المنتظرون في زمن الغيبة
الشيخ محمد عبد المنعم الخاقاني
المنتظِر في اللغة هو الذي يتوقع شيئاً ويعد نفسه لهذا التوقع، فإذا كان الإنسان منتظِراً لقدوم شخص، فإنه بمقدار اهتمامه بذلك الشخص المنتظَر والمتوقع قدومه فإنه يعد نفسه.
وبما أننا نؤمن أن الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) هو الإمام المعصوم الذي يكون ولي الأمر نيابة عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في قيادة الأُمة وهدايتها وتعيين مسيرتها، لذا كلما كان المؤمن موجداً لهذا المعنى في نفسه ومختزناً لهذه الأهمية فإنه يعطي لهذا الانتظار إيجابية ومعنى وحركة ونشاطاً.
إن الأدلة الشرعية تثبت ما يجب على جميع الناس ومنهم المؤمنون الذين يعيشون في زمن الغيبة وبالخصوص تلك الروايات التي تؤكد على هذه الواجبات، وهذا الأمر يحولنا من المعنى السلبي إلى المعنى الإيجابي للانتظار، والذي يعني أن الإنسان المؤمن عندما ينتظر قدوم الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) فإنه يجب أن يعد نفسه بالشكل الذي يتلاءم مع ظهور الإمام (عجّل الله فرجه).
ونحن عندما نتأمل في مسألة غيبة الإمام (عجّل الله فرجه) ونتساءل لماذا غاب الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، نعرف أن تقصير الأُمة في القيام بواجباتها وفي الدفاع عن ولي أمرها هو الذي أدى إلى أن يحكم الله سبحانه وتعالى بغيبة الإمام (عجّل الله فرجه) حفاظاً على هذه الروح المقدسة.
فالسبب في مسألة الغيبة هو تقصير الأُمة، وتقصير المسلمين في واجباتهم، لذلك فهذا التقصير كلما استمر فإنه يطيل زمن الغيبة، وإذا كنا ندعو بتعجيل فرج المولى (عجّل الله فرجه) فإنه ينبغي لنا أن نلتفت إلى أنفسنا لنصحح من مسيرتنا لكي نجعل أعمالنا وقيامنا بواجباتنا مطابقة للهدف الذي سوف يظهر من أجله الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) وهو إقامة العدل.
وفي الواقع أن معظم المشاكل التي نعيشها والتي لا يستطيع وضعنا الإسلامي الحالي أن تواجهها الأُمة الإسلامية بكاملها، نجد أن الأساس فيها هو جهل الأُمة وهو إرجاع كل التبعات إلى الآخرين.
ولكن لننظر إلى أنفسنا لنعرف أن سبب المشاكل هو الجهل وهو جهل الأُمة من ناحية بدينها أوّلاً، وجهلها بزمانها، وبأحداث عصرها.
جاء في الكافي رواية يقول فيها المعصوم (عليه السلام): «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس». بمعنى أن الإنسان إذا كان يعيش عصره ويعيش أحداثه ويستطيع أن يحللها فإن الأشياء والأحداث لا تلتبس، ولا تختلط عليه الأمور، ولا تهجم عليه، وسيكون بريئاً منها.
إذن الجهل بالزمان والجهل بالدين عنصران أساسيان يشملهما عنوان الجهل بشكل عام، وهذا الجهل هو الذي يؤدي إلى أن نتقاعس عن واجباتنا وعن تنفيذها.
جاء في بحار الأنوار أن الإمام الصادق (عليه السلام)، يقول: «إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)». وأن الرواية مشهورة بين السنّة والشيعة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «ما أوذي نبي مثلما أوذيت».
إذن المسؤولية مشتركة بين الجميع، الكل مكلف، العالم والجاهل، الجاهل مكلف بأن يرجع إلى العالم ليتعلم، والعالم مكلف بأن يعلم الجاهل وكما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «ومعلم نفسه ومؤدبها خير من معلم الناس ومؤدبهم».
إن كثيراً من النصوص تحث على التمهيد لظهور الإمام الحجة المنتظر (عجّل الله فرجه) وإقامة العدل.
فإن التمهيد يتناسب مع الشيء الممهد له، وعندما ينتظر الناس ظهور الحجة المنتظر (عجّل الله فرجه) فلابد أن يبنوا العدالة بالشكل الميسور لهم.
ولكي يشعر الإنسان بأنه من المنتظرين الحقيقيين يجب عليه أن يفعل ما هو وصفه لكي يشار إليه ويقال عنه هذا من المنتظرين الحقيقيين للإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
جاء في نهج البلاغة في الخطبة (١٩٣) يسأل فيها همّام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يصف المتقين من جملتها يقول الإمام (عليه السلام): «فالمتقون فيها هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب»، فإن الإنسان يعرف من خلال منطقه وهذا المنطق يعتمد على تفكيره، وكلما كان الإنسان صائباً واضحاً في تفكيره منظماً له فإن منطقه سيتناسب مع لون هذا التفكير، (وملبسهم الاقتصاد ومشيهم التواضع، غضوا أبصارهم عما حرّم الله عليهم ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم)، ولنتأمل قليلاً عبارة، (وقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم).
فنفهم أن ذلك لكي تكون الأُمة أُمة حضارية بمعنى الكلمة.
وقد ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «أفضل أعمال أُمتي انتظار الفرج»، وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله». هذا الانتظار ألا يكفي فيه أن يكون الإنسان متسلحاً بالأمل، أي أن يكون هذا الأمل في قلبه وفي أعماقه وفي مشاعره بأن الإمام سوف يظهر في يوم من الأيام ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، أي هل يكفي مجرد الشعور بالأمل أن يجعل الإنسان من المنتظرين للإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
نعم قد تكون الظروف المحيطة بالمؤمنين صعبة وعسيرة وحالكة بحيث تؤدي بالإنسان إلى حالة الضعف ويصل إيمانه إلى اليأس، فأول خطوة يقوم بها هي كسر هذا اليأس ومقابلته بالأمل، والأمل هو أن يعيش الإنسان وهو يعتقد بأن هذا الأمر الذي يعيشه الآن وهو خلاف رغبته وهو خلاف عقيدته وهو خلاف ما نؤمن به، وهذا الظرف قابل للتغيير فينبغي أن يكون هو مساهماً في هذا التغيير، ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.