المواجهة الحتمية في حياة المنتظِر
الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
هناك قوتان تتجاذبان الإنسان في كدحه في الحياة، هما:
١- المبادئ، وهي تلك القوة التي تدعوه نحو إحكام الروابط مع الدين، وعدم تجاوزها، وهذه المبادئ عبر عنها القرآن بأنها فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولذا نقل أحد علماء الآثار أنه من المستحيل أن نجد مدينة أثرية بلا معبد، وإن أمكن أن توجد مدينة بلا أسوار أو بلا ساحة قتال...
٢- المصالح، فالإنسان دوماً يسعى لأن يكون متمولاً ومتسلطاً، وذا كلمة مسموعة ورأي نافذ.
والملاحظة المهمة هنا، هي أن كلاً من المبادئ والمصالح أمور غير متناهية، فالمبدأ يقول (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)، والمصلحة قال عنها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): لو كان لابن آدم واد من مال لابتغى إليه ثانياً، ولو كان له واديان لابتغى إليهما ثالثاً...
وهذا لا يمثل مشكلة في حد ذاته، إنما المشكلة تكمن في أن هذه الحياة بنيت على أساس محدودية الفرص، وهذا ما لا يتلاءم مع عدم تناهي المصالح، وبالتالي سيواجه الإنسان عموماً والمنتظر خصوصاً - مواقف يدور أمرها بين أن يلتزم مبدأه ويضحي بمصلحته، وبالعكس، ليقع في اختبار لا ينجو منه أحد، والأشد في هذا الاختبار أنه لا بد من الاختيار بينهما، بمعنى عدم إمكان جمع المصالح على (لا تناهيها) والمبادئ على (لا تناهيها) أيضاً، فإنه لا بد أن يقع المرء في تعارضهما شاء أم أبى، وهنا يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الانتظار!
من هنا يمكن أن نفهم حديث (القابض على دينه كالقابض على جمرة) – ولو فهماً جزئياً – خصوصاً في زماننا هذا، حيث المصالح تسوّق مغلفة بالمفاسد والخطايا، وحيث أصبحت الأمور الكمالية أهم من الأساسية في حياة البشر، وحيث جواري هارون العباسي دخلت البيوت عنوة، وحيث أصبح الحلم جبناً، والسفه شجاعة، وحيث رأى الكثير من الناس المنكر معروفاً بل وأمروا به، ورأوا المعروف منكراً بل ونهوا عنه....
هنا تتجلى المواجهة على أشدها، فيقف المنتظِر العارف وقفة لا تستقل منه المعاول، ليبدي استعداده لالتزام مبدأه، رافعاَ شعار ﴿مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ مستكيناً لربه ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير﴾ منتظراً وعده ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ ...
هنا يكون المنتظر كالمتشحط بدمه، ويكون كمن جاهد بين يدي الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهنا يدخل السرور على قلب الإمام الصادق (عليه السلام) حينما يقال عنه: هذا من شيعة جعفر، هذا ما أدب به جعفر شيعته! وهنا يكون من الذين عملوا بما يقرب به من محبة أهل البيت (عليهم السلام) وتجنبوا سخطهم، ليكون مرتاح البال في أية لحظة يأتي أمرهم الفجاءة، وحينئذ لا يخسر خسارة من لا تنفعه التوبة، ولا يندم ندامة من لا ينجيه الندم على الحوبة!