ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فوق الشبهات (٣)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
العقيدة الإلهية تعني أن هناك مضموناً يلتزم به إنسان ويعقد عليه أمره ويدين به لله سبحانه وتعالى ولا يضره أن لا يعتقد به غيره، فهو من يحاسب على عقيدته وهو من يجني ثمارها.
ولكن التشعب الذي حصل في العقائد واختلاطها وصعوبة فرز الصحيح منها عن السقيم جعل طرق الاعتقاد متعددة، فبعض الطرق التي يتبعها الإنسان لكي يعتقد بعقيدة ما، هو أن يثبتها من خلال الأدلة، وهو ما يتبعه كل البشر عندما يعتقدون بعقيدة معينة على اختلاف أديانهم ومذاهبهم.
ثمة طريقة أخرى يمكن إثبات المعتقد بها، ليس من خلال إقامة الأدلة عليه، بل من خلال تجميع القرائن وقول الخصوم بها، فإذا ما قال المنكرون بثبوت حقيقة فهذا يعتبر من بين أقوى الأدلة على ثبوت تلك الحقيقة والمعتقد، وهذه وإن كانت طريقة جدلية إلا أنها من أنفع الطرق في عصرنا الراهن في إثبات المعتقد.
وفي ما يرتبط بولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الذي يعتبر أبرز شاخص في عقيدة الشيعة الإمامية الآن، توجد جملة من الاعترافات لكبار العلماء ممن ينكرون ولادته، وان كانوا يعتقدون بالعقيدة بشكلها العام، على إن أقلام هؤلاء سطرت ما يثبت ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بطريقة أو أخرى أثناء حديثهم عن الوقائع التأريخية التي وقعت أبان تلك الفترة الزمنية.
ومن بين أبرز من أثبت ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو (الذهبي) الذي يعتبر من كبار علماء مدرسة السلفية، واسمه محمد بن احمد بن عثمان بن قايماز الذهبي الذي ولد سنة ٦٧٣، وهو تركماني الأصل من عائلة تعمل في صناعة الذهب ولذلك عرف بالذهبي، والذهبي من تلاميذ ابن تيمية، ويعتبر الذهبي من كبار المؤرخين، ويعتبر تأريخه (تأريخ الإسلام) من أهم المصادر التي تعتمد عليها المدرسة السلفية، فضلاً عن كتابه (سير أعلام النبلاء) وغيره من الكتب التي لا يمكن الاستغناء عنها في إثبات الوقائع التأريخية ومعرفة الرجال.
هذا التركماني (الذهبي) يعترف بشكل واضح بولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) رغم أنه يصنف في عداد ألد أعداء مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وتكفيك نظرات بسيطة في كتبه لتستدل على ذلك.
يقول الذهبي في (سير أعلام النبلاء) الجزء الثالث عشر ص ١١٩: (المنتظر الشريف أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين الشهيد بن الإمام علي بن أبي طالب، العلوي الحسيني خاتمة الاثني عشر سيدا الذين تدعي الإمامية عصمتهم، ومحمدٌ هذا هو الذي يزعمون أنه الخلف الحجة)، ثم ينقل بعد ذلك أقوالاً لمن ينكرون ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كالطبري ويحيى بن صاعد وغيرهم، ونحن لا يهمنا ذلك إنما يهمنا ترجمته له -أي للإمام (عجّل الله فرجه)_ فلو لم يكن حيا وكان خرافة وسراباً لم ترجم له، أيعقل أن يكون كتابه يترجم للأشخاص الخرافيين، إن هذا بعيدٌ جداً.
وفي كتابه (تاريخ الإسلام) جزء ١٩ ص ١١٣، يقول الذهبي: (الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق أبو محمد الهاشمي الحسيني أحد أئمة الشيعة وهو والد منتظر الرافضة ويقال له الحسن العسكري دفن إلى جانب والده، وأما ابنه محمد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجة فولد سنة ثمان وخمسين وقيل سنة ستة وخمسين، وهم يدعون بقاءه في السرداب من أربعمائة وخمسين سنة، عاش بعد أبيه سنتين ثم عدم ولم يعلم كيف مات وأمه أم ولد).
فهذا الذهبي مرة أخرى يعترف في تأريخه (تأريخ الإسلام) أن الإمام الحسن العسكري هو والد محمد الهاشمي والد منتظر الرافضة -على حد قوله-.
بل أن الذهبي هنا يصرح أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ولد سنة ٥٨ بعد المائتين أو ٥٦ بعد المئتين، إلا أنه يقول انه مات بعد سنتين، ولكنه لم يعلم كيف مات.
ونحن هنا نقول إننا في صدد إثبات ولادته، وها هو الذهبي يثبت ولادته، أما موته فنفس الذهبي لا يعلم به وإن كان تكلم عنه، والذي يهمنا هو إثبات أنه ولد، أما هل بقي أم لا، فهذه قضية أخرى ولها أدلتها، ونحن لا نعتمد في إثباتها أو نفيها على قول أمثال الذهبي بل إننا نريد أن نقول إن الذهبي الخصم اللدود للشيعة يعترف بكل صراحة بولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، والغريب هنا أن الذهبي لم يذكره (عجّل الله فرجه) على عادته عندما يتهجم على الشيعة (إن هذا المولود ولد على زعم الرافضة) بل إنه قال ذلك تحقيقاً وأرسل قول ولادته إرسال المسلمات ولم ينسبه إلى طائفة الشيعة وإنهم هم الذين يزعمون ولادته بل قال: ولد سنة كذا أو سنة كذا.
وفي كتاب (العبر في خبر من غبر) يذكر الذهبي في أحداث سنة ٦٥ومائتين حيث يقول (توفي فيها فلان وفلان وفلان إلى أن يقول وتوفي فيها محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أبو القاسم الذي تلقبه الرافضة الخلف الحجة وتلقبه بالمهدي وبالمنتظر وتلقبه بصاحب الزمان وهو خاتمة الاثني عشر، وضلال الرافضة ما عليه مزيد فإنهم يزعمون أنه دخل السرداب الذي بسامراء فاختفى وإلى الآن وكان عمره لما عدم تسعة سنين أو دونها). إنتهى كلامه.
وهو هنا يصرح بوفاته ولا يعقل أن يتوفى شخص غير مولود، إذن فهو لا بد أنه آمن قبل ذلك بولادته، وهذا ما يهمنا، أما وفاته فإن نفس الذهبي يناقض نفسه بنفسه، فهنا في هذا الكتاب يفرض له تسع سنين من العمر بينما في كتابه السابق الذي تحدثنا عنه يفرض له سنتين من العمر،فهذا التناقض في تأريخ الوفاة في كتب الذهبي يكشف عن عدم استقراره بنفسه على سنة وفاة -الإمام عليه السلام-، مما يعني أن وفاته غير مقطوع بها وأن الأخبار التي وصلته عنها غير متثبت منها فلا يطمأن إليها ولا يمكن الأخذ بها بخلاف ولادته، فإنه تراه في كتبه الثلاثة يتثبت منها ويرسلها إرسال المسلمات.
هذا اعترافٌ لعالم من علماء المدرسة السلفية الوهابية، وهو اعترافٌ واضح جلي بولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
ونؤكد ما أكدنا عليه سابقاً أننا في اعتقادنا بإمامة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وولادته لا يهمنا اعتراف الذهبي أو غيره، إنما نعتقد بهذه العقيدة لثبوتها عندنا بالأدلة الواضحة القطعية اليقينية، رفض الذهبي ذلك أم وافقه.
وإنما جئنا بهذا الاعتراف لنبين للخصم أن أدلة إثبات الولادة ليست مختصة بنا،أو تثبت من طرقنا ومصادرنا فقط بل هي عندكم موجودة أيضاً.