اللقاء (٣٤): أبي محمد عيسى بن مهدي الجوهري (*) (١)
أقُولُ: وَرُويَ فِي بَعْض تَألِيفَاتِ أصْحَابِنَا عَن الْحُسَيْن بْن حَمْدَانَ، عَنْ أبِي مُحَمَّدٍ عِيسَى بْن مَهْدِيٍّ الْجَوْهَريَّ، قَالَ: خَرَجْتُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتّينَ وَمِائَتَيْن إِلَى الْحَجَّ وَكَانَ قَصْدِي الْمَدِينَةَ حَيْثُ صَحَّ عِنْدَنَا أنَّ صَاحِبَ الزَّمَان قَدْ ظَهَرَ فَاعْتَلَلْتُ وَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ فَيْدٍ فَتَعَلَّقَتْ نَفْسِي بِشَهْوَةِ السَّمَكِ وَالتَّمْر، فَلَمَّا وَرَدْتُ الْمَدِينَةَ وَلَقِيتُ بِهَا إِخْوَانَنَا، بَشَّرُوني بِظُهُورهِ عليه السلام بِصَابِرَ.
فَصِرْتُ إِلَى صَابِرَ فَلَمَّا أشْرَفْتُ عَلَى الْوَادِي رَأيْتُ عُنَيْزَاتٍ عِجَافاً فَدَخَلْتُ الْقَصْرَ فَوَقَفْتُ أرْقُبُ الأمْرَ إِلَى أنْ صَلَّيْتُ الْعِشَاءَيْن وَأنَا أدْعُو وَأتَضَرَّعُ وَأسْألُ فَإذَا أنَا بِبَدْرٍ الْخَادِم يَصِيحُ بِي: يَا عِيسَى بْنَ مَهْدِيٍّ الْجَوْهَريُّ ادْخُلْ، فَكَبَّرْتُ وَهَلَّلْتُ وَأكْثَرْتُ مِنْ حَمْدِ اللهِ عز وجل وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا صِرْتُ فِي صَحْن الْقَصْر رَأيْتُ مَائِدَةً مَنْصُوبَةً فَمَرَّ بِيَ الْخَادِمُ إِلَيْهَا فَأجْلَسَنِي عَلَيْهَا، وَقَالَ لِي: مَوْلاَكَ يَأمُرُكَ أنْ تَأكُلَ مَا اشْتَهَيْتَ فِي عِلَّتِكَ وَأنْتَ خَارجٌ مِنْ فَيْدٍ، فَقُلْتُ: حَسْبِي بِهَذَا بُرْهَاناً، فَكَيْفَ آكُلُ وَلَمْ أرَ سَيَّدِي وَمَوْلاَيَ؟ فَصَاحَ: «يَا عِيسَى كُلْ مِنْ طَعَامِكَ فَإنَّكَ تَرَانِي».
فَجَلَسْتُ عَلَى الْمَائِدَةِ فَنَظَرْتُ فَإذَا عَلَيْهَا سَمَكٌ حَارٌّ يَفُورُ وَتَمْرٌ إِلَى جَانِبِهِ أشْبَهُ التُّمُور بِتُمُورنَا، وَبجَانِبِ التَّمْر لَبَنٌ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: عَلِيلٌ وَسَمَكٌ وَتَمْرٌ وَلَبَنٌ، فَصَاحَ بِي: «يَا عِيسَى أتَشُكُّ فِي أمْرنَا؟ أفَأنْتَ أعْلَمُ بِمَا يَنْفَعُكَ وَيَضُرُّكَ؟»، فَبَكَيْتُ وَاسْتَغْفَرْتُ اللهَ تَعَالَى وَأكَلْتُ مِنَ الْجَمِيع، وَكُلَّمَا رَفَعْتُ يَدِي مِنْهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ مَوْضِعُهَا فِيهِ فَوَجَدْتُهُ أطْيَبَ مَا ذُقْتُهُ فِي الدُّنْيَا فَأكَلْتُ مِنْهُ كَثِيراً حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، فَصَاحَ بِي: «لاَ تَسْتَحْيِ يَا عِيسَى فَإنَّهُ مِنْ طَعَام الْجَنَّةِ لَمْ تَصْنَعْهُ يَدُ مَخْلُوقٍ»، فَأكَلْتُ فَرَأيْتُ نَفْسِي لاَ يَنْتَهِي عَنْهُ مِنْ أكْلِهِ.
فَقُلْتُ: يَا مَوْلاَيَ حَسْبِي، فَصَاحَ بِي: «أقْبِلْ إِلَيَّ»، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: آتِي مَوْلاَيَ وَلَمْ أغْسِلْ يَدِي، فَصَاحَ بِي: «يَا عِيسَى وَهَلْ لِمَا أكَلْتَ غَمَرٌ؟»، فَشَمِمْتُ يَدِي وَإِذَا هِيَ أعْطَرُ مِنَ الْمِسْكِ وَالْكَافُور، فَدَنَوْتُ مِنْهُ عليه السلام فَبَدَا لِي نُورٌ غَشِيَ بَصَري، وَرَهِبْتُ حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّ عَقْلِي قَدِ اخْتَلَطَ، فَقَالَ لِي: «يَا عِيسَى مَا كَانَ لَكَ أنْ تَرَانِي لَوْ لاَ الْمُكَذّبُونَ الْقَائِلُونَ بِأيْنَ هُوَ؟ وَمَتَى كَانَ؟ وَأيْنَ وُلِدَ؟ وَمَنْ رَآهُ؟ وَمَا الَّذِي خَرَجَ إِلَيْكُمْ مِنْهُ؟ وَبأيَّ شَيْءٍ نَبَّأكُمْ؟ وَأيَّ مُعْجِزٍ أتَاكُمْ؟ أمَا وَاللهِ لَقَدْ دَفَعُوا أمِيرَ الْمُؤْمِنينَ مَعَ مَا رَوَوْهُ وَقَدَّمُوا عَلَيْهِ، وَكَادُوهُ وَقَتَلُوهُ، وَكَذَلِكَ آبَائِي عليهم السلام وَلَمْ يُصَدَّقُوهُمْ وَنَسَبُوهُمْ إِلَى السَّحْر وَخِدْمَةِ الْجِنَّ إِلَى مَا تَبَيَّنَ.
يَا عِيسَى فَخَبَّرْ أوْلِيَاءَنَا مَا رَأيْتَ، وَإِيَّاكَ أنْ تُخْبِرَ عَدُوَّنَا فَتُسْلَبَهُ»، فَقُلْتُ: يَا مَوْلاَيَ ادْعُ لِي بِالثَّبَاتِ، فَقَالَ: «لَوْ لَمْ يُثَبَّتْكَ اللهُ مَا رَأيْتَنِي، وَامْض بِنَجْحِكَ رَاشِداً»، فَخَرَجْتُ اُكْثِرُ حَمْدَ اللهِ وَشُكْراً.
الهوامش:
(*) موسوعة توقيعات الإمام المهدي عليه السلام لمحمد تقي أكبر نژاد
(١) بحار الأنوار ص ٦٨ ج ٥٢ باب ١٨_ ذكر من رآه صلوات الله عليه.