الإمام (عجّل الله فرجه) ينبغي له الحضور بين يدي الأُمّة
يحيى غالي ياسين
الإمام (عجّل الله فرجه) ينبغي له الحضور بين يدي الأمّة، فكيف تنسجم الغيبة مع الإمامة؟
الإمام يعني القائد، ومهام القائد كلّها تحتاج إلى وجوده مع قواعده، سواء كان ذلك لغرض التوجيه أو لمعرفة حالاتهم واحتياجاتهم وإمكانياتهم ومقدراتهم، وكامل الأرقام والمعلومات الإحصائية التي على أساسها توضع الخطط الخاصة بالقيادة، وترسم خطوات الإدارة، وكذلك تحديد أسلوبها ومنهجها، ويعتمد عليها إصدار القرارات والتوجيهات والإرشادات... الخ. والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو الإمام والقائد الفعلي في هذه العصور وهو غائب، فكيف تتم القيادة؟
والجواب على هذا سيكون بنقاط:
أولاً: الغيبة غير الممكنة للقائد هي ما كانت ضد الحضور، وأمّا غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) فهي ضد الظهور، وبين الغيبتين فارق واضح، فالغيبة الأولى تعني الانقطاع وعدم الاطِّلاع، بينما الغيبة الثانية هي عدم معرفته من قبل قواعده فقط، وأمّا اطِّلاعه ومعرفته ومراعاته لقواعده وتواجده معهم في هذا المكان أو ذلك الزمان، فهو ما أشارت إليه الروايات وأثبتته المقابلات واستشعرته العقول والأرواح من خلال كثير من القرائن والأدلة.
ثانياً: جعل (عجّل الله فرجه) نظاماً حكيماً وسهلاً وعالي المستوى، يعتبر بديلاً عن الأمور التي تحتاج الحضور والظهور معاً بالنسبة للقواعد، وهذا النظام متكوّن بإذنه، وقد رجع الناس إليه بتوجيهه وأمره، وأنه قائم ومحفوظ برعايته ودعائه (عجّل الله فرجه)، وهذا النظام هو مؤسسة المرجعية الدينية التي يقودها الفقهاء الجامعين للشرائط، والذين هم ممن يفتخر بهم المذهب والإسلام والإنسانية، من حيث المستوى العلمي والرقي الروحي والانضباط النفسي، بالإضافة إلى مستويات الورع والتقوى التي يعجز اللسان عن وصفها، والبنان عن رسمها. وبوجود هذا النظام البديل والوكيل للإمام (عجّل الله فرجه) في الأمور التي يمكن توكيل قائد غيره فيها ينتفي وجوب وشرط المباشرة من قبله.
ثالثاً: غياب القائد مشكلة كبيرة بل طامّة كبرى، وهذا الإشكال لا يوجّه إلى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ولا إلى قواعده، بل يجب أنْ يوجّه إلى مسّببي غيبته، علينا أنْ نجعل من هذا الاستفهام والتعجب محرّكاً لنا وواعزاً لهمّتنا لاستعجال ظهوره وبذل الجهد وإفراغ الوسع في سبيل ذلك. فنقول لأولئك، أصحاب الانتظار السلبي، بدلاً من أنْ تلعنوا الظلام حريٌّ بكم أنْ تشعلوا ولو شمعة واحدة!
رابعاً: القيادة بالنسبة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ليست من قبيل القيادة الدنيوية والتي تنتقل مباشرةً من الشخص الذي يعجز عن ممارسة أعماله إلى شخص غيره يستطيع ذلك، وإنّما القيادة هنا هي الإمامة، والإمامة هي عهد إلهي ولباس سماوي غير قابل للنقض إذا عُقِدْ، ولا إلى النَزْعِ إذا لُبِس إلّا بأمر إلهي، وأمّا بالنسبة للمخلوقين فأنّى لهم ذلك، فعندما يضيّق على الأنبياء والأوصياء من ممارسة أعمالهم ومهامهم من قبل الظلمة، سواء كان بالتهجير والتغريب والمطاردة، أو بالحصار أو بالسجن والإقامة الجبرية، كلّ هذا لا ينزع عنهم وظيفتهم الإلهية ولا مناصبهم السماوية. فبعد أنْ دلّتنا البراهين الثابتة والحجج الدامغة على الإسلام عامة ومنهج أهل البيت (عليهم السلام) خاصة، والقضية المهدوية على الوجه الأخص، فهذا لا يُنقض عند عدم تحقيق مبدأ حضور القائد من شروط القيادة.
بوركتم موضوع وبحث راقي
اللهم يطيل بعمر سماحة السيد البدري ويوفقه للمزيد من البحوث الراقية