في العصر العباسي الثاني أحيلت الدولة العباسية إلى بؤرة توترٍ وتمرّد لحركاتٍ تخالفها في الرؤية السياسية أو في الاتجاهات الفكرية كذلك، ومنشأ ذلك احتدام الصراعات داخل البيت العباسي وإشراك الأقليات غير العربية في صناعة القرار.
فالوزارة الفارسية بزعامة البرامكة تتراجع بعد نكبتهم لتُحال إلى قوةٍ تركية تفرض سطوتها إبّان عهد المعتصم ثمّ تخترق القصر العباسي قوى بربرية تصادر قرارات الأتراك ثمّ يغلب الأتراك بعد عودتهم في عهد المستعين والمقتدر وغيرهم.
هذه النزاعات بين قيادات الأقلية أحالت العنصر العربي إلى عنصرٍ متمرد يتحين الفرص للانقضاض على الخلافة العباسية متى ما شاءت الظروف السياسية بذلك، ولم تعد هذه التمردات سوى خروج سياسي على الخلافة العباسية دون أن يحمل معه آيدولوجيته الواضحة، عدا ما تزعمه الهاشميون من حركاتٍ كانت لها أهدافها الواضحة، وهي الرضا من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم _ بغض النظر عن مشروعية هذه الحركات ومصداقياتها تبعاً لقربها وابتعادها عن المعصوم عليه السلام _، ولم تكن ثورة صاحب الزنج تحمل معها رؤيتها الواضحة عدا ما تزعمته من تمرد وخروج على الخلافة العباسية بدافع سياسي، بل قل بدافع همجي بربري، أحال تمرده إلى حركة انتقام وعنفٍ وبطش، بل الأنكى من ذلك أنه ركّز انتقامه وبطشه ضد الأبرياء خصوصاً من الهاشميين وقتذاك، وكان للزنج والعبيد الآبقين نصيبهم من هذه الحركة الطائشة، وسجّلت حالات القتل والاغتصاب أعلى حدودها، فضلاً عن دعوى صاحب الزنج هذا علويته إلاّ أنه كان همجياً في الانتقام من العلويين وقتلهم ومصادرة أموالهم والاعتداء على أعراضهم.
كان دعياً _ كما عبّر المسعودي في تاريخه _ أي لم يكن ذو نسب علوي صريح، وكان خارجياً _ إشارة لانتمائه العقائدي كما ذكر المسعودي كذلك _ نعم كان علوياً في شهرة نسبه إلاّ أنه دعياً في حقيقته _ كما يأتي في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من التأكيد أنه من بني هاشم...
كان صاحب الزنج هذا مصدر قلق للخلافة العباسية مما دعى الخليفة العباسي المعتمد أن يبعث له جيشاً ليدخل معه في معارك طاحنة انتهت بقتله وانهاء تمرده، بل كان انشغال الخلافة العباسية في ثورة صاحب الزنج انفراجاً مهماً على المستوى الأمني لعائلة الإمام عليه السلام المحتجزة عند الوزير العباسي ابن أبي الشوارب. وعلى الصعيد ذاته تُعدُ حركة صاحب الزنج إحدى علامات الظهور التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث المعراج بأن الله تعالى أعلمه ما يكون من آخر الزمان منها: (وخراب البصرة على يدي رجل من ذريتك يتبعه الزنوج...).
وهي إشارة إلى صاحب الزنج الذي أباح البصرة وأباد الأبرياء دون رحمة.