اللقاء (٣٥): أبي راجح الحمامي (*) (١)
رَوَى السَّيَّدُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ فِي كِتَابِ السُّلْطَان الْمُفَرَّج عَنْ أهْل الإيمَان عِنْدَ ذِكْر مَنْ رَأى الْقَائِمَ عليه السلام قَالَ:
فَمِنْ ذَلِكَ مَا اشْتَهَرَ وَذَاعَ، وَمَلأ الْبِقَاعَ، وَشَهِدَ بِالْعِيَان أبْنَاءُ الزَّمَان، وَهُوَ قِصَّةُ أبُو (أبِي) رَاجِح الْحَمَّامِيَّ بِالْحِلَّةِ وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الأعْيَان الأمَاثِل وَأهْل الصّدْقِ الأفَاضِل مِنْهُمُ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ الْعَابِدُ الْمُحَقّقُ شَمْسُ الدَّين مُحَمَّدُ بْنُ قَارُونَ سَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى قَالَ:
كَانَ الْحَاكِمُ بِالْحِلَّةِ شَخْصاً يُدْعَى مَرْجَانَ الصَّغِيرَ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ أنَّ أبَا رَاجِح هَذَا يَسُبُّ الصَّحَابَةَ، فَأحْضَرَهُ وَأمَرَ بِضَرْبِهِ فَضُربَ ضَرْباً شَدِيداً مُهْلِكاً عَلَى جَمِيع بَدَنِهِ، حَتَّى إِنَّهُ ضُربَ عَلَى وَجْهِهِ فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ وَأخْرَجَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ فِيهِ مِسَلَّةً مِنَ الْحَدِيدِ، وَخَرَقَ أنْفَهُ وَوَضَعَ فِيهِ شَرَكَةً مِنَ الشَّعْر وَشَدَّ فِيهَا حَبْلاً وَسَلَّمَهُ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أصْحَابِهِ وَأمَرَهُمْ أنْ يَدُورُوا بِهِ أزقَّةَ الْحِلَّةِ، وَالضَّرْبُ يَأخُذُ مِنْ جَمِيع جَوَانِبِهِ، حَتَّى سَقَطَ إِلَى الأرْض وَعَايَنَ الْهَلاَكَ.
فَاُخْبِرَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ فَأمَرَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ الْحَاضِرُونَ: إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ، وَهُوَ مَيَّتٌ لِمَا بِهِ فَاتْرُكْهُ وَهُوَ يَمُوتُ حَتْفَ أنْفِهِ، وَلاَ تَتَقَلَّدْ بِدَمِهِ، وَبَالَغُوا فِي ذَلِكَ حَتَّى أمَرَ بِتَخْلِيَتِهِ، وَقَدِ انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَلِسَانُهُ، فَنَقَلَهُ أهْلُهُ فِي الْمَوْتِ وَلَمْ يَشُكَّ أحَدٌ أنَّهُ يَمُوتُ مِنْ لَيْلَتِهِ.
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ غَدَا عَلَيْهِ النَّاسُ فَإذَا هُوَ قَائِمٌ يُصَلّي عَلَى أتَمَّ حَالِهِ وَقَدْ عَادَتْ ثَنَايَاهُ الَّتِي سَقَطَتْ كَمَا كَانَتْ، وَانْدَمَلَتْ جِرَاحَاتُهُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أثَرٌ وَالشَّجَّةُ قَدْ زَالَتْ مِنْ وَجْهِهِ.
فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ حَالِهِ وَسَاءَلُوهُ عَنْ أمْرهِ، فَقَالَ: إِنّي لَمَّا عَايَنْتُ الْمَوْتَ وَلَمْ يَبْقَ لِي لِسَانٌ أسْألُ اللهَ تَعَالَى بِهِ فَكُنْتُ أسْألُهُ بِقَلْبِي وَاسْتَغَثْتُ إِلَى سَيَّدِي وَمَوْلاَيَ صَاحِبِ الزَّمَان عليه السلام فَلَمَّا جَنَّ عَلَيَّ اللَّيْلُ فَإذَا بِالدَّار قَدِ امْتَلأتْ نُوراً وَإِذَا بِمَوْلاَيَ صَاحِبِ الزَّمَان قَدْ أمَرَّ يَدَهُ الشَّريفَةَ عَلَى وَجْهِي وَقَالَ لِي: «اخْرُجْ وَكُدَّ عَلَى عِيَالِكَ، فَقَدْ عَافَاكَ اللهُ تَعَالَى»، فَأصْبَحْتُ كَمَا تَرَوْنَ.
وَحَكَى الشَّيْخُ شَمْسُ الدَّين مُحَمَّدُ بْنُ قَارُونَ الْمَذْكُورُ قَالَ: وَاُقْسِمُ بِاللهِ تَعَالَى أنَّ هَذَا أبُو رَاجِح كَانَ ضَعِيفاً جِدّاً، ضَعِيفَ التَّرْكِيبِ، أصْفَرَ اللَّوْن، شَيْنَ الْوَجْهِ، مُقَرَّضَ اللّحْيَةِ، وَكُنْتُ دَائِماً أدْخُلُ الْحَمَّامَ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَكُنْتُ دَائِماً أرَاهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَهَذَا الشَّكْل، فَلَمَّا أصْبَحْتُ كُنْتُ مِمَّنْ دَخَلَ عَلَيْهِ، فَرَأيْتُهُ وَقَدِ اشْتَدَّتْ قُوَّتُهُ وَانْتَصَبَتْ قَامَتُهُ، وَطَالَتْ لِحْيَتُهُ، وَاحْمَرَّ وَجْهُهُ، وَعَادَ كَأنَّهُ ابْنُ عِشْرينَ سَنَةً وَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ.
وَلَمَّا شَاعَ هَذَا الْخَبَرُ وَذَاعَ طَلَبَهُ الْحَاكِمُ وَأحْضَرَهُ عِنْدَهُ وَقَدْ كَانَ رَآهُ بِالأمْس عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَهُوَ الآنَ عَلَى ضِدَّهَا كَمَا وَصَفْنَاهُ، وَلَمْ يَرَ بِجِرَاحَاتِهِ أثَراً وَثَنَايَاهُ قَدْ عَادَتْ، فَدَاخَلَ الْحَاكِمَ فِي ذَلِكَ رُعْبٌ عَظِيمٌ، وَكَانَ يَجْلِسُ فِي مَقَام الإمَام عليه السلام فِي الْحِلَّةِ، وَيُعْطِي ظَهْرَهُ الْقِبْلَةَ الشَّريفَةَ، فَصَارَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْلِسُ وَيَسْتَقْبِلُهَا، وَعَادَ يَتَلَطَّفُ بِأهْل الْحِلَّةِ، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَيُحْسِنُ إِلَى مُحْسِنِهِمْ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ بَلْ لَمْ يَلْبَثْ فِي ذَلِكَ إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى مَاتَ.
الهوامش:
(*) موسوعة توقيعات الإمام المهدي عليه السلام لمحمد تقي أكبر نژاد
(١) بحار الأنوار ص ٧٠ ج ٥٢ باب ١٨_ ذكر من رآه صلوات الله عليه.