أدلَّة إمامة المهدي (عجّل الله فرجه) (٧)
الدكتور إحسان الغريفي
ذكرنا في العددين السابقين الدليل الأوَّل على حتمية غيبة الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، من خلال الأحاديث المتواترة الَّتي بشَّرت بظهوره وغيبته، مما يدلُّ على أنَّ مفهوم الغيبة للإمام كان موجوداً قبل غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنَّ هذا المفهوم لا مِن اختراع الشيعة كما يزعم مخالفوهم، بل هو مما أخبر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والأئمة (عليهم السلام)، فهو مفهوم إسلاميّ متوارث، والَّذي يدلُّ على وجود مفهوم الغيبة منذ الصدر الأول في الإسلام آثارٌ عديدةٌ؛ منها أنَّ عمر بن الخطاب ظنَّ أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد غاب، وأنَّه سيعود بعد غيبته، قال جلال الدين السيوطي:
أخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قام عمر بن الخطاب فقال: إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) توفي، وأن رسول الله والله ما مات، ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات. والله ليرجعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) مات.... (١)
ومن هذا النص نستنتج أنَّ مفهوم الغيبة لم يكن مِن صنع الشيعة، بل هو عقيدة إسلامية قديمة، ونحن لا نعني بأنَّ عمر بن الخطاب توهم في تحديد المهدي، بل أنَّ فكرة الغيبة إنْ لم تكن موجودة في صدر الإسلام، لما قال بها عمر بن الخطاب، ومما يدل على ذلك توهم بعض الفرق في تحديد الإمام الغائب كما توهم عمر بن الخطاب، قال الشيخ الصدوق:
غلطت الكيسانية بعد ذلك حتَّى ادعت هذه الغيبة لمحمد بن الحنفية (قدس الله روحه)، حتَّى أنَّ السيد بن محمد الحميري(رضي الله عنه) [المتوفى سنة ١٧٣هـ أي قبل ولادة المهدي باثنين وثمانين سنة] اعتقد ذلك... حتَّى لقي الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)، ورأى منه علامات الإمامة، وشاهد فيه دلالات الوصية، فسأله عن الغيبة، فذكر له أنها حق ولكنها تقع في الثاني عشر مِن الأئمة (عليهم السلام)، وأخبره بموت محمد بن الحنفية، وأنَّ أباه شاهد دفنه، فرجع السيد عن مقالته، واستغفر مِن اعتقاده، ورجع إلى الحق عند اتضاحه له، ودان بالإمامة؛ قال الشيخ الصدوق: حدثنا عبد الواحد بن محمد العطار النيسابوري (رضي الله عنه) قال: حدثنا عليّ بن محمد قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حيان السراج قال: سمعت السيد ابن محمد الحميري يقول: كنت أقول بالغلو، وأعتقد غيبة محمد بن عليّ (ابن الحنفية)، قد ضللت في ذلك زماناً، فمَنَّ الله عَليَّ بالصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) وأنقذني به مِن النَّار، وهداني إلى سواء الصراط، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل الَّتي شاهدتها منه أنه حجة الله عليَّ وعلى جميع أهل زمانه، وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به، فقلت له،: يا ابن رسول الله قد رويت لنا أخبار عن آبائك (عليهم السلام) في الغيبة وصحة كونها، فأخبرني بمن تقع؟
فقال (عليه السلام): إن الغيبة ستقع بالسادس مِن ولدي وهو الثاني عشر مِن الأئمة الهداة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أولهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض، وصاحب الزمان، والله لو بقى في غيبته ما بقى نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلما.
قال السيد: فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام)تبت إلى الله (تعالى ذكره) على يديه، وقلت قصيدتي التي أولها:
فلما رأيتُ الناسَ في الدين قد غووا * تجعفرتُ باسم الله فيمن تجعفروا
وناديتُ باسم الله والله أكبر* وأيقنتُ أن يعفو ويغفر
ودنتُ بدين الله ما كنت دينا * به ونهاني سيدُ الناس جعفر.(٢)
(ثم غلطت الناووسية بعد ذلك في أمر الغيبة بعد ما صحّ وقوعها عندهم بحجة الله على عباده، فاعتقدوها جهلاً منهم بموضعها في الصادق بن محمد (عليه السلام)، حتَّى أبطل الله قولهم بوفاته (عليه السلام)، وبقيام كاظم الغيظ الأوَّاه الحليم، الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليه السلام)بالأمر مقام الصادق (عليه السلام) .
وكذلك ادَّعت الواقفية ذلك في موسى بن جعفر (عليه السلام)، فأبطل اللهُ قولهم بإظهار موته وموضع قبره، ثم بقيام الرضا على بن موسى (عليه السلام) بالأمر بعده، وظهور علامات الإمامة فيه مع ورود النصوص عليه من آبائه (عليهم السلام).(٣)
ثم ادعت الواقفة على الحسن بن على بن محمد (عليهم السلام) أن الغيبة وقعت به لصحة أمر الغيبة عندهم وجهلهم بموضعها، وأنه القائم المهدي، فلما صحّت وفاته عليه السلام بطل قولهم فيه، وثبت بالأخبار الصحيحة...أن الغيبة واقعة بابنه عليه السلام دونه.(٤)
الهوامش:
(١) الدر المنثور في التفسير المأثور لجلال الدين السيوطي(المتوفى٩١١): ٢/١٤٤[سورة آل عمران/ الآيتان: ١٤٤-١٤٥].
(٢) كمال الدين وتمام النعمة: ١/ ٤٣.
(٣) نفس المصدر السابق: ١/ ٤٦.
(٤) نفس المصدر السابق: ١/ ٤٩.