ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فوق الشبهات (٥)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
شبهة تعدّد أسماء أمّ الإمام (عجّل الله فرجه):
حيث يذكر البعض خصوصاً من أتباع الوهابي أنّ الاختلاف في أسماء الشخص دليل على أسطوريته وأنّه وهم، وليس بحقيقة، وقد خضت شخصياً مجموعة من الحوارات مع شخصيات علمية وهابية على ما يدّعونه، وكان من ضمن الحوارات أنْ ذكر لي أحدهم أنّ الشيعة لهم ثمان روايات في اسم أمّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وهذا يدلّ على أسطورية المرأة وأنّها خرافة ولا تمتّ للحقيقة بصلة، فمولود من أم خرافية حريٌ أنْ يكون خرافة، هذا نصّ ما قاله في المقال: وقد جمعت لك روايات تعدّد اسمها من عشرات المصادر من كتبكم، ثم قال: الرواية الأولى وتسميها نرجس وقد ذكرها الطوسي في (غيبته) و(جواهر الكلام) و(كشف الغطاء) و(دلائل الإمامة) وغيرها من المصادر.
والثانية تسمّيها صقيل، وقد ذكرها الطوسي في (غيبته) وصاحب (الحدائق النظرة) و(كشف الغطاء) و(شرح أصول الكافي).
والثالثة تسمّيها ريحانة، فقد ذكرها الطوسي في (غيبته) فضلاً عن مصادر أخرى كثيرة.
والرابعة واسمها سوسن وايضا ذكرها الطوسي في (غيبته) فضلاً عن مصادر أخرى كثيرة.
والخامسة حكيمة وقد ذكرها (تاريخ الأئمة) في صفحة ٢٦.
فيما سمّت الرواية السادسة أمّ الإمام بخمط، فقد ذكرها صاحب (مناقب أهل البيت عليهم السلام ) في صفحة ٢٨٩.
وكانت الرواية السابعة تسميها مليكة، وقد ذكرها صاحب (كمال الدين) صفحة ٤١٧.
فيما ذكرت الثامنة أنّها مريم بنت زيد العلوية، حيث ذكر صاحب (الحدائق) و(كشف الغطاء) و(جواهر الكلام) وغيرهم ذلك.
ثم قال لي: كيف يعقل أنْ تؤمنوا بقضية أصلها، ومولدها مختلف فيه وأسماؤها متعدّدة، هل لكم قليل من عقل فتحتكموا إليه.
هذه أصل الشبهة التي عشتها بشكل حيّ، وليس قراءة من كتب مع محاورين ادّعوا أنهم من أهل العلم وهذا هو قولهم.
وهنا أنقل من بعض المؤلفات التي تذكر هذه الشبهة حيث يذكر إحسان إلهي ظهير في (الشيعة والتشيع) ذلك والقفاري في (أصول مذهب الشيعة) أيضاً ذكر ذلك كما ذكره غالب عواجي في (فرق معاصرة) فضلاً عن ابن تيمية في (منهاج السنّة) وغيره من المؤلفين، حيث استدلّوا على تعدّد أسمائها بوهميتها وأنّها خرافة.
هذه هي الشبهة، وقد أفردت لها وقد ذكرتها مطوّلاً لأنها بدأت تتداول على الألسن كثيراً في هذا الزمان من خلال المنتديات.
والإجابة عليها في ضمن نقاط:
النقطة الأولى: إنّ تعدد الأسماء لا يدل على وهمية من تعددت أسماؤه وأنه خرافة، بل على العكس تماماً، إذ إن تعدّد الأسماء تدلّ على أهمية الشخص ومكانته لدى من يعيش في وسطهم، وهي ظاهرة اجتماعية معروفة نتداولها بيننا فالابن يأخذ أسماءً متعدّدة إذا أحبّه النّاس، ومن الطبيعي جدّاً أن كل شخص يريد أن يسمّي هذا الولد المحبوب بالأسماء التي يحبّها، فتتعدّد أسماء الولد أو البنت في العائلة الواحدة، فيسمّيه الجدّ باسم، فيما يسمّيه الأب باسم آخر، وقد يختار له اسماً عندما يكبر ينسجم مع طبيعة عمله أو وضعه الاجتماعي، ولم نجد أحداً من الناس فضلاً عن العلماء يقول إنّ من تعددت أسماؤه فهو شخص وهمي، بل على العكس تماماً نجد أنّ الكثير ممّن يتشدّقون اليوم بالدفاع عن الدين باسم الجهاد المنحرف المزيّف يتّخذون أسماءً متعددة تبعاً للمناطق والمدن التي يقاتلون فيها، والظروف التي يعيشونها، فلم نسمع أنّ أحداً قال: هؤلاء وهم وخرافة.
ولذلك نجد السيّدة نرجس (عليها السلام) اختصّت بأسماء متعدّدة لأنّها عاشت بيئات متعدّدة، فقد عاشت في كنف أبيها وهو مسيحي فسميت بمليكة، وعاشت فترة أخرى وهي تباع في أسواق النخاسة فسميت باسم آخر، ثم انتقلت إلى بيت زوجها فسمّاها باسم ثالث، ولمّا لم يظهر الحمل عليها سمّيت باسم رابع كصقيل، وهكذا، فلِم نقبل أن تتعدّد أسماء أناس بيئتهم واحدة ووسطهم الاجتماعي واحد ولا نرتضيه لأشخاص تعددت بيئاتهم والأوساط الاجتماعية التي عاشوا فيها فضلاً عن ظروفهم القاسية التي أجبرتهم لتغيير أسمائهم، فهل يأبى العقل كما يتهموننا ذلك أو أنّ من الحجى والحكمة والعقل أن نلجأ لذلك.
النقطة الثانية: إنّ بعض هذه الروايات التي ذكرت تعدد أسماءها (عليها السلام) لا يعول عليها لتفرد واحد بنقلها أو شذوذها كرواية مريم بن زيد العلوية مثلاً فإنها رواية شاذة أو رواية خمط أو حكيمة فإنها تفرّد بها تاريخ الأئمة أو مناقب أهل البيت (عليهم السلام) بخلاف ما نقل على لسان الشيخ الطوسي في غيبته وهي أربعة أسماء إحداها نسبة إلى الحمل كصقيل والأخريات أسماء لمكانتها كريحانة فلم يبقى للتعدد مجال وتكون على ذلك الأسماء ثلاثة أو اثنين ولا غضاضة في ذلك بل لا غضاضة في تعدد الأسماء أكثر من ذلك.
النقطة الثالثة: إنّ السيدة نرجس (عليها السلام) كانت تحمل المولود الذي بشّر به الأئمة (عليهم السلام) والذي يكون على يديه خلاص العالم من الظلم، وكانت تعيش في بلاد الظلمة، وكانت تراقب وتتابع من قبل أهل السلطة ونساء القضاء، فمن الطبيعي جداً لمن يعيش في أجواء أمنية متشددة ومشدّدة أن يلجأ إلى أساليب متعدّدة للتخفّي والتخلّص من هذه الأجواء، ومن بين هذه الأساليب تغيير الاسم فلعلها لجأت لذلك أو أُلجئت إليه من قبل الأئمة (عليهم السلام) لتتمكن من المحافظة على نفسها وجنينها.
النقطة الرابعة: إنّنا لو أخذنا بهذه القاعدة وهي أنّ كل شخص تتعدد أسماؤه أكثر من الخمسة أو الثلاثة أو السبعة فإنّه شخص وهميّ، فنسأل هنا سؤالاً موجّهاً إلى من يرتضي هذه القاعدة، وبطبيعة الحال نحن لا نرتضي قاعدة من تتعدّد أسماؤه فإنّه وهميّ، ولا توجد لها إشارة في كتبنا، أو الاعتماد عليها من قبلنا، وهذه مصادر مذهبنا بين أيدي القرّاء.
فإذا كان الوهابية وأمثالهم يريدون أنْ يعتمدوا على هذه القاعدة ويلزموا بها خصومهم فلابدّ أنْ يلتزموا هم أنفسهم بها أوّلاً ليصح منهم عندئذ أنْ يلزموا الآخرين وإنْ كان إلزام الآخر لا مجال له إنْ لم يلتزم القائل هو بها.
فنحن نسأل الوهابية الذين يلقون علينا بهذه القاعدة ويريدون إلزامنا بها، وبما يتفرع عليها من نتائج، ونقول لهم هل تلتزمون أنتم بها أم لا؟
فإنْ قالوا إنّا لا نلتزم بها بطلت القاعدة من الأساس، لأنهم لا يلتزمون بها، ونحن قد سبق وقلنا إنّنا لا نلتزم بها، فقاعدة لا يلتزم بها أحد لا تصح للإلزام.
وإنْ قالوا نحن نلتزم بها ونلزمكم بها، فإنّنا نجيبهم بالتالي:
إنّ أي شخص مهما عظمت مكانته وثبت تعدد أسماؤه، فبمقتضى هذه القاعدة يكون وهماً وخرافة، وسنذكر لهم مثالين على ذلك:
الأول: النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّهم قد أفردوا له في أهم موسوعاتهم الحديثية باباً تحت عنوان (فصل في أسمائه)، فابن قيم الجوزية في كتابه (زاد المعاد) صفحة ٨٥ يذكر الآتي:
فصل في أسمائه (صلى الله عليه [وآله] وسلم) منها محمد، ومنها أحمد، ومنها المتوكل، ومنها الماحي، والحاشر، والعاقب، والمقفي، والفاتح، والأمين، ثم قال ويلحق بهذه أسماء الشاهد والمبشّر والبشير، وذكر في صفحة ٨٦ خبرا قال فيه وقال جبير ابن مطعم سمّى لنا رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم) نفسه أسماء فقال أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، والعاقب الذي ليس بعدي نبي.
وفي موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء التابع للمملكة العربية السعودية في ركن (سماحة المفتي) وجد تحت عنوان فصل في أسمائه (صلى الله عليه [وآله] وسلم) هذا القول: كثرة الأسماء دلالة على عظم المسمّى وأسماءُ النبي دالّة على معانٍ عظيمة ومن أسمائه أحمد ومحمد والمقفي والحاشر والماحي والعاقب.
فهنا في هذا الموقع الرسمي نجد أنّ مفتي السعودية يقول إنّ تعدّد الأسماء تدل على عظم المسمّى فهل هي تدل كذلك مع السيدة نرجس (عليها السلام)؟
وهل الوهابية مازالوا يريدون الالتزام بهذه القاعدة والتي إنْ التزموا بها فستؤدي إلى أنْ يكون النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أسطورة ووهماً -والعياذ بالله على حد زعمهم- لتعدّد أسمائه وكثرتها، فهل يقبلون بذلك؟
الثاني: لا يخفى على أحد أهمية أبي هريرة في مذاهب العامة وخصوصاً عند الوهابية، فهو الذي روى آلاف الروايات ونقلتها أهم الكتب كـ(صحيح البخاري) وغيره وفي (البداية والنهاية) لابن كثير الدمشقي قول في أبي هريرة حيث يقول: وقد اختلف في اسمه في الجاهلية والإسلام واسم أبيه على أقوال متعدّدة منها عبد شمس، وعبد نهم، وعبد غنم، وعبد الرحمن، وغيرها، فيما ينقل (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) في كتاب (الإيمان) باب أمور الإيمان صفحة ٦٧ هذا القول: وقد اختلف في اسمه (أبي هريرة) اختلافاً كثيراً، قال ابن عبد البر لم يختلف في اسم في الجاهلية والإسلام مثلما اختلف في اسمه، اختلف فيه على عشرين قولاً، وسرد ابن الجوزي في (التنقيح) منها ثمانية عشر، وقال النووي تبلغ أكثر من ثلاثين قولاً.
هذان اختلافان، الأول في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعدّد أسمائه، وهي كثيرة كما رأيت، والثاني في أبي هريرة صاحب الرقم الأصعب في الروايات لدى مذهب العامة، وقد رأيت أنّهم اختلفوا فيه على ثلاثين قولاً، فهل يا ترى سيلتزم الوهابية بهذه القاعدة أو أنّها إنّما وجدت لتلقى على الشيعة كقضية السرداب والغيبة وطول العمر، التي أثبتنا أنّها تهم إنّما ألقيت على مذهب الشيعة للتخلّص منها لأنّ أصولها وجذورها عندهم.