المهدي والزهراء (عليهما السلام) في الكتاب المقدس
ليث جواد الأسدي
أجمعت فرق المسلمين على أن الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) ينحدر من عترة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) أي أن الزهراء (عليها السلام)، تكون أمه (جدته) سواء كان من الفرع الحسني أو الحسيني، فيكون نسب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أشرف الأنساب طراً، فأصله يرجع إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن طريق أمه فاطمة الزهراء وآبائه (عليهم السلام) سلسلة الذهب طاهر من طاهر وصادق من صادق إلى سيد الأوصياء ومثل هكذا نسب لا يوازيه نسب قبله ولا بعده. وعند الرجوع إلى الكتاب المقدس وبالتحديد إلى سفر (رؤيا يوحنا) نجد إشارة واضحة إلى السيدة الزهراء (عليها السلام)، ففي الإصحاح ١٢: ١-٦ (وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا. وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد. وظهرت آية أخرى في السماء. هو ذا تنين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى رؤوسه سبعة تيجان. وذنبه يجر ثلث نجوم السماء فطرحها إلى الأرض. والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت.
فولدت ابناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد. واختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه. والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع معد من الله لكي يعولوها هناك ألفاً ومئتين وستين يوماً) فيبتدئ يوحنا اللاهوتي رؤياه بمشاهدة امرأة في السماء تلبس الشمس وكان القمر تحت قدميها فإذا قلنا إن المرأة هي الزهراء (عليها السلام) فيكون الشمس والقمر أبيها وأمها وهذا أشبه برؤيا يوسف (عليه السلام) حيث يقول القرآن الكريم على لسان يوسف (عليه السلام): ﴿إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لي ساجِدينَ﴾ وكذلك فإن الكتاب المقدس يذكر هذه الحادثة في سفر التكوين ٣٧: ٩-١٠ (ورأى حلما آخر فقصه على إخوته قال (رأيت حلما آخر كأن الشمس ساجدة لي والقمر واحد عشر كوكبا)) وتفسير الآية القرآنية والنص هو أن الشمس والقمر هما أبوا يوسف والأحد عشر كوكباً هم إخوته من أبيه وعند الرجوع إلى النص الأول بعد أن قلنا إن الشمس والقمر هما أبوا تلك المرأة، فالأب هو خير البشر وأفضل الأنبياء والمرسلين، والأم هي أفضل أزواج النبي وأولاهن، وأوّل النساء إيماناً، والمواسية لرسول الله بمالها ونفسها وهي حقا كما قال عنها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما جاء عن أم سلمة زوج النبي (فلما ذكرنا خديجة بكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثم قال: خديجة وأين مثل خديجة، صدقتني حين كذّبني الناس وآزرتني على دين الله وأعانتني عليه بمالها، إنّ الله (عزَّ وجل) أمرني أن أبشّر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب) ولعل الإشارة في النص (والقمر تحت رجليها) هو لعلوّ مقام فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فهي أفضل من أمها خديجة بل هي أفضل نساء العالمين على الإطلاق.
وأما قوله (وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً) فنودّ أن نشير إلى أن هذا العدد وهو (اثنا عشر) قد ورد كثيراً في القرآن الكريم والكتاب المقدس حيث إن وعد الله لنبيه إبراهيم في ولده إسماعيل بأن يكثره وينميه ويجعله أمة عظيمة ويلد اثني عشر رئيساً (إماماً)، وأبناء يعقوب كان عددهم اثني عشر، ونقباء بني إسرائيل الذين اختارهم نبي الله موسى (عليه السلام)، واحداً من كل سبط من أسباط بني يعقوب (إسرائيل) كانوا اثني عشر أيضاً، ورسل المسيح (حواريوه) كانوا اثني عشر، ويخبر الإنجيل بأنهم سيجلسون على اثني عشر كرسياً ليدينوا أسباط بني إسرائيل الاثني عشر، وعموم المسلمين يعتقدون بصحة الحديث المروي عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بكون الأئمة اثني عشر وكلهم من قريش وإن اختلفوا في مصداق هؤلاء الأئمة، إلا أن الأمامية يعتقدون أن الاثني عشر إماماً القرشيين هم عترة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أولهم علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخرهم القائم المهدي (عجّل الله فرج).
وبالرجوع إلى النص نجد أن هؤلاء الاثني عشر كوكباً مرتبطين بتلك المرأة الوالدة لذلك الذكر العتيد الذي يحكم العالم كله بسيفه، وعندما نريد تطبيق معنى الاثني عشر على أي من الموارد السالفة الذكر فنجد أنه لا ينطبق إلاّ على الزهراء (عليها السلام) والأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) الذين يعتقد بإمامتهم الشيعة الإمامية، حيث أن الزهراء (عليها السلام) تكون نقطة الوصل بين مقام الخاتمية والرسالة من جهة ومقام الإمامة التي بشر الله بها إبراهيم (عليه السلام) بأن تكون في صلب ولده إسماعيل (عليه السلام) من جهة أخرى، فالأئمة من بنيها كان لهم ميراث النبوة من جدهم، وميراث الإمامة من أبيهم الذي هو نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ووارثه، والأغرب الأعجب أن مثل هذا المقام السامي للائمة (عليهم السلام) تقوم بعض الفرق من المسلمين بتطبيقه على مثل معاوية ويزيد وعبد الملك وأولاده الأربعة متغاضين عن كل الجرائم والفسوق والمعاصي التي كانوا يرتكبونها نهاراً جهاراً.
أمّا التنين الذي تم ذكره في النص فهو حيوان أسطوري كبير واسمه الحية وهو يمثل الشيطان، والشيطان هو الشر المطلق الذي يحاول أن يضطهد تلك المرأة ويقتل طفلها حين الولادة، أي أن ذاك الشر المطلق يعلم أن الخير المطلق يكمن في المولود الجديد الذي سيدمر ذلك الشر ولذا هو يريد القضاء عليه حال إبصاره للنور وقبل أن تكون له الشوكة والقوة ليحكم العالم كله كما كان يعلم الفرعون بأن ولدا من بني إسرائيل سيولد ويدمر عرشه فعمد إلى قتل كل ولد ذكر يولد لكن الله نجي موسى من مكائد الفرعون بان أخفى حمل أمه ثم تحقق الوعد الإلهي ودمر موسى عرش فرعون وانتصر لدين الله والشيطان أيضا باء بالفشل كما تقول الرؤيا حيث أن المرأة ولدت ذك المولود وكان ذكراً عتيداً مخططاً له أن يخضع العالم كله تحت سلطته ويحكمهم بسيفه ولعظم هذه المهمة الربانية وللحفاظ على القائد المناط به أمر تنفيذ هذه المهمة فإن الله أخذ ذلك المولود إليه بعد أن مكّن المرأة من الهرب من وجه ذلك الشيطان ثم بعد ذلك يسترسل النص ليذكر الحرب التي تقوم بين ميخائيل وملائكته وبين الشيطان وأتباعه، وكيف يسقط الشيطان في نهاية الأمر إلى الأرض.