تواتر النص على ولادة وإمامة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
الشيخ ليث الكربلائي
في البدء أقدّمُ ملاحظتين منهجيتين لم يلتفت لهما كثير ممّن كتب في هذا الموضوع:
الملاحظة الأولى: ضرورة التفريق بين سؤالين:
الأول: ما هو الدليل على ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؟
والثاني: ما هو الدليل على إمامته (عجّل الله فرجه)؟
فهذان سؤالان منفصلان لكلٍ منهما أدواته ومصادره البحثية المختلفة فبينما ينحصر إثبات مصداق الإمامة بالنص فقط هناك فسحةٌ في إثبات الولادة حيث يمكن الاستناد فيها على الشهادات الحسية والنصوص التاريخية وآراء علماء الأنساب، نعم النص من المعصوم أداة مشتركة في إثبات الولادة والإمامة معاً لذا يكون التركيز عليه في الغالب.
الملاحظة الثانية: لا أحد من الإمامية يدعي أن ولادة الإمام (عجّل الله فرجه) كانت أمراً شائعاً بين الناس، بل كانت أمراً يتكتم عليه الجميع ولا يبدونه إلّا للأوحدي من أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) خوفاً من طلب السلطة، لذا فإن شك بعض الشيعة بولادته في تلك الأيام بما يُعرف بـ(الحيرة) لا يصلح دليلاً على عدم ولادته (عجّل الله فرجه) كما يحاول تصويره بعض المغالطين.
إذا اتضح ذلك فإن الروايات الواردة في كبرى القضية المهدوية عند مختلف المذاهب كثيرة جداً لا يمكن أن يرقى إليها الشك حتى بلغت مبلغاً لا يتوفر نظيره في كثيرٍ من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشك فيها مسلمٌ عادةً فقد أحصى الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني في كتاب (منتخب الأثر) الأحاديث الواردة في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من طرق السنة والشيعة فكان أكثر من ستة آلاف رواية.
ذا فيما يخص المهدوية بصورة عامة وأما بخصوص تطبيقها على الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأنه مولود غائب ففيه مئات الروايات الصحيحة الواردة عن النبي وأهل بيته (عليهم السلام)، وقد انتخب منها الشيخ محمد صنقور البحراني حفظه الله أكثر من خمسين رواية صحيحة السند سليمة المتن يدل بعضها على إمامته وبعضها على ولادته أو عليهما معاً في كتابه القيّم (تواتر النص على الأئمة)، وأيضا انتخب منها الشيخ أحمد الماحوزي العشرات من الروايات الصحيحة في أبواب متفرقة من كتابه القيّم (النصوص على أهل الخصوص).
بعد كل ذلك يأتيك من لا خبرة له ليكتب على مواقع التواصل الاجتماعي: لا توجد رواية واحدة صحيحة تثبت ولادة أو إمامة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)! فحقاً ما عشت أراك الدهر عجباً.
ولئلّا يطول عليكم المقال سأكتفي هنا بانتخاب ست روايات صحيحة السند واضحة الدلالة على ولادة وإمامة الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام) موزعة على فترات زمنية مختلفة.
الرواية الأولى:
صحيحة أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمد [الإمام الحسن العسكري] (عليه السلام): جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: سل. قلت: يا سيدي هل لك ولد؟ فقال: نعم. فقلت: فإن [حدث] بك حدث فأين أسأل عنه؟ فقال: بالمدينة. [الكافي: ١/ ٣٧٦]
فهذه الرواية من جهة السند في غاية الصحة إذ كل رجالها من مشايخ الإمامية الأكابر الثقات، ومتنها واضح في الدلالة على ولادته (عجّل الله فرجه)، وأما دلالته على إمامته فواضحة أيضاً لمكان قول السائل (فإن حدث بك حدث..) فهو في صدد السؤال عن الإمام من بعده.
الرواية الثانية:
صحيحة الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:... فكَّرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطا كما ملئت جوراً وظلما، تكون له غيبة وحيرة يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون.... [الكافي: ١/ ٣٨٦]
الرواية صحيحة السند واضحة الدلالة على الإمامة والولادة لأن الظهر العاشر من ولده (عليه السلام) قد استشهد مسموماً فلا مناص من وقوع ولادة الحادي عشر لا أنها ستقع فتأمل.
الرواية الثالثة:
صحيحة الريَان بن الصلت عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: إن القائم...الرابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثم يظهره فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. [كمال الدين: ٤٠٦]
الرواية صحيحة السند بل جميع رواتها من أكابر مشايخ الإمامية، كما أنها واضحة الدلالة.
الرواية الرابعة:
حسنة موسى بن جعفر بن وهب البغدادي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال: أما إن المقرّ بالأئمة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) المنكر لولدي كمن أقرَّ بجميع أنبياء الله ورسله ثم أنكر نبوة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)... أما إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلّا من عصمه الله (عزَّ وجل). [كمال الدين: ٤٠٩]
وسند الرواية حسِن من جهة البغدادي فهو ممدوح وسائر رواتها ثقات وهي نص في المطلوب.
الرواية الخامسة:
صحيحة أبي هاشم الجعفري عن الإمام الهادي (عليه السلام) قال: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ فقال: إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، فقلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا: الحجة من آل محمد عليهم. [علل الشرائع: ١/ ٢٤٥]
رواه الشيخ الصدوق في العلل عن طريق والده وفي كمال الدين عن طريق شيخه ابن الوليد وكلا الطريقين صحيح بل في أعلى درجات الصحة وكذلك رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسند صحيح أما سند الشيخ الكليني لهذا الحديث في الكافي فمرسل.
الرواية السادسة:
صحيحة عبد الله بن جعفر الحميري قال: سألت محمد بن عثمان العمري (وهو عالم جليل ثقة كان وكيلا للأئمة الهادي والعسكري والمهدي (عليهم السلام)): أرأيت صاحب هذا الأمر؟ قال نعم.... [من لا يحضره الفقيه: ٢/ ٥٢٠]
رواه الشيخ الصدوق بطريقين في الفقيه وكمال الدين وكلاهما صحيح.