، كما يمكنه كذلك استعادة هويَّته وماهيَّته الأصيلة. وهذا ما سوف يتحقَّق في عصـر الظهور، حيث سيحصل الإنسان على الكرامة، ويبلغ قمَّة منزلته الحقيقية: «يخرج في آخر أُمَّتي المهدي يسقيه الله الغيث، وتُخرج الأرض نباتها، ويُعطي المال صحاحاً، وتكثر الماشية، وتعظم الأُمَّة»(٣٩). وفي رواية أُخرى: «يُخرج ذلَّ الرقِّ من أعناقكم»(٤٠).
٣/٤ - الغنى الروحي (الاستغناء الحقيقي):
يُمثِّل غنى النفس واحداً من الآليات والأدوات بالغة الأهمّية في التغيير والتحوّل الروحي للإنسان، والتقليل من طموحاته المادّية البحتة ومتطلِّباته الدنيوية والكمالية المتزايدة.
إنَّ ارتفاع المستوى الفكري للناس، والاهتمام بالمتطلِّبات الأصيلة والفطرية والثابتة، وخفض مستوى الميول المادّية والغريزية المتزايدة، وعدم إعطاء الأولوية للأُمور الدانية والفانية وما إلى ذلك، من العلامات على الاستغناء الروحي والمعنوي. ومن خلال الإدارة والهداية الدقيقة والصحيحة لهذه الأُمور، يمكن حلّ الكثير من المشاكل والتغلّب على الكثير من العقبات ونقاط الضعف، وهو ما سيُكتَب له التحقّق في عصر الظهور بشكل كامل وتامّ.
إنَّ الغنى النفسـي والروحي للإنسان يتحقَّق على ثلاثة أوجه ومراحل(٤١)، وجميع هذه المراحل تتحقَّق بعناية ورعاية من الله وعلى يد الإمام المهدي (عليه السلام) ويتمُّ غرسها في أفئدة الناس وأرواحهم:
أ - المرحلة الأُولى من غنى القلب، وهي عبارة عن سلامة القلب وتحرّره من كلِّ أنواع التعلّق والتشبّث بجميع الأسباب المؤثِّرة، ولا يتعارض مع قضاء الله وقدره (التسليم بحكم الله)، ويتخلَّص من حمل الضغائن والأحقاد على الآخرين. وقد ورد في بعض الروايات بشأن الاستغناء القلبي للناس في عصر الظهور ما يلي:
- «ويجعل الله الغنى في قلوب العباد»(٤٢).
- «إذا خرج المهدي ألقى الله الغنى في قلوب العباد»(٤٣).
ب - المرحلة الثانية مرحلة استغناء النفس (النفس المطمئنَّة)، وهي عبارة عن استقامة النفس في الوصول إلى غايتها المتمثِّلة بـ (الحقِّ تعالى)، وذلك عندما يصبُّ العبد كلَّ اهتمامه على مرضاة الله بعيداً عن جميع أنواع السخط والرياء. فعندما ينقطع أمل الإنسان عن الآخرين، لن يكون هناك من موضع للغضب (الذي هو عنصـر الكثير من الجرائم والهرج والمرج وانعدام الأمن وعدم الاستقرار)، كما لن يكون هناك من موضع للرياء والتفاخر (الذي هو منشأ للكثير من التشبّث بالمادّيات والكماليات والمطامح الزائفة والزائلة). فقد ورد في الحديث: «إنَّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربِّها، واستغنى الناس»(٤٤). وعندما يبدأ الإمام المهدي (عليه السلام) انطلاقته من بيت الله ويخطب في الناس، يدعوهم إلى ذكر الله «أُذكِّركم الله»(٤٥)، ويكون شعاره: «البيعة لله»(٤٦).
ج - المرحلة الثالثة هي مرحلة استغناء الإنسان بغنى الحقِّ تعالى، بمعنى اتِّصافه بالصفات الإلهية، بأن يكون ذكره ذكر الله، وأن يفنى في ذات الله. روي عن الإمام المعصوم (عليه السلام) بشأن عصر الظهور أنَّه قال: «فيُعلي أمر الله، ويُظهر دين الله»(٤٧).
والملفت أنَّ جميع هذا الانجذابات والمتغيّرات والمنعطفات الروحية إنَّما تتمُّ برعاية وعناية خاصَّة من الله سبحانه وتعالى، وبركة الوجود المقدَّس لإمام العصـر والزمان (عليه السلام)، بمعنى أنَّه لولا لطف الله، لانساق الناس - بسبب الأطماع المادّية والركون إلى أنواع الدعة - وراء الطغيان والفساد: «... لولا ما يدركهم من السعادة لبغوا»(٤٨).
٤ - الاتّجاه الأخلاقي:
إنَّ من أهمّ الآليات في التربية والتعليم القدسي للإنسان، هو العمل على تهذيب السلوك والأفكار والأقوال وتطهير الباطن من جميع أنواع الرذائل والأدران.
وفي هذه الآلية ومن خلال مختلف الأساليب الأخلاقية وحتَّى الفقهية، يخضع الناس لمعالجات روحية ومعنوية خاصَّة، فيكتسبون الملكات الإنسانية الفاضلة، وعلاوة على ذلك يتمُّ تعزيز الروح الأخلاقية لدى الإنسان من طريق العبادة ودعم البُعد العبادي لديه.
وهذه الآليات عبارة عن:
٤/١ - تطبيع الإنسان (بناء السلوك على الأخلاق):
يُعتَبر التزام الفرد بالمعايير مساراً يؤدّي إلى نقل التعاليم الأخلاقية والمكارم الإنسانية وترسيخها في وجدان الناس. وفي هذا المسار - كما هو الحال في النزعة الاجتماعية - يتمُّ بيان وتشـريع القيم والقوانين الأخلاقية، ويتمُّ جذب الناس إليها من خلال رفع مستوى الوعي والإدراك لديهم تجاه ما تحمله هذه الأُمور من الإيجابيات والفوائد العملية. وإنَّ من بين أهمّ الخصائص المترتِّبة على التزام الفرد بالمعايير والضوابط هو فهمه للقوانين الأخلاقية الثابتة، والعمل على توسيع هذه الأُصول وتطبيقها على أرض الواقع. بمعنى التحلّي بالقيم، والتمسّك المعرفي بها. ومن بين أهمّ أهداف الإمام المهدي (عليه السلام) سيادة القيم الأخلاقية، وبثّ الوعي بين الناس فيما يتعلَّق بهذا الشأن:
- «يشير بالتقى، ويعمل بالهدى...»(٤٩).
- «... دعاهم إلى حقِّه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله، ويعمل فيهم بعمله»(٥٠).
٤/٢ - تطهير النفوس (التطهير والتزكية الباطنية من الأدران):
لقد تمَّ التعبير عن تطهير الباطن وتهذيبه في القرآن الكريم بـ (التزكية). التي تعني لغةً: التطهير أو التطهّر من الأُمور التي يجب التطهّر منها، واصطلاحاً: تطهير النفس من الشـرور والخبائث.
وقد كان تهذيب النفوس الإنسانية وتزكيتها من أهمّ أهداف الأنبياء العظام (عليهم السلام)، فقد بُعثوا لكي يُطهِّروا نفوس الناس من الرذائل والأخلاق القبيحة والصفات الحيوانية، وينشـروا الفضائل ومكارم الأخلاق.
لقد بُعِثَ الأنبياء كي يُعلِّموا الناس دروساً في بناء النفس، ويعينوهم في التعرّف على الأخلاق القبيحة كي يجتنبوها، وكي يسيطروا على رغباتهم ويكبحوا أهواءهم الهدّامة، وأن يُطهِّروا نفوسهم - بالتحذير والتخويف - من الشـرور والقبائح.
إنَّ تحذير الإسلام والعقوبات التي فرضها على الأخلاق القبيحة ليست بأقلّ من سائر الأعمال الأُخرى. إنَّ تزكية النفس تعني هداية الناس إلى بناء ذواتهم، واكتساب الفضائل الأخلاقية، واجتثاث الذنوب والمعاصي، وممارسة الجهاد الأكبر والرياضات الشـرعية وتطهير القلب من الأنا والتكبّر واتِّباع الهوى والقسوة والمعصية.
وإنَّ عصـر الظهور هو في الحقيقة عصـر تزكية النفوس وتطهيرها من خلال المشـروع النبوي الذي سيقوم به إمام العصـر والزمان (عليه السلام)، ومن خلال توعية الناس ورفع مستوياتهم الإدراكية وهدايتهم إلى تطبيق هذا المشـروع.
وقد تمَّ طرح هذه المفاهيم في الروايات المأثورة عن المعصومين (عليهم السلام) على النحو الآتي:
- «لذهبت الشحناء من قلوب العباد ...»(٥١).
- «يفتح حصون الضلالة، وقلوباً غفلاً»(٥٢).
كما يمكن اعتبار الرواية الوارد في إصلاح الأُمَّة، والقائلة: «أن يُصلِح أُمَّة بعد فسادها»(٥٣)، بوصفها مشيرة إلى تهذب الناس وتزكيتهم لأنفسهم من الشرِّ والفساد أيضاً.
٤/٣ - التأكيد على الماهية (العبادية) للإنسان:
طبقاً لرؤية القرآن الكريم والسُّنَّة الشـريفة وحتَّى فلسفة التاريخ المتعالية، تسير حركة التاريخ نحو العبودية وسيادة القيَم وتكامل الإنسان. وهو الهدف الذي يرسمه القرآن الكريم للركب البشري، إذ يقول تعالى: ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: ٥٦). وهذا يعني أنَّ الهدف من الحياة ليس سوى المعبود.
إنَّ من المشاكل الحادَّة والجوهرية التي يعاني منها الإنسان هو الخروج من ولاية الله وعبادته، والدخول في ولاية الشيطان. وإنَّ هذا الطغيان والانحراف يؤدّي بالإنسان إلى التكبّر والغفلة والكفر والشـرك وعبادة الذات، وهذا يسير بالإنسان في كلِّ لحظة إلى ارتكاب الكبائر والجرائم وكافَّة أنواع الجور والظلم، والطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق واللجَّة المظلمة يكمن في عودة الإنسان إلى دائرة العبودية لله.
ومن ناحية أُخرى يذهب بعض المفسِّـرين إلى القول بأنَّ العنصـر التربوي المؤثِّر في قوله تعالى: ﴿وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا﴾ (مريم: ١٣)، هو العلاقة المعنوية القائمة بين كلِّ فرد وخالقه من خلال قناة العبادة(٥٤)، وذلك حيث يقول تعالى: ﴿وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا﴾: إنّا أعطينا لنبيِّنا يحيى من لدنّا (وليس من طريق الأسباب الطبيعية) حناناً ورحمةً وزكاةً؛ ليكون إنساناً تقيّاً. حيث تمَّ الالتفات في هذا النوع من الرؤية إلى الدور التربوي لله (عزَّ وجلَّ) من خلال تشريع العبادة أيضاً.
إنَّ عصر الظهور هو عصر ازدهار البُعد العبادي من الإنسان، وعصـر خروجه التامّ والكامل من ولاية الشيطان، ودخوله في دائرة عبودية الرحمن. إنَّ الذي يدخل في رحاب ولاية الحقِّ ويبلغ مقام العبودية، ستنفتح أمامه أبواب الرحمة والسعة والحكمة، وسوف يتمتَّع بالبصيرة الأخلاقية والمقام الرحماني. وكذلك فإنَّ الإنسان من خلال قيامه بالأعمال العبادية والتكاليف الدينية (وخاصَّة الصلاة والصوم وما إليهما) يسير على طريق تطهير النفس والتسامي المعنوي. وهذه البشارة الغيبية هي بشارة لجميع المطالبين بالحقيقة والكمال:
- «أبشروا بالمهدي... يملأ قلوب عباده عبادةً ويسعهم عدله»(٥٥).
- «الملك لله... لكن إذا قام القائم لم يُعبَد إلَّا الله (عزَّ وجلَّ)»(٥٦).
- «يُقبِل الناس على العبادات»(٥٧).
٤/٤ - علاج الأمراض الروحية:
كما تقدَّم أن أشرنا فإنَّ منشأ جميع أعمال الإنسان وحركاته وأقواله وفضائله ورذائله، هي (النفس)، فإن صلحت النفس صلحت حياة الإنسان في الدنيا والآخرة، وإن فسدت النفس أدَّت إلى فساد الدنيا والمجتمع واختلَّ النظام الروحي والمعنوي، وابتعد الإنسان عن النظام الأحسن.
إنَّ الآفات والعيوب الروحية والمعنوية (الشرور)، على أقسام:
أ - الآفات والعيوب الاعتقادية، من قبيل: الكفر، والنفاق، والشـرك، والشكّ، والجهل، والرياء، وما إلى ذلك.
ب - الآفات والعيوب العاطفية، من قبيل: اليأس، والقنوط، والخور، والغرور، والتكبّر، والمفاخرة، والحسرة، وما إلى ذلك.
ج - الآفات والعيوب السلوكية، من قبيل: الكذب، والغيبة، والتهمة، والتجسّس، والاستهزاء، وما إلى ذلك(٥٨).
إنَّ كلَّ فتنة أو فساد أو خيانة أو جناية من أيِّ شخص صدرت، تعود في جذورها إلى نوع من أنواع الأمراض النفسية والتي تدفع به إلى ارتكاب مثل هذه السلوكيات الشاذَّة.
من هنا فإنَّ أنواع الجرائم، وسفك الدماء، وأعمال السطو والسـرقة، والتهتّك، والتحلّل، والانحرافات الجنسية، والابتلاء بأنواع الفحشاء، والإدمان على المخدِّرات، وانفراط عقد الأسر والعوائل، وحالات الطلاق، والعنف والقسوة والانتحار، وما إلى ذلك، تنشأ بأجمعها عن الاختلال النفسي والأزمة الإنسانية.
وعليه لا بدَّ من العمل على معالجة النفس الإنسانية، فكما أنَّ الإنسان بحاجة إلى علاج أمراضه الجسدية، فإنَّه أحوج إلى معالجة أمراضه النفسية والروحية من خلال الرجوع إلى الأخلاق؛ وذلك لأنَّ الأمراض النفسية تكبح وصول الإنسان إلى السعادة الأبدية والنعيم السرمدي.
قال الإمام علي (عليه السلام) في وصف النبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): «طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ، وَأَحْمَى مَوَاسِمَهُ يَضَعُ ذَلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ وَآذَانٍ صُمٍّ، وَأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ، مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ، وَمَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ»(٥٩).
وهذا تماماً هو الدور الذي سيقوم به الإمام المهدي (عليه السلام) في إصلاح الناس جميعاً، إذ ورد في وصفه: «سَلَكَ بِكُمْ مَنَاهِجَ الرَّسُولِ فَتَدَاوَيْتُمْ مِنَ الْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْبَكَمِ»(٦٠) (٦١). وفي رواية أخرى: «يفتح ... قلوباً غفلاً»(٦٢).
٥ - الاتّجاه السياسي والحكومي:
طبقاً لهذا الاتجاه فإن الدولة الأخلاقية المهدوية تعنى بالتحقق الكامل للسياسة الفاضلة (المعنوية) في العالم أجمع، وتؤكّد على إصلاح الناس والمسؤولين (في سياق التأثير على الناس) أخلاقياً، وتعمل على تغيير التركيبة الثقافية الفاسدة والمتحرفة، والسيطرة والرقابة الكاملة والشاملة على أداء المسؤولين والناس ... كما تتكفّل الدولة بضمان الحاجة المادية للناس، كي تقطع الطريق على ظهور المفاسد والآفات. هذا إن العناصر الهامة في هذا الشأن عبارة عن:
٥/١ - تطبيق السياسة الفاضلة:
إنَّ (الإمامة) في معتقد الشيعة تعني: القيادة والزعامة والولاية المتعدِّدة الأبعاد لشخص معصوم منصوب في هذا المقام من قِبَل الله سبحانه وتعالى. إنَّ هذا المقام المعنوي والديني العظيم إلى جانب قيادة الحكومة الدينية يتولّى الهداية الشاملة في أمر الدين والدنيا وتتميم مكارم الأخلاق.
وفي الحقيقة يمكن للسياسة والحكومة أن تكون على ثلاثة أنحاء: السياسة الإلهية، والسياسة الشيطانية، والسياسة الصورية (الروتينية).
إنَّ السياسة الشيطانية تضع جميع الأُمور والمسارات في إطار غفلة الناس والجهل وإغراقهم في الضياع والفساد واللهو والغفلة، وتكون سبباً في الكثير من الجرائم والرذائل والحروب.
والسياسة الصورية تُمثِّل برامج الحكومات العادية والمعاشية، والتي تسعى بمختلف أشكالها إلى إدارة الأُمور الروتينية للناس من خلال الاستناد إلى الجوانب المادّية والظاهرية من الحياة دون أن يكون لها شأن بالتقدّم الروحي والمعنوي للناس، بل قد تُسهِم أحياناً في نشوء بعض الانحرافات الأخلاقية أيضاً.
أمَّا السياسة الإلهية فهي السياسة الفاضلة التي تُعنى بالأُمور المعاشية والدنيوية، وتقديم الحلول المناسبة بغية إيجاد التوازن والتعادل والتقدّم في هذه المجالات، ولكنَّها تُعنى أيضاً وبشكل أكبر بالأبعاد المعنوية والروحية للناس، وتهتمُّ بالهداية والتربية والتنمية الشاملة والسعادة الواقعية لهم.
إنَّ هذه السياسة الفاضلة هي ذات الإمامة التي قال عنها الخواجة نصير الدين الطوسي: (الغرض منها تكميل الخلق، ولازمها نيل السعادة) (٦٣).
وعلى هذا الأساس فإنَّ الحكومة وسيلة لإقامة وتطبيق الفضائل والخير والصالح العامّ، والاتِّجاه العام لها هو التقرّب من الله، وتربية النفوس الإنسانية وسيادة السياسة الفاضلة. وحيث إنَّ الكثير من المراكز الثقافية والاجتماعية والعلمية خاضعة لإدارة الحكومة، يمكن لهذه المؤسَّسة أن تلعب الدور الأكبر في إصلاح أو إفساد المجتمع، وما لم يتمّ إصلاح الحكومات والحكّام، لا يمكن أن يكون هناك أيّ نوع من أنواع التقدّم والتطوّر. من هنا فقد ذُكِرَ في بيان الدولة المهدوية: (أنَّها الدولة الأخلاقية القائمة على نظام الإمامة التي تقود المجتمع في كافَّة الأبعاد والنواحي إلى الازدهار الفكري والأخلاقي والكمال الإنساني المنشود، وتعمل على إصلاح عقائد الناس وسلوكياتهم)(٦٤).
إنَّ هذه السياسة الإلهية والفاضلة إن هي إلَّا استمرار لمشـروع الأنبياء - ولاسيّما النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) - كما روي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال:
- «المهدي يقفو أثري لا يُخطئ»(٦٥).
- «يعمل بسُنَّتي وينزل الله البركة»(٦٦).
«إِنَّ قَائِمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِذَا قَامَ لَبِسَ ثِيَابَ عَلِيٍّ، وَسَارَ بِسِيرَةِ عَلِيٍّ»(٦٧).
٥/٢ - إصلاح أخلاق المسؤولين:
إنَّ من بين الآليات المؤثِّرة في الازدهار الفكري والأخلاقي للناس، تقدّم الإصلاح السلوكي والمعرفي للمؤثِّرين في حقل السياسة وإدارة العالم على الآخرين. فلو صلح المسؤولون من الناحية الأخلاقية، ولم ينحرفوا في عملهم - على طبق مسؤولياتهم - عن جادَّة العدل والصواب، فإنَّ الكثير من الانحرافات الأخلاقية والسلوكية في العالم سوف تزول، وسوف يتبعهم الناس ويتَّخذونهم قدوة لهم، فقد قيل: (الناس على دين ملوكهم).
إنَّ الخطوة الأُولى في إصلاح وتحسين أخلاق المسؤولين والقائمين على أُمور البلاد والعباد، تكمن في تشديد الرقابة عليهم، وأخذهم بأشدّ العقوبات فيما لو صدر عنهم تصـرّف أو سلوك يخالف القوانين والأعراف. وكذلك من خلال التدقيق في اختيار المسؤولين المخلصين الذين من شأنهم التأثير على دفع الناس نحو التعالي والكمال، أن يكونوا طليعة السائرين على طريق الازدهار والتقدّم.
إنَّ الإنسان عرضة للانحراف والخطأ في كلِّ لحظة، وللحيلولة دون ذلك، لابدَّ للقائد من أن يكون له إشراف كامل على المسؤولين والقائمين على شؤون المجتمع. ولا بدَّ من أن ينصحهم من وقت لآخر، ويمنعهم من السقط في مزالق الانحراف، كما كان الإمام علي (عليه السلام) يمارس أنجع وأدقّ أساليب الإشراف والرقابة على عمّاله، وهو ما سيقوم به الإمام المهدي (عليه السلام) أيضاً:
- «المهدي جواد بالمال، رحيم بالمساكين، شديد على العمّال»(٦٨).
- «يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا»(٦٩).
إنَّ أهمّ ما يأمر به الإمام المهدي (عليه السلام) أصحابه، إقامة العدل والإحسان إلى الناس: «ثمّ إنَّ المهدي يُفرِّق أصحابه... فيُوجِّههم إلى جميع البلدان ويأمرهم بالعدل والإحسان»(٧٠). وإنَّ الإمام المهدي قبل أن يختارهم ويبعثهم إلى الأمصار، يأخذ عليهم ميثاقاً غليظاً، والكثير من مضامينه مضامين أخلاقية في إطار التزكية والتهذيب، فقد ورد في (عقد الدرر) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل... إلى أن قال: «فيقول - أي المهدي - لهم: إنّي لست قاطعاً أمراً حتَّى تبايعوني على ثلاثين خصلة تلزمكم، لا تُغيِّرون منها شيئاً، ولكم عليَّ ثمان خصال، فقالوا: قد فعلنا ذلك فاذكر ما أنت ذاكر يا ابن رسول الله؛ فيخرجون معه إلى الصفا؛ فيقول: أنا معكم على أن لا تولّوا، ولا تسـرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا محرماً، ولا تأتوا فاحشة، ولا تضـربوا أحداً إلَّا بحقِّه، ولا تكنزوا ذهباً ولا فضَّة ولا بُرَّاً ولا شعيراً، و...»(٧١).
٥/٣ - السيطرة والرقابة الشاملة:
كي نتمكَّن من تغيير سلوك الناس، ووضعهم على مسار الإصلاح والبناء الحقيقي، لا بدَّ من وضع برنامج ثابت ومؤثِّر لهم، وأن يقترن ذلك بالإشراف والرقابة الشاملة والكاملة على تصـرّفاتهم وممارساتهم. وعلاوة على ذلك لا بدَّ من الإشراف الكامل والجادّ على حُسن تطبيق البرامج التربوية والإصلاحية، ويجب عند الضـرورة اللجوء إلى آلية (الإنذار والتخويف) و(العقوبة). كما لابدَّ من الجديّة في تنفيذ التعاليم الدينية (في مختلف المجالات)، وعدم التسامح مع الطغيان والتمرّد على القانون. فلو خضعت البرامج الثقافية لرقابة الأنظمة الدينية، ستكون مؤثِّرة وناجعة للغاية.
إنَّ هذا الإشراف الشامل لهداية الناس إلى الصلاح والتقوى والحيلولة دون التمرّد على القوانين والوقوف بوجه الفساد، سوف يتمُّ في عصر الظهور بشكل دقيق وطبقاً لمخطَّط كامل:
- «يُنصب له عمود من نور في الأرض إلى السماء، يرى فيه أعمال العباد»(٧٢).
- «إنَّه إذا تناهت الأُمور إلى صاحب هذا الأمر، رفع الله تبارك وتعالى كلَّ منخفض من الأرض، وخفض له كلَّ مرتفع منها حتَّى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيّكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها؟!»(٧٣).
إنَّ هذا الإشراف الشامل والجامع سيؤدّي إلى التطبيق الواقعي والدقيق للحدود الإلهية على الأرض: «لا يُعصى الله (عزَّ وجلَّ) في أرضه، ويقام حدود الله في خلقه»(٧٤).
- «... لا يقرع أحد في ولايته بسوط إلَّا في حدٍّ ...»(٧٥).
٥/٤ - رفع الموانع وتغيير العناصر الثقافية السلبية:
إنَّ الاستبداد والفساد والهوى والغفلة والتكبّر والشيطنة وما إلى ذلك، هي من الموانع والسدود الكبرى التي تحول دون تكامل الإنسان، وما لم يتمّ رفع هذه الموانع، لن يكون هناك أمل في إمكانية الوصول إلى التكامل المعنوي للأفراد.
ويمكن تصوّر موانع التكامل على عدَّة أبعاد يمكن إجمالها على النحو الآتي:
أ - البُعد ما وراء الإنساني:

إنَّ من أهمّ العقبات الماثلة أمام تكامل الإنسان ووصوله إلى العبادة الخالصة والقرب من الله سبحانه وتعالى، هو الشيطان وأعوانه وأنصاره في إضلال الإنسان وإغوائه وإفساده. وما لم يتمّ القضاء على هذا المنشأ الرئيس للفساد، ستبقى الكثير من الجرائم وأنواع الخيانة وهضم الحقوق والمعاصي وعبادة غير الله تعالى، وبدفع الشيطان يتمُّ القضاء على وساوسه أيضاً، وهذا لن يكون إلَّا في عصـر الظهور وعلى يد الإمام المهدي (عليه السلام)، فقد ورد في بعض الروايات: «دولة إبليس إلى يوم القيامة، وهو يوم قيام القائم»(٧٦).
ب - البُعد المؤسَّساتي:
إنَّ الكثير من المنظَّمات والمؤسَّسات الثقافية والاجتماعية، ليست مفتقرة إلى المشاريع والبرامج المناسبة والمعيارية والتربوية فحسب، بل إنَّها إمَّا أن تعمل على الترويج لسلسلة من التقاليد والأعراف الجافَّة وبشكل منقوص وسلبي، أو أنَّها تعاني من بعض الأفكار المشوَّهة والاتِّجاهات المتمرِّدة على الثقافة، أو أنَّها بنفسها تُعتَبر مركز وبؤرة الفساد والضياع الأخلاقي.
ومن خلال القضاء على هذه المؤسَّسات وبؤر الفساد أو تغييرها وإصلاح المشاريع والاتِّجاهات الثقافية، يمكن عقد الأمل على حلِّ بعض النواقص ونقاط الضعف التي يعاني منها المجتمع، وهو ما سيُكتَب له التحقّق في عصر الظهور. إذ تقول الروايات الواردة في هذا الشأن:
- «ليعزلنَّ عنكم أُمراء الجور، وليُطهِّرنَّ الأرض من كلِّ غاش»(٧٧).
- «يفتح مدائن الشرك»(٧٨).
- «إذا قام القائم، ذهبت دولة الباطل»(٧٩).
ج ـ البُعد الإنساني:
إنَّ بعض المفاسد والسلبيات التي يعاني منها المجتمع، إنَّما تنشأ عن نشاط المفسدين وشياطين الإنس والأشرار والملحدين الذين يُسخِّرون كلَّ طاقاتهم في محاربة الدين، والتنكّر للمعايير، ونصـرة الباطل، والترويج للفساد والفحشاء وحبّ الدنيا، والحصول على المصالح الشخصية من طريق العنف وما إلى ذلك.
وإنَّ المراكز والأبواق الإعلامية التابعة لهم تُمثِّل أيضاً مراكز لإشاعة المنكرات والإباحية.
ومن خلال القضاء على مهندسي الفساد والضلال أو إصلاحهم، سوف تتَّجه المجتمعات نحو الطهر والصلاح. وهو الذي سوف يُكتَب له التحقّق يقيناً في عصر الظهور:
- «... تهلك الأشرار، وتبقى الأخيار»(٨٠).
- «يبير به كلَّ جبّار عنيد، ويُهلِك على يده كلَّ شيطان مريد»(٨١).
٥/٥ - القضاء على الفقر المادّي لإصلاح المطالب:
لو جعل الإنسان من الدنيا أكبر همّه، واعتبرها هي الهدف والغاية من الحياة، واختزل جميع الأُمور بالمادّيات، فإنَّه سيُبتلى بالطمع ولن يقنع منها بغير المزيد. وإنَّ هذا التعلّق بالدنيا سيُمهِّد الأرضية لارتكاب جميع أنواع المعاصي والآفات والرذائل؛ وذلك لأنَّه سيتَّخذ من الدنيا وسيلة لكسب العيش من الطرق المشـروعة وغير المشـروعة، وبذلك تكون الدنيا بالنسبة إليه دار غرور ولهو ولعب وسكر وعربدة، وبالتالي الخلاف والتنافس من أجل الحصول على مزيد من الحطام.
إنَّ حبَّ الدنيا يؤدّي إلى تسلّل الصفات السلبية إلى الإنسان بالتدريج، وسوف يكون التكبّر والطمع والحسد من أهمّ العلامات على ذلك، وإنَّ هذه الصفات من أسباب انحراف الناس على طول التاريخ.
إنَّ الطريق الوحيد لمعالجة هذه الرذائل، يكمن في التزكية والتربية العقلانية للإنسان، ووضعه على مسار الأنبياء والأئمَّة (عليهم السلام).
ومع ذلك فإنَّ الدين يهتمُّ برفع الاحتياج المادّي للإنسان، كي لا تكون الحاجة مصدر قلقه، الأمر الذي قد يُوفِّر الأرضية الخصبة لتجذّر الطمع والبخل في نفسه. فمن جهة يعمل الإسلام من خلال فرض أحكام من قبيل: الخمس والزكاة والصدقة، لرفع الفقر من المجتمع، ومن جهة أُخرى يعمل على الحيلولة دون اكتناز الثروة والإسراف والكماليات، للمنع من تكريس الثروة المادّية وتجميدها.
وسوف يتمُّ تطبيق هذا الأمر في عصـر الظهور بشكل كامل، وذلك من خلال رفع الحوائج المادّية للناس، مع اقتران ذلك بإخضاعهم للتربية الصحيحة، حيث ستزول المشاكل الناشئة عن حبِّ الدنيا، ويتمُّ وضع الاقتصاد على المسار الأخلاقي والإنساني الصحيح. فطبقاً لبعض الروايات: «تُجمَع إليه أموال الدنيا كلّها، ما في بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء، وركبتم فيه محارم الله، فيعطي شيئاً لم يعط أحداً كان قبله»(٨٢).
وروي أيضاً: «يُسوّي بين الناس حتَّى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة»(٨٣). وفي رواية أُخرى: «كفيتم مؤونة الطلب والتعسّف، ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق»(٨٤).
٦ - الاتّجاه الاجتماعي:
يتمُّ التأكيد في هذا الاتِّجاه على بناء المجتمع السالم، وإقامة المجتمع العالمي (الاتِّحاد على المستوى البشـري)، في ضوء الأخلاق الإلهية.
وفي عملية إصلاح المجتمع يبرز دور المصلحين والمتَّقين بشكل أفضل، ويغدو تطهير المجتمع من المفاسد والشـرور على سُلَّم الأولويات في العملية الإصلاحية.
وفي هذا الاتِّجاه يمكن لنا أن نشير إلى الآليات الآتية:
٦/١ - إضاءة على المحيط الاجتماعي:
إنَّ الإنسان يعيش في محيط يشتمل على بُعدين: البُعد المادّي، والبُعد ما فوق المادّي والملكوتي. وإن الذي يراه الإنسان بحاسَّة البصـر، لا يعدو الحياة الدنيا بما فيها من الرذائل والفضائل، وإنَّ الذي يُبعِده عن حقيقته الوجودية، وذلك الفضاء المعنوي والملكوتي (ويجعله قابعاً في الفضاء الملوَّث والمظلم)، هو اهتمامه وانغماسه في المادّيات والنفسانيات والأوهام.
وفي الحقيقة فإنَّ المجتمع الملوَّث والموبوء هو المجتمع المفعم بالتيّارات السلبية والهدّامة، والأفكار الهدّامة والسامَّة، والاتِّجاهات البهيمية والشهوانية، وأنواع الإثارات الغريزية والجنسية وما إلى ذلك.
وفي الحقيقة فإنَّ الإنسان - ولاسيّما في العصـر الراهن - يعيش ضمن فضاء مظلم ومسموم يترك تأثيرات سلبية وكارثية على روحه ونفسيته وفكره على نحو مباشر أو غير مباشر.
ولكي يتخلَّص ذهن وروح الإنسان من هذه السموم الروحية وغير الثقافية، يجب تطهير الفضاء وصيانة الأفراد، عبر بناء محيط ثقافي آمن ومجتمع طاهر.
وفي هذه الأجواء فقط يتمكَّن الإنسان من تهذيب نفسه ضمن مناخ سليم (على مستوى الظاهر والباطن) ليصل إلى التكامل ويبني لنفسه مجتمعاً أخلاقياً طاهراً.
وتُقدِّم لنا الروايات صورة معبِّرة للغاية عن هذا المناخ والمشهد الطاهر والنوراني، إذ تقول:
- «يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً وبرهاناً...»(٨٥).
- «إذا قام أشرقت الأرض بنور ربِّها...»(٨٦).
- «تطيب الدنيا وأهلها في أيّام دولته»(٨٧).
- «يُطهِّر الله به الأرض»(٨٨).
٦/٢ - الدور والآلية المعيارية للصالحين والأتقياء:
إنَّ وجود الأتقياء والصالحين والعلماء الشاهدين بين الناس، وحضورهم المشهود والواضح في المجتمع، وتصدّيهم لبعض الأُمور والمهامّ الثقافية والعلمية وحتَّى السياسية، يؤدّي إلى ارتقاء وازدهار تلك المجتمعات، وتربية نفوس أفرادها بشكل صحيح.
إنَّ هؤلاء يُمثِّلون النماذج العملية للناس، فهم معلِّمو الأخلاق، وقادة القلوب والعقول إلى الإيمان والمعرفة، وهم الذين بهم تُستَنزل البركات، وهم حجج الله على العباد مثل الأنبياء والأئمَّة والعلماء الأتقياء والعرفاء.
إنَّ تأثيرهم الإيجابي والبنّاء وحضورهم الكمّي والكيفي في المجتمعات وفاعليتهم في الإصلاح وبناء الإنسان، يبلغ حدّاً يقول معه الإمام زين العابدين (عليه السلام): «هلك من ليس له حكيم يُرشده»(٨٩).
إنَّ الإنسان يحتاج على الدوام إلى معلِّم وإلى أُسوة يتأسّى بها لبلورة شخصيته وبناء نفسه.
إنَّ وجود هذه الأمثلة الإلهية يزيد من نورانية المجتمع، ويزيد من نورانية القلوب، ويُحجِّم دور المفسدين من شياطين الإنس. وكلَّما كان أساتذة الإنسان متَّصفين بالكمالات السامية، أمكن لهم أن يلعبوا دوراً إيجابياً أكبر في تطوير الناس على المستويين الفكري والأخلاقي. كما كان للنبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمَّة الأطهار (عليهم السلام) مثل هذا التأثير المعنوي والروحي في حدوده القصوى، وفي عصـر الظهور سيؤدّي الإمام المهدي (عليه السلام) والصلحاء من صفوة أنصاره هذا الدور الحيوي الخالد أيضاً.
إنَّ عودة النبيِّ والعبد الصالح عيسى بن مريم وحضور الخضـر وإلياس (عليهم السلام)، ورجعة مالك الأشتر وسلمان الفارسي والمقداد وأبي دجانة الأنصاري، وأصحاب الكهف، وأصحاب موسى وغيرهم بين أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) في عصـر الظهور(٩٠)، لن يكون خلواً من الحكمة، فهو يُعبِّر عن تحوّلات عظيمة وكبيرة جدّاً، وهذا يُثبِت الدور البارز لرجال الله (عزَّ وجلَّ) في تطهير فضاء المجتمع وبناء الإنسان.
وبالإضافة إلى ذلك هناك مجموعات من الصالحين من بين خُلَّص أنصار الإمام (عليه السلام) سيُشكِّلون باقات ربّانية لقيادة وهداية الناس، وسوف يتولّون المناصب بوصفهم الحكّام على أقاليم العالم، وسوف يقومون بأعباء مسؤولياتهم السياسية والثقافية وشؤون التربية والتعليم العالمي. وقد ورد بهذا الشأن:
- (له رجال إلهيون يقيمون دعوته وينصـرونه، هم الوزراء له، يتحمَّلون أثقال المملكة عنه، ويعينونه على ما قلَّده الله)(٩١).
- عن أبي جعفر (عليه السلام): «يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف، عدَّة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق»(٩٢).
وفيما يتعلَّق بالدور الثقافي الذي سيضطلع به النبي عيسى (عليه السلام) في عصـر الظهور، هناك رواية تقول: «والله لينزلنَّ ابن مريم حكماً عادلاً، فليكسـرنَّ الصليب، وليقتلنَّ الخنزير، وليضعنَّ الجزية، ولتتركنَّ القلاص، فلا يسعى عليها، ولتذهبنَّ الشحناء والتباغض والتحاسد»(٩٣).
٦/٣ - اجتثاث الشرور من المجتمع (سيادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر):
إنَّ من بين الأُصول والقواعد البديهية في تعليم وتربية الإنسان، اجتثاث الشـرور والانحرافات الاجتماعية، وإزالة المنكرات والرذائل من جميع المستويات والدرجات. بمعنى أنَّه لا بدَّ إلى جوار التربية الفردية من أن تكون هناك تربية اجتماعية، وللقيام بهذا الدور لا بدَّ أوَّلاً من القضاء على الأسباب الكامنة وراء الانحراف والرذيلة، والوقوف بشكل جادّ وحاسم أمام جميع أنواع الانحراف والمنكر. فإنَّ كلَّ نوع من أنواع التساهل والتسامح في مواجهة الشـرور والمفاسد، والتغاضي عن أصغر أنواع الانحراف والانحطاط في المجتمع سيؤدّي إلى انتشارها على نطاق واسع، حتَّى يتحوَّل ارتكاب المعاصي والمنكرات إلى مسألة عادية ومألوفة.
إنَّ المجتمع السليم والمتعلِّم هو مجتمع يؤمن بقبح الانحرافات، ومن خلال الالتفات إلى التبعات السيِّئة والمدمِّرة المترتِّبة عليها، فإنَّه لا يستطيع تحمّل وجودها، ويصـرُّ على تطبيق فريضة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
وفي عصـر الظهور يتمُّ العمل بهذا البرنامج التربوي والأخلاقي بشكل جادٍّ، حيث تُستأصل الشرور والانحرافات من المجتمع.
إنَّ هذه المسألة يتمُّ تعقّبها في إطار التربية الدينية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي سياق سيادة وهيمنة القوانين الأخلاقية في المجتمع من قِبَل الحكومة العالمية للإمام المهدي (عليه السلام).
وقد جاءت بعض الروايات في هذا الشأن، نكتفي منها بذكر ما يأتي:
- «يعمل بكتاب الله، لا يرى فيكم منكراً إلَّا أنكره»(٩٤).
- «... يمحو الله به البدع كلّها، ويميت به الفتن كلّها»(٩٥).
- «يذهب الشرّ، ويبقى الخير...، يذهب الزنا، وشرب الخمر، ويذهب الرياء»(٩٦).
٦/٤ - الاتِّحاد البشري المعقول:
إنَّ ابتعاد الناس عن بعضهم، واختلافهم وتباغضهم، وتعدّد ثقافاتهم ومعتقداتهم، وتنوّع وتعارض مطالبهم وأهدافهم، وتبنّيهم للقيم والمعايير المتناقضة، وما إلى ذلك من الأُمور، يُعتَبر من أهمّ ما يُهدِّد المجتمعات البشـرية، كما يُشكِّل عنصـراً للركود والجمود الفكري والثقافي.
وإنَّ هذه الحقيقة تبلغ حدّاً من الخطورة بحيث يذهب بعض المفكِّرين إلى تعريف الإنسان بأنَّه: (ذئب على شكل إنسان)(٩٧).
أيّاً كانت أسباب النزاعات والخلافات بين الناس، ومهما كانت أشكالها - سواء أكانت مذهبية أو قبلية أو دينية أو عرقية أو ... -، فإنَّ تاريخها يعود إلى تاريخ حياة الإنسان، وإنَّ الكثير من الحروب والنزاعات الاستنزافية والعدوان وما إلى ذلك ما هي إلَّا ثمرة ونتيجة من نتائجها.
إنَّ من جملة الأهداف الرئيسة للأنبياء تقريب الناس من بعضهم والعمل على تأليف قلوبهم وتعميق المحبَّة بينهم، تمهيداً لإقامة أُمَّة واحدة تُعيد الناس إلى فطرتهم وسيرتهم الحقيقية. وإنَّما في ضوء هذا الاتِّحاد والتلاحم يمكن للناس أن ينتظموا تحت ثقافة واحدة ودين واحد، لتكون لهم غاية وهدف ومشـروع واحد للحياة. وإذا لم ينخرط الناس في مجتمع عالمي واحد، وأصرّوا على التنازع والخلاف الثقافي والسياسي وما إلى ذلك، لن يُجديهم أيّ نظام تربوي وثقافي، وستبقى مشاكل البشرية كما هي.
وعليه فإنَّ من لوازم الازدهار والتقدّم الفكري والأخلاقي أن تقوم أُمَّة واحدة، وأن يتمَّ إيجاد شعور مشترك بوحدة المصير، والعمل لذلك على التقليل من الفجوات والشـروخ والخلافات وتناقض الأفكار وتفاوت القيم. وهو أمر سيُكتَب له التحقّق في عصـر الظهور بشكل كامل، ويتمُّ القضاء على جميع الخلافات والأحقاد والعصبيات الدينية والمذهبية وما إلى ذلك، وممَّا جاء في هذا الشأن:
- «يقوم قائمنا... ثمّ يجمعهم على أمر واحد»(٩٨).
- «... ليرفع عن الملل والأديان الاختلاف»(٩٩).
كما سيعمل الإمام المهدي (عليه السلام) على التأليف بين قلوب الناس، ويزيل البغضاء والشحناء والأحقاد من قلوبهم:
- «يُؤلِّف بين قلوب مختلفة»(١٠٠).
- «ذهبت الشحناء من قلوب العباد»(١٠١).
- «إذا قام القائم جاءت المزاملة...»(١٠٢).

الهوامش:
(١) أُنظر: روش هاى تربيت للسيِّد مهدي الموسوي: ١٣ و١٤.
(٢) الاحتجاج للطبرسي ٢: ٢٩٠.
(٣) منتخب الأثر للصافي الكلبايكاني: ٥٩٢/ ح ٤؛ إلزام الناصب لليزدي الحائري ٢: ١٨٢.
(٤) الكافي للكليني ٨: ٣٩٦/ ح ٥٩٧.
(٥) منتخب الأثر: ٢٠٩/ ح ٤٩؛ ينابيع المودَّة للقندوزي ٣: ٣٣٨.
(٦) الغيبة للطوسي: ١٨٥/ ح ١٤٤.
(٧) تفسير العيّاشي ٢: ٥٧/ ح ٤٩.
(٨) الملاحم والفتن لابن طاووس: ٦٤؛ عقد الدرر للمقدسي: ١٤٥؛ الصراط المستقيم للبياضي ٢: ٤١١.
(٩) ينابيع المودَّة ٣: ٢٠٨؛ إلزام الناصب ٢: ٢٠٨؛ منتخب الأثر: ٢١٠.
(١٠) كمال الدين للصدوق ٢: ٦١١/ ح ٦.
(١١) الخرائج والجرائح للراوندي ٢: ٨٤١/ ح ٧١.
(١٢) عيون الحِكَم والمواعظ لليثي الواسطي: ٢٣.
(١٣) الكافي ١: ٢٥/ ح ٢٣.
(١٤) تحف العقول لابن شعبة الحرّاني: ٥٤.
(١٥) علم اخلاق اسلامي لمحمّد مهدي النراقي (مصدر فارسي)/ ترجمة المصطفوي: ٩٦.
(١٦) الكافي ١: ٢٥/ ح ٢١.
(١٧) مرآة العقول للمجلسي ١: ٥٦.
(١٨) أُنظر: تاريخ ما بعد الظهور للسيِّد محمّد الصدر: ٤٦٠.
(١٩) المصدر السابق.
(٢٠) نهج البلاغة: ١٩٥/ الخطبة ١٣٨.
(٢١) الكافي ١: ٢٥/ ح ٢١.
(٢٢) إلزام الناصب: ٧٥.
(٢٣) الإرشاد للمفيد ٢: ٣٨٦.
(٢٤) إثبات الهداة للحرِّ العاملي ٣: ٥٦٠/ ح ٦٢٨.
(٢٥) عرفان اسلامي لمحمّد تقي الجعفري: ١٤٩.
(٢٦) أُنظر: المحجَّة البيضاء للفيض الكاشاني ٥: ١٣٦.
(٢٧) الغيبة للنعماني: ٢٣٩/ ح ٣٠.
(٢٨) كمال الدين ١: ٢٦٠/ ح ٥.
(٢٩) الغيبة للنعماني: ٢٣٠/ ح ١٣.
(٣٠) تفسير العيّاشي ٢: ٥٧/ ح ٤٩.
(٣١) تفسير العيّاشي ١: ١٨٣/ ح ٨١.
(٣٢) أُنظر: فقه سياسي لعميد زنجاني (مصدر فارسي) ٢: ٣٢٨.
(٣٣) الخرائج والجرائح ٢: ٨٤١/ ح ٧١.
(٣٤) الغيبة للنعماني: ٣١٠؛ كمال الدين ٢: ٦٥٣/ باب ٥٧/ ح ١٧.
(٣٥) دلائل الإمامة للطبري: ٣٠٩؛ وانظر أيضاً: بحار الأنوار للمجلسي ٥٢: ٣٤٥.
(٣٦) الملاحم والفتن لابن طاووس: ١٤٧.
(٣٧) مجموعة مصنَّفات (سلسلة الأعمال الكاملة) ٢: ٢٧٠، و٣: ٤٠٤.
(٣٨) نهج البلاغة: ٥٥٥/ ح ٤٤٩.
(٣٩) كنز العمّال للمتَّقي الهندي ١٤: ٣٣٤/ ح ٣٨٧٠٠.
(٤٠) الغيبة للطوسي: ١٨٥/ ح ١٤٤.
(٤١) أُنظر: شرح منازل السائرين: ١٦٩ و١٧٠.
(٤٢) كشف الغمَّة للإربلي ٢: ٤٧٤؛ بحار الأنوار ٥١: ٨٤.
(٤٣) الملاحم والفتن لابن طاووس ١٥٠/ باب ١٥٥/ ح ١٨٤؛ ملحقات الإحقاق للمرعشي ٢٩: ٣٣٤.
(٤٤) الغيبة للطوسي: ٤٦٨.
(٤٥) أُنظر: الملاحم والفتن لابن طاووس/ الباب ١٢٩.
(٤٦) ينابيع المودَّة: ٤٣٥.
(٤٧) بحار الأنوار ٥٢: ٣٧٩.
(٤٨) تفسير العيّاشي ٢: ٦١.
(٤٩) بحار الأنوار ٥٢: ٢٦٩.
(٥٠) الإرشاد ٢: ٣٨٢.
(٥١) بحار الأنوار ٥٣: ٣١٦.
(٥٢) ينابيع المودَّة ٢: ٥٨٨.
(٥٣) بحار الأنوار ٥١: ٨٣، وقبله: «وهو القادر على ما يشاء أن يصلح...».
(٥٤) أُنظر: تربيت اسلامي (مصدر فارسي) ٢: ٢٣.
(٥٥) الغيبة للطوسي: ١٧٩.
(٥٦) تأويل الآيات لشرف الدين الحسين ١: ٢٧٣.
(٥٧) منتخب الأثر: ٤٧٤.
(٥٨) أُنظر: آسيب شناسي رفتاري انسان از ديدگاه قرآن: ١٤٧.
(٥٩) نهج البلاغة: ١٥٦/الخطبة ١٠٨.
(٦٠) الكافي ٨: ٦٦/ ح ٢٢.
(٦١) الكليني، الكافي، ج ٨، ص ٦٦.
(٦٢) سليمان الحنفي القندوزي، ينابيع المودّة، ج ٢، ص ٥٨٨.
(٦٣) اخلاق ناصري للخواجة نصير الدين الطوسي / د. تعريف محمّد صادق فضل الله: ٣٥٨/ دار الهادي/ ط ١/ ١٤٢٩هـ/ بيروت.
(٦٤) آينده جهان لرحيم كارگر (مصدر فارسي): ٢٣٣.
(٦٥) منتخب الأثر: ٦٢/ ح ٢.
(٦٦) كشف الغمَّة ٢: ٤٧٢.
(٦٧) الكافي ١: ٤٤١/ ح ٤؛ ولا يخفى أنَّ هذه الرواية مروية عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وليست عن النبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، المعرِّب.
(٦٨) بشارة المصطفى للطبري: ٢٠٧.
(٦٩) نهج البلاغة: ١٩٦/ الخطبة ١٣٨.
(٧٠) إلزام الناصب ٢: ١٨٢.
(٧١) عقد الدرر: ٩٦.
(٧٢) مشارق أنوار اليقين: ١٧٦.
(٧٣) كمال الدين ٢: ٦٧٨.
(٧٤) كمال الدين ٢: ٦٤٣.
(٧٥) الملاحم والفتن لابن طاووس: ٢٦٥/ باب ٥٣/ ح ٣٨٤؛ يوم الخلاص لكامل سليمان ٢: ٦٠٣.
(٧٦) إثبات الهداة للحرِّ العاملي ٢: ٥٦٦؛ بحار الأنوار ٢٤: ٣٩٨/ باب ٦٧/ ح ١٢٠.
(٧٧) بحار الأنوار ٥١: ١٢٠/ باب ٢/ ح ٢٣.
(٧٨) كشف الغمَّة ٢: ٤٧٠.
(٧٩) الكافي ٨: ٢٨٧/ ح ٤٣٢.
(٨٠) منتخب الأثر: ٥٩٢/ ح ٤.
(٨١) كمال الدين ٢: ٣٦٨/ باب ٣٤/ ح ٦.
(٨٢) علل الشرائع للصدوق ١: ١٦١/ باب ١٢٩/ ح ٣.
(٨٣) بحار الأنوار ٥٢: ٣٩٠/ ح ٢١٢.
(٨٤) الكافي ٨: ٢٦٦/ ح ٢٢.
(٨٥) الاحتجاج للطبرسي ٢: ٢٩١.
(٨٦) الإرشاد ٢: ٤٨.
(٨٧) كشف الغمَّ’ ٤: ٤٩٣.
(٨٨) كمال الدين ٢: ٣٧٢/ باب ٣٥/ ح ٥.
(٨٩) بحار الأنوار ٧٨: ١٥٨.
(٩٠) أُنظر: الإرشاد ٢: ٣٨٦.
(٩١) ينابيع المودَّة ٣: ١٧٢/ باب ٦٥، عن محي الدين ابن عربي.
(٩٢) الغيبة للطوسي: ٤٧٦.
(٩٣) صحيح مسلم ١: ٩٤.
(٩٤) الكافي ٨: ٣٩٦/ ح ٥٩٧.
(٩٥) الملاحم والفتن لابن طاووس: ٢٦٤/ باب ٥٢/ ح ٣٨٤.
(٩٦) منتخب الأثر: ٥٩٢/ ح ٤.
(٩٧) أُنظر: توماس هابز، لوياتان.
(٩٨) الغيبة للنعماني: ٢٠٦/ باب ١٢/ ح ١١.
(٩٩) مختصر بصائر الدرجات: ١٨٠؛ بحار الأنوار ٥٣: ٤.
(١٠٠) كمال الدين ٢: ٦٤٦/ باب ٥٥/ ح ٧.
(١٠١) الخصال للصدوق ٢: ٤٢٦.
(١٠٢) بحار الأنوار ٥٢: ٣٧٢/ ح ١٦٥.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016