ملامح الشخصية المهدوية
لطيف عبد النبي يونس
تتحدد هوية الإنسان من خلال شخصيته، وهذه الشخصية تعتمد على مقومات من الانتماء الفكري والعقائدي، والتي تترك آثارها على مستوى التفكير والسلوك لتلك الشخصية.
فهوية الإنسان متعلقة بمنطلقاته الفكرية وبنائه العقائدي، وهي بالتالي تحدد استقلاله، ومن ثم طرق تعامله مع الأنساق الفكرية المتعددة في الواقع.
وكلما كان البناء الفكري والعقائدي محكماً ورصيناً كلما استوعبت هذه الشخصية تلك المنطلقات، وقويت وترسَّخت فيها الهوية وتميزت، كنسق فكري بين الأفكار، وأثرت كثيراً في الميدان.
وعندما نتصفح التاريخ في الماضي والحاضر نجده يخبرنا عن الكثير من الهويات والشخصيات والحضارات التي تركت بصماتها في الساحة البشرية.
ونحن وسط هذا التراث البشري وما نملك من إرث حضاري إسلامي نتساءل -في هذا الوقت وفي هذه المرحلة- عن ملامح الشخصية المهدوية، وهل هناك شخصية مهدوية لها استقلاليتها، وما هي ملامحها وما هي مصادرها، وما مدى تأثير هذه الشخصية في الواقع المعاصر وكيف ينعكس ذلك على القضية نفسها؟ لاسيما ونحن نعرض على الساحة البشرية فكراً يحمل للإنسانية جمعاء البشرى بالسعادة المنشودة، والأمل بعدم اليأس من ضرورة مجيء الغد المشرق.
يحدد السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في حديث عن الشخصية الإسلامية ثلاثة مقومات لهذه الشخصية الإسلامية هي:
أولاً: طاقة فكرية يتعامل بها مع الوجود والموجودات.
ثانياً: طاقة روحية يتعامل بها مع الله (عزَّ وجل).
ثالثا: طاقة أخلاقية يتعامل بها مع المجتمع.
ويقول السيد (قدس سره): إن هذه المقومات متفاعلة مع بعضها البعض وغير متحجرة.
وفعلاً سنرى من خلال المقال كيف أن تفاعل هذه المقومات الثلاثة ينتج نسيجاً من منظومة حضارية متكاملة وشاملة لبناء شخصية إسلامية متينة والتي بدوري أحولها إلى خصوصية الفكرة المهدوية وخصوصية الشخصية المهدوية فأنا أستعير المصطلحات وبعض المضامين لكي أستفيد منها في خصوص قضيتنا المقدسة التي لا تنفك عن الإسلام.
لتوضيح معالم الشخصية المهدوية نستطيع أن نقول، إن الإنسان المنتظر لكي يتمتع بشخصية مهدوية متميزة ومتكاملة وذات هوية حقيقية تميزه عن غيره فيجب أن يمتلك هذه المقومات الثلاثة والتي ننزلها من منظورها الإسلامي العام إلى منظورها المهدوي الخاص، وبما يلائم الخصوصية المهدوية.
على رأس هذه المقومات الثلاثة هي (الطاقة الفكرية في الشخصية المهدوية).
فان الإنسان المهدوي جزء من هذا النظام الوجودي وبكل ما يحمل من تكاملات ومقامات، وهذا الوجود فيه مكوناته التكوينية، ومنها الفكرية العقائدية وبحكم وجوده فيها فوجب عليه فهم واستيعاب حقائقها لكي يبني منظومته الفكرية بشكل متين، وبالتالي يتعامل معها تعاملاً صحيحاً، لأن هذا الوجود هو برنامج متكامل يكمل بعضه بعضاً فإذا جهل موقعه منها أو موقع أي منها والتأثيرات المتبادلة بين هذه الموجودات، فإنه سوف يخسر الكثير من المعرفة التي تنجر إلى السلوك والتعامل، وإن الإنسان المهدوي يختلف عن غيره لأنه يحمل في جوهره رؤية كونية يفسر على أساسها علاقته بالمجتمع، وعلاقات أفراد المجتمع ببعضهم، وعليه سيكون أحادي النظرة أو حتى جزئيها.
إن الطاقة الفكرية في الشخصية لابد ان تنطلق من أهم ركن في المنظومة الشاملة، وهو التوحيد ذلك لأن هذا الركن يمثل مقدمة ضرورية لإيجاد الركائز الأخرى التي تحتاجها الشخصية المهدوية والتي من أهمها العدل.
ومن هنا فان المنتظِر باعتباره يحمل شعار التوحيد والعدل، فيجب عليه أن يعمل على محاور هي:
المحور الأول:
أن يتمتع بفكر توحيدي راق، أما مصدر هذا الفكر فمن المؤكد أنه يستلهمه من معلمه الأول وهو النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) ومن ثم يستلهمه من قائده المعاصر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أي من مصدر القرآن وأحاديث العترة النورية، ومناجاتهم وزياراتهم وأدعيتهم وخطبهم التي هي أنوار تبين مقام التوحيد بأرقى صورة.
هذه القضية مهمة جداً في حياة المنتظر، لأنها المقوم الأول لنظريته، وتشكل الحصانة الأكبر له من كل الزلات والتحديات وهذا المصدر المهم جداً الذي يتغذى منه دائماً في كل مسيرته، ليواجه الواقع ويرفده بكل الأفكار المهدوية ويرد على الشبهات التي كثيراً ما تواجهه.
المحور الثاني:
وهو الطاقة الفكرية هو معرفة إمامه بشكل حقيقي، يتحدّر من معرفة مفهوم الإمامة ومقوماتها وخصائصها ومروراً إلى متعلقاتها مثل العصمة وعلم الإمام وغيره، ونزولاً إلى معرفة الخصائص الشخصية للإمام (عجّل الله فرجه)، سيرة أو مقامات ملكية أو ملكوتية.
أما المحور الثالث:
فهو أن يتمتع المنتظر بدائرة تتسع لاستيعاب القراءات الموجودة على الساحة الفكرية كافة، انطلاقاً من قراءته لفكر مجتمعه، ثم إلى دائرة المتفقين معه في الفكر ومن ثم إلى المختلفين معه فيه جزءاً أو كلاً.
وهذا لا يأتي إلا من خلال متابعة كبيرة ودقيقة تستوعب أهم النظريات المطروحة تطبيقاً أو فكراً في الماضي والحاضر أو المستقبل، وليكون المنتظِر مرآة للمعرفة الكلية، وتتجلى فيها أغلب القراءات المهمة في الساحة المتعلقة بإحياء روح الانتظار لدى الإنسان وتحقيق السعادة للبشرية.