الغيبة المهدوية مصداق للعدالة الإلهية
(دراسة في ضوء المنهج اللساني الحديث)
هيجاء عبد الحسن كريم
المقدّمة:
إنَّ الحديث عن صاحب الزمان (عليه السلام) هو حديث متشعِّب تتداخل فيه عدَّة جهات، وترسم ملامحه اختلاف الوجهات ما بين مؤمنٍ به ومنتظرٍ له وما بين مبغضٍ وكافر به. وما بين حائرٍ قد غرَّته الحياة الدنيا فغاب في ظلمتها وقضى بين أنيابها، استحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر الله تعالى، فهو متَّبع عن غير معرفةٍ، وموالٍ من دون بصيرة، يحمل شعار هذا ﴿ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا﴾ (المائدة: ١٠٤)، فإذا تحدَّث لا يعرف ما يقول، وإذا سُئِلَ لا يعرف كيف يُجيب. وبين محبٍّ أضناه ليل الانتظار، وأتعبه الشوق حتَّى ذاب في المحبوب وجداً، ولسان الحال يُخبِر عنه قائلاً هو من قومٍ:
هجروا الكلام إلى الدموع لأنَّهم |
وجدوا البلاغة كلَّها بالأدمع |
فالحديث في الإمام (عليه السلام) يطول، وغايتنا من البحث هي معرفة الإمام (عليه السلام)، والإحاطة بكلِّ ما من شأنه أن يجعلنا منتظرين وناصرين للإمام (عليه السلام) ومحبِّين له، والإجابة على بعض الأسئلة التي تدور في ذهن الكثير من الباحثين عن الحقيقة (حقيقة الغيبة)، والحكمة التي لأجلها غاب عن الأنظار من خلال النصوص التي جاءتنا عن طريق النبيِّ المصطفى وأهل بيته (عليهم السلام)، فقد قمنا بجمع عدد من هذه النصوص ودراستها دراسة نصّية لسانية حديثة، دراسة لغوية علمية تُراعي المقام والمقال، وتجعل المتلقّي مشاركاً للكاتب في تفسير هذه النصوص، فالنصُّ حدث تواصلي يهدف من خلاله القائل أو الكاتب إلى إيصال فكرة ما، ويستخدم لأجل ذلك كلَّ الوسائل اللغوية والبلاغية التي تنسجم وطبيعة المقال والمتلقّي والظروف التي لأجلها وُجِدَ النصُّ، وقد قسَّمنا البحث إلى فصلين: تحدَّثنا في الأوَّل عن ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) وإمامته وغيبته وعلَّة هذه الغيبة وانعكاساتها على الأُمَّة الإسلاميَّة، وتناولنا في الفصل الثاني ظاهرة الاتِّساق النصّي في أحاديث الغيبة الواردة عن طريق المعصومين (عليهم السلام). نرجو من الله تعالى أن نكون قد وُفِّقنا لذلك وأضفنا شيئاً جديداً للبحث في القضيَّة المهدويَّة، والحمد لله المنعِم على توفيقه.
التمهيد: الغيبة لغةً واصطلاحاً:
الغيبة لغةً: من الفعل غابَ غيباً وغيبةً وغيبوبةً وغياباً خلاف شهدَ وحضرَ، يقال: غابَ فلان: بَعُدَ، وغاب فلان عن بلاده: سافر، وغابت الشمس وغيرها: غربت واستترت عن العين، والشيء في الشيء: توارى فيه، ويقال: غاب عنه الأمر: خفي(١).
الغيبة اصطلاحاً: هي مصطلح يُطلَق على الفترة الزمنية التي يغيب فيها الإمام الثاني عشر من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) عن أعين الناس، فهو موجود وحاضر ولكن لا يستطيعون رؤيته.
(احتجب عنهم) بفعل القدرة الإلهيَّة التي أرادت له الاختفاء إلى فترة من الزمن، إلى أن يحين موعد الخروج والظهور (اليوم الموعود)، لتتحقَّق فيه العدالة الإلهيَّة على وجه الأرض.
وتنقسم الغيبة إلى قسمين:
الأوَّل: الغيبة الصغرى، وكانت مدَّة هذه الغيبة (٧٤) سنة أو (٦٩) سنة(٢).
الثاني: الغيبة الكبرى التي بدأت بانتهاء الغيبة الصغرى عام (٣٢٩) للهجرة، بانتهاء السفارة وبدء الغيبة التامَّة(٣).
بين الجملة والنصِّ:
بما أنَّ اللغة هي وسيلة للاتِّصال والتواصل بين بني البشر، لذا أفرغ لها علماء اللغة مجالاً واسعاً ودرسوها من كلِّ الجوانب، فعرَّفها (ابن جنّي) بأنَّها: (أصوات يُعبِّر بها كلُّ قوم عن أغراضهم)(٤)، فاللغة عند ابن جنّي هي أصوات - أي: اللفظ المسموع -، ووسيلة للتعبير. وهي عند غيره نظام منفتح يتيح للمتكلِّم أن ينتج عدداً غير متناهٍ من الجمل لم يسبق له سماعها من قبل. ولأجل حفظ هذه اللغة والمحافظة عليها حاول العلماء وأهل اللغة قديماً دراستها وتحليلها واستخلاص القواعد العامَّة لها وكتابتها بصورة ممنهجة، ولقد كان جُلُّ اهتمامهم هو في الجملة وما تحتويه من عناصر بغضِّ النظر عن السياقات التي وردت فيها على الرغم من معرفتهم بها، فقد قيل قديماً: إنَّ لكلِّ مقام مقالاً، إلَّا أنَّهم لم يتطرَّقوا إليها بالشكل الذي تطرَّق له علماء اللغة حديثاً، فكانت دراستهم مقتصرة على الجملة، وهي البنية الصغرى المكوِّنة للنصِّ، فعالجوها من الناحية النحوية والصوتية والدلالية، فعُرِّفت الجملة بأنَّها: الصورة اللفظية الصغرى أو الوحدة الكتابية الدنيا للقول أو الكلام الموضوع للفهم والإفهام. وتبيَّن أنَّ الصورة ذهنية كانت قد تألَّفت أجزاؤها في ذهن المتكلِّم، الذي سعى في نقلها حسب قواعد معيَّنة وأساليب شائعة(٥). أو هي الصورة اللفظية للفكرة، وهدفها نقل ما في ذهن المتكلِّم من أفكار إلى ذهن السامع(٦).
وظلَّت الجملة لفترة طويلة هي محطُّ الدراسة إلى أن ظهرت في الآونة الأخيرة وعلى يد علماء اللغة الأُوربيين -ومنهم العالم السويسري (دي سوسير)(٧)- الدراسات اللسانية الحديثة، وانتقلنا بعدها من نحو الجملة إلى نحو النصِّ، على اعتبار أنَّ الجملة خارج النصِّ يصعب فهمها وتحليلها إلَّا إذا وُضِعَت في داخل النصِّ، (لأنَّ للنصِّ معنىً مركزياً (بؤرة النصِّ)، وهذه البؤرة هي التي تُمثِّل محور كلِّ معطيات النصِّ، لذا فإنَّ التشخيص لهذه البؤرة هو الذي يساعد على فهم كلِّ معاني النصِّ، لأنَّ هذا المعنى المركزي أو هذه البؤرة هي التي تتكدَّس عندها المعاني)(٨).
ويقصد بالبؤرة هنا الموضع الرئيس أو العنوان أو الغاية التي يريد أن يصل إليها المتكلِّم من خلال قراءة هذا النصِّ قراءة متفحِّصة يشارك فيها القارئ مع المؤلِّف، فالنصُّ (كائن حيٌّ في حالة سكون يبعث بالقراءة فيحيا من جديد وبأشكال جديدة، ويصبح القارئ مؤلِّفاً كما كان المؤلِّف كاتباً)(٩)، فيترجم النصَّ على وفق السياقات التي ورد فيها، ولا يقصد بالترجمة هنا الترجمة من لغة إلى أُخرى، بل هو انتقال بالقارئ ونقله من عصر المؤلِّف إلى عصر المفسِّر، أي ترجمته حسب الظرف التاريخي والتجربة الذاتية التي يخوضها القارئ المفسِّر للنصِّ(١٠).
ولنفهم النصَّ بصورة أكثر وضوحاً نقف عند تعريف النصِّ وفق المنهج اللساني الحديث وتقسيماته، فالنصُّ هو: عبارة عن وحدة لغوية دلالية تُنتَج عن مجموعة من الجمل ترتبط فيما بينها من خلال وسائل الخطاب بعضها نحوية وبعضها دلالية وأُخرى منطقية، أو هو وحدة دلالية ترتبط أجزاؤها بواسطة أدوات ربط صريحة(١١).
ولقد قسَّم بعضهم النصَّ وفقاً للدراسات الحديثة إلى نوعين:
١- النصوص التخصُّصية: وهو الذي يخاطب نخبة معيَّنة من الناس، فالنصُّ الفيزيائي يخاطب من لهم معرفة بعلم الفيزياء، والنصُّ الفلسفي يخاطب من لهم معرفة بالفلسفة، وهكذا. وأصحاب هذه النصوص يفهمون عادةً هذه النصوص، ولا يجدون صعوبة في التعاطي معها.
٢- النصوص غير التخصُّصية: فإنَّها تخاطب عامَّة الناس، وإذا كان فيها متشابهات وغوامض فيمكن تفسيرها وفهمها عبر الإحاطة بمجمل النصِّ والروايات والآثار النافعة في هذا الباب(١٢).
إنَّ هذا التقسيم يجعل من النصِّ مادَّة سلسة للدراسة، فإنَّه يُعطي لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه، أي يضع النقاط على الحروف، ويشرح الكيفية التي يجب أن يتعامل بها القارئ مع النصِّ، فلا يمكن لك وفق هذا التقسيم أن تطلب من عالم في الفيزياء أو الكيمياء أو الرياضيات أن يُفسِّر لك نصّاً دينياً، أو أن يفهم المراد من هذا النصِّ، أو يصل إلى الغاية المتوخّاة منه، حتَّى وإن كان على اطِّلاع على بعض النصوص الدينية، وعلى قدر من المعرفة والثقافة بها، إلَّا لأنَّه غير متخصِّص بالعلوم الدينية، على عكس صاحب الاختصاص والعالم الديني الذي يدخل إلى أعماق النصِّ، ويبحث ويدرس هذا النصَّ من كلِّ الجوانب، مع مراعاته لقائل النصِّ، ومدى صحَّة هذا النصِّ من ناحية الرواية أو السند، ومدى تأثير هذا النصِّ على الناس، وكيفية إيصال المعنى الحقيقي لهذه النصوص لهم، وشرحها بطريقة لا تقبل معها الشكَّ أو الطعن.
ويرى الدكتور (صلاح الفضلي) أنَّ تفكيك النصِّ يعتمد على الإدراك السليم لبنيته العليا، ممَّا يُعَدُّ شرطاً ضرورياً لتحليل علاقاته وضبط خواصِّه(١٣). وأمَّا الشروط والمعايير التي لا يصبح للنصِّ معنى من دونها، فهي: السبك (الاتِّساق)، والالتحام (الانسجام)، والقصد، ورعاية الموقف، والقبول، والتناصُّ، والإعلام(١٤).
أمَّا (صبحي إبراهيم الفقي)(١٥)، فقد لخَّصها في عشر نقاط، هي(١٦):
١- كون النصِّ منطوقاً، أو مكتوباً، أو كليهما.
٢- مراعاة الجانب الدلالي.
٣- مراعاة التحديد الحجمي (طول النصِّ).
٤- مراعاة الجانب التداولي.
٥- مراعاة جانب السياق، ويرى أنَّه متعلِّق بالجانب السابق.
٦- مراعاة جانب التماسك، ويرى أنَّه من أهمّ المعايير التي يقوم عليها التحليل النصّي.
٧- مراعاة الجانب الوظيفي للنصِّ.
٨- مراعاة التواصل بين المنتج والمتلقّي.
٩- الربط بينه وبين مفاهيم تحويله، مثل: الكفاءة والقدرة وغيرها.
١٠- إبراز كونه مقيَّداً.
وذهب (روبرت دي بوجراند) و(دريسلر)(١٧) إلى تعريف النصِّ بصورة أكثر دقَّة، مشيرين إلى أنَّ النصَّ حدث تواصلي يلزم لكونه نصّاً أن تتوافر فيه السبعة معايير للنصّية مجتمعة، ويزول عنه هذا الوصف إذا تخلَّف واحد من هذه المعايير، وهي: السبك، والحبك، والقصدية، والمقبولية، والإعلامية، والموقفية، والتناصُّ(١٨).
مفهوم الخطاب:
إنَّ مفهوم الخطاب لا يقلُّ أهمّيةً عن مفهوم النصِّ، فهو يلازمه في المعنى ويرادفه في الاستعمال، فإنَّ للخطاب دوراً بارزاً في إيصال النصوص إلى الناس، وتبليغها بصورة مفهومة وواضحة لا يعتريها شكٌّ على لسان الخطيب.
وإذا ما راجعنا (لسان العرب) لابن منظور في مادَّة خطب، وجدنا أنَّ الخطاب والمخاطبة تعنيان مراجعة الكلام مخاطبةً وخطاباً، وهما يتخاطبان، والمخاطبة صيغة مبالغة تفيد الاشتراك والمشاركة في فعل ذوي شأن(١٩).
وقد عُرِّف الخطاب على أنَّه: (اللفظ المتواضَع عليه المقصود به إفهام من هو متهيِّئ لفهمه. واحتُرِزَ باللفظ عن الحركات والإشارات المفهِمة بالمواضَعة، وبالمتواضَع عليه عن الأقوال المهملة، وبالمقصود به الإفهام عن كلام ما لم يُقصَد به إفهام المستمِع فإنَّه لا يُسمّى خطاباً)(٢٠).
الفرق بين النصِّ والخطاب:
بعد الاطِّلاع على مفهومي النصِّ والخطاب يتَّضح لنا أنَّ الفرق بين النصِّ والخطاب هو أنَّ النصَّ مكتوب والخطاب ملفوظ، فمن الممكن أن يكون النصُّ خطاباً ولكن بشرط الإفهام، فالنصُّ لا يُقصَد به إفهام المقابل المقصود بصورة قطعية، فهو بنية مفتوحة تحتمل أكثر من تأويل، ويمكن للقارئ أنْ يُفسِّره بحسب نظرته الخاصَّة. وأمَّا الخطاب فيجب به إفهام المقابل بكلِّ ما تريد، ولا يحتمل أكثر من تأويل، إذ إنَّ للخطاب جانباً تواصلياً يُراعى فيه المرسَل والمرسَل إليه والرسالة (النصِّ)، لذا فإنَّ المتتبِّع لخطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة التي ألقاها في مسجد الكوفة وفي جمع من المهاجرين والأنصار يجد أنَّ هذه الخطب تتحدَّث عن حدثٍ ما، وتُشخِّص المشكلة، وتُوجِّه الكلام إلى المستمع الذي هو مشارك في هذا الحدث ومتفهِّم لكلِّ ما يقصده أمير المؤمنين (عليه السلام).
إنَّ الحديث حول موضوعَي النصِّ والخطاب يطول، ولكنَّنا حاولنا فيما سبق أن نُوضِّح هذا المفهوم بشكل مبسَّط للقارئ، لأنَّ البحث يعتمد وبصورة كلّية على مجموعة من نصوص مختصَّة بغيبة الإمام الحجَّة المنتظر (عليه السلام)، فهي الحجَّة علينا والدليل لدينا بوجوده واختفائه عن الأنظار، فنحن وبحسب اعتقادنا نؤمن بأنَّ الأئمَّة من بعد النبيِّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هم اثنا عشر إماماً منصوصاً عليهم من الله تعالى، (فالإمامة لا تكون إلَّا بالنصِّ من الله تعالى على لسان النبيِّ أو لسان الإمام المعصوم الذي قبله، وليست هي بالاختيار أو الانتخاب من الناس)(٢١).
لذا سنبحث في أعماق هذه النصوص من الناحية الشكلية الخارجية (الاتِّساق)، ومن الناحية الداخلية (الانسجام)، وما مدى تأثيرها على القارئ في العصر الحاضر على الرغم من أنَّها قيلت منذ زمن بعيد على لسان المعصومين (عليهم السلام)، إذ إنّا لا نريد أن نبحث عن أسانيد ورواة هذه النصوص، فالنصوص التي بين أيدينا هي من مصادر موثوقة ومتَّفق عليها وعلى صحَّتها، ولكن غايتنا من هذا البحث هو أن نصل إلى مدى تأثير هذه النصوص على واقعنا الحالي إذا ما حلَّلناها بصورة صحيحة، وبيَّنّا أهمّيتها ودورها في بعث الأمل في نفوس المستضعفين والمضطهدين الذين ينتظرون المخلِّص الذي سينشر العدل في العالم، وأنَّه حتَّى وإنْ كان مستتراً عن العيون فهو معنا يعيش همومنا وأفراحنا بمنظر ومسمع، لكن أعمالنا هي التي حجبتنا عنه وأخَّرت في ظهوره.
الفصل الأوَّل: الاتِّساق النصّي في أحاديث الغيبة:
إنَّ دراسة أيِّ نصٍّ في ضوء المنهج اللساني الحديث يتطلَّب دراسته من ناحيتين مهمَّتين:
١- الناحية الشكلية (البنية الخارجية)، وهو ما يُسمّى بـ (الاتِّساق) أو (السبك).
٢- الناحية الداخلية (البنية العميقة)، وهو ما يُسمّى بـ (الانسجام) أو (الحبك).
وهذا يتطلَّب معرفة أهمّ المصطلحات التي نعتمد عليها في هذه الدراسة، لذا سندرس هذه المصطلحات ونتعرَّف عليها أوَّلاً، ثمّ نشرع بتطبيقها على بعض نصوص الغيبة التي جاءتنا عن طريق النبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام).
الاتِّساق:
الاتِّساق لغةً:
من يتصفَّح المعاجم اللغوية بحثاً عن معنى مفردة (الاتِّساق) يجدها تدلُّ على معانٍ كثيرة، منها: الاجتماع والانتظام، فقد ورد في (لسان العرب) في باب (نسق): (النسق من كلِّ شيء ما كان على طريقة نظام واحد عامٍّ في الأشياء)(٢٢).
و(التنسيق: التنظيم، والنسق ما جاء من الكلام على نظام واحد، وقال بعضهم: الاتِّساق: الانتظام)(٢٣).
الاتِّساق في الاصطلاح:
هو الكيفية التي يتمُّ بها ربط العناصر اللغوية على مستوى البنية السطحية بحيث يُؤدّي السابق منها إلى اللاحق، إذ يعني الاتِّساق بكيفية ربط مكوِّنات النصِّ السطحية أي بين العلامات اللغوية، وعُرِّف أيضاً بأنَّه: (ذلك التماسك الشديد بين الأجزاء المشكِّلة لنصٍّ ما، ويُهتَمُّ فيه بالوسائل اللغوية الشكلية التي تصل بين العناصر المكوِّنة لجزء من خطاب أو خطاب برمَّته)(٢٤).
إشكالية المصطلح:
تمَّ اختيار هذا المصطلح على الرغم من وجود مرادفات أُخرى تحمل نفس المعنى، كالسبك والتضامِّ والتناسق والترابط الرصفي، لأنَّها لا تُعبِّر عن المعنى المراد تعبيراً دقيقاً، فالسبك مصطلح تراثي يحمل معنى الترابط الشكلي، إلَّا أنَّه شاع أكثر في التراث النقدي والبلاغي عند العرب. أمَّا مصطلح (التضامِّ) و(التناسق)، فهما غير متداولين في أوساط اللسانيين. وأمَّا (الترابط الرصفي)، فهو مصطلح مركَّب لا يمكن الاعتماد عليه. لذا وقع الاختيار على مصطلح (الاتِّساق)(٢٥).
يُعَدُّ الاتِّساق من أهمّ المعايير النصّية عند علماء لغة النصِّ، فهو عنصر جوهري في تشكيل النصِّ وتفسيره. وتبدو أهمّيته في (جعل الكلام مفيداً، ووضوح العلاقة في الجملة، وعدم اللبس في أداء المقصود، وعدم الخلط بين عناصر الجملة، واستقرار النصِّ وثباته، وذلك بعدم تشتيت الدلالة الواردة في النصِّ)(٢٦).
وقد أكَّد كلٌّ من (هاليداي) و(رقيَّة حسن)(٢٧) على أهمّية (الاتِّساق)، وذلك من خلال القول الآتي: (يقع الاتِّساق في النصِّ عندما يتوقَّف تفسير عنصر في الخطاب على تفسير عنصر آخر، حيث يُفتَرض الأوَّل سلفاً لتفسير الثاني، بمعنى أنَّه لا يمكن فكُّ شفرته بشكل فعّال إلَّا بالرجوع للثاني، عندها يتمُّ الدمج بين العنصرين)(٢٨).
أدوات الاتِّساق:
١- الإحالة: من أهمّ وسائل التحام النصِّ واتِّساقه، وذلك من خلال الوسائل النحوية التالية: الضمائر، أسماء الإشارة، الأسماء الموصولة، أدوات المقارنة مثل: التشبيه، وكلمات المقارنة مثل: أقلّ، أكثر.
٢- الاستبدال: وهي عملية تتمُّ داخل النصِّ لتعويض عنصر في النصِّ بعنصر آخر.
٣- الحذف: يتمُّ الحذف عندما تكون هناك قرائن معنوية أو مقالية تومي إلى المحذوف وتدلُّ عليه، تترك هذه الوسيلة للقارئ مساحةً ليمارس فعل القراءة.
٤- الوصل والفصل: وهما من العناصر المهمَّة في اتِّساق النصِّ، إذ يشير الوصل إلى مكان اجتماع العناصر والصور وتعلُّق بعضها ببعض، أمَّا الفصل فيسهم في تماسك أجزاء النصِّ باعتباره نوعاً من أنواع الربط، إلَّا أنَّه لا يعتمد على روابط شكلية تتجلّى في البنية السطحية، بل يقوم على علاقة خفية قائمة بين جمل النصِّ.
٥- التكرار: يُقصَد به إعادة عنصر من العناصر المعجمية المشكِّلة للنصِّ.
٦- التضام: يتمثَّل في توارد زوج من الكلمات بالفعل أو بالقوَّة نظراً لارتباطهما بحكم هذه العلاقة أو تلك(٢٩).
الانسجام:
يرتبط مفهوم الاتِّساق بمفهوم آخر وهو (الانسجام)، إذ يدرس الأوَّل البنية السطحية الخارجية للنصِّ، ويدرس الثاني البنية العميقة للنصِّ. ويُؤكِّد المختصّون في الدرس اللساني على أهمّية الاتِّساق والانسجام في النصِّ، ومن ذلك قول (ليندة قياس): (يدرس الانسجام مدى تماسك النصِّ وترابط البنية الكلّية المشكِّلة للنصِّ، ويبحث الاتِّساق عن وسائل الترابط الشكلي للأجزاء المكوِّنة له، فالبحث في هاتين القضيَّتين يُعَدُّ من صميم النظرية النصّية)(٣٠).
لقد حدَّد (ليفاندوفسكي)(٣١) مفهوم الانسجام بأنَّه حصيلة تفعيل دلالي يُؤدّي إلى ترابط معنوي بين التصوّرات والمعارف يُحدِّدها متلقّي النصِّ، حيث يقول: (ليس الحبك محض خاصٌّ من خواصِّ النصِّ، ولكنَّه حصيلة اعتبارات معرفية (بنائية) عند المستمعين أو القرّاء، فالحبك حصيلة تفعيل دلالي، ينهض على ترابط معرفي بين التصوّرات والمعارف من حيث هي مركَّب من المفاهيم وما بينها من علاقات على أنَّها شبكة دلالية مختزنة، لا يتناولها النصُّ غالباً على مستوى الشكل، فالمستمع أو القارئ هو الذي يُصمِّم الحبك الضروري أو يُنشِئه)(٣٢).
وذهب (محمّد خطّابي) إلى أنَّ الانسجام أعمّ من الاتِّساق وأعمق منه، أمَّا (صبحي إبراهيم الفقي) فدعا إلى التوحيد بين المصطلحين، لأنَّ كليهما يعني (التماسك النصّي)(٣٣).
وإذا كانت وسائل اتِّساق النصِّ تبدو ظاهرة جليَّة في أغلب الأحيان، فإنَّ بناء الانسجام على عكس ذلك، إذ يتطلَّب من القارئ صرف الاهتمام إلى جهة العلاقات الدلالية الخفيَّة، التي لا يمكن الكشف عنها إلَّا بعد أن يمتلك القارئ ترسانة معرفية تُمكِّنه من التغلغل داخل هذا النسيج اللغوي المتشابك(٣٤).
وسائل انسجام النصِّ عند دي بو جراند:
- العناصر المنطقية، كالسببية والعموم والخصوص.
- معلومات عن تنظيم الأحداث والأعمال والموضوعات والمواقف.
- السعي إلى التماسك فيما يتَّصل بالتجربة الإنسانية ويتدعَّم الالتحام بتفاعل المعلومات التي يعرضها النصُّ مع المعرفة السابقة بالعالم(٣٥).
أدوات الاتِّساق في نصوص الغيبة:
الاتِّساق والانسجام من أهمّ وسائل التماسك النصّي والتي ترتبط بالناحية الشكلية والدلالية لأيِّ نصٍّ، فلا بدَّ من دراستهما بصورة جيِّدة لمعرفة نصٍّ ما وآليات قبوله، ومن أهمّ وسائل وأدوات الاتِّساق النحوي:
الإحالة: وهي من أهمّ وسائل التحام النصِّ واتِّساقه، وذلك بالوصل بين أواصر مقطع ما أو الوصل بين مختلف مقاطع النصِّ، غير أنَّ العناصر المحيلة كيفما كان نوعها لا تكفي بذاتها من حيث التأويل، إذ لا بدَّ من العودة إلى ما تشير إليه من أجل تأويلها(٣٦)، وتُقسَّم إلى:
١- الإحالة المقامية: وتُعرَّف على أنَّها هي إحالة عنصر لغوي إحالي على عنصر إشاري غير لغوي موجود في المقام الخارجي، كأن يحيل ضمير المفرد المتكلِّم على ذات صاحبه المتكلِّم حيث يرتبط عنصر لغوي إحالي بعنصر لغوي إشاري هو ذات المتكلِّم، ويمكن أن يشير عنصر لغوي إلى المتكلِّم ذاته في تفاصيله أو مجملاً فيه، إذ يُمثِّل كائناً أو مرجعاً موجوداً مستقلّاً بنفسه، فهو يمكن أن يحيل عليه المتكلِّم، بحيث تكون الإشارة إلى خارج النصِّ(٣٧)، ولا يتمُّ معرفة هذا النوع من الإحالة إلَّا بمعرفة الأحداث وسياق الحال.
٢- الإحالة النصّية: وهي إحالة إلى داخل النصِّ، ولها دور هامٌّ في خلق ترابط بين جزيئات النصِّ، وتنقسم إلى:
أ- إحالة قبلية: وهي إحالة على سابق أو إحالة بالعودة، ويُقصَد بها استعمال كلمة أو عبارة تشير إلى كلمة سابقة لها داخل النصِّ.
ب- إحالة بعدية: وهي استعمال كلمة أو عبارة تشير إلى كلمة أو عبارة أُخرى ستُستَعمل لاحقاً في داخل النصِّ.
ومن أهمّ وسائل الاتِّساق الإحالية:
١- الضمائر.
٢- أسماء الإشارة.
٣- المقارنة.
٤- الأسماء الموصولة.
بعد أن مررنا سريعاً بموضوعي الاتِّساق والانسجام وعرفنا أهمّيتهما في الدراسة النصّية ودور كلٍّ منهما في تفكيك النصوص وفهمه، سنبدأ بتطبيق هذه الدراسة على مجموعة من نصوص الغيبة التي جاءتنا عن طريق النبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام)، وندرسها وفق السياقات التي قيلت فيها وما مدى اتِّساقها.
النصُّ من الله تعالى على القائم وأنَّه الثاني عشر من الأئمَّة المعصومين (عليهم السلام):
روي عن النبيِّ المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين عُرِجَ به إلى السماء وأخبره الباري (عزَّ وجلَّ) عن الخليفة من بعده وفضله على الأُمَّة، وأنَّه سيخرج من صلبه أحد عشر مهديّاً كلُّهم من الزهراء البتول، ثمّ يصف آخر رجل منهم قائلاً (جلَّ من قائل): «وآخر رجلٍ منهم يُصلّي خلفه عيسى بن مريم، يملأ الأرض عدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، أُنجي به من الهلكة، وأهدي به من الظلال، وأُبرئ به من العمى، وأشفي به المريض»، فقال النبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إلهي وسيِّدي، ومتى يكون ذلك؟»، فأوحى الله (عزَّ وجلَّ): «يكون ذلك إذا رُفِعَ العِلْم، وظهر الجهل، وكثر القرّاء، وقلَّ العمل، وكثر القتل، وقلَّ الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة والخونة، وكثر الشعراء، واتَّخذ أُمَّتك قبورهم مساجد، وحليت المصاحف، وزُخْرِفَت المساجد، وكثر الجور والفساد، وظهر المنكر وأمر أُمَّتك به، ونهوا عن المعروف، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وصارت الأُمراء كفرة، وأولياؤهم فجرة، وأعوانهم ظلمة، وذوي الرَّأي منهم فسقة، وعند ذلك ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وخراب البصرة على يد رجل من ذرّيتك يتبعه الزنوج، وخروج رجل من ولد الحسين بن عليٍّ، وظهور الدجّال يخرج بالمشرق من سجستان، وخروج السفياني»(٣٨).
تتجلّى ظاهرة الإحالة في المقطع الأوَّل من هذا النصِّ من خلال:
الضمائر التي تعود مرَّةً على الإمام (عليه السلام) وتحيل الفعل إليه، فهو الذي سيملأ الأرض عدلاً، وهو الذي يُصلّي خلفه عيسى بن مريم (عليه السلام).
ومرَّةً ثانية عودة الضمير الياء (ياء المتكلِّم) على الله تعالى الذي يشير إلى أنَّه سيكون سبباً في نجاة العباد وهدايتهم وبصيرتهم وشفائهم.
لقد ساهمت الإحالة بطريقة أو بأُخرى بنسبة الفعل مرَّةً إلى الله تعالى ومرَّةً إلى الإمام (عليه السلام)، وهنا تتجلّى جمالية ودقَّة هذا النصِّ في التقسيم، فقد ذكر في بداية النصِّ بأنَّ الإمام (عليه السلام) سيملأ الأرضَ عدلاً وسيُصلي خلفه عيسى بن مريم، ولكن هل هذا الفعل من تلقاء نفسه؟ أي هل له القدرة على أن يُنفِّذ هذه المهمَّة لوحده أم أنَّ الله تعالى سيوفقه لذلك؟ نرى أنَّ الإجابة تأتي في تكملة النصِّ، والتي يتحدَّث فيها (عزَّ وجلَّ) قائلاً بأنَّه أنا الذي أُنجي، وأنا الذي أهدي وأُبرئ وأشفي؛ أي إنَّ أيَّ فعل سيقوم به الإمام فهو بمشيئتي وقدرتي، وإنَّما هو وسيلتي لذلك، كما أنَّ عيسى بن مريم كان يُحيي الموتى ويُبرء المرضى بإذن الله تعالى.
قال تعالى: ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ﴾ (آل عمران: ٤٩).
وتتجلّى مظاهر الإحالة النصّية في «يُصلّي خلفه ويملأ الأرض»، إذ أُحيلت الضمائر (الهاء والضمير المستتر هو) إلى سابق في النصِّ، وهو كلمة (رجلٍ)، وأُحيلت الكلمات (أُنجي به، وأهدي به، وأُبرئ به، وأشفي به) على سابق وهو الله (جلَّ وعلا).
وأُحيل الضمير الياء إلى الفاعل الذي هو خارج النصِّ، وهو المُخاطِب، وهو الله (جلَّ جلاله).
وإذا ما نظرنا في سياق هذا النصِّ وجدنا أنَّ المقام هو في السماوات العلى، والمُخاطِب هو الله، والمُخاطَب هو رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والخطاب هو تكليف وتنصيب وبيان لمقام الأئمَّة (عليهم السلام)، لذا استلزم أن يكون الحديث واضحاً، وفيه إشارات واضحة لمقام هذا الإمام. ويتجلّى ذلك في الجزء الثاني من النصِّ، والذي يُبيِّن فيه الباري صفات العصر الذي سيسبق ظهور هذا الإمام، ويشرحها بالتفصيل، في حين أنَّه اكتفى بذكر أسماء الأئمَّة الذين سبقوه فقط، ولم يُطِل في الحديث عنهم.
الحذف:
يُشكِّل الحذف أهمّية بالغة في معرفة مدى تماسك النصِّ، ولا يمكننا معرفة الحذف من دون قرينة دالَّة عليه كالتكرار، أو من خلال كلمات سابقة أو لاحقة للجملة.
والحذف على أنواع:
حذف لكلمة أو لجملة أو لعبارة كاملة، وهذا الحذف هو الذي ساعد على تماسك واتِّساق النصِّ. وأيضاً يرتبط الحذف بالإحالة من ناحية أنَّ المحذوف يجب أن يدلَّ عليه دليل أو قرينة سابقة أو لاحقة له، وإلَّا اختلَّ معنى الجملة، وبالتالي تفكُّك النصِّ وعدم فهمه بوضوح.
ويتجلّى الحذف حذف الفاعل في جملة (يملأ الأرض)، فحذف الفاعل الذي هو الإمام (عليه السلام)، ودلَّ عليه دليل سابق وهو قوله: (وآخر رجل منهم).
الوصل:
تشير أدوات الوصل في النصِّ إلى مكان تجتمع فيه الأجزاء وترتبط مع بعضها حتَّى تكون كالشيء الواحد، ومن أشهر أدوات الربط:
حروف العطف، ويكون الربط بهذه الحروف على صور عدَّة(٣٩):
١- مطلق الجمع يربط بين صورتين أو أكثر متَّحدتين من حيث البنية، ويُستَخدم لذلك: (الواو، بالإضافة إلى، علاوة على هذا).
٢- التخيُّر يربط بين صورتين تكونان متماثلتين من حيث المحتوى، ويقع الاختيار على محتوى واحد وأداة الاختيار (أو).
٣- الاستدراك، ويضمُّ صورتين من صور المعلومات بينهما علاقة تعارض، ويمكن استخدام (لكن، بل، مع ذلك).
٤- التفريع، ويشير إلى العلاقة بين صورتين بينهما حالة تدرُّج، وتحقُّق أحدهما يتوقَّف على حدوث الآخر، ويُستَخدم لذلك: (لأن، ما دام، من حيث، لهذا...).
إنَّ وجود هذه الأدوات في أيِّ نصٍّ يساعد على ربط أجزاء النصِّ بعضها ببعض.
الفصل:
أمَّا الفصل، فهو يسهم في تماسك أجزاء النصِّ باعتباره نوعاً من أنواع الربط إلَّا أنَّه يعتمد على روابط شكلية تتجلّى في البنية السطحية، بل يقوم على علاقة خفيَّة قائمة بين جمل النصِّ(٤٠)، ومن شروط العطف(٤١):
١ - لا يجوز أن نعطف الشيء على نفسه.
٢ - لا يجوز العطف بين أمرين لا يجمعهما أيُّ جامع.
٣ - لا يجوز حذف حروف العطف أو إضمارها.
ونجد أدوات الوصل في النصِّ الذي سبق حيث استعمل الواو للربط بين الجمل (أُبرئ به وأشفي به وأهدي به)، أي إنَّ هذه الأفعال مجتمعة كلَّها سيُحقِّقها عن طريق هذا الشخص، ومن ثَمَّ في النصِّ الذي يليه، فإنَّ استخدام الواو للعطف في الجمل يدلُّ على أنَّ هذه العلامات يجب أن تتحقَّق كلُّها حتَّى يخرج الإمام (عليه السلام).
ومن المعلوم أنَّ الواو في اللغة العربية تُستَخدم للمشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه حكماً وإعراباً، مثل: (نام جهاد وسليم)، ولا تفيد وجود ترتيب بينهما، ولا تشير إلى التعقيب، إِذ قد يكون جهاد نام أوَّلاً، أو سليم نام أوَّلاً، كما يمكن أن يكون سليم وجهاد ناما معاً. أي ما معناه: إنَّ تحقق هذه العلامات مجتمعة ومشتركة هو الذي سيكون في عصر الظهور، ولا يُشتَرط فيها ترتيب أو تسلسل معيَّن.
التكرار:
يُعتَبر التكرار واحداً من عوامل الاتِّساق النصّي، إذ يعمل على تحقيق التماسك النصّي بين عناصر النصِّ المتباعدة، ويساعد التكرار على جعل النصِّ متماسك الأجزاء يُكمِل بعضه بعضاً، وذلك في تكرار الضمير (الهاء) العائد على الإمام (عليه السلام) في قوله: (أُنجي به، وأشفي به، وأُبرئ به). وتكرار كلمة الخسف في قوله: (وخسف في المشرق، وخسف في المغرب، وخسف في جزيرة العرب) تأكيداً منه على حدوث هذا الأمر، وتفصيل ذلك وإيضاحه حتَّى لا يلتبس على أحدٍ، وأيضاً تكرار كلمة الخروج في الفقرة التي تليها، وخروج السجستاني والسفياني، والخروج هنا بمعنى الظهور.
نصُّ النبيِّ الأطهر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على غيبة الإمام المنتظر (عليه السلام):
عن ابن عبّاس، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنَّ عليَّ بن أبي طالب إمام أُمَّتي وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر، الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقِّ بشيراً إنَّ الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعزَّ من الكبريت الأحمر»، فقام إليه جابر الأنصاري وقال: يا رسول الله، للقائم من ولدك غيبة؟ قال: «إي وربّي، ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤١]. يا جابر، إنَّ هذا الأمر أمر من أمر الله وسرٌّ من سرِّ الله، مطويٌّ عن عباد الله، فإيّاك والشكَّ فيه، فإنَّ الشكَّ في أمر الله (عزَّ وجلَّ) كفر»(٤٢).
تتجلّى الإحالة في هذا النصِّ في الهاء في (ولده) التي تعود على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي إحالة على سابق، والهاء في (به) التي تعود على الإمام إحالة على سابق أيضاً، وقوله: (الثابتين على القول به) إحالة على سابق أيضاً.
وفي قوله: (يملأ الله الأرض به، والثابتين على القول به، زمن غيبته) إحالة على سابق، وهو القائم المنتظر (عليه السلام).
إنَّ الإشارة إلى الإمام بهذه الضمائر وعدم ذكره في كلِّ مرَّة ساهمت في اتِّساق النصِّ وبلاغته وجماليته، وهذا يدفعنا للخوض في مجال هذا الخطاب أو المقام الذي قيل فيه هذا النصُّ، وهو زمن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) زمن البلاغة والفصاحة ونزول القرآن، فالمتلقّي للنصِّ على معرفة تامَّة باللغة التي يتحدَّث فيها النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وحتَّى لا يستغرب الجمع من هذا الأمر توجَّه جابر بن عبد الله بالسؤال قائلاً: يا رسول الله، للقائم من ولدك غيبة؟ فأجاب (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنعم، ولكن أعقب هذه النعم بقوله: (إنَّ هذا أمر من أمر الله وسرٌّ من سرِّ الله)، فأحال الجواب إلى خارج النصِّ، ولم يُخبِره بتفاصيل وحكمة هذه الغيبة.
وللوصل دور مهمٌّ في اتِّساق النصِّ وترابطه وإيضاح معانيه، فقد ربط القول في بداية الحديث بقوله: (عليٌّ إمام أُمَّتي وخليفتي عليها من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر)، أي إنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) يشارك أمير المؤمنين (عليه السلام) في الإمامة والاستخلاف على الأرض. ويجمع بين القسط والعدل، وهما كلمتان مترادفتان، وبين الظلم والجور، وهما أيضاً مترادفتان، أي إنَّ العدالة بأسمى معانيها وأجلاها ستتحقَّق عن طريق الإمام، وسيقضي على الظلم بكلِّ أنواعه.
وفي الفقرة الثانية من الحديث يجمع بين القولين: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ﴾ (آل عمران: ١٤١)، فإنَّه في الفقرة الأخيرة يجمع بين العطف والتكرار تأكيداً منه على أهمّية الموضوع، وذلك قوله: (يا جابر، إنَّ هذا الأمر أمر من أمر الله، وسرٌّ من سرِّ الله تعالى)، ثمّ يُؤكِّد في قوله: (مطويٌّ عن عباد الله، فإيّاك والشكَّ فيه، فإنَّ الشكَّ في أمر الله تعالى كفر).
نصُّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الغيبة:
وفي حديث لأمير المؤمنين (عليه السلام) مع الإمام الحسين (عليه السلام) يقول فيه: «التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقِّ، المظهر للدين، والباسط للعدل»، فقال الحسين (عليه السلام): «يا أمير المؤمنين، وإنَّ ذلك لكائن؟»، فقال: «إي والذي بعث محمّداً بالنبوَّة واصطفاه على جميع البريَّة، ولكن بعد غيبة وحيرة، فلا يثبت فيها على دينه إلَّا المخلصون المباشرون لروح اليقين الذين أخذ الله (عزَّ وجلَّ) ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيَّدهم بروح منه»(٤٣).
في بداية الحديث إشارة صريحة إلى الإمام (عليه السلام)، وإحالة على لاحق، وهو القائم بالحقِّ، ومن ثَمَّ تفصيل في ذكره، وإحالة الصفات التي تليها على سابق، وهو قوله: (من ولدك).
فالقيام بالحقِّ والإظهار للدين وبسط العدل هذه كلُّها أفعال الإمام (عليه السلام)، والذي دلَّ على ذلك هو حرف العطف (الواو)، فإنَّ فيها إحالة على سابق، وهو (التاسع من ولدك يا حسين).
واستخدام العطف في الفقرة التالية في قوله: (والذي بعث محمّداً بالنبوَّة واصطفاه على جميع البريَّة)، ثمّ فرَّق الجملة وفصلها بقوله: (ولكن بعد غيبة وحيرة)، ومن ثَمَّ ذكر صفات الثابتين في زمن الإمام (عليه السلام)، وهم: (المخلصون، المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله ميثاقهم، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيَّدهم بروح منه)، أي: منه سبحانه وتعالى.
لقد جعل الإخلاص من أوَّل صفات هؤلاء، ومن ثَمَّ فإنَّ الإخلاص في العمل يُؤدّي إلى الارتقاء بالنفس، فتصبح على درجة عالية من اليقين، وعند ذاك سيأخذ الله ميثاقهم ويُثبِّت قلوبهم ويملؤها بالإيمان ويُؤيِّدهم بروح منه. إنَّ التسلسل في هذه الصفات والترتيب الذي جاءت به يفضي عن بلاغة القائل، وبلاغة المستمع، وأهمّية المقال (النصِّ).
وفي (المخلصون، والمباشرون لروح اليقين، والذين أخذ الله ميثاقهم، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيَّدهم برح منه) إحالة إلى خارج النصِّ.
إنَّ هذا النوع من الإحالة يجعل القارئ يبحث خارج النصِّ عن صفات هؤلاء الذين ذُكروا قبل أكثر من (١٤٠٠) عام، ويُعطي للقارئ إحاطة كاملة عن معرفة هذه الشخصية التي يُؤكِّد عليها الإمام (عليه السلام) في حديثه، فالخطاب موجَّه بطبيعته إلى الإمام الحسين (عليه السلام)، ولكن هل الحسين (عليه السلام) لا يعرف بذلك فيسأل: (وإنَّ ذلك لكائن؟)، إذن من هذا نفهم أنَّ الخطاب لم يكن موجَّهاً للإمام (عليه السلام)، وإنَّما هو لمن يأتي ويعيش هذا الزمن زمن الغيبة.
لا يوجد حذف في الحديث، فالحديث صريح وواضح وخالٍ من أيِّ إبهام.
نصُّ الإمام الحسن (عليه السلام) عن الغيبة:
عن الإمام الحسن (عليه السلام): «أمَا علمتم أنَّه ما منّا أحدٌ إلَّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلَّا القائم الذي يُصلّي روح الله عيسى بن مريم خلفه؟ فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يُخفي ولادته، ويُغيِّب شخصه، لئلَّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، وذلك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيِّدة الإماء، يُطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهر بقدرته في صورة شابٍّ دون أربعين سنة، وذلك ليعلم أنَّ الله على كلِّ شيء قدير»(٤٤).
أحال الكلام إليهم (صلوات ربّي عليهم)، إذ إنَّه لا يوجد أحد منهم إلَّا وكانت له بيعة لطاغية من طواغيت زمانه إحالة على سابق، وهم الأئمَّة (عليهم السلام)، ومن ثَمَّ استخدم الاستثناء، ففصل الكلام بـ (إلَّا)، أي إنَّه هو الوحيد الذي لا تقع في عنقه بيعة لطاغية، وبعدها بدأ بالتفصيل في شأنه باستخدام الاسم الموصول (الذي)، فيذكر أنَّ عيسى (عليه السلام) سيُصلّي خلفه، ولم يذكر التفصيلات، فلم يذكر أنَّ عيسى رُفِعَ إلى السماء وأنَّه سيعود في زمن الإمام (عليه السلام) اعتماداً منه على طبيعة فهم المتلقّي ومعرفته السابقة بهذا الأمر، وبعدها يذكر خفاء الولادة والغيبة، وثمّ يشير إليه باسم الإشارة (ذلك)، ولم يذكره إنَّما اكتفى بذكر لقبه (التاسع)، ويعود فيصل الكلام بـ (ثمّ)، ويشير إلى الله تعالى بقوله: (بقدرته)، فالضمير (الهاء) يشير إلى الله تعالى، وفيه إحالة إلى خارج النصِّ، ويوصل الكلام بـ (الواو)، ويحذف الفاعل من الجملة الأخيرة (ليعلم أنَّ الله على كلِّ شيء قدير) ليعلم هو.
إنَّ تقديم الحديث عن البيعة وترك التفصيلات في موضوع الغيبة لأنَّ موضوع البيعة هو واحد من الأسباب التي ساهمت بشكل أو بآخر بموضوع الغيبة.
نصُّ الإمام الحسين (عليه السلام) عن الغيبة:
يقول الإمام الحسين (عليه السلام): «قائم هذه الأُمَّة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يُقسَّم ميراثه وهو حيٌّ»(٤٥).
نجد الإحالة تمثَّلت في (قائم هذه الأُمَّة) إحالة على لاحق وهو (التاسع من ولدي)، التاسع من ولد، و(صاحب الغيبة، يُقسَّم ميراثه وهو حيٌّ) إحالة على سابق وهو (قائم هذه الأُمَّة).
التكرار (هو) يُؤكِّد أنَّه شخص واحد.
العطف باستخدام (الواو) يدلُّ على أنَّ هذه الصفات كلَّها مشتركة قد اجتمعت فيه.
النصُّ على الغيبة في حديث الإمام السجّاد (عليه السلام):
عن الإمام السجّاد (عليه السلام) مخاطباً أحد أصحابه: «يا أبا خالد، إنَّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلِّ زمان، لأنَّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف، أُولئك المخلصون حقّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً»(٤٦).
غيبته، إمامته، ظهوره، كلُّها تشير إلى الإمام (عليه السلام)، وتحيل إلى خارج النصِّ.
ويجمع بين (القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره في زمنه) بحرف العطف الواو، ويُعلِّل سبب ذلك بأنَّ الله سبحانه وتعالى (أعطاهم) إحالة على سابق وهو (أهل زمانه). (من العقول والأفهام والمعرفة ما جعل الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة) أي إنَّهم تيقَّنوا بوجود الإمام (عليه السلام)، منتظرين لظهوره، مستعدِّين للجهاد بين يديه، فهو بمنزلة المجاهدين مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهم: (المخلصون حقّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً)، فإنَّ استخدام حرف العطف (الواو) يشاركهم جميعاً بهذه الصفات.
نصُّ الغيبة في حديث الإمام الباقر (عليه السلام):
عن الباقر (عليه السلام): «إنَّ في القائم من آل محمّد شبهاً من خمسة من الرُّسُل: يونس بن متّى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم). فأمَّا شبهه من يونس بن متّى فرجوعه من غيبته وهو شابٌّ بعد كبر السنِّ، وأمَّا شبهه من يوسف بن يعقوب فالغيبة من خاصَّته وعامَّته واختفاؤه من إخوته وإشكال أمره على أبيه يعقوب مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته، وأمَّا شبهه من موسى فدوام خوفه وطول غيبته وخفاء ولادته وتعب شيعته من بعده ممَّا لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله (عزَّ وجلَّ) في ظهوره ونصره وأيَّده على عدوِّه، وأمَّا شبهه من عيسى فاختلاف من اختلف فيه حتَّى قالت طائفة: ما وُلِدَ، وقالت طائفة: ماتَ، وقالت طائفة: قُتِلَ وصُلِبَ، وأمَّا شبهه من جدِّه المصطفى فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله الجبّارين والطواغيت وأنَّه يُنصَر بالسيف والرعب وأنَّه لا تُرَدُّ له راية»(٤٧).
نصٌّ رائع للإمام الباقر (عليه السلام) يبدأ بذكر القائم (عليه السلام)، ومن ثَمَّ فإنَّه يشدُّ المستمع أو القارئ للنصِّ، فيُشبِّه الإمام (عليه السلام) بخمسة من الأنبياء (عليهم السلام)، من هم الأنبياء (عليهم السلام)؟ ما الصفة التي اشترك بها الإمام (عليه السلام) مع هؤلاء الأنبياء؟ وما هو وجه الشبه بينه وبينهم؟
العطف في هذا النصِّ بحرف العطف (الواو) يجعل من الإمام (عليه السلام) مشاركاً لهم في بعض صفاتهم.
تمثَّلت الإحالة في (رجوعه، غيبته، خاصَّته، عامَّته، خوفه، ولادته، شيعته، ظهوره، نصره، أيَّده، عدوِّه، شبهه، جدِّه، خروجه، قتله)، فكلُّ الضمائر التي في هذه الكلمات تعود على الإمام (عليه السلام)، وفيها إحالة على سابق، وهو القائم من آل محمّد (عليهم السلام) الذي ذُكِرَ في بداية الحديث.
والتكرار هنا يفيد التأكيد، فقد كرَّر كلمة الغيبة (٣) مرّات إشارةً منه إلى حدوثها لا محالَ، ومن ثَمَّ استخدام مرادف لكلمة الغيبة وهو (الاختفاء).
وكلمة طائفة فقد تكرَّرت (٣) مرّات، والغاية من ذلك هي أن يُخبِر المتلقّي بتعدُّد الطوائف واختلاف الأُمم في زمنه (عليه السلام)، فبين منكر له وبين شاكٍّ فيه وبين ضالٍّ لا يهتدي.
وتكرَّرت كلمة شبهه (٦) مرّات، يريد أن يُشبِّه الإمام (عليه السلام) في صفة واحدة من صفات هذا النبيِّ (عليه السلام) أو ذاك لا كلِّها، لذا فإنَّه في حديثه عن كلِّ نبيٍّ استخدم مفردة التشبيه حتَّى لا يذهب المتلقّي بعيداً ويظنُّ بأنَّ الإمام (عليه السلام) في حديثه هذا يريد أن يساوي بين الإمام وبين الأنبياء أو يقارن بينهم، وإنَّما أراد بيان وجه الشبه بينه وبين من سبقه من أنبياء الله تعالى الذين جاهدوا من أجل إعلاء كلمة الله تعالى ونشر راية الحقِّ وإقامة دولة العدل الإلهي على الأرض.
وإنَّ تكراره لكلمة (أعداء) مرَّتين فيه جانب دلالي، فقوله: (أعداء الله وأعداء رسوله) يجعلنا نسأل: ألم يذكر الله تعالى في محكم كتابه العزيز وفي الأحاديث التي نزلت على الحبيب المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأنَّ أعداء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هم أعداء الله؟ فَلِمَ لَمْ يقل: أعداء الله ورسوله؟! إنَّ في ذلك إشارة واضحة على أنَّ الإمام (عليه السلام) سيظهر في زمن تكثر فيه الأقاويل والأحاديث عن الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فيدَّعي البعض بحبِّه لمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) واتِّباعه له، ويقتل ذرّيته، ويُحلِّل سفك دمائهم، أُولئك الذين يدَّعون بأنَّهم مسلمون وملتزمون بكلِّ ما أمر به الله تعالى إلَّا في بعض الأُمور التي تتعارض مع مصالحهم، فهم أعداء لله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم). ألم يقل في نصوص عديدة من الزيارات: «إنّي سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، وعدوٌّ لمن عاداكم، ومحبٌّ لمن أحبكم»؟
ومن ثَمَّ يأتي إلى التفصيل بعد ذلك قائلاً: (وأمَّا شبهه من يونس فهو رجوعه من غيبته وهو شابٌّ بعد كبر السنِّ)، فوجه الشبه بينه (عليه السلام) وبين يونس (عليه السلام) الغيبة والظهور بعدها، وعدم تأثُّره أو تغيُّر ملامحه رغم كبر سنِّه والفترة الطويلة التي قضاها منتظراً.
ووجه الشبه بينه وبين يوسف (عليه السلام): (فالغيبة من خاصَّته وعامَّته، واختفاؤه من إخوته، وإشكال أمره على يعقوب (عليه السلام).
وأمَّا وجه الشبه بينه وبين موسى (عليه السلام): (فطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعد ما لاقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله بظهوره ونصره وأيَّده على عدوِّه).
وشبهه من عيسى (عليه السلام): (فاختلاف من اختلف فيه، فمنهم من قال: إنَّه لم يُولَد، ومنهم من قال: ماتَ، ومنهم من قال: قُتِلَ وصُلِبَ).
وللقائم (عليه السلام) شبه بجدِّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو: (خروجه بالسيف، وقتله أعداء الله تعالى، ولا تُرَدُّ له راية).
يحوي هذا النصُّ بين طيّاته إشارات كثيرة ذُكِرَت مرَّةً بصورة مباشرة ومرَّةً بصورة غير مباشرة عن غيبة الإمام (عليه السلام)، ويجب أن نلاحظ أنَّ السياق الذي تحدَّث فيه الإمام (عليه السلام) هو الذي فرض على الإمام (عليه السلام) أن يُفصِّل بصورة مباشرة وواضحة جدّاً، فعصر الإمام الباقر (عليه السلام) والأحداث التي شهدها بعد مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) واستفحال الظلم والجور تطلَّب ذلك أن يُنبِّه الناس ويُذكِّرهم بأنَّ الله تعالى سيُظهِر الحقَّ ولو بعد حين.
الغيبة في حديث الإمام الصادق (عليه السلام):
عن ابن الفضل يقول: سمعت الصادق جعفر بن محمّد يقول: «إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدَّ منها يرتاب فيها كلُّ مبطل»، فقلت: فلِمَ جُعلت فداك؟ قال: «لأمر لم يُؤذَن لنا في كشفه لكم»، قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: «وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدَّمه من حُجج الله (جلَّ ذكره)، إنَّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلَّا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى إلى وقت افتراقهما. يا ابن الفضل، إنَّ هذا الأمر أمر من الله تعالى، وسرٌّ من سرِّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنَّه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدَّقنا بأنَّ أفعاله كلَّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف»(٤٨).
إنَّ التأكيد على مسألة غيبة الإمام (عليه السلام) والتمهيد لها منذ زمن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن سبقه من الأنبياء (عليهم السلام) لم تكن كما فعل ذلك الإمام الصادق (عليه السلام) الذي تحدَّث عن هذا الموضوع بصور شتّى، وقد يعود سبب ذلك إلى الفسحة الزمنية التي عاشها الإمام (عليه السلام) في أثناء سقوط دولة بني أُميَّة واستلام العبّاسيين للحكم.
لقد استهلَّ الحديث بذكر الإمام (عليه السلام)، وأطلق عليه (صاحب الأمر)، وبعد ذلك تحدَّث عن الغيبة وأنَّه لا بدَّ منها.
وأمَّا التكرار، فإنَّه يُؤكِّد على أنَّ الإمام يجعل هذا الأمر وبيانه ومعرفته عائداً إلى الله تعالى.
ثمّ يعود السائل ليسأل: متى ذلك؟ فيُجيب الإمام (عليه السلام): (لأمر لم يُؤذَن لنا في كشفه لكم)، لقد انتقل به إلى خارج النصِّ، وأحال الأمر إلى الله تعالى الذي أشار إليه في الفقرات الأخيرة من النصِّ، وهو قوله: (إنَّ هذا الأمر أمر من أمر الله، وسرٌّ من سرِّ الله، وغيب من غيب الله).
ويعود السائل ليسأل مرَّةً أُخرى: ما الحكمة من ذلك؟ فيُجيب الإمام (عليه السلام) بأنَّ وجه الحكمة هو نفسه وجه الحكمة في غيبات من سبقه من الأنبياء. لقد انتقل بالقارئ وأحاله إلى خارج النصِّ ليبحث في غيبات الأنبياء والأسباب التي أدَّت لها.
ومن ثَمَّ ينقلنا إلى الخضر (عليه السلام) وقصَّته، وسبب قتل الغلام، وخرق السفينة، وإقامة الجدار، وأنَّه اقتضت حكمة الله تعالى ومشيئته عدم معرفة السبب لموسى (عليه السلام) إلَّا بعد افتراقهما.
ويختم الإمام حديثه بأنَّ هذه الغيبة فيها حكمة من الله تعالى، فيجب علينا التصديق بها وعدم إنكارها حتَّى وإن كان وجه الحكمة غير منكشف.
إنَّ تسلسل الأحداث وترتيب الأسباب والمسبَّبات التي دعت إلى الغيبة في حديث الإمام (عليه السلام) وإقامته للحجَّة من خلال ذكر قصَّة الخضر وموسى (عليهما السلام) ساعدت على اتِّساق النصِّ وانسجامه وترابط مكوِّناته ليصل إلى مستوى الإثبات والبرهان والحجَّة لمن أراد إثبات غيبة الإمام (عليه السلام).
النصُّ على الغيبة في حديث الإمام الكاظم (عليه السلام):
في حديث له مع أخيه عليِّ بن جعفر (عليه السلام)، قال: «إذا فُقِدَ الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنَّكم أحد عنها، إنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتَّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنَّما هي محنة من الله (عزَّ وجلَّ) امتحن الله بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحّ من هذا لاتَّبعوه»، فقلت: يا سيِّدي، وما الخامس من ولد السابع؟ فقال: «يا بُنَيَّ، عقولكم تضعف عن ذلك، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تُدرِكونه»(٤٩).
تتجلّى أدوات الاتِّساق في هذا النصِّ بالإحالة التي يبدأ بها الإمام (عليه السلام)، فيحيل المستمع أو القارئ إلى أن يبحث عن المقصود خارج النصِّ وهو (السابع)، فمن هو السابع؟
ومن ثَمَّ يحيل الغيبة إلى صاحب هذا الأمر، وفي ذلك إحالة على سابق، والهاء في (به).
ثمّ يحيل الإجابة على السؤال الذي وُجِّه إليه عن (الخامس من ولد السابع) إلى خارج النصِّ حتَّى يظلَّ يبحث في معنى هذه الإشارة ومضمونها. ويُعلِّل عدم إجابته بأنَّ عقولكم لم تتهيَّأ بعد لفهم هذا الأمر واستيعابه.
وقال (عليه السلام) في حديث آخر له: «طوبى لشيعتنا، المتمسِّكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أُولئك منّا ونحن منهم، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة»(٥٠).
يتحدَّث الإمام في هذا النصِّ عن الغيبة بصورة أكثر وضوحاً، ويشير إلى شيعة الإمام (عليه السلام) في ذلك الزمن، ويصفهم بأنَّهم (منّا ونحن منهم). ويُكرِّر كلمة (طوبى) مرَّتين تأكيداً منه على المنزلة التي سينالها هؤلاء. ويستخدم الضمير (هم) للإشارة إليهم. ويُكثِر من استخدام ضمير الرفع (نا) إشارةً إليهم (عليهم السلام) في: (شيعتنا، حبلنا، قائمنا، موالاتنا، أعدائنا، منّا، معنا).
النصُّ على الغيبة في حديث الإمام الرضا (عليه السلام):
قيل للرضا (عليه السلام): أنت صاحب هذا الأمر؟ فقال: «أنا صاحب هذا الأمر، ولكنّي لستُ بالذي أملؤها عدلاً كما مُلِئَت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني؟! وإنَّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سنِّ الشيوخ ومنظر الشبّان، قويّاً في بدنه حتَّى ولو مدَّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان (عليه السلام)، ذاك الرابع من ولدي، يُغيِّبه الله في ستره ما شاء، ثمّ يُظهِره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً»(٥١).
التفاتة جميلة من الإمام (عليه السلام)، وإجابة دقيقة جدّاً، لم يجب الإمام بـ (نعم)، بل قال: (أنا صاحب هذا الأمر) أي إنَّهم (صلوات ربّي عليهم) ولاة أمر المسلمين. ثمّ يستدرك الأمر ويُوضِّح للسائل الإجابة قائلاً: (ولكنّي لستُ بالذي أملؤها عدلاً كما مُلِئَت جوراً)، لقد أحال الإمام (عليه السلام) الأمر إلى الإمام المنتظر (عليه السلام)، أي إنَّه من يُحقِّق العدالة على وجه الأرض بفضل من الله تعالى ومنَّته.
ثمّ يقول: (وكيف ذلك على ما ترى من ضعف بدني؟!)، أكيداً أنَّ الإمام (عليه السلام) أراد أن يُوضِّح للسائل أنَّ الإمام (عليه السلام) يتمتَّع بقوَّة خارقة بحيث إنَّه لو مدَّ يده على أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها كجدِّه عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) قالع باب خيبر.
إنَّ إشارات الإمام المتكرِّرة في هذا الحديث كلَّها تشير إلى الإمام المنتظر (عليه السلام)، فمرَّةً يشير إلى الإمام (عليه السلام) بصورة صريحة ومؤكَّدة كما في قوله: (القائم هو)، ومرَّةً عن طريق الضمائر التي تشير إليه كما في قوله: (قويّاً في بدنه، ومدَّ يده، وصاح بين الجبال، ويكون معه، ذاك الرابع، ويغيبه الله، ثمّ يُظهِره، فيملأ به الأرض). إنَّ هذه الإشارات المتكرِّرة من الإمام (عليه السلام) تريد أن تُثبِت وتُوضِّح معالم هذا الإمام وصفاته حتَّى لا يشتبه به أحد وخصوصاً في عصرٍ تشعَّبت فيه مضلّات الفتن.
أمَّا الإشارة إلى الغيبة في حديث الإمام (عليه السلام) قوله: (إذا خرج)، أي إنَّه موجود ولكن لم يخرج حتَّى يراه العالم بعد.
وقوله (عليه السلام): (يُغيِّبه الله)، لقد أشار الإمام إلى الغيبة في بداية الحديث كما قلنا، وهنا يُبيِّن ارتباط هذه الغيبة بالله تعالى، وأنَّه لن يخرج إلَّا إذا شاء الله تعالى. ولم يُشِر إلى وقت وأوان الظهور، لأنَّ هذا الأمر سرٌّ من سرِّ الله تعالى، وغيب من غيب الله تعالى، فلا يمكن لأحد معرفته. ولأنَّ الله تعالى هو الذي أمر أولياءه بعدم الإخبار به.
لقد ذكر الإمام (عليه السلام) في حديثه أنَّه سيخرج ومعه عصا موسى (عليه السلام) وخاتم سليمان (عليه السلام)، إشارةً منه إلى أنَّ الإمام (عليه السلام) سيكون مؤيَّداً من السماء، فبالإضافة إلى القوَّة البدنية التي يتمتَّع بها، ستكون معه قوَّة السماء لتدعمه بالمعجزات التي جاء بها أنبياء الله تعالى ورُسُله (عليهم السلام) في الأُمم الماضية.
وفي قوله: (الرابع من ولدي) يُؤكِّد الإمام (عليه السلام) على أنَّه من ذرّيته الطاهرة، كما أشار إلى ذلك الإمام الكاظم (عليه السلام) في الحديث السابق، حتَّى يدفعوا الشبهات عنه، ويُبطِلوا قول من يدَّعي الإمامة من غيرهم.
الغيبة في حديث الإمام الجواد (عليه السلام):
في حديث له مع أحد أصحابه يقول الإمام الجواد (عليه السلام): «يا أبا القاسم، إنَّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن يُنتَظر في غيبته، ويُطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، والذي بعث محمّداً بالنبوَّة وخصَّنا بالإمامة إنَّه لو لم يبقى من الدنيا إلَّا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتَّى يخرج فيه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، وإنَّ الله تبارك وتعالى ليُصلِح أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه موسى، إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسولٌ نبيٌّ»، ثمّ قال: «أفضل أعمال شيعته انتظار الفرج»(٥٢).
التأكيد على الإمام (عليه السلام) في بداية الحديث أكثر من مرَّة واضح جدّاً في أحاديث الأئمَّة بعد الإمام الباقر (عليه السلام) تمهيداً لعصر الغيبة، وتأكيداً على أنَّ الإمام (عليه السلام) منهم، لذا فإنَّ الإمام الجواد (عليه السلام) يشير إلى الإمام (عليه السلام) بصفاته، وهي: (القائم والمهدي).
ويشير إلى أنَّه سيغيب، لذا وجب عليكم أن تنتظروه في غيبته، والخطاب هنا موجَّه إلى شيعته في عصر الغيبة، لذا فإنَّ الضمير (الهاء) في غيبته يشير إلى الإمام (عليه السلام)، والفعل (يُنتَظر) بُني للمجهول، والفعل يُطاع أيضاً، فمن يَنْتظِر ومن وجبت عليه الطاعة هو المقصود بهذا الحديث، وهم الشيعة في عصر الغيبة، ثمّ يُحدِّده الإمام بقوله: (هو الثالث من ولدي).
بعدها يُقسِم الإمام بالله تعالى الذي اختار جدَّهم المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وخصَّه بالنبوَّة واختصَّهم بالإمامة وجعلهم أوصياء من بعده. إنَّ القسم بهذه الطريقة خرج لغايتين:
الأُولى: هي إثبات وبرهان على أنَّ الأئمَّة هم مختارون من قِبَل الله تعالى.
والثانية: وهي أنَّهم هم الأئمَّة بأمر من الله تعالى، فلا يجوز لأحد غيرهم ادِّعاء الإمامة، وأنَّ الله تعالى سينتصر بهم حتَّى لو بقي يوم واحد.
ثمّ يعود ليقول ويُؤكِّد أنَّ الله تعالى هو الذي أراد له الغياب، وأنَّه لن يخرج إلَّا بأمر من الله تعالى، وسيُصلِح أمره كما أصلح أمر كليمه موسى (عليه السلام)، بعد أن كان في حيرة من أمره، ففرَّج عنه وأكرمه وجعله رسولاً نبيّاً.
بعد ذلك يشير الإمام (عليه السلام) إلى شيعته والمنتظرين لظهوره ويقول: (أفضل أعمال شيعته انتظار الفرج)، وقد اشار إلى هذا المعنى في بداية الحديث في قوله: (يجب أن يُنتَظر في غيبته).
وهنا سؤال يُطرَح: هل الانتظار بلا عملٍ كافٍ، أم يجب أن يقترن الانتظار بالعمل والاستعداد؟
إنَّ فلسفة الانتظار وفق هذا المفهوم تجعل من الفرد المسلم الذي يطمح إلى رؤية العدالة تتحقَّق على يد وليٍّ من أولياء الله تعالى وحجَّة من حُججه مستعدّاً نفسياً ومعنوياً ومنتظراً مترقِّباً لهذا اليوم الذي يقسم الإمام بأنَّه سيتحقَّق.
الغيبة في حديث الإمام الهادي (عليه السلام):
في حديث للإمام (عليه السلام) مع أحد أصحابه يذكر فيه الأئمَّة بالتفصيل إلى أن يصل إلى صاحب الأمر، فيقول: «الإمام من بعدي ابني الحسن، فكيف للناس بالخلف من بعده؟»، قال: فقلت: وكيف ذاك يا مولاي؟ قال: «لأنَّه لا يُرى شخصه، ولا يحلُّ ذكره باسمه حتَّى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً»(٥٣).
بداية الحديث إشارة إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وأنَّه هو الإمام الذي يجب اتِّباعه، (فكيف للناس بالخلف من بعده؟) أي بعد الإمام الحسن (عليه السلام)، فيتعجَّب السائل من سؤال الإمام (عليه السلام) على أوضاع الناس بعد الإمام العسكري (عليه السلام)، لأنَّه سؤال سابق لأوانه يثير الدهشة والاستغراب لمن يسمع.
بعد ذلك يُبيِّن الإمام (عليه السلام) سبب هذا السؤال قائلاً: (لأنَّه لا يُرى شخصه، ولا يحلُّ ذكره باسمه حتَّى يخرج) أي إنَّ غيبته ستطول، فكيف بكم يا موالون؟
الغيبة في حديث الإمام الحسن العسكري (عليه السلام):
عن الحسن العسكري (عليه السلام): «يا أحمد بن اسحاق، مَثَله مَثَل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلَّا من ثبَّته الله (عزَّ وجلَّ) على القول بإمامته، ووفَّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه»(٥٤).
لقد شبَّه الإمام (عليه السلام) غيبته بغيبة ذي القرنين، إذ بعثه الله تعالى إلى قومه، فضربوه على قرنه الأيمن، فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثمّ بعثه الثانية فضربوه على قرنه الأيسر، فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثمّ بعثه الثالثة فمكَّن له في الأرض، أي إنَّ الله تعالى سيبعثه بعد غيبته الطويلة وسيُمكِّنه في الأرض.
أمَّا القسم الذي يُؤكِّد غيبته ويشير إلى زمنه ففيه إشارة إلى الفتن والظلم الذي سيلحق بالعباد، والشكِّ الذي سيدور حول هذه الغيبة، ويتَّضح ذلك من خلال قوله: (لا ينجو فيها من الهلكة إلَّا من ثبَّته الله تعالى على القول بإمامته)، وكيف يكون ذلك؟ يكون بأن يُوفِّقه (عزَّ وجلَّ) للدعاء بتعجيل فرجه.
وهل الإمام بحاجة لدعائنا أم أنَّ الله تعالى يريد أن يجعل من الإمام (عليه السلام) وسيلة للتقرُّب إليه والارتباط به؟ لذا أمرنا الإمام بالدعاء.
حديث الغيبة على لسان الإمام المنتظر (عليه السلام):
عن إسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، وقد ورد الجواب بتوقيع مولانا صاحب الزمان: «وأمَّا علَّة ما وقع من الغيبة، فإنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ (المائدة: ١٠١)، إنَّه لم يكن لأحد من آبائي إلَّا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي لأخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد الطواغيت في عنقي. وأمَّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبتها عن الأبصار السحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا باب السؤال عمَّا لا يُعنيكم، ولا تتكلَّفوا علم ما قد كفيتكم، واكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتَّبع الهدى»(٥٥).
يحيل الإمام (عليه السلام) أمر الغيبة إلى الله تعالى، وأنَّه يأمركم بعدم السؤال عن أشياء خفيت عنكم، لأنَّ الله تعالى أخفاها بحكمته.
ثمّ يُعلِّل سبب الغيبة بعدم مبايعة الظالم، لأنَّ الله تعالى أخفاه حتَّى لا تكون في عنقه بيعة لطاغية من الطواغيت، فلو أنَّهم علموا به فإنَّهم سيطلبون منه البيعة والتأييد لهم، فإن لم يفعل فسيُقتَل.
وأمَّا ما هي فائدة وجود الإمام وهو غائب؟ فإنَّه كالشمس البيِّنة الواضحة التي لا تحجبها الغيوم حتَّى وإن غابت عن الأبصار، فوجود الإمام (عليه السلام) بيننا لطف ورحمة وأمان لأهل الأرض، ويُشبِّه وجوده (عليه السلام) بالنجوم التي تضيء لأهل الأرض فيُبصِرون بها الطريق ويأمنون الأعداء.
ثمّ يعود ليذكر بعدم السؤال، لأنَّ هذا لا يعنيكم، ولكن قوله: (ولا تتكلَّفوا علم ما قد كفيتكم) يشير إلى أنَّ أمر الغيبة متعلِّق بالإمام (عليه السلام)، وهو الذي يعرف علَّتها.
ويطلب منّا الدعاء بتعجيل الفرج، لأنَّ تعجيل فرجه (عليه السلام) هو تعجيل لفرجنا، ونهاية لكل مشاكلنا، فهو المخلِّص والأمل الذي تعلَّقت به قلوبنا.
لقد أكَّد علماء اللغة حديثاً على مفهوم النصِّ، وأنَّه لا يمكن أن نُسمّي النصَّ نصّاً إلَّا إذا توفَّرت فيه المعايير النصّية السبعة التي حدَّدوها في كتبهم - والتي ذكرناها في مقدّمة البحث -.
وإنَّ هذه المعايير توفَّرت في أحاديث الغيبة بشكل ملحوظ، إذ إنَّ اتِّساق وانسجام هذه النصوص زاد من جماليتها ومقبوليتها.
وأمَّا وحدة الموضوع والإشارات المتكررة التي تدلُّ على أنَّ موضوع الغيبة يصبُّ في دائرة الحكمة الإلهيَّة، فالإمام (عليه السلام) هو من ذكر في هذه الأحاديث وله مواصفات خاصَّة ومؤهِّلات أهَّلته لأن يتولّى هذه المسؤولية.
وقد وجدنا التأكيد عليه في هذه الأحاديث بذكر صفاته وألقابه وصفات العصر الذي سيظهر فيه وأسباب الغيبة وأمرها وسرِّها وما الغاية منها، لقد كان للإحالة والتكرار والحذف دور مهمٌّ في اتِّساق وانسجام هذه النصوص، لذا يشعر من يقرؤها بأنَّها صادرة من أشخاص على معرفة تامَّة بهذا العصر ومحيطة بكلِّ تفاصيله كأنَّهم يرونه مرأى العين ويعيشون مع معاصريه، فتوجَّه الكلام لهم وتطلَّب منهم الطاعة على اعتبار أنَّ الكلام هو من قِبَل مَنْ هم خلفاء لله تعالى في أرضه، فطاعتهم طاعة لله تعالى حتَّى وإنْ كانت هذه الطاعة في أمر قد لا يُعرَف ما وجه المصلحة فيه كموضوع الغيبة التي لا يعلم سرَّها وسببها إلَّا الله وهم.
لقد كان الخطاب في هذه الأحاديث موجَّهاً إلى مجموعة محدَّدة في عصر الغيبة لهم صفات خاصَّة اعتقدوا بالإمام (عليه السلام)، وهم بانتظاره يعانون من الظلم والقتل والتهجير، لذا ركَّز الأئمَّة على مسألة الانتظار والدعاء بالفرج والاستعداد لاستقبال الإمام (عليه السلام) الذي سيُخلِّصهم ويُنقِذهم ممَّا يعانون، ويرفع الظلم والحيف عنهم، وينصرهم وينتصر بهم.
فكانت خلاصة البحث في هذه النصوص هي أنّا توصَّلنا إلى ما يلي:
١- وحدة الموضوع والهدف.
٢- تعدُّد صور الخطاب واختلاف الألفاظ إلَّا أنَّ المعنى واحد والقضيَّة واحدة.
٣- كثرة الإشارة إلى الإمام وذكر أوصافه وصفاته على الرغم من اختلاف الزمان والمكان والمتحدِّث والمُخاطَب في هذه النصوص.
٤- المحور الرئيس والقضيَّة الأساسية التي ركَّزوا عليها هي الغيبة وكيفية التعايش معها من خلال الحوارات التي جرت بينهم وبين شيعتهم (عليهم السلام).
خاتمة البحث:
لقد كانت غايتنا من كتابة هذا البحث هي تفصيل وتحليل وإيضاح لبعض النصوص التي تواترت بشأن قضيَّة غيبة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، ودراستها دراسة لسانية حديثة بحيث نصل من خلال هذه الدراسة إلى الحكمة من هذه الغيبة.
وقد تناولنا بعض أحاديث النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام)، ومدى انسجام واتِّساق هذه النصوص، وهل تصلح أن تكون حجَّة لنا نحتجُّ بها على من لا يتَّفق معنا أو يُشكِّك في موضوع الغيبة؟ باعتبار أنَّ هذه النصوص صدرت من أئمَّة وحُجج (عليهم السلام)، كلامهم حجَّة ودليل علينا، فهم خلفاء الله تعالى في أرضه وحجَّته على عباده.
وأجبنا على بعض الأسئلة التي تدور في أذهان الكثير من المؤيِّدين والمعارضين لهذه القضيَّة، وقد توصَّلنا إلى أنَّ قضيَّة الغيبة قضيَّة غيبية مرتبطة بالسماء لا يعرف حكمتها إلَّا الله، وقد أثبتنا ذلك من خلال الأحاديث إلَّا أنَّ فيها جانباً آخر هو لطف ورحمة من الله تعالى بعباده، وتهذيب لنفوسهم، وتمحيص لها، حتَّى تكون مؤهَّلة لاستقبال دولة العدل الإلهي التي ستقام على الأرض بعد أن مُلِئَت بالجور والظلم واستشرى الفساد فيها، إذ إنَّه منذ خلق البشرية لم تتهيَّأ الأرضية المناسبة لإقامة هذه الدولة، فكانت كلُّ دولة سابقة لدولة الإمام (عليه السلام) إنَّما هي تمهيد واستعداد لها، فهو خاتم الأوصياء (عليهم السلام)، وعلى يده تتحقَّق كلُّ بشارات السماء، والحمد لله ربِّ العالمين.
المصادر:
١- الاتِّساق والانسجام في رواية سمرقند: أمين معلوف، مذكَّرة مقدَّمة لنيل شهادة الماجستير في الترجمة، إعداد الطالبة لمياء شوف، إشراف: سعيدة كحيل، ٢٠٠٨ - ٢٠٠٩م.
٢- الاتِّساق والانسجام في سورة الكهف: مذكَّرة مقدَّمة لنيل شهادة الماجستير، إعداد الطالب محمود بوستة، إشراف: د. السعيد هادف ١٤٣٠هـ/ ٢٠٠٩م.
٣- علم النصِّ: عزَّة شبل، تقديم سليمان العطّار، مكتبة الآداب، الطبعة الثانية (١/١/٢٠٠٩م).
٤- لسان العرب: ابن منظور، دار صادر بيروت، الطبعة الأُولى.
٥- لسانيات النصِّ: ليندة قياس، تقديم: الدكتور عبد الوهّاب شعلان، مكتبة الآداب القاهرة، الطبعة الأُولى ١٤٣٠هـ/ ٢٠٠٩م.
٦- مدخل إلى علم النصِّ: محمود الأخضر الصبيحي، الدار العربية للعلوم، الطبعة الأُولى ١٤٢٩هـ/ ٢٠٠٨م.
٧- المعجم الوسيط: قام بإخراجه إبراهيم مصطفى وأحمد حسن الزيّات وحامد عبد القادر ومحمّد عليّ النجّار، دار الدعوة، الطبعة الثانية.
٨- نظرية علم النصِّ: حسام أحمد فرج، تقديم: سليمان العطّار ومحمود فهمي حجازي، مكتبة الآداب القاهرة، الطبعة الأُولى ١٤٣٠هـ/ ٢٠٠٩م.
٩- نحو النصِّ: عثمان أبو زنيد، عالم الكتب الحديث، الطبعة الأُولى ١٤٣١هـ/ ٢٠١٠م.
١٠- الغيبة: محمّد بن الحسن الطوسي، الطبعة الأولى، مطبعة الآداب الشرقية، منشورات الفجر، لبنان، بيروت.
١١- الكافي: محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني، دار المرتضى، بيروت، الطبعة الأُولى ١٤٢٦هـ/ ٢٠٠٥م.
١٢- كمال الدين: الشيخ الصدوق، مؤسَّسة الأعلمي، لبنان، بيروت، الطبعة الأُولى ١٤١٢هـ/ ١٩٩١م.
١٣- العدل الإلهي: الشهيد مرتضى مطهَّري، شبكة الفكر، نسخة الكترونية.
١٤- الأربعون حديثاً في المهدي: الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، إعداد: مركز الأبحاث العقائدية.
١٥- التماسك النصّي في بنية: حكم ابن عطاء الله السكندري، رسالة ماجستير.
١٦- الخصائص: ابن جنّي، نسخة الكترونية.
١٧- بلاغة الخطاب وعلم النصِّ: الدكتور صلاح الفضل، دار عالم المعرفة، ١٩٩٠م.
١٨- موسوعة الإمام المهدي: الشهيد محمّد محمّد صادق الصدر، الطبعة الأُولى ١٤٢٤هـ، ذوي القربى للنشر، قم المقدَّسة.
١٩- موسوعة العدل الإلهي: السيِّد كمال الحيدري، مؤسَّسة الإمام الجواد للثقافة والفكر، ١٤٣٧هـ/ ٢٠١٦م.
٢٠- إعلام الورى بأعلام الهدى: الطبرسي، مؤسَّسة أهل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأُولى ١٤١٧هـ.
٢١- نهج البلاغة: شرح محمّد عبده، دار القارئ، الطبعة الثالثة ١٤٣٣هـ/ ٢٠١٢م.
٢٢- مقولات الحداثة: الشيخ سعيد العكيلي، مؤسَّسة المصباح الثقافية، الطبعة الأُولى ٢٠١٤م.
٢٣- الاعتقادات: الشيخ الصدوق، دار الفكر، نسخة الكترونية.
٢٤- عقائد الإماميَّة: الشيخ المظفَّر، مركز الأبحاث العقائدية، إيران، قم المقدَّسة.
٢٥- بحار الأنوار: العلَّامة المجلسي، دار إحياء التراث، لبنان، بيروت، الطبعة الثالثة ١٤٠٣هـ/ ١٩٨٣م.
٢٦- أهل البيت في الكتاب المقدَّس: كاظم النصيري، الطبعة الأُولى، ١٩٩٧م.
الهوامش:
(١) المعجم الوسيط.
(٢) إعلام الورى بأعلام الهدى ٢: ٢٥٩.
(٣) موسوعة الإمام المهدي/ تاريخ الغيبة الكبرى/ الكتاب الثاني: ١٩.
(٤) الخصائص لابن جنّي ١: ٣٣.
(٥) الألسنية: ٤٤.
(٦) النحو العربي (قواعد وتطبيق): ٨٣.
(٧) فردينان دي سوسير من أشهر علماء اللغة في العصر الحديث حيث اتَّجه بتفكيره نحو دراسة اللغات دراسة وصفية باعتبار اللغة ظاهرة اجتماعية، وكانت اللغات تُدرَس دراسة تاريخية، وكان السبب في هذا التحوّل الخطير في دراسة اللغة هو اكتشاف اللغة السنسكريتية.
(٨) مقولات في الحداثة: ٢١٨.
(٩) نظرية علم النصِّ: ٥٥.
(١٠) مقولات في الحداثة: ٢١٩.
(١١) علم لغة النصِّ: المقدّمة (ز).
(١٢) المصدر نفسه: ٢٢١.
(١٣) بلاغة الخطاب وعلم النصِّ: ٢٣٢.
(١٤) لسانيات النصِّ: ٢٣.
(١٥) عالم لغة معاصر، له مؤلَّفات كثيرة في الدراسات النصّية الحديثة.
(١٦) التماسك النصّي: ٢٨.
(١٧) عالما لغة تخصَّصا في مجال اللسانيات.
(١٨) نظرية علم النصِّ: ١٥.
(١٩) لسان العرب ٥: ٩٨/ مادَّة (خطب).
(٢٠) لسانيات النصِّ: ٣٦.
(٢١) عقائد الإماميَّة: ٦٦.
(٢٢) لسان العرب: ٣٥٢.
(٢٣) مختار الصحاح: ٣٧٨.
(٢٤) نظرية لسانيات النصِّ: ٢٣؛ والاتِّساق والانسجام في رواية سمرقند: ٢٥.
(٢٥) لسانيات النصِّ: ٢٧.
(٢٦) نظرية علم النصِّ: ٨٠.
(٢٧) عالما لغة لهم مساهمة أساسية في مجالي اللسانيات البنيويةِ الوظيفيةِ وتحليلِ الخطاب.
(٢٨) الاتِّساق والانسجام في رواية سمرقند: ٢٥.
(٢٩) المصدر نفسه: ٢٨.
(٣٠) لسانيات النصِّ: ٢٣.
(٣١) عالم لغة أُوربي.
(٣٢) الاتِّساق والانسجام في سورة الكهف: ١٤٥.
(٣٣) المصدر نفسه: ١٤٧.
(٣٤) لسانيات النصِّ: ١٥٣.
(٣٥) النصُّ والخطاب والإجراء: ١٠٣.
(٣٦) الاتِّساق والانسجام في رواية سمرقند: ٢٨.
(٣٧) الاتِّساق والانسجام في سورة الكهف.
(٣٨) بحار الأنوار ٥١: ٧٠.
(٣٩) لسانيات النصِّ: ٣٠.
(٤٠) المصدر نفسه.
(٤١) نحو النصِّ: ١٣٢.
(٤٢) كمال الدين: ٢٧٢.
(٤٣) المصدر نفسه: ٢٨٦.
(٤٤) المصدر نفسه: ٢٩٨.
(٤٥) المصدر نفسه: ٢٩٩.
(٤٦) المصدر نفسه: ٣٠١.
(٤٧) المصدر نفسه: ٣٠٧.
(٤٨) كمال الدين ٢: ٤٣٥/ باب علل الغيبة.
(٤٩) كمال الدين ٢: ٣٣٧.
(٥٠) كمال الدين: ٣٦١.
(٥١) كمال الدين ٢: ٣٥١.
(٥٢) المصدر نفسه: ٣٥٢.
(٥٣) المصدر نفسه: ٣٥٣.
(٥٤) المصدر نفسه: ٣٥٧.
(٥٥) كمال الدين: ٤٤١.