الملامح المميزة لصفات الإمام المنتظر(عجّل الله فرجه)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
هنالك في الآثار ملامح جليلة مميزة لصفة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) البدنية, وهي بمجموعها تحكي كريم صفاته, وجميل خلقه, وتكامل حواسه, وإشراق طلعته الغراء, وباستعراض تلك الملامح وهي متكررة الورود في عشرات الأحاديث الشريفة, نخلص إلى الرائع من أبعادها, وكل أبعادها رائعة, ونبدؤها بما أورده ابن حجر بسنده: (المهدي وجهه كالكوكب الدري).
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (والكوكب الدري القائم المهدي (عليه السلام)).
وفي الحديث الأول إيحاء مركزي بجمال وجه الإمام (عجّل الله فرجه) واستنارته واستدارته وبهائه الأسمى, إلا إن الحديث الثاني أعتبر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) نفسه كوكباً درياً, وهو تعبير بالاستعارة عن إشراق الكون بضيائه, وإنقاذ البشرية من الظلمات بنوره.
وعن أبي سعيد الخدري, قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (المهدي مني, أجلى الجبهة, أقنى الأنف...).
وأجلى الجبهة الذي انحسر الشعر عن جبهته وخف عن جانبيها.
وأقنى الأنف: طويله مع دقة عرنينه.
وعن أبي سعد الخدري, قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي: أجلى أقنى).
وعن أبي سعيد الخدري أيضاً, قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يقوم في آخر الزمان رجل من عترتي: شاب, حسن الوجه, أجلى الجبين, أقنى الأنف).
وهذه الأحاديث متضافرة في بيان صفة وجهه الكريم, فهو كوكب دري يضيء, وهو أجلى الجبهة والجبين, قد انحسر الشعر عن جانبي جبهته, وهو طويل الأنف دقيق العرنين.
وهناك أحاديث أخرى تحدثت عن الشكل العام الذي عليه الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه), أبرزها ما رواه حذيفة بن اليمان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (المهدي رجل من ولدي, وجهه كالقمر الدري, اللون لون عربي, والجسم جسم إسرائيلي).
وقد ورد في صفة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): أن لونه لون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), أبيض مشرب بحمرة, وجسمه كأجسام أبناء يعقوب (عليه السلام), وقد كان بنو إبراهيم معروفين بكمال الأجسام وجمال الوجوه, ومعناه أن صفات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), وصفات إبراهيم (عليه السلام): ظاهرة في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
وكان الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قد تحدث عن نموذج آخر حول منظر الإمام (عجّل الله فرجه) وهيئته في السن والشكل بما رواه أبو الصلت الهروي, قال: قلت للرضا (عليه السلام): (ما علامات القائم منكم إذا خرج؟
قال: علامته أن يكون شيخ السن, شاب المنظر, حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها, وإن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام والليالي حتى يأتي أجله).
وكان الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قد أوضح صفة الإمام في عمره, فقال: (لو قد قام القائم لأنكره الناس, لأنه يرجع إليهم شاباً موفقاً).
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام) يتحدث فيها عن محنة الناس, وهم يفجأون بشبابية الإمام (عجّل الله فرجه), قال: (وإن أعظم البلية أن يخرج إليهم صاحبهم شاباً, وهم يحسبونه شيخاً كبيراً).
ومن الأحاديث ما يفصل في الشكل والصفة, فمما روي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) عن أبيه عن جده, قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو على المنبر: يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان: أبيض اللون, مشرب بحمرة, مبدح البطن, عريض الفخذين, عظيم مشاش المنكبين, بظهره شامتان, شامة على لون جلده, وشامة على شبه شامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي رواية حمران بن أعين في صفة القائم, أن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (ذاك المشرب حمرة, الغائر العينين, المشرف الحاجبين, العريض ما بين المنكبين, برأسه حزاز, وبوجهه أثر, رحم الله موسى).
هذه هي ملامح الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) في الروايات والأحاديث قبل أن يولد, وهي تتحدث عن صفته عند الظهور المبارك, أما ملامحه بعد ولادته مشاهدة من قبل أولياء الله المؤتمنين ممن عاصر أباه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام), وممن شاهده عياناً, وعمن واكب أحداث الغيبة الصغرى, فتتحدث عن ذلك روايات أخرى, فيها غناء عن التكهن في ملامحه, فلدى صلاة الإمام المنتظر على جثمان أبيه, جاءت الصفة عنه كالآتي: (فخرج صبي بوجهه سمرة, بشعره قطط, بأسنانه تفليج).
والشعر القطط هو الشعر المجعد, وتفليج الأسنان تباعد بعضها عن بعض نسبياً, وهي صفة لأسنان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم), كما ذكر المؤرخون.
هذا وقد اجتمع إلى أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) من أصحابه الثقات طائفة, وفي مجلسه أربعون رجلاً جاؤوا ليسألوه عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه), فأخرجه إليهم, قالوا: (فإذا غلام كأنه قطعة قمر, أشبه الناس بأبي محمد).
يعنون بذلك أباه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
وسأل أحمد بن اسحق, وأمره بالوثاقة معروف, الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قائلاً: (... فمن الإمام والخليفة بعدك؟
فنهض (الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)) مسرعاً فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام, كأن وجهه القمر ليلة البدر, من أبناء ثلاث سنين...).
وفي سؤال يعقوب بن منقوش للإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (يا سيدي: من صاحب هذا الأمر؟
فقال: ارفع الستر!!
فرفعته, فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك, واضح الجبين, ابيض الوجه, دري المقتلين, شتن الكفين, معطوف الركبتين, في خده الأيمن خال, وفي رأسه ذؤابة...).
والمراد - والله العالم - بدري المقلتين: أنهما يتلألآن.
وشتن الكفين: أنهما قويان شديدان مفتولان.
ومعطوف الركبتين: كناية عن عظم الركبتين وتقدمهما.
والذؤابة: ما ضفر من شعر الرأس, فكأن المراد أن شعره (عجّل الله فرجه) كان مضفوراً آنذاك.
وهو خماسي: أي أن طوله خمسة أشبار.
وقد تحدث أبو عمرو عثمان بن سعيد الوكيل الأول لصاحب الأمر (عجّل الله فرجه), عن صفة الإمام (عجّل الله فرجه) في الخلق حينما سأله عبد الله بن جعفر بحضور أحمد بن اسحق: هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان (عجّل الله فرجه)؟ قال: قد رأيته (عليه السلام), وعنقه هكذا؟ (وأشار بيده) يريد أنها أغلظ الرقاب حسناً وتماماً)
وهو يعني بذلك - والله العالم - أنه بالغ مبالغ الرجال في الخلقة.
وسئل الوكيل الثاني لصاحب الأمر: محمد بن عثمان بن سعيد عن رؤية صاحب الأمر, قال: نعم, وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام, وهو (عجّل الله فرجه) يقول: (اللهم أنجز لي ما وعدتني).
وقال محمد بن عثمان بن سعيد: ورأيته متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: (اللهم انتقم لي من أعدائك).
ولعل خير ما نختتم به القول عن صفته: ما تحدث به أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ملامحه حينما سأله عمر بن الخطاب عن ذلك, فقال:
(هو شاب مربوع, حسن الوجه, حسن الشعر, يسيل شعره على منكبيه, ويعلو نور وجهه سواد لحيته ورأسه, بأبي ابن خيرة الإماء).