الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٧٠٦) النص المهدوي - قراءات معاصرة
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٧٠٦) النص المهدوي - قراءات معاصرة

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٢ المشاهدات المشاهدات: ٤٠٥٨ التعليقات التعليقات: ٠

النص المهدوي - قراءات معاصرة

الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي

وجود النص الديني بشكل عام والمهدوي على وجه الخصوص من المسلَّمات، فإنكار البعض - بحجج مهما كثرت - لا يغيِّر هذه المسلَّمة.
الكلام في فهم هذا النص وضبطه لمعرفة قصد المتكلم، فما هي الآليات التي نصل من خلالها إلى ضبط هذا الفهم؟ بحيث يمكن للمتلقّي عندما يقرأ النص أن يقول: (لو ظهر صاحب النص وبيَّن ما يقصده لكان هو ما فهمته أنا).
من هنا نشأت عدَّة دراسات ووضعت مناهج في نظرية المعرفة لقراءة النص.
وحديثنا بشكل خاص عن النص المهدوي وإن كان من جهة المنهج والضوابط لا يختلف عن النص الديني بل عن كثير من النصوص العقلائية.
هذا فيما إذا تجاوزنا مسألة طريق وصول النص وآليات إثبات صدوره.
وقد ذُكرت لقراءة النص أشكال مختلفة، منها:
القراءة القشرية الحشوية: والمعبَّر عنها في بعض الكتابات بالظاهرية والتي تنشأ من السطحية في فهم النص دون الرجوع إلى ضوابطه، ويبتلي بها كثير من الناس وبعض المثقفين بحجة عدم الحاجة إلى الآليات التخصصية باعتبار أن واقع النص - المهدوي بالخصوص - قد جُعِل في متناول اليد لئلا يلزم نقض الغرض.
القراءة القَبْلِيَّة: الناشئة عن امتلاء عقل القارئ بآراء وقبليات مُسْبقة وبطبيعة الحال لا ترجع هذه القَبْليات إلى قواعد وضوابط تخصصية، بل ترجع إمّا لعقيدة فاسدة أو فكرة مشوَّشة أو تبعية لفهم معين أو حسن ظن بطرف ما وهكذا.
القراءة التأويلية الذوقية: والغالب أنها تنشأ من تعالي أصحابها بدعوى امتلاكم الفهم الصحيح والقدرة الكافية التي تؤهِّلهم لفهم المراد من النص بعيداً عن الضوابط والآليات المعدة لقراءته.
القراءة التطبيقية الإسقاطية على الواقع: وتكثر مشاهدتها في النص المهدوي من خلال تطبيق الأسماء والعلامات والمفاهيم على الواقع الخارجي دون أي ضابطة تُذكر، مع أن النص له قابلية أوسع مما طبِّق عليه، بل قد لا ينطبق على ما تم تطبيقه عليه.
القراءة الاجتزائية وتقطيع النصوص: وهذه قد تكون للاستفادة من موارد النص في إثبات المدَّعى، وهي حالة صحيحة ما دامت تخضع للضوابط المعدَّة لقراءة النص، حالها حال العلوم الأخرى وقراءة نصوصها، فإنه قد تُلجئ القارئَ عِدَّةُ ظروف تدفعه إلى تقطيع النص، وقد مرَّت النصوص الدينية في عصر الغيبة الصغرى وأوائل عصر الغيبة الكبرى بعملية تقطيع، بيد أنها لم تفقدها قيمتها المعرفية والاستدلالية، نعم لا يخفى أن عملية التقطيع تُفقِد النص - في بعض الأحيان - عدداً من القرائن يمكن أن يعتمد عليها في الوصول إلى المطلوب.
على أنَّه قد لا يؤخذ محل الشاهد بما له من دلالة على المدَّعى إنما يُبتر النص ويقطَّع لأجل جرِّه لإثبات دعوى مزيفة قد تم البناء عليها مسبقاً، فتدخل القراءة الاجتزائية في القراءة الإسقاطية؛ لأن اجتزاء النص لأجل إسقاطه على دعوى معيَّنة - دون بقية مفرداته التي قد لا تخدم من قام بعملية التطبيق - قد توصف بعملية إسقاط اجتزائي.
القراءة النفعية: وهي قراءة تجارية مدفوعة الثمن، فإن قارئ النص لا يؤمن بما يقوله أو يكتبه، ولكن دُفع له ثمن هذه القراءة لأجل غاية معيَّنة، وهي قراءة قديمة تحدَّث عنها القرآن الكريم قائلاً: ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً﴾ (البقرة: ٤١ / المائدة: ٤٤)، ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ (البقرة: ٧٩).
القراءة الجدلية: ليس الهدف منها الظفر بواقع معنى النص وإيصال مقاصد قائله إلى الناس، وإنما لأجل غايات ومقاصد مختلفة وأهداف عديدة ذُكرت في صناعة الجدل من علم المنطق.
القراءة المؤدلجة: قراءة تحمل - تجاه النص - عقيدة خاصة يُبتلى بها جملة من أصحاب المذاهب والأديان عند قراءتهم لنصوص دينٍ أو مذهب آخر، وكما تُعهد لدى بعض أتباع المذاهب والأديان ممن يقرؤون النصوص الدينية في إطار ضوابط ومعايير، إلّا أنها غير تجردية، وكأنها قراءة قَبْلية، فظاهرها أنها قراءة تخصّصية أُخضع نصها إلى ضوابط مقبولة، ولكنه أنتج نتائج لا تلامس واقع النص والمقصود منه، وتدخل في إطار التقسيم القرآني الذي تحدَّث عنه بقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ (آل عمران: ٧).
القراءة الجماهيرية الحماسية: تحصل استثماراً لحدثٍ معيَّن يُخضع فيه القارئُ النصَّ إلى آليات آنية يقصد من ورائها استثمار الجمهور، فيُلبس النص ثوباً غير ثوبه، وإن كان ليس دائماً يلبس النص غير ثوبه بل قد يكون حماسياً لكن ضمن المعنى الواقعي للنص، وقد تدخل في القراءة الاجتزائية.
القراءة التخصّصية التجرّدية: وهي التي ينبغي أن نكون عليها في قراءتنا لأي نص من النصوص، ولها ضوابط وآليات ومناهج مختلفة، إلّا أنها رغم اختلافها توصل القارئ إلى سلامة في قراءة النص وإحاطة بالمعنى المراد، وفي إطار هذه القراءة التخصّصية لابد أن نثير جملة من الأسئلة عند قراءة النص المهدوي.
ما هي الضوابط العقلائية أو الشرعية في قراءة النص المهدوي فيما إذا كان النص قطعياً أو صريحاً؟ وما هي الضوابط فيما إذا كان النص ظاهراً سواءً كان يعبِّر عن المعنى الحقيقي أو المعنى المجازي والكنائي؟
ما هي مساحة التأويل في قراءة النص المهدوي ومساحة التأثر بالخارج والرجوع إليه في تحديد مفاد النص المهدوي؟
وهل نتحاكم إلى سيرة العقلاء وحجية الظواهر في القراءة التأويلية للنصوص المهدوية، أو أننا لابد أن نقرأها بمعزل عن هذه المؤثرات فضلاً عن المؤثرات القَبْلية؟
هل يخضع النص المهدوي إلى ضوابط المتابعات الرجالية وجهة الصدور أو أنه باعتبار حديثه عن المستقبل يؤخذ كنصٍ مسلَّمٍ به لا يحتاج إلّا إلى قراءته المضمونية؟ وما هي ضوابط القراءة المضمونية للنص المهدوي؟
هل توجد عندنا قراءتان للنص المهدوي: قراءة بداعي الإثراء الفكري دون تحميل النتائج التي يصل إليها القارئ للناس، وقراءة أخرى تخصّصية تُعتبر نتائجها موجهة للناس للأخذ بها؟ فهل تشبه النصوصُ المهدويةُ النصوصَ العقائديةَ أو الفقهيةَ، أو أنها تختلف عنهما وتدخل في النصوص التاريخية؟ أو هي قسم جديد بحد ذاته ولا تشبه شيئاً من الأقسام المتقدمة؟
ثم أنَّه هل توجد حاكمية لجهة معينة على النص المهدوي - كما في حاكمية الفقيه على النص الفقهي - أو أنه نص مطلق؟
هل يتأثر النص المهدوي بالنزعة المادية أو الغيبية أو يختلف الحال فيه بلحاظ الموارد؟
هل نضع النص المهدوي للبعد الجهتي فيتأثر بالتقية أو أنه حديث عن المستقبل فلم تراعَ فيه التقية؟
هذه مجموعة من الأسئلة التي لابد أن توضع أمام قارئ النص المهدوي عندما يريد الكتابة في هذه القضية المهمة والحساسة.
نماذج في قراءة النص المهدوي:
الروايات الواردة في القضية المهدوية مختلفة، فبعضها تتحدث عن إمامة الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) ونسبه الشريف وولادته، وبعضها تتحدث عن غيبته وما يحصل فيها من أحداث وما ينبغي للمؤمنين فيها، وبعضها تتحدث عن علامات ظهوره، فيما تتحدث نماذج أخرى عما يحصل عند ظهوره، ويأتي السؤال هنا عن كيفية فهم هذه النصوص المهدوية، وما هي الآلية التي يمكن أن تُضبط بها قراءة هذه النصوص المهدوية.
من جهة أننا نجزم بأن النص المهدوي يريد أشخاصاً بعينهم وذواتاً بعينها ومدناً بعينها كما في مكة المكرمة والكوفة ومسجد السهلة وخروج الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأنه هو ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وهكذا عدد من المفاهيم الواردة في النص المهدوي.
فيما هناك نصوص أخرى قد يُفهم أن المقصود منها الكناية والمجاز ووراء الحقيقة التي يشير إليها اللفظ كسيف الإمام (عجّل الله فرجه) أو كون الدنيا بمنزلة راحة اليد عند الإمام (عجّل الله فرجه) أو مد الأسماع والأبصار للشيعة حتّى لا يكون بينهم وبين القائم بريد، أو أن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، أو أنه في زمان الظهور يكون ضوء البلاد ونورها مقتبس من نور الإمام (عجّل الله فرجه) بحيث لا يُحتاج معه إلى شمس ولا قمر، أو أنه في زمان ظهوره لا يكون على وجه الأرض مؤذ ولا شر ولا سمّ ولا فساد أصلاً.
أو أنه يورِّث الأخ أخاه في الأظلة ولم يورِّث الأخ من الولادة، وكحقيقة الدجال ويأجوج ومأجوج ومُلك الإمام (عجّل الله فرجه) وأنه يُعمِّر عمر الخليل عشرين ومئة سنة، أو تسعة عشر سنة وأشهر، أو مدة لبث أهل الكهف أو أنه يمتّع فيها طويلاً، أو غير ذلك.
وجملة من الحقائق التي تتحدث عنها روايات الرجعة كمخاطبة المؤمنين من أهل القبور: «يا هذا إنه قد ظهر صاحبك فإن تشأ أن تلحق به فالحق وإن تشأ أن تُقم في كرامة ربك فأقم»، وكحقيقة دابة الأرض ورجوع الأنبياء (عليهم السلام) لنصرة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومقتل إبليس وحزبه ورجعة يزيد وحزبه وقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه لهم، ورجعة بعض المنافقين وهكذا.
تعلل جملة من الروايات بأن ذلك يحصل لأن الدعوة سماوية ليست بأرضية، وأنه في زمانه لا يجد المؤمن موضعاً يصرف فيه ديناره ودرهمه لاستغناء الناس بفضل الله وفضل وليِّه.
هذه الجهات المتكثرة وغيرها تلزمنا بالرجوع إلى الآليات المعتمدة في قراءة النص المهدوي، وهي بشكل عام لا تختلف كثيراً عن آليات قراءة النصوص الأخرى إلّا في بعض الجوانب والتي ينبغي الإشارة إليها عند وجودها لكي يتم الالتفات إليها وأنها تتم قراءتها خارج آليات القراءة العامة للنص.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016