في تاريخ الجهضمي في باب ألقاب الائمة عليهم السلام: " لقب القائم عليه السلام الهادي، المهدي".(١)
وقد ذكر مكرراً بهذا اللقب في أخبار الأدعية والزيارات.
ولم يجعل الله تعالى احداً هادياً للعالم كافة، ولم يرسله اليهم، بل لم يعده باتمام عمله؛ الّا بعد أن يحصل هو حقيقة الهداية، وبعد أن تفتح له جميع الطرق إلى الحق والحقيقة، وبعد أن يصل إلى جميع مقاصدها، ويكون قادراً على القيام بالهداية، فبعد ذلك يجعله الله تعالى هادياً، ويشرفه بهذا اللقب، فلابدّ ان يكون مهدياً، ولا يلقب حضرته بالمهدي الّا بعد ان يكون عنده هذا المقام من الهداية ليتمكن على القيام بواسطة جنابه المقدس في مقام هداية الخلق، ويعلم كل واحد طريقاً ويقدر على ان يوصله إلى غايته بحسب قابلياته.
وطبق هذه الملاحظة فيمكن تفسير كل واحد منها بالآخر كما تقدّم في لقب (المهدي) عندما سئل الامام الصادق عليه السلام عن معنى المهدي، فانّه قال عليه السلام: " لانّه يهدي الناس.. الخ " يعني انّ ذلك المهدي سمّاه الله تعالى مهدياً لأنّه منح مقام الهداية بحيث يقدر ان يقوم بمقام الهداية عن وجوده الأقدس.
ونظير اشكال تفسير المهدي بالهادي يوجد اشكال في لقب أمير المؤمنين عليه السلام المبارك كما روي في معاني الأخبار والعلل عن الامام الباقر عليه السلام انّه سئل: لم سمّي امير المؤمنين عليه السلام امير المؤمنين؟
قال: لأنّه يميرهم العلم، اما سمعت كتاب الله عزّ وجلّ: (ونمير أهلنا).(٢)
ووجه الاشكال: انّ الميرة بمعنى جلب الطعام من مار، يمير، ميراً.
وأمير من أمَرَ يأمر. وقال بعض: انّه على وجه القلب. وقال بعض: امير فعل مضارع على صيغة المتكلم، ويكون عليه السلام قد قال ذلك ثمّ اشتهر به كما في (تأبط شراً).(٣)
والوجه الثالث؛ قالوا انّ امراء الدنيا انما يسمّون بالأمير لكونهم متكلّفين لجلب الطعام للخلق وما يحتاجون اليه في أمور معاشهم بزعمهم.
وأمّا أمير المؤمنين عليه السلام فان امارته لأمر أعظم من ذلك حيث انّه عليه السلام يجلب اليهم الطعام الروحاني الذي هو سبب حياتهم الأبدية وقوّتهم الروحانية، وان شارك الأمراء في الميرة الجسمانية.
وقد ارتضى العلامة المجلسي (رحمه الله) هذا الوجه.(٤)
والأحسن هو ما قلناه في تفسير (المهدي) وهو انّ الامارة لا تجعل من الله تعالى الّا بعد الكمال والتأهّل والوصول إلى مراتب العلوم بحيث يمكنه أن يعلم كل أحد جميع ما يحتاج اليه، فما لم يكن هو نفسه ذا علم راسخ فانّه لا يستطيع ان يجلس على وسادة الامارة الالهية. فكل من يخبر عن مقامه العلمي هذا فيمكن القول انّه قد وصل إلى مقام الامارة. ومن يقال له امير فلابدّ ان يكون قد طوى درجات العلوم. وليست كامارة المخلوق فيكون كلّ جاهل غبي اميراً. ولعلّ الوجه الثالث يرجع إلى هذا المعنى والله العالم.
الهوامش:
(١) تاريخ الجهضمي: ص ١٣٣ ـ وفي الترجمة بزيادة (و) بين (الهادي) و (المهدي).
(٢) من الآية ٦٥ من سورة يوسف.
(٣) معاني الأخبار: ص ٦٣ ـ علل الشرايع (الصدوق): ج ١، ص ١٦١.
(٤) قال العلامة المجلسي في بحار الأنوار: ج ٣٧، ص ٢٩٣:
(بيان: الميرة ـ بالكسر ـ: جلب الطعام، يقال: مار عياله ميراً وأمارهم وامتار لهم ; ويرد عليه أنّ الأمير فعيل من الأمر لا من الأجوف، ويمكن التقصّي عنه بوجوه:
الأوّل: أن يكون على القلب وفيه بعد من وجوه لا يخفى.
الثاني: أن يكون " أمير " فعلا مضارعاً على صيغة المتكلّم، ويكون عليه السلام قد قال ذلك ثمّ اشتهر به، كما في تأبّط شرّاً.
الثالث: أن يكون المعنى أنّ اُمراء الدنيا انّما يسمّون بالأمير لكونهم متكفّلين لميرة الخلق وما يحتاجون اليه في معاشهم بزعمهم، وامّا امير المؤمنين عليه السلام فامارته لأمر أعظم من ذلك، لانّه يميرهم بما هو سبب لحياتهم الأبديّة وقوّتهم الروحانية، وإن شارك سائر الأمراء في الميرة الجسمانية، وهذا أظهر الوجوه).