هي الدابة التي تحدث عنها القرآن الكريم بقوله تعالى: (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَْرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) (النمل: ٢٧).
والظاهر أنها من علامات الساعة. اُختلف في ماهية هذه الدابة فقد ذهب بعضهم إلى أنها دابة لها مواصفاتها الخاصة تكلّم الناس ويمكن رد من اعتقد أن دابة الأرض هي مطلق الدابة المعروفة وأنها تحمل معها عصا موسى وخاتم سليمان وتوسم الكافر والمنافق إلى غير ذلك مما اتفق عليه الفريقان، والحقيقة إبهام هذا التفسير غير مبرر، فإن ما يروونه من مواصفات هذه الدابة ثمّ الاصرار على انها دابة كبقية الداوب لا تتناسب وواقع الأمر وذلك:
أوّلاً: ان الكلام لا يصدر إلاّ من الآدميين وليس من صفات الدواب الحيوانية.
ثانياً: ان مهمة هذه الدابة _ كما في كثير من الروايات _ انها لمحاججة الناس، أي أن مهمتها حوارية فمن غير المقبول أن نقنع أنفسنا بأن هذه الدابة حيوان يتصدى لمحاججة المنحرفين ويحاول القاء الحجة عليهم.
ثالثاً: ان لهذه الدابة شأنٌ إنساني ولها مقام رفيع بقرينة حملها لعصا موسى وخاتم سليمان وهي من مواريث الأنبياء ولا يتناسب لمثل هذه المواريث أن تكون لدى دابة حيوانية.
رابعاً: أن الدابة أعم من الحيوان والإنسان، فكل ما يدبى على وجه الأرض فهو دابة كما في قول الشاعر:
زعمتني شيخاً وليس بشيخ * * * إنما الشيخ من يدبُ دبيبا
أي يسير ببطئ على الأرض بسبب ضعفه.
إذن فلا مناص من القول بأن الدابة هي إنسان يخرج لمحاججة الناس والقاء الحجة عليهم وقد اتفق أكثر المفسرين ورواة الحديث أن هذا الإنسان الذي سيقوم بهذه المهمة هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
فقد روى الإمامية عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام أنه قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان، آية في كتاب الله عليه السلام أفسدت قلبي وشككتني.
قال عمّار: وأية آية هي؟
قال قوله عز وجل: (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَْرْضِ تُكَلِّمُهُمْ...) فأي دابة هذه؟
قال عمّار: والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتّى أريكها، فجاء عمّار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل تمراً وزبداً فقال: يا أبا اليقظان اجلس فجلس عمّار وجعل يأكل معه، فتعجب الرجل منه فلما قام عمّار قال الرجل: سبحان الله يا أبا اليقظان حلفت أن لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتّى ترينيها.
قال عمّار: قد أريتكها ان كنت تعقل.
أما علماء السنة فقد رووا كما في ميزان الاعتدال للذهبي أن دابة الأرض عليّ بن أبي طالب.
فقد روى الذهبي عن جابر الجعفي أنه كان يقول: دابة الأرض عليّ بن أبي طالب.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل بعض علماء أهل السنة اعترفوا بأن دابة الأرض هي عليّ عليه السلام كما ورد في كلام الشيخ محمود شلتوت شيخ جامع الأزهر ما نصه:
والواقع أن هذه الدابة قد قيل في شأنها أكثر من ذلك، وعملت فيها الروايات والآثار عملها المعروف في كل أمر غيبي أخبر به القرآن، ولم يتصل به بيان قاطع عن الرسول عليه الصلاة والسلام، قيل ذلك في حقيقتها وقيل في صفتها، ومن أغرب ما قيل في حقيقتها أنها انسان، وأنه عليّ رضي الله عنه.
والظاهر أن غرابته ليس من باب إيمانه بالخبر بل من باب تلقي المخاطب وتقبّله بأن الدابة هي انسان وهي عليّ بن أبي طالب عليه السلام، إذ ما ارتكز من مفهوم لدى الناس أن اطلاق الدابة على الحيوان وليس على الإنسان وهو فهمٌ قاصر.