الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وبشائر الأمل
الشيخ حسن الصفار
قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وخروجه في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، هي من الحقائق الجامعة، التي يتفق عليها المسلمون بمختلف مذاهبهم، والتي تشير إلى وحدة الأصول والمنابع المعتمدة لدى المسلمين، مع تعدد مدارسهم وتوجهاتهم.
فلا يكاد يخلو مصدر من كتب الحديث والسنة النبوية الشريفة من ذكر موضوع المهدي، ولا تجد مذهباً من المذاهب الإسلامية إلّا وتناول أحد من علمائه وباحثيه هذه المسألة بالإثبات والتأييد.
وإذا كان هناك من ينكر هذه الحقيقة أو يتنكر لها، فمردّ ذلك إلى أسباب أخرى، كما يقول الشيخ عبد المحسن العباد المدرّس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: (إن بعض الكتّاب في هذا العصر أقدم على الطعن في الأحاديث الواردة بغير علم بل بجهل، أو بالتقليد لأحد لم يكن من أهل العناية بالحديث).(١)
ويشير المحدّث الألباني إلى سبب آخر هو: (أن عقيدة المهدي قد استغلت عبر التاريخ الإسلامي استغلالاً سيئاً، فادعاها كثير من المغرضين، أو المهبولين، وجرت من جراء ذلك فتن مظلمة، كان من آخرها فتنة (جهيمان) السعودي في الحرم المكي، فرأوا أن قطع دابر هذه الفتن، إنما يكون بإنكار هذه العقيدة الصحيحة!... وما مثل هؤلاء المنكرين جميعاً عندي إلّا كما لو أنكر رجل ألوهية الله (عزّ وجل) بدعوى أنه ادعاها بعض الفراعنة!).(٢)
وفي حديث لمفتي المملكة الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز حول المهدي المنتظر جاء ما يلي: (فأمر المهدي أمر معلوم والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم: تواترها، وهي متواترة تواتراً معنوياً لكثرة طرقها، واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت، وخروجه حق، وهذا الإمام من رحمة الله (عزّ وجل) بالأمة في آخر الزمان، يخرج فيقيم العدل والحق، ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الأمة عدلاً وهدايةً وتوفيقاً وإرشاداً للناس، والحق أن جمهور أهل العلم بل هو الاتفاق على ثبوت أمر المهدي، وإنه حق، وإنه سيخرج في آخر الزمان، أما من شذ عن أهل العلم في هذا الباب، فلا يلتفت إلى كلامه في ذلك، والواجب تلقي ما قاله الرسول [صلّى الله عليه وآله وسلّم] بالقبول والإيمان به والتسليم، فمتى صحّ الخبر عن رسول الله فلا يجوز لأحد أن يعارضه برأيه واجتهاده، بل يجب التسليم كما قال الله (عزَّ وجل): ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾. وقد أخبر [صلّى الله عليه وآله وسلّم] بهذا الأمر عن الدجال وعن المهدي وعن عيسى المسيح بن مريم ووجب تلقي ما قاله بالقبول والإيمان بذلك، والحذر من تحكيم الرأي والتقليد الأعمى الذي يضر صاحبه ولا ينفعه لا في الدنيا ولا في الآخرة ).(٣)
إحياء قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه):
موضوع خروج الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) المنتظر له موقعيته الهامة في النصوص الدينية فقد روى أحاديثه عن رسول الله أكثر من ستة وعشرين صحابياً، وخرّج تلك الأحاديث جماعة كثيرون من الأئمة في الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد وغيرها يزيدون على ثمانية وثلاثين عالماً ومحدّثاً، كما أفرد عدد من العلماء ينوفون على العشرة كتباً ومصنفات خاصة حول الموضوع، وهذا كله ضمن مذاهب أهل السنة والجماعة، حسبما ذكره الشيخ عبد المحسن العباد في بحثه في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وفي إطار مذهب الشيعة هناك أضعاف مضاعفة من الجهود التي تصب في هذا الاتجاه.
وذلك يدل على أهمية القضية في الفكر الإسلامي، فلابد وأن تطرح في أوساط الأمة بمستوى يتناسب مع أهميتها الدينية، لتكون حاضرة في أذهان الجيل المسلم المعاصر، وغير محصورة في نطاق أهل العلم والحديث، أو مصبوغة بصبغة مذهب معين فقط.
فمن الملاحظ أن أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) يتميزون بإحياء هذه القضية والاحتفاء بها على المستوى الشعبي، بينما هي شبه مغيبة في أوساط بقية جماهير الأمة، حتى كاد بعضهم أن يتصورها قضية خاصة بمذهب الشيعة، في حال أنها محل إجماع ووفاق بين جميع المذاهب الإسلامية.
وليس مطلوباً أن يتوافق أسلوب الإحياء والاهتمام بهذه القضية بين المذاهب، فلكل طريقته التي يراها مناسبة لمرئياته الشرعية وظروفه الاجتماعية، لكن المطلوب هو حضور هذه القضية وطرحها علمياً وفكرياً وإعلامياً في أوساط جماهير الأمة بمختلف مذاهبها.
ولأنها قضية متفق عليها في أصلها فإن انتشارها يؤكد حالة التوافق والاشتراك بغض النظر عن اختلاف التفاصيل والجزئيات، كالاختلاف في أنه من نسل الحسن كما يقول بعض علماء السنة؟ أو من نسل الحسين كما يجمع علماء الشيعة وبعض أهل السنة؟ وكذلك الاختلاف في اسم أبيه هل هو الحسن أو عبد الله؟ والاختلاف في ولادته هل ولد أم يولد في آخر الزمان؟
إن الاختلاف حول بعض التفاصيل موجود بين علماء المسلمين في أغلب القضايا الدينية بدءاً من صفات الخالق جلا وعلا إلى أحكام الصلاة والوضوء، ولا يضر ذلك مع الاتفاق على أصل الموضوع، وعسى أن تتوفر الأجواء المناسبة لحوارات علمية موضوعية معمقة بين علماء الأمة حول موارد الاختلاف في الفكر والفقه الإسلامي.
وهناك داع مهم لإحياء قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في أوساط الأمة وخاصة في هذا العصر لما توفره هذه القضية من زخم روحي، في نفوس المسلمين، حيث تلهمهم الأمل وتشيع في قلوبهم الثقة بالنصر، وتحفزهم للتطلع لاستعادة مجد الإسلام وقيام حضارته العالمية، حيث تؤكد الأحاديث المتواترة ذلك، كقوله: لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي، أو من أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وعدواناً أخرجه أحمد (٣/٣٦) وابن حبان (١٨٨٠) والحاكم (٤/٥٥٧)، وأبو نعيم في الحلية (٣/١٠١) وقال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين). ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وأشار إلى تصحيحه أبو نعيم.(٤)
عولمة الظلم:
كما أخبر رسول الله وهو الصادق الأمين، فقد امتلأت الدنيا بالفعل ظلماً وجوراً وعدواناً، حيث لم يعد الظلم مجرد ممارسة هنا وهناك، بل أصبح نظاماً عالمياً يلف الكرة الأرضية كلها ببشرها وكائناتها وبيئتها الطبيعية، وصار الجور مقنناً من خلال مجلس الأمن الدولي، وحق (الفيتو) الذي تمارسه الدول الكبرى وخاصة أميركا، فبدلاً من أن يرعى المجلس أمن الشعوب والأمم، صار يحمي سياسات الظلم والعدوان، وأبرز مثل صارخ الموقف العالمي من جرائم الصهاينة في فلسطين المحتلة، وحيث تستمر قوافل الشهداء وضحايا الإرهاب الإسرائيلي كل يوم نساءً وشباباً وأطفالاً، وعلى مرأى من العالم ومسمع، يذبح الطفل في حجر أبيه، وتلاحق الطائرات العسكرية سيارة مدنية في زقاق سكني لتقصفها بصاروخ، تتطاير على أثره أشلاء الضحايا مع قطع حديد السيارة في الجو..
وهناك معاناة الشعب العراقي ومآسيه في ظل الحكم الصدّامي والحصار الدولي، وحيث يموت الأطفال، ويعاني المرضى، ويجوّع ويسحق شعب بكامله، تحت أنظار العالم..
وحالات المجاعة وخاصة في أفريقيا، وانحدار المستوى المعيشي في روسيا، وتلوث البيئة بشكل يهدد سلامة الحياة ومستقبل البشرية..
كل ذلك يحصل الآن، وتملأ وسائل الإعلام به الدنيا عن طريق النقل الحي والبث المباشر.
انبعاث الإسلام:
خروج المهدي ووفقاً للنصوص الواردة يعني قيام الحضارة الإسلامية العالمية حيث يملأ الأرض قسطاً وعدلاً حسبما جاء عن رسول الله، ويقول الإمام محمد الباقر (عليه السلام) - كما روي عنه -: القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله (عزّ وجل) به دينه على الدين كله ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلّا وعُمِّر، وينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه.(٥)
لكن ذلك لا يحصل فجأة، ولا تبدأ خطواته على يد المهدي، بل وكما يظهر من النصوص، وتوحي به طبيعة التحولات، أن انبعاثاً يحصل في الأمة باتجاه الإسلام، وتهيئاً على مستوى الإنسانية لقبوله كخلاص وإنقاذ من الأزمات المتفاقمة.
ونحن نرى الآن بشائر الأمل في الجيل المسلم المعاصر، فإلى وقت قريب كانت قطاعات كبيرة من أبناء الأمة تعيش حالة من الانبهار بالتوجهات الماركسية الاشتراكية، أو الرأسمالية الغربية، وتأسست في بلاد المسلمين أنظمة تتبنى هذه التوجهات، وقامت أحزاب ترفع هذه الشعارات، وبحمد الله فقد تجاوزت جماهير الأمة تلك الحالة الانهزامية، وتهاوت ماركسية الشرق، وانكشف الوجه القبيح لرأسمالية الغرب، وعادت للأمة ثقتها بذاتها ونفسها، ونرى الجيل المسلم المعاصر الآن وهو يتطلع لحضارة الإسلام، وينادي بتطبيق شريعته، ولولا الحواجز والموانع التي توجه شعوب الأمة من قبل بعض الأنظمة لقطعت الأمة شوطاً أكبر باتجاه دينها واستقلالها وعزتها.
هذه الصحوة الإسلامية المتنامية، والتوجه الديني لدى أبناء الأمة، هو من بشائر الأمل وإرهاصات خروج الإمام المهدي، والذي سيتوج هذه المسيرة بالنجاح والنصر الحاسم إنشاء الله.
التوجه لأهل البيت (عليهم السلام):
الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من عترة رسول الله وأهل بيته كما تنص الأحاديث ومن ذرية فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وأهل البيت (عليهم السلام) ومع تأكيد الأحاديث النبوية الشريفة الواردة عند جميع المسلمين على فضلهم ومكانتهم القيادية، ولزوم محبتهم ومودتهم والتمسك بهم، ومع تكرار وصية الرسول بهم كما أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم أنه قال: قام رسول الله يوماً فينا خطيباً، بماء يدعى خُمّاً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر، ثم قال: أمّا بعد، إلّا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله. واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي.(٦)
مع كل هذه الوصايا والتأكيدات إلّا أنه حصل تجاهل لأهل البيت (عليهم السلام) في غالب عهود التاريخ الإسلامي، لأغراض سياسية من قبل بعض الحكومات من الأمويين والعباسيين، وبقيت آثار تلك الفترات في حياة المسلمين حيث تحولت إلى صراعات مذهبية، وأصبح أهل البيت وكأنهم زعماء طائفة معينة أو أئمة مذهب خاص.
وحصل عند بعض المنتسبين إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) حالات من الغلو، كان أئمة أهل البيت يحذرون منها ويحاربونها، فقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) قوله: هلك فيّ رجلان محب غال ومبغض قال،(٧) وجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم فإن الغلاة شر خلق الله، يصغّرون عظمة الله ويدّعون الربوبية لعباد الله (٨) هذا الغلو وما نتج عنه من ممارسات خاطئة سبب رد فعل عند بعض المسلمين تجاه خط أهل البيت (عليهم السلام).
لكننا نلحظ الآن إقبالاً وتوجهاً نحو أهل البيت (عليهم السلام)، هو من بشائر الأمل وتمهيدات خروج المهدي (عجّل الله فرجه).
على ضوء العودة للنصوص الشرعية التي حفظها علماء السلف في المصادر المعتمدة، ولتقدم مستوى الوعي عند أبناء الأمة، بحيث يتجاوز الواعون منهم آثار الخلافات المذهبية، والحساسيات الطائفية، وينفتحون على حقائق دينهم من الكتاب والسنة، وساعد على ذلك ما حققه بعض أتباع أهل البيت من إنجازات رائعة لمصلحة الإسلام والمسلمين، وما قدموه من صور مشرقة في الدفاع عن الدين والأمة وطرح للأفكار البنّاءة والآراء الناضجة.
وأساساً فإن كل مسلم ينطوي قلبه على محبة أهل البيت (عليهم السلام) ولا يوجد مسلم يخلو قلبه من حبهم، لكن المقصود هو تفعيل ذلك الحب، وتحويله إلى منهج في التلقي والاتباع.
إن الحديث عن أهل البيت يجتذب قلب كل مسلم، لذلك يذكر الدكتور محمد عبده يماني في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه (علّموا أولادكم محبة آل بيت النبي) أنه نفذت الطبعة الأولى من الكتاب قبل أن يمضي على صدورها شهر واحد، بفضل من الله وتوفيقه، واشتدّ الطلب على الكتاب. (٩)
وتحاول بعض الصحف والمجلات هذه الأيام إثارة شيء من الحساسيات الطائفية عبر الحديث عن اعتناق بعض الأشخاص لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، لكننا نرفض هذه الإثارات، فالإسلام بيت واحد للمسلمين جميعاً، والمذاهب إنما هي غرف في ذلك البيت الواحد، وانتقال الإنسان من غرفة إلى أخرى لبعض الترجيحات لا يخرجه من نطاق البيت. فالجميع مسلمون والحمد لله وأن ينتقل مسلم من مذهب إلى آخر سنياً كان أو شيعياً فذلك راجع إلى قناعته واختياره وشعوره بالمسؤولية أمام الله تعالى، ولا يصح أبداً أن يكون ذلك سبباً للإثارة والتحريض والتهريج.
وكل المسلمون يتطلعون إلى تحقق ما أنبأ به رسول الله من خروج المهدي المنتظر عجل الله فرجه من عترته وذريته وأهل بيته.
كلمة الجمعة بتاريخ ١٣ شعبان ١٤٢١ه
الهوامش:
(١) العباد: الشيخ عبد المحسن/ عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر/ مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ص١٢٧ العدد الثالث/ السنة الأولى ١٣٨٨ه.
(٢) الألباني: محمد ناصر الدين/ سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج٤ ص٤٣.
(٣) مجلة الجامعة الإسلامية- المدينة المنورة ص١٦١- ١٦٤/ العدد الثالث - السنة الأولى ذو القعدة ١٣٨٨ه.
(٤) الألباني: محمد ناصر الدين/ سلسلة الأحاديث الصحيحة ج٤ ص٣٩.
(٥) الصافي: لطف الله/ منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ص٢٩٢.
(٦) القشيري النيسابوري: مسلم بن الحجاج/ صحيح مسلم - حديث رقم ٢٤٠٨ كتاب فضائل الصحابة.
(٧) الموسوي: الشريف الرضي/ نهج البلاغة - قصار الحكم ١١٧.
(٨) المجلسي: محمد باقر / بحار الأنوار ج٢٥ ص٢٦٥.
(٩) يماني: محمد عبده/ علّموا أولادكم محبة آل بيت النبي ص٩ الطبعة الثانية ١٩٩٢م دار القبلة/ جدة.