المهدي (عجّل الله فرجه) الحقيقة الواضحة والهوية الصريحة
السيد هادي عيسى الحكيم
أخبرنا القرآن الكريم بأن الصالحين هم الذين سيرثون الأرض فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
فالآية تنبئ بتحقيق هذا الوعد، فتغني عن السنة والأخبار، على أن الأخبار والأحاديث في هذا كثيرة وصريحة، وقد أشارت إلى أن هذا الوعد القرآني يتحقق على يد رجل من بيت النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يسمى المهدي، الذي يصلي خلفه المسيح (عليه السلام)، وهو من أولاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ومن نسل فاطمة الزهراء (عليها السلام) ومن أولاد الحسين (عليه السلام) خاصة وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
قالت أم سلمة: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة)، وقد أجتمع على هذا الحديث الخلف والسلف من هذه الأمة على اختلاف مذاهبها، نعم قد اختلفوا في تشخيص الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وفي أنه مولود، أم أنه سيولد، والذي عليه الامامية كافة أنه هو الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام) وأنه ولد ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وأمه أم ولد يقال لها (نرجس)، وكان سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها يحيى (عليه السلام) صبياً، وقد اعترف بذلك الكثير ومنهم ابن حجر حيث ذكره (عجّل الله فرجه) في آخر الفصل الثالث من (صواعقه)، وقد جعل الله هذا الغلام إماماً في حال الطفولة الظاهرة، كما جعل عيسى بن مريم (عليه السلام) في المهد نبيا.
لم يكن النص على هذا الإمام (عجّل الله فرجه) من نبي الهدى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجدّه فقط، بل من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والأئمة (عليهم السلام) كلهم واحداً بعد واحد إلى أبيه الحسن العسكري (عليه السلام)، عند ثقاته وخاصة شيعته، وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل ولادته الشريفة، وكان سلف الشيعة على عهد الإمامين الباقرين الصادقين والكاظمين الجوادين والتقيين (عليهم السلام) النقيين يعلمون بأن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إنما هو الوصي التاسع من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام) وأنه سيغيب غيبة طويلة يمتحن الله بها عباده المؤمنين، وكانوا يعلمون بأن له غيبتين صغرى وكبرى، ولهم على ذلك النصوص المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة، وزادهم (عليهم السلام) بواسطة سفرائه الأربعة (رضي الله عنهم) أهل الورع والزهد.
وقد وافق الشيعة في هذه المسالة جماعة كثيرون من أهل السنة وحسبنا (الأربعون) من أعاظم أعلامهم الذين ذكرهم شيخنا المتتبع البحاثة المولى النوري في كتابه (كشف الأستار) وهم:
١- محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي النصيبي الشافعي في كتابه (مطالب السؤول). ٢- محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي في كتابه (البيان). ٣- الشيخ نور الدين علي بن محمد ابن الصباغ المالكي في كتابه (الفصول المهمة). ٤- شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قرغلي الحنفي سبط ابن الجوزي في آخر كتابه (تذكرة الخواص). ٥- الشيخ محيي الدين بن عربي الطائي الأندلسي في كتابه (الفتوحات). ٦- الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه (اليواقيت). ٧- الشيخ حسن العراقي، ذكره الشرعاني في كتابه (لواقح الأنوار في طبقات الأخيار). ٨- الشيخ علي الخواجه البرسي. ٩- نور الدين عبد الرحمن الدشتي الحنفي شارح كفاية ابن الحاجب في كتابه (شواهد النبوة). ١٠- الحافظ محمد بن محمد المعروف بخواجة بارسا من أعيان الحنفية في كتابه (فصل الخطاب في المحاضرات). ١١- الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس في أربعينه. ١٢- الشيخ عبد الحق الدهلوي المحدث الفقيه في رسالته (مناقب الأئمة من أهل البيت عليهم السلام). ١٣- السيد جمال الدين فضل الله الشيرازي في كتابه (روضة الأحباب). ١٤- الحافظ أحمد بن إبراهيم الطوسي البلاذري المعاصر للإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، روى عن الإمام المهدي أيام غيبته الصغرى كما في كتاب (المسلسلات) المشهور بـ(الفضل المبين). ١٥. حجة الإسلام عبد الله بن أحمد الخشاب في كتابه (تاريخ مواليد الأئمة ووفياتهم). ١٦- شهاب الدين بن عمر الهندي في كتابه (هداية السعداء). ١٧- العلامة المحدث الشيخ المتقي بن حسام الدين في كتابيه (المرقاة في شرح المشكاة والبرهان في علامات مهدي آخر الزمان). ١٨- العلامة الفضل بن روزبهان شارح شمائل الترمذي في كتابه (إبطال الباطل) ردا على نهج الحق للعلامة الحلي. ١٩- الشيخ سليمان بن خواجة القندوزي في كتابه (ينابيع المودة). ٢٠- شيخ الإسلام أحمد الجامي. ٢١- صلاح الدين الهندي في (شرح الدائرة). ٢٢-الشيخ عبد الرحمن البسطامي في كتابه (المعارف).٢٣-المولوي علي اكبر بن أسد الله الهندي في كتابه (المكاشفات). ٢٤- عبد الرحمن شيخ مشائخ الصوفية في كتابه (الانتباه). ٢٥- القطب عبد الرحمن الصوفي في كتابه (مرآة الأسرار). ٢٦- القاضي جواد الساباطي في كتابه (البراهين الساباطية). ٢٧- الشيخ سعد الدين المؤيد المعروف بالشيخ سعد الدين الحموي في كتابه الذي أفرده لأحوال المهدي عليه السلام. ٢٨- الشيخ عامر بن عامر البصري في قصيدته التائية الطويلة المسماة بـ(ذات الأنوار). ٢٩- صدر الدين الونوي في قصيدته الرائية المذكورة في ينابيع المودة. ٣٠- شيخ مشائخ الصوفية جلال الدين الرومي كما يدل عليه بعض أشعاره الفارسية الموجودة في ديوانه. ٣١- الشيخ محمد الشهير بالشيخ عطار في كتابه (مظهر الصفات). ٣٢- شمس الدين التبريزي. ٣٣- السيد نعمة الله الولي. ٣٤- السيد النسيبي. ٣٥. السيد علي بن شهاب الدين الهمداني في كتابه الموسوم بـ(المودة في القربى). ٣٦. الشيخ محمد الصبان في كتابه (إسعاف الراغبين). ٣٧- عبد الله بن محمد المطيري المدني في كتابه (الرياض الزاهرة). ٣٨- شيخ الإسلام أبو المعالي محمد سراج الدين الرفاعي في كتابه الموسوم بـ(صحاح الاخبار). ٣٩- الناصر لدين الله أحد خلفاء بني العباس. ٤٠- بعض المصريين من مشائخ الشيخ إبراهيم القادري الحلبي.
وهذه الكتب لهؤلاء المحققين من علماء أهل السنة الذين خضعوا للحقيقة، وأذعنوا للحق، قد أملته عليهم كثرة الأحاديث المتواترة والصحيحة فأوردوها كما هي، أو أكدوا عليها بأحاديثهم وتعليقاتهم، وهو ردع كاف لكل المشككين والمنكرين لحقيقة الإمام (عجّل الله فرجه) وهويته.
ولا نعدم من يأتي في زماننا هذا من يدعي أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو المسيح ابن مريم (عليه السلام)، أو أنه ظهر منذ فترة وهو النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا ما ادعاه الكاتب المصري أحمد السقا الذي يدعي أنه من المحققين والباحثين، ولا يدري بأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي بشر بظهور الإمام (عجّل الله فرجه) ووعد أمته بخروجه ونشر العدل في زمانه وبسط دين الله في العالم أجمع، وهذا أكبر دليل على أنه المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) هو الذي يعتقد الشيعة بإمامته وينتظرون ظهوره المقدس لينضووا تحت رايته، راية القسط والعدل، راية الحق.