الانتظار في عمق الفكر الإنساني
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
إن عشق انتظار ظهور المصلح.. أمر يرتبط بأعماق الإنسان، وهو يتعامل معه بطريقين، هما العقل والعاطفة.. فهو يسمع نغمة هذا الظهور عن طريق لسانين هما العقل والفطرة، وعشق الجمال وعشق الخير والفضيلة، أي عشق التكامل الإنساني، فعشق التكامل شعلة تضيء أنحاء وجود الإنسان، فهو يريد العلم بالمزيد، ويرى المزيد من الجمال، وينفتح على الكثير من الفضائل، ويسعى لتوفير كل ما يقوده إلى الرقي والازدهار.
وكيف لا يكون للإنسان مثل هذا الانتظار وحب التكامل يستوقد في جميع أحشائه، وهل يتكامل المجتمع البشري دون ذلك؟، أن هذا الشعور الباطن يساور حتى من لم يعش حالة الإحباط والانكسار في حياته.
إن حب التكامل وحب السلام والعدل وسيلة لبلوغ هذا الهدف العظيم، وهي بمثابة ماكنة قوية تحرك عجلات وجود الإنسان في هذا الطريق وتساعده في الوصول إلى عالم مليء بالعدل والسلام.
وان هذا العشق الإنساني وسيلة تقرب الإنسان من الهدف الإنساني، وهو دليل على وجود المعشوق وهدفه.. كما أن غبطته ورغبته بالماء دليل على وجود الماء.. وقد أودع عالم الخليقة العطش في وجوده.
ونخلص من هذا إلى أن انتظار الإنسان للمصلح العالمي الذي يملأ العالم بالعدل والسلام دليل على إمكانية وعملية ذروة هذا التكامل في المجتمع البشري، فعشقه وانتظاره في أعماق الروح...، وعمومية هذا الاعتقاد في المذاهب والمدارس كافة علامة على أصالته وواقعيته، لأن الشيء ان كان وليد شرائط معينة ومحدودة، لا يمكن ان يخطئ بهذه الشمولية، فليست هناك من شمولية سوى للقضايا الفطرية، وكل هذه الأمور دليل على أن هذه النغمات تعرف في روح الإنسان عن طريق لسان عاطفته وفطرته في أن الأمر سيؤدي إلى إرساء العدل والسلام في حكومة العدل العالمية من جانب المصلح العالمي.
ولكن هل الإيمان بالظهور يجعل الإنسان غافلاً عن أوضاعه القائمة ومستسلماً للظروف والشرائط كافة؟ فاسحاً المجال لمثل هذا الإيمان ان ينشر جوانبه السلبية في شل القدرات الاجتماعية والقضاء عليها؟
وهل يدع الإنسان معرفة الماضي بحجة إنها من الماضي، أم أنه يأخذ من الماضي ويستشرف المستقبل من أجل اليوم، فيأخذ من هذا اليوم ليبني المستقبل؟
وبما أن الانتظار لا يتحقق هو وما يليه إلا مستقبلا، قريباً أو بعيداً.. فلا بد من الاستعداد مع هذا الانتظار للمستقبل وتوفير كل وسائل الاستقبال المناسبة له..
وبما أن ما يأمله المنتظر هو نهضة وثورة هي من أوسع وأعظم جميع النهضات البشرية طيلة التاريخ.. نهضة عامة تشمل جوانب حياة البشرية، سياسية وثقافية واقتصادية وأخلاقية.
وعلى ما تقدم فانتظار المصلح العالمي يعني ان يتأهب الإنسان فكرياً، وأن يرفق تأهبه هذا بتأهب أخلاقي ومادي ومعنوي تام.