سؤال سليم بن قيس لأمير المؤمنين عليه السلام عن الأئمة
قال الشيخ الجليل أبو محمّد الفضل بن شاذان بن الخليل رض الله عنه في كتابه الموسوم بإثبات الرجعة:حدثنا محمد بن إسماعيل بن بزيع رضي الله عنه قال: حدثنا حمَاد بن عيسى،قال: حدثنا إبراهيم بن عمر اليماني، قال:حدثنا أبان بن أبي عياش، قال: حدثنا سليم بن قيس الهلالي، قال, قلت لأمير المؤمنين عليه السلام: إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعته منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم متعمدين، ويفسرون القرآن بآرائهم؟
قال: فقال علي عليه السلام: قد سألتَ فافهم الجواب، إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقًا وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وخاصاً وعاماً، ومحكماً ومتشابهاً، وتحفظّاً وتوهمّاً، وقد كُذِب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عهده حتى قام خطيباً، فقال: أيٌها الناس قد كثر الكذب عليَّ، فمن كذب عليَّ متعمٍداً فليتبوَأ مقعده من النار، ثمَ كُذب عليه من بعده أكثر مما كُذب عليه في زمانه، وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر للإيمان، متصنِّع بالإسلام، لا يتأثَّم ولا يتحَرّج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعمِّداً، فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدِقوه، ولكنهم قالوا: هذا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رآه وسمع منه، فأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبر الله عن المنافقين بما أخبر، ووصفهم بما وصف، فقال عز وجل: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾(١) ثمّ تقربوا بعده إلى الأئمّة الضّالة، والدُعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان ،فوَلَّوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصمه الله تعالى، فهذا أحد الأربعة.
ورجل آخر سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً ولم يحفظه على وجهه، ووهم فيه، ولم يتعمد كذباً، فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه، ويقول: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلو علم المسلمون أنَه وهمٌ لم يقبلوه، ولو علم هو أنه وهمُ لرفضه.
ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً أمر به ثم نهى عنه، أو سمعه نهى عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم (يعلم) (٢) الناسخ، فلو علم أنَه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.
ورجل رابع لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مبغض للكذب خوفاً من الله تعالى و تعظيماً لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم(لم ينسَ)(٣) ، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ والمنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ، ويعلم أن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كأمر القرآن، وفيه كما في القرآن ناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، ومحكم ومتشابه، وقد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام له وجهان، كلام عام وكلام خاص مثل القرآن، قال الله تبارك و تعالى: ﴿ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾،(٤) فاشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسأله عن الشيء، وكلُ من يسأله عن الشيء فيفهم، وكلُ من يفهم يستحفظ، وقد كان فيهم قوم لم يسألوه عن شيء قط، وكانوا يحبّون أن يجيء الأعرابي الطارئ أو غيره فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يستمعون.
وكنت أدخل عليه صلى الله عليه وآله وسلم في كل يوم دخلة، وفي كل ليلة دخلة، فيُخليني فيها يجيبني بما أسأل، وأدور معه حيث دار، قد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، وربَما كان يأتيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيتي، وكنت إذا دخلت عليه في بعض منازله أخلاني وأقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة لم يقم عني فاطمة ولا أحد من بنيِّ، وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكتُّ ونفدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصَها وعامَا وظهرها وباطنها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه عليَ، وما ترك شيئاً علّمه الله من حلال أو حرام أو أمر أو نهي أو طاعة أو معصية أو شيء كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد من قبله إلا علَّمنيه، وحفظته فلم أنسَ حرفاً واحداً منها، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخبرني بذلك كله وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، وكان يقول: اللهم علمِّه وحفِّظه ولا تنسه شيئاً مما أخبرته وعلّمته.
فقلت له ذات يوم: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! منذ دعوت الله بما دعوت لم أَنسَ شيئاً، ولم يفتني شيءٌ مما علَّمتني، وكلما علَّمتني كتبته، أفَتَتَخُّوف عليّ النسيان؟
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا أخي لست أتخوَّف عليك النسيان، إني أحب أن أدعو لك، وقد أخبرني الله تعالى أنه قد أجابني فيك وفي شركائك، الذين قرن الله عز وجل طاعتهم بطاعته وطاعتي، وقال فيهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾. (٥)
قلت: من هم يا رسول الله؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: الذين هم الأوصياء بعدي، والذين لا يضرهم خذلان من خذلهم، وهم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتى يردوا عليَّ الحوض، بهم تُنصر أمتي وبهم يمطرون، وبهم يُدفع البلاء، وبهم يستجاب الدعاء.
قلت: سَمّهم لي يا رسول الله!
قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أنت يا عليّ أولهم، ثم ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسن، ثم ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسين، ثم سمِيك ابنه علي زين العابدين، وسيولد في زمانك يا أخي فاقرأه مني السلام، ثم ابنه محمّد الباقر، باقر علمي وخازن وحي الله تعالى، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمّد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه الحسن الزكي، ثم ابنه الحجة القائم، خاتم أوصيائي وخلفائي، والمنتقم من أعدائي، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).
ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: (و الله إني لأعرفه يا سليم حين يبايع بين الركن والمقام، وأعرف أسماء أنصاره وأعرف قبائلهم).
قال محمّد بن إسماعيل: ثم قال حماد بن عيسى: قد ذكرت هذا الحديث عند مولاي أبي عبد الله عليه السلام، فبكى وقال: قد صدق سُلَيْمٌ، فقد روى لي هذا الحديث أبي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّ عليه السلام أنه قال: قد سمعت هذا الحديث عن أبي أمير المؤمنين عليه السلام حين سأله سليم بن قيس. (٦)
الهوامش:
(١) المنافقون:٤.
(٢) في بعض نسخ المصادر:يحفظ.(المحقق).
(٣) في نهج البلاغة:ولم يهم,وفي الخصال: لم يسه.(المحقق).
(٤) الحشر: ٧.
(٥) النساء:٥٩.
(٦) مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي:ص٤٦وما بعدها.