الطواف في زمن الغيبة
وهاب شريف
من المعروف أن الطواف حول الكعبة المشرفة أمر تعبدي يرمز إلى سر عظيم من أسرار الكون، يقوم على شهادة التوحيد الخالص تلبية للنداء الإلهي الذي أمر به إبراهيم الخليل -أن يؤذن للناس بالحج- مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.
فالكعبة مركز للجاذبية الروحية التي ينبغي أن تكون بين العبد وربه ، وهذه الجاذبية الروحية هي القوة الخفية التي تجعل كل قادم يطوف حول الكعبة بمجرد الوصول إليها، وتدل هذه الرؤية الإيمانية الشاملة على أن الطواف سلوك كوني يشير إلى مظاهر الوحدة والتماثل بين التكاليف الشرعية والظواهر الكونية.
فما هي مسؤوليتنا نحن في غيبة إمامنا المنتظر (عجّل الله فرجه)؟ وكيف نستفيد من فلسفة الطواف في التفافنا حول أئمتنا ومراجعنا وعلمائنا؟
إن مرجعيتنا الدينية هي الأصل الثابت والهام جداً بالنسبة لنا، لأنها تمثل مرجع التقليد في مسائلنا الشرعية وأحكام ديننا، وكما يقول الإمام علي الهادي (عليه السلام): (لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا من العلماء الداعين إلى الله والدالين عليه والذابيّن عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته, ومن فخاخ النواصب لما بقى أحد إلا ارتد عن دين الله). فانه يتحتم على عامة الناس الرجوع إلى عالم روحي ملمّ بأصول وفروع الدين ويمتلك المقدرة الكاملة والسليقة الذاتية في الربط بين الأحكام والتفريع فيها وصولاً إلى استنباط الأحكام المحددة بشأن المسائل المستحدثة.
حيث يجد عامة الناس صعوبة في استنباط الأحكام الشرعية في أمور العبادات والمعاملات, فيكون الرجوع إلى المرجع رجوعا إلى الاختصاصي في كل الأمور الشرعية لاسيما فيما يبتلي به الناس من الأمور التي لم تكن معهودة في زمن المشرّع الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام).
وهكذا يكون الالتفاف حول المراجع العظام صورة من صور الطواف الذي تحدثنا عنه.
فالفقهاء هم الحكام الشرعيون في (عصر الغيبة الكبرى للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)) وهم وحدهم من لهم صلاحية الحكم بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) المعصومين، وإن وظيفة الأمة تجاه المراجع تحددها جملة من الأمور:
أهمها تقليدهم في الأحكام الشرعية وامتثال أوامرهم وإيصال الحقوق إليهم لكي لا تقف مشكلة المال في طريق نشاطهم لكي لا تخمد جذوة الإسلام، ومعاضدتهم في الأمور، والالتفاف حولهم، وإعلامهم بما يقع في المجتمع، والدفاع عنهم وتهيئة الجو لهم، فالمرجع بمنزلة القائد والأمة بمنزلة الجيش، فإذا أمر بشيء أو نهى عن شيء, على الأمة الإتباع والطاعة.
ونخلص من ذلك إننا نمارس من خلال التفافنا حول أئمتنا ومراجعنا في عهد الغيبة الكبرى نوعاً من الطواف تقرباً لله تعالى من دون أن يكون ذلك بديلاً عن الطواف في الكعبة الشريفة.