شهر رمضان والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) علاقة تجذر ورسوخ
علاء تكليف العوادي
إن لشهر رمضان مكانة سامية في الدين الإسلامي حيث أن الله تعالى جعله أفضل الشهور وجعل أيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وهذا المعنى قد أشار إليه النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) في خطبته التي استقبل فيها هذا الشهر الفضيل إذ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أفضل الشُّهُورِ، وأَيَّامُهُ أفضل الْأَيَّامِ، ولَيَالِيهِ أفضل اللَّيَالِي، وسَاعَاتُهُ أفضل السَّاعَاتِ،(١) ومع ما يحمله هذا الشهر من معاني سامية تحث الإنسان على التقرب فيه إلى الله (عزّ وجل) بالعمال والطاعات والقربات، وزرع الترابط بين المرء وبين كتاب الله (عزّ وجل) الذي هو النهج القويم الذي يستمد منه بناء الروح المعنوية، وبناء الشخصية الإيمانية، إذ أشار الله (عزّ وجل) في كتابه المجيد ان شهر رمضان هو زمن مهبط الوحي ونزول القرآن إذ قال جل شأنه: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، [القرآن الكريم، سورة البقرة، الآية: ١٨٥] وقال أيضاً عز اسمه: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، [سورة القدر، الآية: ١] ليبين جل اسمه هذا الترابط بين القرآن وبين الشهر المبارك، وحث النبي وأهل بيته (عليهم السلام) على التمسك بهذا الترابط وإحياء الشهر الفضل من خلال تلاوة القرآن الكريم، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): لكلّ شيء ربيع، وربيع القرآن شهر رمضان،(٢) ومع هذا الفضل لكل من القرآن الكريم، والشهر الفضيل كذلك، فلم يخلوا هذا الشهر الفضيل من ترابط آخر لم يقلعنه شأناً أن لم نقل أنه أعلى شأناً من الأول، حيث أن هناك ترابط بين شهر رمضان والإمام الحجة المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه)، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث طويل يتحدث فيه (عليه السلام) عن آداب شهر رمضان ومنها انتظار أيام ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وإعداد النفس لوعد الله بقيام دولته الحقة، حيث قال: وكونوا مشرفين على الآخرة منتظرين لأيامكم من آل محمد، منتظرين لما وعدكم الله متزودين للقاء الله،(٣) كما ونجد أن الإمام (عليه السلام) قد أشار إلى مقامه في دعاء الافتتاح المروي عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والذي يستحب قراءته في ليالي شهر رمضان الكريم إذ يقول (عجّل الله فرجه) في الصلاة الخاصة به: اللهم وصل على ولي أمرك القائم المؤمل والعدل المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين وأيده بروح القدس يا رب العالمين، ومن جانب آخر نلاحظ أن الإمام السجاد (عليه السلام) يوثق لهذا الترابط بين الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والشهر الفضيل إذ يدعوا في دعائه الذي دع الناس إلى المواظبة عليه في أيام شهر رمضان، إذ يتضمن الدعاء بالنصر للإمام والعناية من الله له حيث قال (عليه السلام): أسألك أن تنصر وصي محمد وخليفة محمد والقائم بالقسط من أوصياء محمد (صلواتك عليه وآله)، وفي جانب آخر من ترسيخ العلاقة فقد ورد في أعمال شهر رمضان في الليلة الثالثة والعشرين أن تدعوا ساجداً وقائماً وقاعداً بدعاء (اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة...) وغيرها من الأدعية التي حث الأئمة (عليهم السلام) المؤمنين على المداومة عليها بالتوسل لله بالإمام الحجة المنتظر (عجّل الله فرجه) وذلك لتوثيق الترابط بينه وبين هذا الشهر الفضيل ولجعل شيعته على دوام الارتباط به طوال أيامه ولياليه المباركات من خلال هذا الأدعية المأثورة عنهم (عليهم السلام)، فمن هنا نستطيع أن نعرف أن هناك علاقة بين الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والقرآن وهذه العلاقة واحدية المبدأ باعتباره (عجّل الله فرجه) هو القرآن الناطق والعارف بمحكمه ومتشابهه وهو الذي يعلم تفسير وحقيقة بيانه، ومن أجل هذا المعنى أراد الأئمة (عليهم السلام) ترسيخ وتقوية العلاقة بين الإمام (عجّل الله فرجه) وبين المؤمنين في أعظم شهر من أشهر السنة وهو شهر الله شهر رمضان المبارك، والتأكيد على هذا الترابط هو التهيؤ ليوم النداء الأكبر والصيحة، والتي هي من علامات الظهور الحتمية، فقد وردت الروايات عنهم (عليهم السلام) إنها إنما تكون في شهر رمضان، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الصيحة التي في شهر رمضان تكون ليلة الجمعة لثلاث وعشرين مضين من شهر رمضان. (٤)
وعن الإمام أبى جعفر محمد بن علي (عليه السلام) أنه قال: الصيحة لا تكون إلّا في شهر رمضان لأن شهر رمضان شهر الله وهي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق، ثم قال (عليه السلام) ينادي مناد من السماء باسم القائم فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب لا يبقى راقدا إلّا استيقظ ولا قائم إلّا قعد ولا قاعدا إلّا قام على رجليه فزعا من ذلك الصوت فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب فان الصوت صوت جبرائيل الروح الأمين،(٥) وللصيحة تأثير كبير في النفوس البشرية لغرابتها إذ إنها توجب اضطراب النفوس وتسلب الناس صفائهم واستقرارهم حيث إنها توقظ النائم وتفزع اليقظ، وطبيعة الصيحة إن نسمع صوت يعم الكون كله، وكل يفهمه بلغته، في منتصف شهر رمضان أو آخره بان يسمع قول: ظهر الإمام محمد ابن الحسن المهدي وإن رايته راية حق.(٦)
الهوامش:
(١) وسائل الشيعة: ١٠: ٣١٣.
(٢) ثواب الأعمال، الصدوق: ١٠٣.
(٣) بحار الأنوار: ٩٣: ٢٩٢.
(٤) بحار الأنوار ٥٢:٢٠٤، عن كمال الدين.
(٥) الغيبة للشيخ الطوسي: ٢٨٤.
(٦) في رحاب الإمام الحجة المنتظر:١