الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في التصور الإسلامي الواعي
الشيخ مهدي حمد الفتلاوي
لم يطرح الإسلام قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مجرد فكرة خيالية، تبشر بقائد مبهم سيظهر في المستقبل المجهول لإنقاذ البشرية من الظلم والجور، بل طرحها قضية عقائدية، ذات معالم واضحة ثابتة في التصور الإسلامي، حاضرة في ضمير الأُمة ووجدانها، وحاضرة في حياتها السياسية والجهادية، وهي تصارع واقعها الاجتماعي والمنحرف وتسعى للتغير نحو الإسلام، وتواجه رموز الكفر والضلال في معاركها الجهادية مع أعدائها.
كل ذلك من أجل تهيئة الأرضية الإيمانية والرسالية والملائمة لاستقبال قائدها المرتقب، لأنها على موعد مفاجئ لاستقباله والمشاركة في حركته العالمية.
والموعد لاستقبال الثائر العالمي - حينما يكون - فهو غير محدد التاريخ، مما يعني الاستعداد الدائم والتهيؤ المستمر لاستقباله، والمشاركة في حركته الثورية العالمية، لأننا نتوقع ظهوره في كل يوم.
إن فكرة الثائر العالمي المنتقم من أعداء الله، هي بحد ذاتها تحد لعالم مليء بالظلم الجور، زاخر بالفساد والضلال، عالم تحكمه المنافع المادية ويسيطر على مقدّراته الطاغوت وجبروت القوة الظالمة، والامام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) ثورة شاملة على جميع جوانب الحياة المنحرفة التي تسود المعمورة وتسيطر عليها بجبروتها، وتملؤ الأرض ظلماً وجوراً.
ومن الطبيعي أن تبعث هذه الفكرة الغيبية الروح الثورية والمشاعر الجهادية في الوجدان الإسلامي، لأنها تجسد في ضمير المنتظرين الثورة على الظلم الجور، وعلى الكفر والشرك، والرفض المطلق لجميع أشكال الانحراف والتحدي العقائدي لأئمة الكفر والطاغوت مهما تفرعنت قواه وتعملقت سطوته وامتد سلطانه.
وفي الوقت الذي تمثل فيه الفكرة المهدوية، صرخة مدوية بوجه طواغيت الأرض، ورفضاً مطلقاً لكل أشكال الانحراف عن القيم الإلهية، فهي أيضاً دعوة مفتوحة تحث المسلمين على الالتزام الصحيح بالإسلام، عقيدةً وشريعةً، لأن ثورة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ونقمته لا تنطلق من المجتمعات الأوربية، بل تنطلق من داخل المجتمعات الإسلامية، لتبدأ بتصفيتها من المسلمين المنحرفين عن الإسلام ممن لم يفيقوا للتوبة وإصلاح أنفسهم قبل ظهوره (عجّل الله فرجه).
وهكذا نرى أن قضية الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) قد تحوّلت - في التفكير الإسلامي الواعي - إلى عملية انتظار حركية جهادية واعية، تقود المنتظرين لخوض معركة تربوية ذاتية، وهي معركة الجهاد الأكبر مع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، بهدف الانتصار عليهما وتطهير الباطن من عوامل الانحراف التي تمنع المسلم من التشرف برؤيته (عجّل الله فرجه) وتصدّه عن السير على منهاجه والالتحاق بكتائبه الجهادية.
وفي نفس الوقت يدعو الإسلام كل مسلم للدخول في ساحة المواجهة العقائدية والسياسية ضد أعدائه أينما وجدوا، ليشارك في عملية التمهيد لظهور قائده المنتظر (عجّل الله فرجه)، وليكون على أتم الاستعداد لاستقباله وخوض معارك الفتوحات العالمية بقيادته، والمشاركة في تأسيس دولة العدل الربانية في ظل خلافته العالمية.