الإنسان المؤمن والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الوظيفة والتكليف
مرتضى علي الحلي
إن المتتبع والمتفحص في ما ترك المعصومون (عليهم السلام) لنا من إرث عقدي وديني يجد حلولا شافية وعقلانية مقبولة في صورة التعاطي مع فاصلة الغيبة الكبرى ومحنة خفاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ظاهراً لا واقعاً.
وتلك الحلول هي عبارة عن وظائف وتكاليف تجعل الفرد المؤمن في نقطة الحدث والمسؤولية، وترفده بوعي مميز يمكنه من تغطية وقته بأعمال ترضي الله تعالى وتدخل في صلب موضوعة تعجيل الفرج والظهور للإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
وابرز تلك الوظائف هي:
١- وجوب معرفة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهويته الشخصية والأخلاقية والمنهجية قدوة وإمام زمان للبشرية في زمننا هذا معرفة تشدنا روحياً وسلوكياً لحقيقته الحقة وتمكننا من الاستلهام القيمي من بركة وجوده الشريف.
جاء في الكافي الدعاء (اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني).
فمعرفة إمام الزمان هي أصل ديني عقدي يأتي بعد وجوب معرفة الله تعالى وتوحيده والاعتقاد بنبوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
فيجب على كل إنسان مسلم ومؤمن أن يسلم به إيمانياً وذهنياً.
فإن معرفة إمام الزمان، أي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والاعتقاد به تجعل الإنسان المؤمن في وضع إيماني مستقر ومتزن وثابت من جهة قيام الحجة عليه بوجوده (عجّل الله فرجه) في زمننا هذا.
٢- ضرورة التسليم والانقياد لحقيقة وجوده (عجّل الله فرجه) الواقعية والثبوتية وإن كانت تلك الحقيقة غير محسوسة ولكنها قد تحققت يقينا في عالمنا هذا مذ ولد (عجّل الله فرجه) وغاب الغيبتين الصغرى والكبرى وإلى يوم ظهوره الشريف (عجّل الله فرجه).
لذا فقد أوصى الأئمة المعصومون (عليهم السلام) بضرورة التسليم بهذه الحقيقة الإلهية والمتمثلة بوجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وبصورة الخفاء الظاهري حفظا لشريعة الله الخالدة الإسلام العزيز وقياماً للحجة على البشرية.
جاء في كمال الدين للشيخ الصدوق أنه ورد عن الإمام محمد الجواد أنه قال (عليه السلام): إن الإمام بعدي ابني علي الهادي (عليه السلام) أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي والإمام بعده ابنه الحسن العسكري (عليه السلام) أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت عليه السلام فقلت له (الراوي): يا ابن رسول الله فمن بعد الحسن العسكري (عليه السلام)؟ فبكى (عليه السلام) بكاءً شديداً ثم قال (عليه السلام) أن من بعد الحسن العسكري (عليه السلام) ابنه القائم (عليه السلام) بالحق المنتظر، فقلت (الراوي): يا ابن رسول الله لم سمي القائم؟ قال (عليه السلام): لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت (الراوي): لم سمي المنتظر؟ قال (عليه السلام): لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون ويستهزيء بذكرهها الجاحدون ويكذب به الوقاتون ويهلك فيها المستعجلون وينجو فيها المسلمون.
فلاحظوا تفاصيل الرواية وقراءتها لمستقبل البشرية وصورة تعاطيها مع الغيبة فالبعض ينكرها والآخر يهزأ به، وآخرون مرتابون، والباقون القليلون ثابتون بتوفيق الله (وينجو فيها المسلمون) وهذه مفردة قوية القيمة والمعنى فانه فعلا لا ينجو من الأمر إلا أهله، وهم أهل الإسلام الحقيقي والمؤمنون بتسليم الأمر لله تعالى والصبر عليه توقا لرضاه تعالى.
٣- التعاطف الوجداني والإنساني مع مظلومية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والتي تمثل ظلامة آل محمد (عليهم السلام) كلهم جميعاً ففي التفريق بيننا وبين إمامنا المهدي (عجّل الله فرجه) يتجلى معنى الظلامة التي الحقتها أنظمة وسلوكيات ومناهج المفسدين والظالمين بمنهج الإمام (عجّل الله فرجه) ودفعه عن مرتبته التدبيرية للبشرية ومقام الوجودي الظاهر.
فالطغاة وفي وقته (عجّل الله فرجه) عملوا على الإسهام في ضرورة إخفاء أمر ولادته (عجّل الله فرجه) وبسط نفوذه وتحويل مسار الظهور العلني إلى حركة الخفاء الظاهري وإعلان الغيبة الصغرى ومن بعدها الكبرى اضطرارا ولأجل إدامة بقاء الحجة والمنهج الإلهي في هذه الحياة.
ونقصد بالتعاطف الوجداني هنا هو ما أراده المعصومون لنا من التوجع لفراقه (عجّل الله فرجه) والاغتمام لغيبته كغياب أي عزيز وهو أعز علينا (عجّل الله فرجه).
جاء في الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: نفس المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيح.
فوعي محنة الفراق بيننا وبين إمامنا المهدي (عجّل الله فرجه) والاهتمام بها من جهة طلب الفرج له من الله تعالى ورفع حجاب الغيبة الكبرى عنا بظهوره الشريف (عجّل الله فرجه) يمثل خزينا عباديا لنا (تسبيح) فأي قيمة كهذه؟
٤- انتظار فرجه وظهوره الشريف (عجّل الله فرجه):
جاء في تحف العقول عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: أفضل العبادة الصبر وانتظار الفرج.
والمقصود بالصبر هنا يقينا هو الثبات على إمامته ومقاومة الفساد والظلم ورفض إنكاره لا الركود والخضوع في الحياة، إذ أن الصبر هو فاتحة الفرج والظهور وهذا هو معنى أفضلية العبادة (أفضل العبادة الصبر) والانتظار يتحقق وبحسب الإمكان بإعداد الذات إيمانياً وسلوكياً صالحاً يجعل صاحبه مؤهلاً لتقبل أطروحة التغيير المهدوي القادم وإمكانية المشاركة فيه، هذا إن بقي الإنسان المؤمن حياً إلى يوم ظهوره (عجّل الله فرجه) وأما إذا مات فلا أقل من أنه قد أدى ما عليه من وظيفة دينية حقة بذمته، والانتظار هو إبراء للذمة أمام الله تعالى لأننا مطالبون بالإيمان بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والعمل على الصبر مع غيبته الكبرى.