العقيدة المهدوية وتأثيرها في السياسة الثقافية
الشيخ ميثم السلمان
في زمن خيم عليه الركود والخنوع والاستسلام للواقع القيمي المهزوم والتدني الأخلاقي الملحوظ، وفي زمن سيطرت فيه ثقافة اللهو على قنوات التلقيح الثقافي للشعوب أصبحت الماكنة الحضارية المادية تمتلك مقومات صناعة الشخصية وفق أهدافها وخططها الإستراتيجية، فما عاد الهدف الرأسمالي مقتصراً على الصناعات المادية، بل أصبحت صناعة الشخصية المستهلكة طوعا للمادة الصناعية والثقافية والسياسية هدفاً كبيراً في حد ذاته.
إن الواقع العلمي اليوم على الصعيد الثقافي يعيش هيمنة قطب واحد على قنوات التواصل المعلوماتي والغرس المعرفي والإرساء المعنوي وهذا القطب لا يريد لثقافة تناقض ثقافته وتدخل في تضاد بعض أهدافها أن تسري للشعوب، وتصحح الذهنية الجمعية للشعوب، وتؤثر على مشاعرهم وأحاسيسهم، ولذلك يسعى جاهداً لمواصلة الغارات الثقافية على النظريات المهددة له.
وإن العقيدة المهدوية لهي من أكبر الأخطار التي تهدد هيمنته الثقافية لما تمتلك من مقومات للنهوض بالبشرية وإعادتها عن جادة الاستهلاك اللهوي إلى جادة الإنتاج الأخلاقي.
وإن من أبرز تأثيرات العقيدة المهدوية على السياسة الثقافية للشعوب ما يلي:
١.امتصاص الولاء:
العقيدة المهدوية تؤدي إلى امتصاص كل الولاءات الثانوية، مثل الولاء القبلي والعشائري والعائلي، الجغرافي، المناطقي، القومي والعرقي، اللغوي، والولاء السياسي والفكري. إن العقيدة المهدوية تمتلك القدرة الوجدانية والفكرية والسياسية والعقائدية على امتصاص كل الولاءات الثانوية وتذويبها في ولاء واحد، لدين واحد ومشروع واحد، وقيادة واحدة وهدف واحد. إن هذه القدرة خطر استراتيجي كبير يتهدد المصالح الاستكبارية في الأرض إذ أن الولاء الأممي لرجل واحد ومشروع واحد ودولة واحدة تعني اضمحلال قدرة الأنظمة على قيادة شعوبها على كل المستويات. كما أن الولاءات الثانوية لها الدور الأكبر في إثارة الخلافات على مر التاريخ بين الشعوب، تلك الخلافات التي كان ولايزال المستكبرون يثيرونها في العالم تكون شرارتها الاعتزاز المفرض بالولاء، سواء كان ولاءً لحدود جغرافية ضيقة أو ولاء لعرق وقومية. والعقيدة المهدوية تضع هذه الولاءات الثانوية في مكانها السليم إذ أنها لا تقدم أبداً على الولاء للإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) الذي يعد امتداداً طبيعياً لولاء أهل البيت (عليهم السلام) وولاء الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وولاء الله.
٢. إرساء مراسي الإنتاجية الثقافية:
العقيدة المهدوية تصنع في الإنسان تطلعاً إلى مستقبل جديد، وتولد في القلب حرارة لا تفتر إلا برؤية الصلاح يسود الأرض، وتحفز الهمم للتحرك الميداني للدعوة لدين الله إذ لا يمكن لمن تشرب قلبه بمعاني الأدعية المهدوية أن يعيش حالة الفتور الثقافي والانزواء والانكماش التبليغي. ومن تلك الأدعية المباركة المشهورة (وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك). كيف يمكن لمن يعيش معنى هذه العبارات ويسبق معناها التلفظ بها أن لا يكون منتجاً في ساحات البذل الثقافي والجهاد التبليغي والتضحية الدعوية والمقاومة الباسلة لكل برامج التخريب المعنوية والغزو الثقافي التي تستهدف الأمة. من هنا نقول إن العقيدة المهدوية ترسي في الإنسان مراسي الإنتاج الثقافي والمعرفي لا الاستهلاك الثقافي فقط دون بذل وعطاء وجهاد فالشخصية المهدوية لا يسكن لها بال ولا يهدأ لها خاطر حتى تتحرك في الدعوة إلى الحق وتبليغ كلمة الحق وتعريف البشر بالدين الحق وقيادة الأمم إلى الإمام الحق.
٣. تعزيز التوحيد الثقافي:
الشعوب العالمية كلها تتطلع إلى الأفضل، فالأمم تسعى إلى تحقيق الرفاهية والازدهار، الأمن والأمان، التقدم والتطور، العدل والإنصاف، وهي في ذات الوقت تتطلع لإزالة الظلم والجور، الفساد والسرقة، الجهل والتخلف، التمييز والإرهاب وهذا يدفع الشعوب والأمم للاجتهاد لوضع تصورات ونظريات تحقق لها هذا الهدف المنشود.
إن العقل البشري سيصل حتما إلى قناعة أنه مهما نظر ووضع تصورات لحلول البشرية يبقى قاصراً عن الوصول إلى الحل الكامل فها نحن نرى الشعوب قد أصيبت بإحباط بالرأسمالية بعد إحباطها بالشيوعية قبل سنوات. وهذه الحالة قد تولد كفراً أممياً عارماً بكل الحلول غير المجدية لمشاكلهم مما قد يدفعهم طوعاً للتفاعل مع المشروع المهدوي المخلص ولو من باب التجربة بعد فشل كل مساعيهم للخلاص من مشاكلهم وفشل كل ألوان دولهم.
إن هذه الحالة قد تسهم في توحيد ثقافي في مسار توجه البشر إلى ثقافة واحدة وحلول واحدة ومشروع واحد في دولة واحدة.