الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٦٧٢) دور العقيدة المهدويَّة في تفكيك ظاهرة الإلحاد
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٦٧٢) دور العقيدة المهدويَّة في تفكيك ظاهرة الإلحاد

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: مهند مضر رؤوف الحبّوبي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٤/١٠ المشاهدات المشاهدات: ٤٢٥٩ التعليقات التعليقات: ٠

دور العقيدة المهدويَّة في تفكيك ظاهرة الإلحاد

مهند مضر رؤوف الحبّوبي

المقدّمة:
شغلت القضيَّة المهدويَّة مساحة واسعة من ميدان العقيدة الإسلاميَّة، ذلك لما لها من ثقل كبير رسَّخته النصوص الشريفة من كتاب وسُنَّة.
وجاء الاهتمام بها من قِبَل المسلمين بمختلف درجاتهم المعرفية انسجاماً مع هذا الاهتمام التشريعي.
ويُضاف إلى ذلك، ما تمتَّعت به القضيَّة من ارتباط عاطفي وزخم معنوي باعتبارها أمل جميع الأحرار والمستضعفين في بلوغ وتحقُّق وعد الله تعالى، والخلاص من رِبْقَة الظلم، وطلب دولة يملؤها المنقذ العالمي قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئَت ظلماً وجوراً.
لذا فمن نافلة القول: إنَّ الكتب والدراسات والنشرات والدوريات البحثية كانت ولم تزل، تهتمُّ بالقضيَّة المهدويَّة حتَّى صارت تربو على الخمسة آلاف كتاب(١). وكان لكلِّ كاتب فيها اهتمامه الخاصّ، فمنهم (ونحن هنا لسنا بصدد جمع أصناف المؤلِّفين) من اهتمَّ باستشراف المستقبل ودفعه حبُّ الفضول الفطري إلى البحث في الكتب عن أخبار الفتن وأشراط الساعة.
ومنهم من أُعجب بشخصية المنقذ الموعود، فدعاه تعلُّقه إلى تقصّي أخباره والتعرُّف على شمائله وأحواله.
ومنهم من عرف المنقذ بمهديته وعرفه بإمامته فأحبَّه واعتقد به وصار يكتب دفاعاً عن عقيدته فيه وتعريفاً للناس بمقامه القدسي.
ولا شكَّ، أنَّ هذا الصنف الأخير من الكُتّاب المهدويين، المهتمّين بالبعد العقائدي، قد أفادوا القضيَّة المهدويَّة وساعدوا على توسعة دائرتها المعرفية لدى الناس، فكان للمواضيع المطروحة في الكتابات والأبحاث المختصَّة في غَيبة الإمام، وفي تعليلها، وبحث مسألة طول عمره (عليه السلام)، وإثبات ولادته، وجمع الأحاديث المستفيضة الواردة بشأنه، الأهمّية الكبيرة في تعزيز المعرفة والثقافة المهدويَّة، حتَّى لو تكرَّرت عناوينها ومضامينها. وفي هذا دليل على أنَّ القضيَّة المهدويَّة نابضة بالحياة والسؤال عنها لم يفتر ساعة واحدة.
وفي ما يخصُّ هذا البحث، فإنَّ موضوعه لا يخرج أيضاً عن البعد العقدي، لكن من زاوية أُخرى قد تبدو غير مألوفة بالنسبة للأبحاث المهدويَّة السابقة، فقد تناول البحث موضوعاً من المواضيع الشائكة والحسّاسة على الصعيد العقدي، ألَا وهو موضوع ظاهرة (الإلحاد)، فقد حاول البحث أن يُضيف جديداً إلى المكتبة المهدويَّة، ويُؤكِّد توضيحاً مهمّاً مفاده أنَّ القضيَّة المهدويَّة ليست فكرة جامدة تبرز فقط عند زمن ظهور الإمام (عليه السلام)، بل هي من الحيوية والقوَّة والتأثير ما يتناسب ومعالجة مشاكل العصر وتحدِّياته، وظاهرة الإلحاد واحدةٌ من تلك المشاكل التي لا يستطيع استيعابها وامتصاصها إلَّا العقيدة الربّانية المتمثِّلة بالعقيدة المهدويَّة.
وجاء البحث ليُقدِّم الموضوع بصورة أوَّلية لطبيعة المواجهة بين العقيدة المهدويَّة والظاهرة المذكورة، فتناول الموضوع في عمومياته من دون الدخول في التفاصيل، وذلك لسببين:
السبب الأوَّل: أنَّ موضوع البحث من العناوين البِكر التي تُطرَح من أجل وضع لبنة أُولى في قضيَّة مهمَّة يُؤسَّس عليها فيما بعد.
السبب الثاني: الاهتمام بعرض المشكلة كظاهرة سلبية من باب التذكير بخطورتها والتحذير منها وإيجاد الحلول لها، ومثل هذا الأمر يتطلَّب التبسيط في المقال بالشكل المناسب.
لهذا ابتعد البحث قدر المستطاع عن استخدام المصطلحات العلمية والتعابير المعقَّدة، تاركاً الباب مفتوحاً للتعمُّق والدراسة للمتخصِّصين في هذا الشأن، لأهمّية الموضوع وخطورته الملحَّة على الأجيال.
وقد اقتصر البحث على الإلحاد بمفهومه الاصطلاحي المتداول، وجاءت هيكليته في ذلك مقسَّمة على ثلاثة فصول، بتسلسل متتابع، اهتمَّ الأوَّل بالتعريف بالظاهرة، والثاني بعرض العقيدة ومحوريتها مع التقديم للعقيدة المهدويَّة ومقارنة عامَّة بين الظاهرة الإلحادية والعقيدة الإلهيَّة، وجاء الفصل الثالث بتصوّر عام لآلية مواجهة العقيدة المهدويَّة للظاهرة ودوره في تفكيكها.
وأخيراً نشكر الله على كلِّ نعمة، ونسأله الإقالة من كلِّ تقصير، وأن يجعلنا مصداقاً لقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ﴾ (آل عمران: ١٩١).

الفصل الأوَّل: ظاهرة الإلحاد- تعريف بالهويَّة

توطئة:
تُعتَبر ظاهرة الإلحاد في حدِّ ذاتها ظاهرة تستحقُّ المتابعة والدراسة، مع أنَّها ظاهرة شاذَّة وغريبة في مجتمعنا الإسلامي، ولا ترتقي إلى أن تتَّخذ شكل وطبيعة الظاهرة الاجتماعية بخصائصها التي وضعها علماء الاجتماع من (جماعية، والتزام، وتلقائية، وترابطية).
فقد ظلَّت عبر تاريخها في الإسلام في نطاقٍ فردي وضيِّق؛ بينما استكملت أدوار نضجها حتَّى تضخَّمت كظاهرة اجتماعية خطيرة في مجتمعات أُخرى، ويرجع الفضل في منعها وتحجيمها إسلاميّاً، إلى شغل العقيدة الإسلاميَّة المساحة الكبيرة في وجدان المسلمين.
وكونها تقع ضمن الإطار العقائدي، كانت ظاهرةً عقديةً بامتياز. وهو ما دعا إلى اعتماد العقيدة عاملاً رئيساً في مواجهتها والتصدّي لها.
وسيتمُّ في هذا الفصل محاولة لإلقاء نظرة للتعرُّف على ملامح هذه الظاهرة بتحديدها، وعرضٍ موجز لتأريخها وروّادها، مع التحليل لمضمونها الفكري ونتائجها، والتعرُّض لأهمّ أسبابها(٢).

الفصل الثاني: العقيدة المهدويَّة- امتداداً للدين الإلهي

توطئة:
تُعتَبر العقيدة الدينية روح أيِّ دين وسنده. ولمَّا كان الدين نقيضاً لفكرة التحرُّر منه وعدم قبوله، كان للعقيدة الموقع الخاصّ في موقعة التحرّي عنه وإثبات وجهة نظره. وإذا كانت المواجهة بين الدين السماوي والإلحاد حتميةً - وهي كذلك -، فلا بدَّ أن يُمثِّل الطرفين الأُنموذجُ الكاملُ فيهما لإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، وليستطيع الباحث عن المعرفة والحقيقة الوصول إلى القناعة والاطمئنان قبل الاختيار، ولتحقيق هذا الغرض كان لزاماً أن يُعقَد هذا الفصل في طلب العقيدة الأقرب في تمثيل الدين الإلهي.
فموضوعية الطرح تُحتِّم التعرُّف على الدين السماوي من مظانِّه وإبداء الحكم على أثره، فسجل المناظرات عبر التاريخ بما فيها المناقشات والحوارات العلمية، حافلٌ بالوقوع في الفهم السلبي وإصدار الكثير من الأحكام المسبقة التي بُنيت عليها نظريات ورُؤى ناقصة، وهو الذي وقع من أساطين الفكر الإلحادي في فهم وتعليل ومحاكمة الدين كما سيأتي تباعاً(٣).
العقيدة المهدويَّة:
يُمثِّل الاعتقاد بالإمام المهدي (عليه السلام) الامتداد الطبيعي للعقيدة الإسلاميَّة الحقَّة بركيزتيها: الكتاب والعترة، فهي القناة نفسها التي توصل إلى توحيد الله تعالى بالمعرفة والعبادة، وتمثيله قائم لكِلا القناتين لحجّيته كإمام.
وترجع ميزة اعتقاد المكلَّف به (عليه السلام) إلى أنَّ العقيدة المهدويَّة تُمثِّل الاعتقاد بالكتاب والعترة والتذكير بالعهد المأخوذ من الناس، وبالتالي تأمين الوصول إلى التوحيد الأصيل من دون الوقوع في ملابسات الشرك والانحراف (الإلحاد).
والذي سيعني بقاء دين الإسلام منذ عهد آدم إلى عهد الخاتِم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما هو، ليكفل قطف ثمار الاعتقاد ودخول النعيم لمن يشاء الوفاء بعهده الإلهي.
لهذا، ليس غريباً أن ترافق البشارات صاحبها (عليه السلام). ويكون بشارة العهدين(٤) وبشارة القرآن(٥) وبشارة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(٦)، ونقطة التقاء بين جمهور المسلمين(٧)، ووعد الله، بدلالة قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ (النور: ٥٥).
والذي في ذكره (عليه السلام) ورَد الحديث القدسي: «وبالقائم منكم أُعمر أرضي...، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا...»(٨).
والأثر التكويني بادٍ بشهادة أحاديث الاثني عشر.
فوجود الإمام المهدي (عليه السلام) هو الجواب الشافي لإدراك حديث الاثني عشر عند الفريقين، والحصول على ثمرته بعد إنجاز الوعد الإلهي المرجوِّ بقيام دولته العادلة، فعن الباقر (عليه السلام)، عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مِنْ وُلْدِيَ اثْنَا عَشَرَ نَقِيباً نُجَبَاءُ مُحَدَّثُونَ مُفَهَّمُونَ، آخِرُهُمُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ يَمْلأهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً»(٩).
وهو ما يُلقي بظلاله على ضرورة معرفة الإمام خوفاً من وقوع ميتة الجاهلية بشهادة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ مَاتَ ولَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامٌ فَمِيتَتُهُ مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ»(١٠).
وقد ذكر الشيخ الصدوق في وجوب معرفته (عليه السلام): (ولا يكون الإيمان صحيحاً من مؤمن إلَّا من بعد علمه بحال من يؤمن به، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (الزخرف: ٨٦)، فلم يوجب لهم صحَّة ما يشهدون به إلَّا من بعد علمهم، ثمّ كذلك لن ينفع إيمان من آمن بالمهديِّ القائم (عليه السلام) حتَّى يكون عارفاً بشأنه في حال غيبته، وذلك أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) قد أخبروا بغيبته (عليه السلام)، ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نُقِلَ عنهم واستُحفِظَ في الصُّحُف ودُوِّن في الكتب المؤلَّفة من قبل أن تقع الغَيبة بمائتي سنة أو أقلّ أو أكثر)(١١).
وبضمِّ ما بيَّنه المعصومون إلى ما أعلنه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الإمام المهدي (عليه السلام) ونهضته، فلا عُذر بعد هذا لمن أنكره (عليه السلام)، ومن أنكره فقد حكم عليه الكثير من ابناء العامة بالكفر، فعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ أنكر خروج المهديِّ فقد كفر بما أُنزل على محمّد...»(١٢). وعن الإمام المهدي (عليه السلام) نفسه في إحدى توقيعاته: «ومن أنكرني فليس منّي وسبيله سبيل ابن نوح»(١٣).
وبالعودة إلى كلمات المعصومين (عليهم السلام) الواردة في إعظام شأنه وخاصَّةً ما كان منها في الاستنكار على منكره (عليه السلام) كما في الحديثين المتقدِّمين، يمكن القول: إنَّ إنكار المهدي (عليه السلام) مماثلٌ في المقدّمة والنتيجة لإنكار الله تعالى، بمعنى أنَّ منكر الإمام والملحد بالله تعالى هما على حدٍّ سواء. فمن الناحية العامَّة يكون هذا الإنكار إنكاراً لجميع الأديان، فـ (المهدويَّة بالمعنى العامّ ضرورية بجميع الأديان، ومن أنكر هذا الأمر...، سيكون بمثابة الخروج عن جميع الأديان، أي يصبح مثل هذا المدَّعي كمن لا دين له)(١٤). والمهدويَّة بالمعنى الخاصّ، عقيدة إسلاميَّة بما سبق من النصِّ عليها. وقد ربط الحديثان المتقدِّمان مسألة الإنكار بالكفر، وجاء الحديث النبوي صريحاً بأنَّه بمثابة الكفر بخاتم الرسالات، وفي حديث الإمام (عليه السلام) تشبيه له بكفر ابن نوح، وكِلا التمثيلين صورة لواحدٍ من أشدّ أنواع الكفر، وهو كفر الجحود الذي ذكره الإمام الصادق (عليه السلام)(١٥).
كما أنَّ تحقُّق هذه النتيجة لا يستثني المسلم، بل هي في المسلم أشدُّ منها من غيره، بحكم كثرة ما تردَّد عن القضيَّة المهدويَّة في سمعه، فالقضيَّة المهدويَّة هي المعيار الذي يُميِّز الخبيث من الطيِّب.
وهذا التشابه العضوي بين إنكار الإمام والإلحاد بالله تعالى ينجرُّ أيضاً إلى حالَتي الإلحاد في الشكِّ والجحود، فالشكُّ في وجود الإمام شكٌّ في وجود الله تعالى، وإنكار وجود الإمام إنكار لوجود الله تعالى، لأنَّ الإمام (عليه السلام) مظهر لفيض الله تعالى، وهو الدالُّ عليه.
فمن الواجب على كلِّ مسلم مهما كان توجُّهه الفكري والمذهبي أن يراجع ما يعتقده، فإن لم يكن فيه القبول بالمهدي (عليه السلام) فكرةً ومضموناً فليُصحِّح مساره، لأنَّ الاعتقاد بالمهدي (عليه السلام) اعتقادٌ بالتوحيد.
يُوضِّح القرآن الكريم هذه المسألة كحقيقة من الأصل التكويني بإرسال الباري أئمَّته الهداة من غير انقطاع، وهو قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ (الرعد: ٧)، وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ﴾ (الإسراء: ٧١). وسيتبع ذلك لزوماً اعتماد غيبته والاعتقاد بها، فصارت الغَيبة هنا من صلب العقيدة الإلهيَّة. وشاءت الإرادة الإلهيَّة أن تكون الغَيبة واقعة في صلب العقيدة بالله تعالى والاختبار بها، وكأنَّها تذكيرٌ مع الفارق في احتجاب الخالق عن الخلق، وهي من المسائل التي طالما تمسَّك بها الملحدون لدحض الدين بعد أن رفضوا الاعتراف إلَّا بالمادَّة دليلاً عدمياً على عدم وجود الخالق.
وهنا مظهر آخر للارتباط بين المهدويَّة وبين العقيدة يقابله تنافرٌ بين المهدويَّة والإلحاد، من حيث أنَّ غَيبة المهدي (عليه السلام) هي محلُّ ابتلاء وشكٍّ حقيقي في اختبار عقيدة المؤمن بالله تعالى. فهل يثبت على عقيدته ويكون قد ثبت على صدق إخلاصه لمبدأ الإيمان بخالقٍ لا يراه؛ أو يُنكِر الغَيبة فيكون بذلك ملحداً لا يؤمن إلَّا بوجود المادَّة؟
وخطورة هذا المشهد أوضحته كلمات العصمة محذِّرةً من إنكار المهدي (عليه السلام)، كما وردت أحاديث أُخرى تُشجِّع على الثبات وإعلان الولاء بالإيمان بفرج الظهور وذكر ثواب الانتظار، ليكون انتظار الفرج عنصراً آخر في العقيدة مكمِّلاً للاعتقاد بالغَيبة.
فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أفضل أعمال أُمَّتي انتظار الفرج من الله (عزَّ وجلَّ)»(١٦)، وعن الصادق (عليه السلام): «من مات منكم على هذا الأمر منتظِراً له كان كمن كان في فسطاط القائم (عليه السلام)»(١٧).
وحتَّى قرن الله سبحانه بانتظار الفرج، فعن الرضا (عليه السلام) وقد سُئِلَ عن الفرج: «إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [الأعراف: ٧١؛ يونس: ٢٠ و١٠٢]»(١٨). وفي ذلك خَتم صاحب الأمر (عليه السلام) في المنقول عنه: «وأمَّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبتها عن الأبصار السحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء»(١٩).
مقارنة بين نقيضين:
بعدما تقدَّم عرضه، من المهمِّ التطرُّق للصفات والملاحظات المسجَّلة والمستنتجة على الإلحاد كظاهرة تستحقُّ الدرس، ويمكن اختزالها في موضوعين رئيسين، هما: المحدودية والعجز.
١ - محدودية الظاهرة:
اعتمدت ظاهرة الإلحاد منذ البداية على (المادّية) في استخلاص المعرفة، وانعزل الفكر الإلحادي من البداية بجدار المادّية، وكان مطلوباً منه البحث عن إجابات خارج نطاق المألوف لديه، وكان من الصعب أن يخرج من نطاق المادّية إلى ما وراءها وفهم إمكانية وجود (اللامادّية). ومع الانجرار في موجة (العقلانية) والانغلاق على ما هو ملموس من دون فتح المجال للتفكير بما هو أبعد من ذلك. فكانت النتيجة اقتصارها على المحدود، وهو الذي أدّى إلى ظهور الكثير من العيوب والإشكالات فيها، في حين أغفلت عن قصد مجرَّد القبول في البحث عمَّا وراء هذه المادَّة.
وبقي المضمون الفكري لهذه الظاهرة محافظاً على نزعة صِدامية ضدّ الدين في الغالب، مع أحكام مسبقة، من دون دراسة مستفيضة للتعرُّف على هوية الدين وتمييز الصحيح منه، ومثاله موجود في كلمات منظِّريهم من قبيل كلمة الفيلسوف البريطاني برتراند راسل: (إنَّني أظنُّ أنَّ كلَّ الأديان الكبرى في العالم -البوذية، الهندوسية، المسيحية، الإسلام، والشيوعية- هي غير صحيحة ومؤذية على حدٍّ سواء)(٢٠).
وهذه النظرة المستعجلة تُسجِّل نقطة ضعف ونقص في فكر الظاهرة وأدبياتها انعكست سلباً على دوافعها. وقد تُصيب العقلية الإلحادية في بعض حججها وإشكالاتها على أديان معيَّنة، وهي تتبع لإشكالية التطبيق في الدين. لكنَّ هذا لا ينطبق على الدين الأمثل، ومثل هذه القراءة تغييب للقراءة الفاحصة بشكل تؤاخذ عليه لاسيّما وأنَّها صادرة من عقلية يُعْتَدُّ بها في المجال العلمي، تتبنّى العلم والطريقة التجريبية في تحليل المعطيات. ولا يُعقَل أن يُلحَق دين كبير مثل الإسلام إلى جانب أديان ومذاهب وثنية ومادّية منحرفة إلَّا أن يكون من باب التعميم في النظر وإضمار المغالطات.
فهذه النظرة أسيرة المادَّة ومحدودية التفكير السليم. وألقت بظلالها على التصوّر العامِّ للدين من المنظور الإلحادي، وهو ما قد عكسه الملحدون بما وضعوه من تفسيرات مختلفة للدين منشؤها اتِّجاهاتهم ومنطلقاتهم الخاصَّة. فتفسيراتهم: النفسية والفجائية والظرفية والاقتصادية والسلطوية والبراغماتية(٢١)، واضحة التأثُّر بتلك الإرهاصات. ولم يصلوا فيها إلى فهم عميق يجيبوا بواسطته - ولو تقريبياً - عن العلَّة الكامنة في تواجد الدين داخل وجدان الإنسان منذ تأريخ ظهوره على الأرض. ولهذا إن كانت التوجُّهات الفكرية للملحدين مقبولة في مجالات اختصاصهم، إلَّا أنَّها كارثية في ما خصَّ الدين.
والفارق الواضح أنَّ الدين ظاهرة لكنَّها أكثر عمقاً وضاربة في الأصالة، لارتباطها بخالق المادَّة وما وراءها(٢٢)، وهو ما يكشفه عمقها العقائدي. ولهذا يُلاحَظ أنَّ محدودية المادَّة جعلت المادِّيين يعملون للدنيا باحتمالية الفشل، وعدم التزام الدين بالمحدود، أتاح العمل فيه للدنيا والآخرة. وهذا فرقٌ جليٌّ على مستوى النتيجة. فقد حاكى الدين الوجدان الإنساني كما حاكى متطلَّبات المادَّة وظفر بالاثنين معاً. وهذا من منشأ قوَّته واتِّساعه، ففي الوقت الذي لا يرفض الدين المادَّة كوسيلة مخلوقة من الباري وُضِعَت لأجل خدمة الإنسان يرفض الإلحاد الدين ويتمسَّك بالمادَّة.
ولهذا عند الاستماع لقوله تعالى: ﴿لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ (البقرة: ٢٥٦)، يستطيع المتلقّي أن يُدرك حقيقةً أنَّ الدين الإلهي ليس كما تُصوِّره العقلية الإلحادية من التسلطية والتقييد، بل الحقيقة أنَّ اتِّصاله بالفاعل الحقيقي (الله سبحانه) منحه الاستقلالية والقوَّة. ولذا فـ (الدين شيء لا يمكن الإكراه عليه، فهو من الأُمور الوجدانية لا من الأُمور الخارجية، فالصلاة مظهر للدين، والحجّ مظهر للدين، وليس هذا هو الدين، لأنَّ الدين أمر وجداني موطنه القلب، والقلب لا يمكن السيطرة عليه من أيِّ قوَّة في العالم، فهو المنطقة الحرَّة الوحيدة في العالم كلِّه، لأنَّه مجموعة من الوجدانيات والخواطر والمعتقدات، ولا يمكن لأحد التحكُّم فيها)(٢٣).
ولهذا السبب (كان يراود ثُلَّة من المفكِّرين -منذ عقود قريبة- حلم اضمحلال الأديان، ولكن هذا الحلم لم يتحقَّق على أرض الواقع قطُّ، بل على العكس فقد ظهر موج من الإقبال المتزايد للشعوب نحو المعنويات في العالم المعاصر، وقد تجلّى هذا الموج بأنحاء مختلفة في شرق العالم وغربه، ففي الغرب ظهرت ميول نحو المعنوية والعرفان، وفي الشرق تبلورت اتِّجاهات نحو إحياء الأديان المحلِّية كما برزت بوادر التعصُّب، الذي يلعب دوراً هامّاً في الحفاظ على هوية الأديان والشعوب)(٢٤).
٢ - عجز الظاهرة:
سبَّب اعتماد الإلحاد على الفلسفة في مضمونه الفكري، على مستوى التنظير والاستدلال، أزمة هُوية بعد سلسلة من الوقوع في التخمينات والظنّيات، وفي كثير من الأحيان عدم المقدرة على الإجابة (اللاأدرية). مع وجود المدارس الفكرية المختلفة الاتِّجاهات، وكثرة الرموز في الفكر والعلم فيها دون الثبات على اتِّجاه واحد منها. والاعتماد على الحسِّ والتجربة على أساس المشاهدات. وفي هذا السياق، أجاب (ج. ب. ستَرن)(٢٥)، حول سؤال بشأن الإجابات الإيجابية لحياة تخلو من الله، في فكر نيتشه، قائلاً: (أخشى أنَّ الإجابات عن ذلك السؤال من فلسفة نيتشه غير مُرضية بالمرَّة. فتناوله للأسئلة الاجتماعية في مجمله لا يصل للعمق...، واقتراحات نيتشه تجعل عيش الناس معاً في تناغم أمراً شديد الصعوبة)(٢٦).
وفشلت كلُّ محاولات العلم لتقديم الإجابات على كثير من التساؤلات الإنسانية المتكرِّرة والملحَّة، وأعلن عجزه في تفسيرها. فاهتزَّت الثقة في ما اعتمده المادّيون من نظريات مادّية مثل نظرية دارون الذي صرَّح صاحبها قائلاً: (أنا مقتنع بأنَّ الانتقاء الطبيعي قد كان الوسيلة الأكثر أهمّية، ولكنَّه ليس الوسيلة الوحيدة للتعديل)(٢٧)، حتَّى أنَّ أحد العلماء التطويريين صرَّح قائلاً: (إنَّ نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علمياً، ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان، ونحن لا نؤمن بها إلَّا لأنَّ الخيار الوحيد بعد ذلك هو (الإيمان بالخلق الخاصّ المباشر)، وهذا ما لا يمكن حتَّى التفكير فيه)(٢٨)، وتكلَّم إسحاق نيوتن في إحدى رسائله: (إنَّه لأمر غير مفهوم أن نجد مادَّة لا حياة فيها ولا إحساس وهي تُؤثِّر على مادَّة أُخرى، مع أنَّه لا توجد أيَّة علاقة بينهما)(٢٩).
وفي مقابل ذلك، قدَّمت العقيدة في الإسلام الحلول لتساؤلات الإنسان الفطرية بما اعتمدته من المصادر رصينة للوصول إلى المعرفة عبر طَريقَي الكتاب الكريم والنبوَّة، وما تفرَّع عنهما من المعاجز الحسِّية، والتي اتَّصلت كلُّها بمسبِّب الأسباب. وأتاح الدينُ التأمُّلَ في الطبيعة (ملكوت الله)، والاستفادة من منافعها.
ذكر الشيخ المظفَّر في عقيدة شيعة أهل البيت في أصل المعرفة، وهي ما استفاده شيعة أهل البيت عنهم (عليهم السلام)، ما مفاده: (نعتقد أنَّ الله تعالى لمَّا منحنا قوَّة التفكير ووهب لنا العقل أمرنا أن نتفكَّر في خلقه وننظر بالتأمُّل في آثار صنعه، ونتدبَّر في حكمته وإتقان تدبيره في آياته في الآفاق وفي أنفسنا، قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْأَفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فُصِّلت: ٥٣). وقد ذمَّ المقلِّدين لآبائهم بقوله تعالى: ﴿قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً﴾ (البقرة: ١٧٠). كما ذمَّ من يتَّبع ظنونه ورجمه بالغيب، فقال: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾ (الأنعام: ١١٦ و١٤٨؛ يونس: ٦٦؛ النجم: ٢٨). وفي الحقيقة أنَّ الذي نعتقده أنَّ عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق ومعرفة خالق الكون، كما فرضت علينا النظر في دعوى من يدَّعي النبوَّة وفي معجزته)(٣٠).
وفي هذا تناقضٌ جليٌّ بين الدين والإلحاد، فالفكر الإلحادي الذي يدَّعي العقلانية وحرّية التفكير، يتمسَّك بالعلم لكن في إطار المنظور ويمنع عن البحث فيما وراءه؛ بينما الدين على عكس ذلك يُبيِّن انفتاحه ويدعو للتفكُّر في المادَّة كما يدعو إلى التفكُّر في ما خلفها، فنسبة العقلانية إلى الدين الحنيف أولى. قال (سالمون ريناك): (ليس أمام الديانات مستقبل غير محدود فحسب؛ بل لنا أن نكون على يقين من أنَّه سيبقى في الكون دائماً أسرار ومجاهيل، ولأنَّ العلم لن يُحقِّق أبداً مهمَّته على وجه الكمال)(٣١). وقال الدكتور (ماكس نوردوه): (وستبقى الديانات ما بقيت الإنسانية، وستتطوَّر بتطوّرها، وستتجاوب دائماً مع درجة الثقافة العقلية التي تبلغها الجماعة)(٣٢).

الفصل الثالث: العقيدة المهدويَّة والإلحاد- بين المواجهة والتفكيك

بعدما تقدَّم في الفصلين السابقين من عرضٍ لطبيعة مِحْوَرَي الضدِّ والنقيض: محور الإيمان بالخالق العظيم ومحور ظاهرة الإنكار، حَلَّ في هذا الفصل بحث وتدبُّر شكل المواجهة التي سيخوضها وريث الدين الإلهي المهدي (عليه السلام) في فكِّ طِلَسم الظاهرة العصيَّة وتفكيك حُزَمها.
مرحلتان في المواجهة:
إنَّ طبيعة الاعتقاد بأصل الإمامة في الإسلام وتحديداً الالتزام بالإمام الثاني عشر (عليه السلام) في فكر مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، تفرض أخذ عامل الزمن في الحسبان عند دراسة آلية المواجهة مع الإلحاد في منظور العقيدة المهدويَّة. ويمكن عندها التقسيم إلى المرحلتين المعروفتين: مرحلة زمن الغَيبة ومرحلة عصر الظهور المبارك. ويسري هذا التقسيم أيضاً على أيِّ شكل من أشكال المواجهة العقائدية الأُخرى في منظور العقيدة المهدويَّة، بطبيعة الحال.
١ - مرحلة زمن الغَيبة:
إنَّ من وُفِّق لمعرفة أهل البيت (عليهم السلام)، لا يخطر في باله أن يترك المعصومون رعيَّتهم هَمَلاً. ولهم في ذلك أُسوة حسنة من كتاب الله تعالى ونهج جدِّهم المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي صدح بقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً﴾ (المائدة: ٣)، مُصدِّقاً ذلك في يوم الغدير، بفعله وقوله وتقريره. وكذلك كان منهم وقد نصبوا للأُمَّة من تلامذتهم أعلاماً في الفقه والعقيدة يرجعون إليهم وهم بعدُ بين ظهرانيهم. ولم يكن ذلك منهم (عليهم السلام) إلَّا استشعاراً بضرورة هذا العمل، واستدراراً للطف الإلهي في هداية الناس ودرء المفاسد عنهم. وليس زمن الغَيبة بِبدعٍ من ذلك ولا شكٍّ، فالقضيَّة هنا أخطر، وبالأخصّ في الجانب العقائدي.
فما كان منهم (عليهم السلام) إلَّا أن جاهدوا في إيصال العقيدة والشريعة الحقَّة وأودعوها المجتهدين من أتباعهم ليوصلوها إلى الناس تحت كلِّ ظرف. فصارت العقيدة والفقه من المعهود لديهم عن أئمَّتهم، وفي مقدّمة ما يفتحونه من رسائل مجتهديهم العملية. وهو ما أقرَّه الأُصوليون في الأُصول، ومثاله ما صرَّح به الشيخ المظفَّر بالقول: (وعقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط أنَّه نائب للإمام (عليه السلام) في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والرادُّ عليه رادٌّ على الإمام والرادُّ على الإمام رادٌّ على الله تعالى، وهو على حدِّ الشرك بالله كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت (عليهم السلام))(٣٣). وتبع هذا اعتماد الاجتهاد مكفولاً بالوجوب الكفائي(٣٤).
والأصل في ذلك مأخوذ ممَّا وَرَدَ عن المعصومين (عليهم السلام) قبل زمن الغَيبة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) من جوابه على حكم المتخاصِمَين: «ينظران إلى من كان منكم ممَّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضيا به حكماً، فإنِّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه، فإنَّما استخفَّ بحكم الله وعلينا ردَّ، والرادُّ علينا كالرادِّ على الله، وهو على حدِّ الشرك بالله»(٣٥). وعن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): «فأمَّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوامِّ أن يُقلِّدوه»(٣٦). وعن الامام المهدي (عليه السلام): «وأمَّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله»(٣٧).
وقد كان العلماء في زمن الغَيبة مدركين لطبيعة مهمَّتهم وثقل مسؤوليتهم، فهم نوّاب الإمام، والواجب عليهم التصدّي لكلِّ معضلة كانت سيتصدّى لها الإمام المعصوم. وقد أُحيطوا علماً بكلمات المعصومين (عليهم السلام) المهيِّأة والموجِّهة لهم نفسياً وتربوياً لتحقيق ثقل هذه النيابة.
وبعد هذا كلِّه، فإنَّ صورة المواجهة في زمن الغَيبة مرسومة أمامهم وشدَّتها معلومة لديهم بتأكيد الإمام الهادي (عليه السلام) في المنقول: «لولا من يبقى بعد غَيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه، والدالِّين عليه، والذابِّين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلَّا ارتدَّ عن دين الله، ولكنَّهم الذين يُمسِكون أزمَّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سُكّانها، أُولئك هم الأفضلون عند الله (عزَّ وجلَّ)»(٣٨).
ففي كلمة الإمام الهادي (عليه السلام) ما يُستفاد منه الإشارة لاستمرار خطِّ المواجهة المتوارث من الامام المنتظر (عليه السلام) إلى خلفائه من العلماء الجامعين للشرائط. وإشارة أُخرى إلى قوَّة العقيدة ورسوخها في قلوب العلماء الواعين، ومدحاً لثباتهم وقوَّتهم في الذود عنها رغم ما يعانونه في سبيل ذلك من شتّى صنوف المَشاقِّ والمصائب؛ كما أنَّ فيها إلفاتاً إلى أنَّ الخوف ليس على العقيدة بحدِّ ذاتها، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً﴾ (آل عمران: ١٧٧). وإنَّما الخوف على الفرد المسلم المعرَّض للبدع وانحرافات مُضلِّليها بما يُسبِّبونه من إضعافٍ لعقيدته. فالقيمة الأسمى عند المعصومين (عليهم السلام) هي قيمة الإنسان، غاية الإرشاد والهداية. وفي هذا المعنى، رُوي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تعظيم وظيفة تنوير الناس واستنقاذهم من الضلالة قوله لعليٍّ (عليه السلام): «وايْمَ الله لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك ممَّا طلعت عليه الشمس وغربت»(٣٩).
ولو لم يكن العلماء في زمن الغَيبة معتقدين بالعقيدة المهدويَّة ومتفاعلين معها ومتشبِّعين بمضامينها وغاياتها، بما انعكس على تربيتهم وانصهارهم في بوتقتها، لما أمكنهم البقاء متيقِّظين للقيام بواجباتهم تجاه الفرد والأُمَّة، وإنتاج التأثير المرجوِّ. فكانت علميتُهم مرتكزة على علم المعصوم والاستقاء من النصوص الواردة عنه، لاستنباط الحكم وإبداء الفتوى.
وعليه، كان من الطبيعي أن يحيط الإمام المهدي (عليه السلام) نوّابه المتصدِّين لدفع البدع والانحرافات برعايته وعنايته. وهذا ما تجلّى بوضوح في توقيعه الملفت الصادر إلى الشيخ المفيد(٤٠).
وقد كشف الكتاب عناية الإمام الخاصَّة بالعالم المتفرِّغ لإبراز علم أهل البيت والمتصدّي لشؤون الأُمَّة، فقد عُرِفَ الشيخ المفيد بمناظراته ومحاججاته المتينة المكلَّلة بالظفر. كما وبيَّن الكتاب تلك العناية الخاصَّة من الإمام لشيعته في زمن الغَيبة بلا فرق عن رعايته في حضوره.
وهكذا وفي مثل هذه الأجواء المشحونة، انبرى حملة فكر أهل البيت (عليهم السلام) من علماء وخطباء ومحدِّثين ومن معهم من المؤمنين في زمن الغَيبة، بحملة متواصلة لتوعية الناس وإرشادهم. فكانت أشكال التصدّي مختلفة باختلاف طبيعة الشخص ومهمَّته، فمنها ما كان بالمناظرة والنقاش العلمي الهادئ، ومنها ما كان بتصنيف الكتب المختصَّة في نقض الإلحاد والردِّ على الملاحدة أو تلك المقترنة بمعالجة مواضيع أُخرى متعلِّقة في تعزيز العقيدة الصحيحة مثل مواضيع التوحيد والنبوَّة والمعاد وغيرها. ومنها ما اتَّجه إلى التصنيف في التفسير وإعجاز القرآن وعلومه - دفعاً للتشكيك فيه(٤١) لضرب الدين - واللغة وتدوين الحديث ونحوها، فكلُّ هذه الجوانب تخدم قضيَّة تعزيز العقيدة ودفع الشبهات والضلالات والزندقة والإلحاد.
إنَّ مجرَّد قيام العالم بالتصدّي لأعباء المرجعية الدينية يُعتَبر الحلقة الأُولى في النهوض بمشروع مكافحة ظاهرة الإلحاد، فوجود العالم ضمان للناس وفقده ثلمة، وما مضيّه قُدُماً وشروعه في فضح ظاهرة الانحراف وردِّها بالكلمة أو التدوين إلَّا بمثابة الحلقة الثانية في دائرة التصدّي والقيام. وإذا كانت كلتا الحلقتين على قدر المسؤولية فإنَّ الثمرة ستؤتي أُكُلها في النهاية.
ولو اقتصرنا على ما كتبه العلماء في نقض الظاهرة من دون ما عرضوا له وفصَّلوا من المواضيع الساندة والمتداخلة من: إثبات الربوبية والتوحيد والصفات إلى آخره من المباحث، فستأتي النتيجة في هذه العيِّنة المعبِّرة عن اهتمام العلماء قديمهم وحديثهم بمتابعة الظاهرة ومحاولة تفكيكها ولو فكرياً. فمن القدماء:
أبو سهل النوبختي(٤٢)، المعاصر لزمن الغَيبة الصغرى وله: (كتاب الإنسان والردّ على ابن الراوندي(٤٣)، كتاب التوحيد، كتاب نقض على مسألة أبي عيسى الورّاق(٤٤) في قِدَم الأجسام مع إثباته الأعراض)(٤٥)، (كتاب نقض عبث الحكمة لابن الراوندي، كتاب نقض التاج على ابن الراوندي، ويُعرَف بكتاب السبك، كتاب نقض اجتهاد الرأي على ابن الراوندي، كتاب حَدَث العالم)(٤٦).
الشريف المرتضى(٤٧)، له: (الردّ على يحيى بن عديّ، كتاب الردّ على يحيى أيضاً في اعتراضه دليل الموحِّدين في حَدَث الأجسام، الردّ عليه في مسألة سمّاها طبيعة المسلمين)(٤٨).
ومن المحدَثين:
السيِّد جمال الدين الأفغاني(٤٩)، له: (الردّ على الدهريين).
الشيخ محمّد جواد البلاغي(٥٠)، له: (الردّ على الطبيعيين).
الشيخ محمّد الجواد الجزائري(٥١)، له: قصيدة (حلّ الطلاسم) عارض بها قصيدة الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي(٥٢) (الطلاسم).
الشيخ مرتضى المطهَّري(٥٣)، له: (نقد الماركسية، الدوافع نحو المادّية، الرؤية التوحيدية والرؤية المادّية، أسباب التوجُّهات المادّية). وأخيراً:
السيِّد محمّد باقر الصدر(٥٤)، له: (فلسفتنا، اقتصادنا).
وبالإضافة إلى هذه النخبة من العلماء الذين كتبوا في الردِّ على الملحدين أو في دحض الأفكار المادّية التي استندوا عليها، كان هناك ولم يزل الكثير من العلماء والمفكِّرين والأُدباء والباحثين غيرهم، الذين عنوا بالتصدّي والمواجهة للظاهرة أفراداً ومؤسَّسات وبمختلف الوسائل المسموعة والمقروءة والمرئية.
٢ - مرحلة عصر الظهور:
تُمثِّل مرحلة عصر الظهور البلورة الحقيقية للعقيدة المهدويَّة والميدان العملي لقطف ثمار مشروع الإصلاح العالمي الذي نادى به جميع الأنبياء (عليهم السلام)، والذي ارتبط باسم الإمام صاحب العصر (عليه السلام). وعند استقراء النصوص الخاصَّة بشأن الإمام (عليه السلام) للتعرُّف على ملامح هذا المشروع يُطالعنا عنوان بشارته المعروف: (يملأ الأرض قِسطاً وعدلاً)، ولا بدَّ للتعرُّف على منهجية الإمام وخطَّته في القضاء على ظاهرة الإلحاد من اعتماد هذه البشارة، ففيها الإشارة إلى وجود نهضة وخطَّة عمل للإمام من أجل القضاء على الكفر والظلم العالميين، وظاهرة الإلحاد لا تخرج عن هذه الرؤية. ومن الواضح أنَّ نجاح المشروع المهدوي سيمضي بالاعتماد على المقوِّمَين التاليين:
المقوِّم الأوَّل: القضاء على دولة الكفر والظلم العالميتين.
المقوِّم الثاني: نشر القسط والعدل لتحقيق حالة السلم والأمان على مستوى العالم.
فلا مناص لتحقيق المطلب المنشود من الانطلاق في حملة القضاء على الظلم والجور.
وهي مهمَّة طبيعية ومنطقية للقائد المصلح، حيث تبتدئ أوَّلاً بالتخلُّص من الجذور الفاسدة، ومن ثَمَّ الشروع بالبناء على قواعد سليمة، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ عملية التصدّي لظاهرة الإلحاد وإنهائها تندرج ضمن المقوِّم الأوَّل.
وللتعرُّف على منهج الإمام المهدي (عليه السلام) وآلية مواجهته لظاهرة الإلحاد وتفكيكها نهائياً، يمكن استخلاص نقاط أربعة، وتُمثِّل أوَّلها القاعدة الاستراتيجية والعمق المعرفي الذي تنطلق منه بقيَّة النقاط الثلاث، باعتبارها الأدوات اللازمة للتنفيذ، وسيكون ترتيبها في العرض على نحو ترتيبها المنطقي المستفاد من تسلسل أحداث الظهور في الروايات الشريفة، وهي بإيجاز على النحو الآتي:
النقطة أ: الفكر المتقدِّم والمقاوم للإمام (عليه السلام)، وهي بمثابة خطِّ الشروع الذي ينطلق منه المصلحون بمشروعهم الإصلاحي إلى الناس.
النقطة ب: سيرته العملية وسلوكه الحضاري والأخلاقي في دعوة أهل العالم بمختلف أديانهم ومذاهبهم وألوانهم عبر فتح باب الحوار والإقناع أمام الجميع بكلِّ حرّية.
النقطة ج: استخدام القوَّة والتصدّي للعناصر التي لا تفهم أو لا تريد أن تفهم إلَّا منطق القوَّة باستعمال السلاح، والتي تعمل بإصرار على إجهاض المولود العالمي الجديد (مشروع الدولة العالمية العادلة).
النقطة د: إنجازاته (عليه السلام) في فتح آفاق معرفية وعلمية جديدة يخترق فيها المتعارف والمعقول لدى أصحاب الحضارة المادّية بكلِّ مراحل تاريخها المعلومة والمجهولة.
ومن المهمِّ ملاحظة: أنَّ منهج المواجهة المرسوم لن يبدأه الإمام (عليه السلام) كلَّه في المستقبل، فقد هيَّأت له أحاديث آبائه المعصومين (عليهم السلام) قبل ولادته، وعمله المخفي في حركته الغيبية، ما لا ينقصه إلَّا اللمسة الأخيرة بإعمال الأدوات الثلاث ووضعها موضع التنفيذ بمجرَّد تلقّيه الإذن الإلهي بالنهوض، لتكون بداية النهاية لكلِّ انحراف عن معرفة الله تعالى منذ بدء الخليقة.
النقطة أ: فكر الإمام (عليه السلام):
لم يخرج فكر الإمام المهدي (عليه السلام) في طبيعته عن المحيط الطبيعي لفكر أهل البيت (عليهم السلام)، وهذه ميزة قائمة في دائرتهم المعرفية ومن مختصّاتهم الاحتجاجية، لذا فإنَّ لغة التخاطب والمناظرة أمست تقليداً راكزاً في منهج العترة التبليغي والإرشادي، فعن الصادق (عليه السلام): «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَالْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ (عليهم السلام)»(٥٥).
وعنه (عليه السلام) أيضاً: «إِنِّي لأعلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَأَعْلَمُ مَا فِي الْجَنَّةِ، وَأَعْلَمُ مَا فِي النَّارِ، وَأَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ...، عَلِمْتُ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الله (عزَّ وجلَّ)، إِنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ»(٥٦). وليس غريباً أن يكون الإمام (عليه السلام) متصدّياً للإلحاد وقادراً على تفكيكه ومعالجة أسبابه ونتائجه.
ففكر الإمام (عليه السلام) بما امتاز من خصائص العلم الربّاني لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في مختلف دقائق العلوم الإلهيَّة، يُعَدُّ الحلُّ الأنسب لجميع مشاكل الاشتباه والخلط والشكِّ الذي تُعاني منه العقلية الإلحادية. وفيه الإجابة عن جميع الإشكالات والتساؤلات التي تخطر في الأذهان مهما كانت خلفيتها ومبلغ تعقيدها. وهو العلم الحضوري الذي سيتواجد في عصر ظهوره (عليه السلام) ويبسطه للناس بالطريق الكسبي الذي يناسب مداركهم، لذا سيملأ علم الإمام (عليه السلام) الفراغ النفسي والروحي الذي ضرب أطناب الوجدان الإلحادي المتأزِّم وقاسى منه إيمان الإنسان ما قاسى.
وتبقى الخصوصية في ذلك للإمام صاحب العصر (عليه السلام) في كسر شوكة الكفر والإلحاد (الجحود) وقطع دابرهما تماماً من الأرض، فعن الباقر (عليه السلام): «إنَّ الدنيا لا تذهب حتَّى يبعث الله (عزَّ وجلَّ) رجلاً منّا أهل البيت يعمل بكتاب الله لا يرى منكراً إلَّا أنكره»(٥٧).
وسأل عبد العظيم بن عبد الله الحسني الإمامَ الجواد (عليه السلام): يا مولاي، انّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، فقال (عليه السلام): «ما منّا إلَّا قائم بأمر الله، وهادٍ إلى دين الله، ولكن القائم الذي يُطهِّر الله به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها قسطاً وعدلاً هو الذي يخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سميُّ رسول الله وكنيِّه...»(٥٨).
ومن ذلك ما ورد عن الحجَّة (عليه السلام) في إحدى توقيعاته: «وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحقُّ واضمحلَّ الباطل وانحسر عنكم»(٥٩).
ومن جملة علومه الرائدة، علمه بالتوحيد ودقائقه المعرفية، بما يُميِّز بين الكفر والإيمان ويُفرِّق بينهما، وهما في كلمة واحدة: لا إله إلَّا الله، (أوَّلها كفر وآخرها إيمان). وهو ما أمَّنَه الحديث المروي عن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ عِنْدَ كُلِّ بِدْعَةٍ تَكُونُ مِنْ بَعْدِي يُكَادُ بِهَا الإيمَانُ، وَلِيّاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مُوَكَّلاً بِهِ يَذُبُّ عَنْهُ، يَنْطِقُ بِإِلْهَامٍ مِنَ الله ويُعْلِنُ الْحَقَّ ويُنَوِّرُهُ، ويَرُدُّ كَيْدَ الْكَائِدِينَ يُعَبِّرُ عَنِ الضُّعَفَاءِ»(٦٠).
وفيما يلي عرضٌ لجانب من كلمات الإمام المُستفادة في موضوع الردِّ على الإلحاد والشكِّ ونحوهما من الانحرافات، بدأها الإمام (عليه السلام) بتعريف مجملٍ عن التوحيد: «إنَّ الله تعالى هو الذي خلق الأجسام وقسَّم الأرزاق، لأنَّه ليس بجسم ولا حالٌّ في جسم، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم»(٦١).
ومن رسالة له (عليه السلام) في الردِّ على المرتابين في الدين والمتشكِّكين بوجوده الشريف، بدأها (عليه السلام) بحرصه في التصدّي لهداية الناس وحفظهم عقائدياً لما فيه صلاحهم:
«بسم الله الرحمن الرحيم، عافانا الله وإيّاكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإيّاكم من سوء المنقلب، إنَّه أُنهي إليَّ ارتياب جماعة منكم في الدِّين، وما دخلهم من الشكِّ والحيرة في ولاة أمرهم، فغمَّنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا فينا، لأنَّ الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره، والحقُّ معنا فلن يوحشنا من قعد عنّا، ونحن صنايع ربِّنا والخلق بعد صنائعنا»(٦٢).
ومن الرسالة أيضاً ردُّه على المتشكِّكين بوجوده بعد أبيه (عليهما السلام)، ظنّاً منهم بغياب الحُجَّة وانصرام حبل الدِّين: «يا هؤلاء، ما لكم في الريب تتردَّدون، وفي الحيرة تنعكسون، أوَما سمعتم الله يقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء: ٥٩)؟ أوَما علمتم ما جاءت به الآثار ممَّا يكون ويحدث في أئمَّتكم، على الماضين والباقين منهم عليهم السلام؟ أوَما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها، من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي (عليه السلام)، كلَّما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم؟ فلمَّا قبضه الله إليه ظننتم أنَّ الله أبطل دينه، وقطع السبب بينه وبين خلقه، كلَّا ما كان ولا يكون، حتَّى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون»(٦٣).
وفي هذا القدر من كلماته (عليه السلام) كفاية في استخلاص منهجية للإمام (عليه السلام) في التعامل مع التيّارات المنحرفة وتأثيرها على الفرد والمجتمع، وقابلية الردِّ انطلاقاً من بُنية معرفية لا يكاد يفصلها السامع عن جملة المنظومة المعرفية التي أورثها آل البيت (عليهم السلام) لأتباعهم وتناقلته موسوعات الحديث. منظومةٌ سمتها الارتباط بالقرآن والاستشهاد به، مع تملُّك الحُجَّة والدليل وبلاغة البيان وفصاحة اللسان وقوَّة إدارة الكلام وتوجيه الخِطاب نحو السامع والقارئ. بما يردع النفس عن الوقوع في الشكِّ أو يُلزمها بالحُجَّة مع الإيقان.
ب - سيرته في الحوار (نظرة استشرافية):
في هذا المقام يتَّجه الإمام إلى لغة الحوار والمحاججة، وإذا أدّى هذا الطريق إلى إقناع أصحاب كِلا الاتِّجاهين في الإلحاد (اللاأدرية) و(المتشدِّدة)، فإنَّ تفكيك الظاهرة وإفراغها قد وَقَعَ، ويتمُّ استبدالها بالتعريف بالعقيدة الحقِّ وتبليغها، وإن حصل شيء من التردُّد والتريُّث، أعطى الإمام الفرصة لهؤلاء المتردِّدين للتفكُّر أو التدبُّر؛ أو إن كان هناك امتناعٌ ورفضٌ فإنَّ آلية المقاطعة هي المقدَّمة، وما يعكس هذا التصوّر هو مطالعة أحد توقيعات الإمام المهدي (عليه السلام) التي جاء فيها: «وأمَّا ندامة قوم شكُّوا في دين الله على ما وصلونا به، فقد أقلنا من استقال ولا حاجة إلى صلة الشاكّين»(٦٤).
ويكون أوَّل إيذان لفتح الإمام (عليه السلام) باب الحوار، هو بعد إعلان نهضته في أوَّل خطبة له في مكَّة، وقد أسند ظهره إلى البيت الحرام فينادي: «يا أيّها الناس إنّا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس فإنّا أهل بيت نبيِّكم ونحن أولى الناس بالله تعالى وبمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فمن حاجَّني في آدم فأنا أولى الناس بآدم، ومن حاجَّني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجَّني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم (عليه السلام)، ومن حاجَّني في محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأنا أولى الناس بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...»(٦٥).
فالإمام يُصرِّح عن هويَّته ويُعلِن استعداده للحوار والمحاججة، ومن الواضح أنَّ عامَّة الخطاب خُصِّص لأصحاب الأديان في البداية أدبياً، لكنَّه لا يعني إغفال غيرهم من مشركين وملحدين. ولا بُدَّ بهذا الترتيب، أن يستكمل الإمام حواره مع الملحدين وأشباههم بعد انتهائه من أصحاب الشرائع السماوية(٦٦). وذلك انطلاقاً من عالمية دعوته وحرصه على عمومية التبليغ حتَّى يعيد الإسلام جديداً. فعن الصادق (عليه السلام): «إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دُثِرَ...»(٦٧).
وما يُعزِّز التواصل مع طائفة اللاأدريين هي المساحة المشتركة بينهم وبين الإمام (عليه السلام) إذا ما كان القصد طلب الحقيقة، فهم في طور الشكِّ وعنوانهم مبدئياً يشير إلى عدم ميلهم إلى طرف على حساب آخر وعدم عنادهم، وهو ما توصَّل إليه أحد الباحثين في بحثه عن الإلحاد: (إنَّ الشخص الملحد لا يُنكِر الله في حدِّ ذاته وإنَّما يُنكِر مصداقية ما تُقدِّمه له النصوص الدينية، وإنَّ نفيه يقع أساساً على أسباب أو عناصر المصداقية(٦٨).
يُضاف إلى ذلك، أنَّ ما سيتعرَّف عليه المشكِّكون وغيرهم من سيرة الإمام ومصداقيته سيكون كفيلاً ببعث الفطرة الإنسانية فيهم من جديد، فأخلاق الصادقين مجلبة لقلوب المجافين، فعن الصادق (عليه السلام): «المهديُ محبوبٌ في الخلائق، يُطفئ الله به الفتنة الصمّاء»(٦٩).
ومثل ذلك في أخلاقه ومروءته، فعنه (عليه السلام) أيضاً: «أوَّل ما يبتدئ المهدي أن ينادي في جميع العالم: ألَا من له عند أحد من شيعتنا دَين فليذكره حتَّى يردُّ الثومة والخردلة فضلاً عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضَّة والأملاك فيُوفّيه إيّاه»(٧٠).
ويُضاف إلى مقوِّمات النجاح على مائدة الحوار، وجود طاقمٍ خاصٍّ مع الإمام وهو بمستوى الحدث، مكوَّن من أنصار الإمام وخُلَّص أصحابه، وهم على مستوى العلماء وفيهم الخضر (عليه السلام)، وعلى رأسهم عيسى (عليه السلام)، ستكون مهمَّتهم تكافلية مع الإمام في كشف الحُجُب عن بصائر الملحدين، ولاسيّما المسيح (عليه السلام) الذي سيُؤدّي دوراً مهمّاً مع الملحدين الغربيين كما أدّاه مع معتنقي التثليث، وخصوصاً في معالجة الأسباب التي أودت بانحراف أوائل الملحدين في المسيحية، وكشف تبرئة المسيح من أخطاء وتحريفات الكنيسة التي كانت السبب الرئيس في انضاج ظاهرة الإلحاد.
والحوار مع الإلحاد(٧١) من هذا المنطلق ليس مستحيلاً ولا عجيباً، فقد قدَّم الإمام الصادق (عليه السلام) مشهداً موثَّقاً مع ملحدٍ (جاءه من مصر)، وغيَّر قناعته في حوارٍ هادئٍ وأدلَّةٍ عقلانية، أزالت من قلبه كلَّ شكٍّ وريب حتَّى اهتدى، وكان من دهشته أن قال للإمام: «ما كلَّمني بهذا أحدٌ غيرك!»(٧٢). فإن كان الإمام الصادق قد هدى الملحد الذي لم يسمع كلاماً مثل كلام الإمام، وإذا لم يكن إلحاد عصر الصادق (عليه السلام) بمثل تعقيد إلحاد زمن الغَيبة فضلاً عن زمن الظهور؛ فمن باب أولى أن يكون الإمام المهدي (عليه السلام) قادراً على تفكيك الإلحاد المعاصر لزمانه وهداية الملحدين مع كلِّ التعقيدات والتشعُّبات الموجودة آنذاك. ومن المؤكَّد أنَّ أعلمية الإمام وإمكانياته الحِجاجية، وعلمه بأسباب نشوء الظاهرة وطرق معالجتها، ستكون حاضرة في حلحلة وتفكيك العُقَد.
ومن دون إغفال أنَّ حجج الملحد إزاء الإمام لن تكون بأقوى من تهافت حججه أمام آيات الفطرة الكفيلة بقطع شكِّه وإنهاء إنكاره، فضلاً عن تدبُّر الفكر في آيات الكتاب الكريم، كما أعلن (د. جفري لانغ) باهتدائه إلى الإسلام بعد سنوات من الإلحاد: (وبعد عشر سنوات من الإلحاد، فقد وضعت الصليب ورائي بعيداً عنّي؛ وعندما وجدت الجواب في الإسلام لم يكن هناك شيء في القرآن يجعلني أُؤمن بالصليب ثانيةً، بل في الحقيقة كان الأمر على العكس)(٧٣).
ج - استعمال القوَّة:
قد يَتبادر إلى الأذهان أنَّ استخدام القوَّة عند الإمام هو من أولويات النهضة المهدويَّة، وأنَّه أمر ضروريٌ لا مناص منه. وليكون هذا الاستنتاج دقيقاً، لا بدَّ من عدم تقديمه كخَيار للإمام فوق سياقه الزمني، فالمبدأ المتوافق مع نهج الرسول والعترة الطاهرة (عليهم السلام) يثبت أنَّ الدعوة الطيِّبة ولغة الحوار هما من ديدنهم وأولوياتهم (عليهم السلام). وكون الإمام ممثِّلاً لهذا المنهج فلا مجال للظنِّ باجتنابه أو تأخيره. وخطابه المكّي خير شاهد على الابتداء بتعريف نفسه وإعلان دعوته إلى جميع الناس، بل إنَّ بعض الروايات تشير إلى حواره مع السفياني عدوّه اللدود(٧٤)، وأنَّه لا يبدأ عدوّه بقتال ويسير بسيرة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإمام عليٍّ (عليه السلام) في حروبهما(٧٥).
ولهذا فالروايات الخاصَّة بقيام الإمام بالسيف، مثال: «إذا خرج القائم (عليه السلام) لم يكن بينه وبين العرب والفرس إلَّا السيف لا يأخذها إلَّا بالسيف ولا يعطيها إلَّا به»(٧٦)، يُفتَرض اختصاصها بالنفر المستحقِّ لهذا الخيار كعقاب رادع، وهو ما يُوضِّحه المروي عن الباقر (عليه السلام): «يقضي القائم بقضايا يُنكِرها بعض أصحابه ممَّن قد ضرب قدّامه بالسيف، وهو قضاء آدم، فيُقدِّمهم فيضرب أعناقهم، ثمّ يقضي الثانية فيُنكِرها قوم آخرون ممَّن قد ضرب قدّامه بالسيف، وهو قضاء داود، فيُقدِّمهم فيضرب أعناقهم، ثمّ يقضي الثالثة، فيُنكِرها قوم آخرون ممَّن قد ضرب قدّامه بالسيف، وهو قضاء إبراهيم، فيُقدِّمهم فيضرب أعناقهم، ثمّ يقضي الرابعة، وهو قضاء محمّد، فلا يُنكِرها أحد عليه»(٧٧).
والإمام يضع الأُمور في نِصابها الصحيح، ومن نِصابها التعامل مع أعداء النهضة المهدويَّة داخلياً وخارجياً بما يردعهم ويزيل خطرهم. وبالرجوع إلى ظاهرة الإلحاد المتشدِّد فإنَّ آلية التعامل معه تفرض بعد عدم الاستجابة إلى وضعه في الزاوية التي وضع كيانه فيها، مع أُولئك الجاحدين المتطرِّفين الذين جمعوا جحود الربوبية والجحود عن معرفة. هذا الصنف من الجحود الذي أشار إليه الإمام الصادق (عليه السلام) بالقول: «الْجُحُودِ عَلَى مَعْرِفَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَجْحَدَ الْجَاحِدُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ قَدِ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ، وَقَدْ قَالَ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]، وقَالَ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ﴾ [البقرة: ٨٩]»(٧٨).
وهذا الصنف من الجاحدين يكونون متجذِّرين في الإلحاد إلى الحدِّ الذي نقلوه من مستوى الفكرة والنظرية إلى المستوى العملي والتطبيقي، وليسوا من ذلك الصنف الجاهل الذي عادى الدين عن جهل وخديعة. فصنف الموقنة نفوسهم لا مشكلة عندهم مع الدين إذا كان شكلياً وربَّما كانوا من المتلبِّسين بمثل هذه الشكلية؛ وإنَّما أزمتهم مع الدين الحقيقي الذي يصطدم مع مقاصدهم وأفعالهم. ولذا يكون هذا الصنف متطبِّعاً على الكفر والظلم، ولا مكان للحوار عنده، ولا يعرف إلَّا الرضوخ للقوَّة لتحكُّم النزعة المادّية والمصلحية فيه. ومثل هؤلاء لن يقبلوا بمصلحٍ مثل المهدي (عليه السلام) باعتباره ممثِّلاً حقيقياً وصِرفاً للدين الحقِّ.
وبنظرة تأمُّلية عن هذا الصنف، يمكن القول: إنَّ هذا الصنف بالذات سيكون هو المتحكِّم في مصير العالم في زمن الظهور وبشكل شبه مطلق، وهنا مكمن الصراع بين الإلحاد المادّي المتسلِّط الذي لا يعترف بالله تعالى ولا يسمح بأن يُعبَد على أرضه، فبقليل من التأمُّل يتأكَّد القول بأنَّ الإلحاد في عصر الظهور سيكون في أوج قوَّته وسطوته، وسيتمثَّل بهيمنة القوى الغربية والحليفة لها، بقرينة ما تزاحمت الروايات بشأنه حول انعدام العدل والأمان وشيوع الكفر والطغيان، واقتران كلِّ ذلك في الختام بخطر الدجّال وكونه رأس الطاغوت والذي لا يكون بطبيعة الحال مقتصراً على شخص واحد، بل منظومة يشترك فيها جميع الفاسدين.
وشواهد تلك السيطرة أضحت بادية منذ الحقبة الاستعمارية، وفي ذلك ما ورد في سبب تأليف (الردّ على الدهريين) للسيِّد جمال الدين الأفغاني من تدخُّل حكومة الهند الإنكليزية في نشر الإلحاد هناك(٧٩). ومن ذلك نشوء المحافل الماسونية المنضوية تحت جناح الماسونية العالمية الداعية إلى إغفال الأديان بدواعي إنسانية(٨٠). كما أنَّ ظهور المذهب العلماني في السياسة وطلبه بفصل الدين عن الدولة وتضييقه في حدود الفرد الواحد، له خلفية وثيقة بالظاهرة الإلحاد(٨١).
فليس من الغريب معرفة تغلغل الإلحاد في الزمن المعاصر في مراكز صنع القرار بمختلف الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية والمالية والصناعية والثقافية إلى غير ذلك من الجوانب التي ترتكز عليها الحياة الضرورية وتحكُّمها في مصائر الشعوب المستضعفة التي طالما نُسِبَت إلى الجهل والتخلُّف بحجَّة ارتباطها بالدين. بل ويُشاهَد علناً وصول ملحدين إلى سدَّة القرار في دول ذات صبغة دينية(٨٢)، وهي دلالة واضحة على تلبُّس الإلحاد المتشدِّد بالدين في سبيل التشبُّث بالسلطة. وهذا النوع الخفيِّ من الإلحاد أخطر على المجتمع من نظيره العلني، لامتلاكه زمام الانحراف النظري والعملي.
ومثل هؤلاء لا يُؤمَن جانبهم على مستقبل الدولة المهدويَّة العادلة. وتاريخ دعوات الأنبياء يجهر بأنَّ طبيعة الصراع بين الحقِّ والباطل كانت ولم تزل ذات بُعدٍ عقائدي في الصميم. ولهذا نبَّه الإمام الصادق إلى افتراق الطريقين وتباينهما عند ظهور المصلح العالمي، والرفض العالمي من قِبَل كلِّ طواغيت العالم لظهور الموعود (عليه السلام): «إذا ظهرت راية الحقِّ لعنها أهل المشرق وأهل المغرب»(٨٣). ومثله عنه (عليه السلام): «إذا خرج القائم لم يبقَ مشرك بالله العظيم ولا كافر إلَّا كره خروجه»(٨٤).
ومع مثل هذا الافتراق وبإزاء هذا الخطر، يُصبح من الضروري التصدّي المباشر وبالسلاح للقضاء على المناوئين، وهي آخر الدواء للقضاء على ظاهرة الفساد والانحراف من جميع الفعّاليات المشاركة في مسلسل الجور والظلم العالمي، بما فيه التيّار الإلحادي، وكلٌّ بحسب طبيعة عمله. فعن الباقر (عليه السلام): «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ عَرَضَ الإيمَانَ عَلَى كُلِّ نَاصِبٍ فَإِنْ دَخَلَ فِيهِ بِحَقِيقَةٍ وَإِلَّا ضَرَبَ عُنُقَهُ أَوْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ كَمَا يُؤَدِّيهَا الْيَوْمَ أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَيَشُدُّ عَلَى وَسَطِهِ الْهِمْيَانَ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الأمْصَارِ إلى السَّوَادِ»(٨٥).
وفي حديث آخر يتَّضح حسم الإمام بشمولية التعامل مع آخر المفسدين في الأرض بذكر أصناف المفسدين بما فيهم الملحدين (الزنادقة)، الذين لا يُرتجى منهم الإنابة ولا إنهاء غيِّهم، حيث جاءت الرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) وقد سُئِلَ بيان قوله تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرضِ طَوْعاً وَكَرْهاً﴾ [آل عمران: ٨٣]، فقال: «أُنزلت في القائم، إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردِّة والكفّار في شرق الأرض وغربها، فعرض (عليهم السلام)، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يُؤمَر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتَّى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلَّا وحَّد الله»(٨٦).
وبربط الحديث الأخير بحديث لعنة أهل الشرق وأهل الغرب المتقدِّم، يتمُّ المعنى بالدلالة على أنَّ استخدام القوَّة في هذا الموقف، هو بخصوص أُولئك المردة في تعصُّبهم وكفرهم حتَّى لعنوا ظهور الإمام. وفي ذكر جمعهم ولعنهم إشارة إلى كونهم من مختلف الفئات المذكورة في الحديث الأخير. وأنَّهم بالغوا في كراهيتهم وعنادهم أن بلغ بهم هذا المبلغ من الاستئصال الذي عنى في النتيجة انتهاء بدعتهم وأُحدوثتهم وظاهرتهم.
د - إنجازاته (عليه السلام) المعرفية والمادّية:
تأتي أهمّية منجز الرقيِّ الذي سيقوم به الإمام، والذي هو حتمي في مشروعه بمثل حتمية ظهوره (عليه السلام)، (ولو لم يكن من مهمَّته (عليه السلام) إلَّا إنهاء الظلم، وبعث الإسلام النبوي الأصيل، وإقامة حضارته الربّانية العادلة، وتعميم نوره على العالم، لكفى)(٨٧). بل إنَّ مجرَّد ظهور شخص المهدي (عليه السلام) بشخصية الإمامة الربّانية ووصول صورته الناصعة كممثِّل حقيقي للإسلام كفيلٌ بإحداث انقلابٍ في العقول والضمائر ليُرجِعها إلى فطرتها الأُولى ويُعالج أيَّ مرض في النفوس الفقيرة، ومنها نفوس من غاب عنهم الإحساس بالنعيم الإلهي، وهذه أوَّل خطوة في كسر ظاهرة سطحية مثل الإلحاد.
والأحاديث مستفيضة في باب ما سيُحدِثه الإمام من ثورة علمية، معرفية، حضارية، شاملة وعميقة على مستوى لم يعهده العالم جميعاً. والواضح أيضاً من خلاصة الأحاديث أنَّه لن يعهده أبداً إلَّا بحضوره وبعد قيام دولته الموعودة. والمهمُّ هنا هو أهمّية هذه المنجزات وتأثيرها في صلب ظاهرة الإلحاد. ولتبيين ذلك يمكن تتبُّع مسار التأثير في اتِّجاهين: اتِّجاه معرفي واتِّجاه مادي، ويكفي في المقام الاستشهاد بحديثٍ واحدٍ على كلٍّ منهما.
ففي الاتِّجاه المعرفي، هناك الثورة العلمية التي تحدَّثت عنها جملة من الروايات، منها ما نُقِلَ عن الصادق (عليه السلام): «العلم سبعة وعشرون حرفاً فجميع ما جاءت به الرُّسُل حرفان، فلم يعرف الناس حتَّى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثَّها في الناس، وضمَّ إليها الحرفين، حتَّى يبثَّها سبعة وعشرين حرفاً»(٨٨). وليس خافياً، أنَّ مضمون هذا الحديث فيه من الصدمة على المتلقّي الشيء الكثير، لمحدودية التفكير الإنساني حتَّى على مستوى التخمين، فالبون كبير بين ما عند الناس ممَّا يُسمّى علماً وبين علم الإمام، ثمّ القابلية التي يمتاز بها الإمام لاستخراج العلوم ومقدرته على أخذ المدارك إلى مستوى تقبُّل هذه القفزة في المعرفة، تُعتَبر بحدِّ ذاتها قفزة أُخرى ستزيد من حيرة الناس بإمامهم ومقاماته، يُضاف إليه ما رُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ الله يَدَهُ عَلَى رُؤوسِ الْعِبَادِ فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ وَكَمَلَتْ بِهِ أَحْلامُهُمْ»(٨٩).
وهذه الاستثنائية الفريدة، ستقلب نمط تفكير الملحدين، وستكشف لهم ضعف وهشاشة معرفتهم الدنيوية ومحدوديتها بمجموع علمائهم على مرِّ الأجيال والعصور، خصوصاً وأنَّ للعلم في الذهنية الإلحادية قدسية خاصَّة، فلطالما تعبَّدوا بالقوانين العلمية، بل والنظريات وتسلَّحوا بها واستنصروها في سبيل إثبات نظرتهم القاصرة. وسيتَّضح لهم ولغيرهم في النتيجة، زيف الأُطروحة الإلحادية وبُنيتها المعرفية الخاوية. وفي الوقت نفسه، سيحصل لديهم اليقين بوجود الفيض الإلهي من وراء امداد ممثِّل الدين والعلاقة الوثيقة بين العبد المخلَص وربِّه، وصدق الاعتقاد بالخالق وبأحقّية الرسالات السماوية.
وفي الاتِّجاه المادّي، ورد عن المعصومين (عليهم السلام): «إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيّامه الجور، وأَمنتْ به السُّبُل، وأخرجت الأرض بركاتها، ورُدَّ كلُّ حقٍّ إلى أهله، ولم يبقَ أهل دينٍ حتَّى يُظهِروا الإسلام ويعترفوا بالإيمان...»(٩٠).
والنتيجة هنا تفرض واقعاً مفاجئاً ومُزلزلاً للذهنية الملحدة التي لم تجاوز سقف المادَّة وحديثها، إذ كيف يمكن لشخصٍ عاديٍ في صورته البشرية يُدعى المهدي، أن يأتي بما لم يسبقه الأوائل من جهابذة البشر وعلمائهم وإن اجتمعوا بقضِّهم وقضيضهم؟ وكيف له أن يكون مُلمّاً بدقائق المادَّة وقوانينها وأسرارها والتفاصيل في شتّى العلوم والفنون ثمّ يأخذ بتطويرها، وهو لم يختلف إلى أكاديمية علمية ولا عُهِدَ منه بذلك؟ ما لم يكن يمتلك قوى غيبية وارتباطاً إعجازياً بقدرة كلّية هي الواهبة للحياة والمتحكِّمة بالعالم الطبيعي المعروف، حتَّى «يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض»(٩١).
وستكون جميع هذه المنجزات وغيرها تتويجاً لجهود الإمام (عليه السلام) في انتشال البشرية من واقع تخلُّفها العقائدي وابتعادها عن معنى التوحيد ومعرفة الله تعالى بعدما كانت الأجواء المادّية قد استنفذتهم، وهي الحالة التي عبَّر عنها الإمام الباقر (عليه السلام) في المأثور عنه: «سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله ما هو والتوحيد...»(٩٢). وبفعل منهجية الإمام في تطبيق فكره وتنفيذ آلية دعوته يرجع الإسلام جديداً والتوحيد مألوفاً لجميع الناس بلا شكٍّ أو جحود، وكما ذكرت الأحاديث: «حتَّى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلَّا وحَّد الله»(٩٣)، و«يكون أن لا يبقى أحد إلَّا أقرَّ بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(٩٤). وختاماً عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يردُّ الله به الدين ويفتح له فتوحاً، فلا يبقى على وجه الأرض إلَّا من يقول: لا إله إلَّا الله»(٩٥).
الخاتمة:
بعد أن عرض البحث للقضيَّة المهدويَّة من منظور عقائدي وبلحاظ المعالجة في تفكيك الظاهرة المنافية للعقيدة الصحيحة، يمكن إجمال نتائج البحث في جملة النقاط التالية:
١ - الإلحاد مفهوم عدمي صِيرَ إلى بلورته وتأطيره بالإطار الفلسفي، وعدميته تؤدّي إلى عبثيته، ونتائجه كارثية على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة بما يريده من نفي الدين والغائه وتفريغ البعد العقائدي بما يتركه من فراغٍ واسعٍ بين الإنسان وخالقه وبما يُؤدِّيه من تنفيذ لمشاريع دخيلة تخدم أعداء الدين والدنيا، وهو يُؤدّي إلى سوء العاقبة والمنقلب يوم يلقى الإنسان ربَّه فرداً.
٢ - اتَّضحت أهمّية العقيدة في الإسلام الحنيف، وما شكَّلته من محورية في تعزيز الرابط بين العبد وربِّه. مدعمة بقناتَي الكتاب والعترة المهمَّتين في التذكير بالفطرة والدعوة إلى التوحيد، وأنَّ الحفاظ على هذه المحورية ضروري لدى كلِّ مكلَّف صوناً لإيمانه من الضياع الذي يُحدِثه التخلّي أو الفتور عن العقيدة.
٣ - برز دور العقيدة المهدويَّة وريثاً للعقيدة الإلهية على مسرح المواجهة مع الظواهر السلبية ومنها ظاهرة الإلحاد، وأهمّية ردعها وقوَّة نفاذها في زمن الغَيبة في تفكيك الظاهرة وإبطالها نهائياً في عصر الظهور على يد المهدي المنتظر (عليه السلام)، وهو المروي عن الصادق (عليه السلام): «إِنَّ الأرْضَ لا تَخْلُو إِلَّا وفِيهَا إِمَامٌ كَيْمَا إِنْ زَادَ المُؤْمِنُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ، وإِنْ نَقَصُوا شَيْئاً أَتَمَّهُ لَهُمْ»(٩٦).
هذا ويُؤكِّد البحث على ضرورة التمسُّك بالعقيدة الحقَّة والثبات عليها، وإحياء فضيلة انتظار الفرج، والتفاعل مع القضيَّة المهدويَّة بكلِّ معطياتها بما يُحصِن من الوقوع في الفتن؛ كما ويُنبِّه إلى ضرورة التوخّي والحذر من الظاهرة السلبية سواءً كانت قريبة أو بعيدة، والاستمرار في التصدّي لها فكريا وتثقيفياً على مستوى الأفراد أو الجماعات.

الهوامش:
(١) يُنظر: أبحاث حول المهدويَّة/ الشيخ نجم الدين الطبسي: ٧/ إلى وقت طبع المرجع المذكور/ عام ٢٠١١م.
(٢) تمَّ حذف الفصل الأوَّل والمباحث العامَّة من الفصل الثاني لاقتضاء النشر ذلك، من يرغب من القرّاء الكرام بالحصول عليها التواصل مع موقع المجلَّة.
(٣) تمَّ حذف البحوث العامَّة في الفصل الثاني، لما تقدَّم في الهامش السابق.
(٤) يُنظَر: بحوث مسيحية متعلِّقة بالحسين والمهدي (عليهما السلام)/ (من مقالة العلَّامة المنار): ٢٢؛ الحقيقة المهدويَّة (دراسة وتحليل)/ السيِّد منير الخبّاز: ٧٣.
(٥) ذكر الشيخ نجم الدين الطبسي (وهو من المشاركين في تأليف: معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام)): ورود ما لا يقلُّ عن ثلاثمائة آية تفسيراً وتأويلاً ترتبط بالمهدويَّة، جمعناها في الجزء السابع من معجم الإمام المهدي (عليه السلام). أبحاث حول المهدويَّة: ١١؛ يُنظَر أيضاً: معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام)/ مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ الجزء السابع.
(٦) حتَّى وصلت الأحاديث من التواتر والشهرة ما قُطِعَ بصحَّتها وصيرورتها من الواضحات، وفي هذا يُنظَر: أبحاث حول المهدويَّة: ٤٥ - ٥٠.
(٧) يُنظَر: المرجع نفسه: ١١ - ١٣.
(٨) أمالي الصدوق/ أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الصدوق) (ت٣٨١هـ): ٤٥٠/ المجلس٩٢/ ح ٤.
(٩) أُصول الكافي/ كتاب الحجَّة/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام): ٣٢٢/ ح ١٨.
(١٠) المصدر نفسه/ باب من مات وليس له إمام: ٢٢٣/ ح ١.
(١١) كمال الدين وتمام النعمة/ الشيخ الصدوق (ت ٣٨١هـ) ١: ٣٠ و٣١.
(١٢) فرائد السمطين/ إبراهيم بن محمّد الجويني (ت٧٢٢هـ) ٢: ٣٣٤/ ح ٥٨٥.
(١٣) الاحتجاج/ أبو منصور أحمد بن عليِّ بن أبي طالب الطبرسي/ (ق ٦هـ) ٢: ٥٤٢.
(١٤) المهدي المنتظر (عليه السلام) (دراسة في المستجدّات)/ السيِّد محمّد الرئيسي: ٣٤.
(١٥) يُنظَر: الفصل الأوَّل من البحث.
(١٦) كمال الدين وتمام النعمة/ الشيخ الصدوق ٢: ٥٨٤/ ب ٥٥/ ح ٣.
(١٧) المصدر نفسه: ح ١.
(١٨) كمال الدين وتمام النعمة ٢: ٥٨٤/ ب ٥٥/ ح ٤.
(١٩) كتاب الغَيبة/ الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت٤٦٠هـ): ١٨٥.
(٢٠) لماذا لست مسيحياً/ برتراند راسل: ١١.
(٢١) يُنظَر: عقيدتنا/ الشيخ عبد الله نعمة: ١٩ - ٣٠.
(٢٢) يُنظَر: رحلة عقل (هكذا يقود العلم أشرس الملاحدة للإيمان): ١٧٣ و١٧٦.
(٢٣) الحقيقة المهدويَّة (دراسة وتحليل)/ السيِّد منير الخبّاز: ٢١٧.
(٢٤) دروس في تاريخ الأديان: ٢٨.
(٢٥) أشار إليه الكاتب باعتباره أحد أساتذة اللغة الألمانية في جامعة لندن.
(٢٦) الوجه الحقيقي للإلحاد/ رافي زكراياس: ٧٧.
(٢٧) أصل الأنواع/ تشارلس دارون: ٦٠.
(٢٨) نقلاً عن: الإسلام يتحدّى مدخل علمي إلى الإيمان/ وحيد الدين خان: ٣٦.
(٢٩) نقلاً عن الإسلام يتحدّى: ٤٣.
(٣٠) بداية المعارف الإلهيَّة ١: ٩.
(٣١) الدين (بحوث ممهِّدة لدراسة الأديان): ٨٧. عن: (Salomon Reinach/ Orpheus).
(٣٢) المرجع نفسه، عن: (Max Nordau/ Reponse au Mercure de France/ Paris/ ).
(٣٣) بداية المعارف الإلهيَّة في شرح عقائد الإماميَّة ١: ٢١.
(٣٤) المرجع نفسه: ١٩.
(٣٥) أُصول الكافي/ كتاب فضل العلم/ باب اختلاف الحديث: ٤٣/ ح ١٠؛ الاحتجاج ٢: ٢٦١/ باختلاف يسير.
(٣٦) الاحتجاج ٢: ٥١١؛ وعنه الحرّ العاملي (ت١١٠٤هـ) في: وسائل الشيعة ٢٧: ١٣١/ ب ١٠/ ح ٢٠.
(٣٧) الغَيبة/ الطوسي: ١٨٤؛ الاحتجاج ٢: ٥٤٣.
(٣٨) الاحتجاج ٢: ٥٠٢.
(٣٩) تهذيب الأحكام/ الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت٤٦٠هـ) ٦: ١١١/ ب ٦٢/ ح ٢.
(٤٠) هو محمّد بن محمّد بن النعمان، الشهير بالشيخ المفيد وابن المعلِّم (ت٤١٣هـ)، يُنظَر: الفهرست/ الشيخ الطوسي: ٢٣٨/ الرقم ٧١١.
(٤١) مثالهم في ذلك الإمام العسكري (عليه السلام) في إفشال التشكيك بالقرآن. يُنظَر: مناقب آل ألي طالب/ أبو جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني (ت٥٨٨هـ) ٤: ٤٥٧.
(٤٢) أبو سهل إسماعيل بن عليِّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، يُنظَر: الفهرست/ الشيخ الطوسي: ٤٩/ الرقم ٣٦.
(٤٣) من أعلام الإلحاد (ت٢٤٥هـ).
(٤٤) من اللاأدرية، صاحب ابن الراوندي.
(٤٥) الفهرست/ الشيخ الطوسي: ٤٩.
(٤٦) الفهرست/ ابن النديم: ٢٥١.
(٤٧) يُنظَر: رجال النجاشي/ أبو العبّاس أحمد بن عليِّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (ت٤٥٠هـ): ٢٧٠/ الرقم ٧٠٨.
(٤٨) المصدر نفسه.
(٤٩) (١٨٣٨ - ١٨٩٧).
(٥٠) (١٨٦٥ - ١٩٣٣).
(٥١) (١٨٨١ - ١٩٥٩).
(٥٢) (١٨٨٩ - ١٩٥٧)، من شعراء المهجر، وقصيدته تُشعِر بأنَّه من اللاأدريين.
(٥٣) (١٩١٩ - ١٩٧٩).
(٥٤) (١٩٣٥ - ١٩٨٠).
(٥٥) أُصول الكافي/ كتاب الحجَّة/ باب أنَّ الراسخين في العلم هم الأئمَّة (عليهم السلام): ١٢٢/ ح ٣.
(٥٦) المصدر نفسه/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) يعلمون علم ما كان وما يكون وأنَّه لا يخفى عليهم الشيء (صلوات الله عليهم): ١٤٩/ ح ٢.
(٥٧) بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار/ الشيخ محمّد باقر المجلسي (ت١١١١هـ) ٥٢: ٣٧٨/ ح ١٨١.
(٥٨) الاحتجاج ٢: ٤٨١.
(٥٩) كتاب الغَيبة/ الشيخ الطوسي: ١٨٣؛ الاحتجاج ٢: ٥٤١.
(٦٠) أُصول الكافي/ كتاب فضل العلم/ باب البدع والرأي والقياس: ٣٦/ ح ٥.
(٦١) كتاب الغَيبة/ الشيخ الطوسي: ١٨٥.
(٦٢) المصدر نفسه: ١٧٩؛ الاحتجاج ٢: ٥٣٦.
(٦٣) كتاب الغَيبة/ الشيخ الطوسي: ١٨٠؛ الاحتجاج ٢: ٥٣٦ و٥٣٧.
(٦٤) المصدر نفسه: ١٨٤؛ الاحتجاج ٢: ٥٤٤.
(٦٥) الاختصاص/ الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (ت٤١٣هـ): ٢٤٩.
(٦٦) يُنظَر: كتاب الفتن/ أبو عبد الله نعيم بن حمّاد المروزي/ (ت٢٨٨هـ): ٣٥٥/ ح ١٠٢٢، ٣٥٧ و٣٥٨/ ح ١٠٣٥.
(٦٧) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد/ الشيخ المفيد ٢: ٣٨٣. وفي الحديث دلالة واضحة على التشويه الذي ألحقه أعداء الإسلام/ وأصحاب الأهواء به.
(٦٨) الإلحاد وأسبابه: ٨.
(٦٩) بشارة الإسلام في علامات المهدي (عليه السلام)/ السيِّد مصطفى آل السيِّد حيدر الكاظمي (ت١٣٣٦هـ): ١٨٥.
(٧٠) بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار ٥٣: ٣٤/ ضمن الحديث ١.
(٧١) فرقٌ بيْنَ ما يُسمّى حواراً في أروقة اليوم بكلِّ الميادين، والحوار الذي يُجريه المعصوم (عليه السلام)، في طبيعته الهادئة الخالية من المغالطة والمِراء ولغة التشهير والتسقيط (المعروفة اليوم)، ولا يبعد أن يكون نوعياً مدعماً بأدلَّة إعجازية أو حسِّية على شهود الأعيان.
(٧٢) أُصول الكافي/ كتاب التوحيد/ باب حدوث العالم/ ح ١.
(٧٣) الصراع من أجل الإيمان (انطباعات أمريكي اعتنق الإسلام)/ د. جفري لانغ: ٣٦٠ و٣٦١.
(٧٤) يُنظَر: كتاب الفتن: ٣٥١/ ح ١٠١٣.
(٧٥) يُنظَر: بحار الأنوار ٥٢: ٣٨٧ و٣٨٨/ ح ٢٠٥.
(٧٦) المصدر نفسه: ٣٨٩/ ح ٢١٠.
(٧٧) المصدر نفسه: ح ٢٠٧.
(٧٨) أُصول الكافي/ كتاب الإيمان والكفر/ باب وجوه الكفر: ٥٢٩/ ح ١.
(٧٩) يُنظَر: الردُّ على الدهريين/ السيِّد جمال الدين الأفغاني (١٨٣٨ - ١٨٩٧م): ٢.
(٨٠) يُنظَر: الموسوعة العربية العالمية ٢٢: ٨٨.
(٨١) يُنظَر: المرجع نفسه ٢: ٥٢٨؛ ويُنظَر: رحلة عقل (هكذا يقود العلم أشرس الملاحدة للإيمان): ١٦٤.
(٨٢) مثال ذلك إلحاد هرتزل (١٨٦٠ - ١٩٠٤م) مؤسِّس الحركة الصهيونية؛ وإلحاد جولدا مائير (١٨٩٨ - ١٩٧٨م) رئيسة الوزراء الصهيونية (١٩٦٩ - ١٩٧٤م).
(٨٣) الغَيبة/ الشيخ أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب (ابن أبي زينب النعماني) (ت حدود ٣٦٠ هـ): ٣٠٨/ ب ١٧/ ح ٤.
(٨٤) تفسير العيّاشي/ محمّد بن مسعود العيّاشي (أواخر القرن ٣هـ) ٢: ٩٣/ ح ٥٢.
(٨٥) أُصول الكافي/ كتاب الروضة: ٧٧٩/ ح ٢٨٨.
(٨٦) تفسير العيّاشي ١: ٢٠٧/ تفسير سورة آل عمران/ ح ٨٢.
(٨٧) عصر الظهور/ الشيخ عليّ الكوراني: ٢٦٣.
(٨٨) بحار الأنوار ٥٢: ٣٣٦/ ح ٧٣.
(٨٩) أُصول الكافي/ كتاب العقل والجهل: ١٨/ ح ٢١.
(٩٠) الإرشاد ٢: ٣٨٤.
(٩١) عقد الدُّرَر في أخبار المنتظر وهو المهدي (عليه السلام)/ الشيخ يوسف بن يحيى بن عليِّ بن عبد العزيز المقدسي الشافعي السلمي (ت حدود ٦٨٥هـ): ٢٠٧، عن أبي سعيد الخُدري، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(٩٢) بحار الأنوار ١٤: ٣٤٩/ ب ٢٤/ ح ١٠، عن الإمام الرضا (عليه السلام).
(٩٣) تفسير العيّاشي ١: ٢٠٧/ تفسير سورة آل عمران/ ح ٨٢.
(٩٤) تفسير العيّاشي ٢: ٩٣/ تفسير سورة براءة/ ح ٥٠، عن الإمام الباقر (عليه السلام).
(٩٥) عقد الدُّرر: ٢٨٣/ ح ٣٣٣.
(٩٦) أُصول الكافي/ كتاب الحجَّة/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة: ١٠٠/ ح ٢.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016