طريق الاستقامة في العقيدة المهدوية واضح رغم دعوى الغموض
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
رغم وجود أفراد ومسارات منحرفة وخطوط تدعو إلى الانحراف من بداية المسيرة الإسلامية في طريق هداية البشرية جمعاء إلى صراط الله المستقيم إلا أن خط الهداية النير والواضح شق هذه الظلمة وبددها على طول الخط فملاحظة سريعة لمجريات الأحداث سواء ما كان في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو في زمن الأئمة (عليهم السلام) يجد المتتبع أن هناك خطوطاً تخرج لتحرف الأمة عن مسارها بين الفينة والأخرى وهذه الخطوط الانحرافية تتقمص عادة لباس الدين وتتدرع بهدف حماية الدين والحفاظ عليه، ولكن رغم وجود هذه الخطوط التي تدعو للانحراف باسم الدين والتي في بعض الأحيان يكون الأشخاص القائمون عليها والذين يقفون على رأس الهرم فيها ممن لهم قرب من الأئمة (عليهم السلام) في أزمنة سبقت انحرافهم أو ممن لهم حظ من العلم، بل أننا نجد في بعض الأحيان أن هؤلاء الذين يمثلون النموذج الانحرافي هم أصحاب مكانة علمية مرموقة كأحمد ابن هلال العبرتائي أو الشلمغاني أو غيرهم ممن شهدت لهم المسيرة التاريخية بالانحراف حتى مع كونهم أصحاب مرتبة علمية كبيرة، وهذا ليس بمستغرب على من يعيش الأجواء القرآنية التي تعكس لنا صوراً من انحراف أشخاصٍ كانت لديهم آيات الله كما عبر القرآن الكريم عن ابن باعورا بقوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
فان هذا النموذج الانحرافي الذي شهد له القرآن بأنه كان ممن أوتي آيات الله أيام استقامته إلا انه انسلخ من هذه الآيات وكان من الغاوين، وذلك لأنه اتبع هواه فصار مثله كمثل الكلب.
إذن لا يستغرب من أن يكون هناك بعض النماذج العلمية التي انحرفت عن مسار الهداية والاستقامة إلى مسار الانحراف والظلام إلا من لم يكن في الأجواء القرآنية، فمن كان بعيداً عن أجواء القرآن وبعيداً عن أجواء الواقعية التي تعيشها المسيرة الإسلامية في ضمن نطاق إطار الفتنة والابتلاء والامتحان (إشارة إلى وجود سنة إلهية وكونية في الفتنة، وان لم نكن قد اشرنا إليها في طيات البحث مفصلاً إلا انه مما لا ينبغي الشك فيه وجود هذه السنة الكونية) لا يستبعد من أن يكون مثل الزبير ابن العوام الرجل الذي بقي في بيت الزهراء (عليها السلام) يدافع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن استحقاق الإمامة الإلهية لأهل البيت (عليهم السلام) أن يكون منحرفاً في آخر أيام حياته وأن يخرج على أمير المؤمنين (عليه السلام) ويكون محارباً له ويقف في الصف المقابل الذي على حد تعبير بعض الروايات أن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما خرج يقاتل أهل الجمل على التوحيد، ولا يستوحش من يعيش في أجواء القرآن من أن يكون هناك نماذج عاشوا مع أهل البيت (عليهم السلام) وتعلموا على أيديهم إلا أنهم انحرفوا عنهم ولا نريد أن نقف على نماذج أخرى تمثل الشاخص البارز في خط الانحراف في المسيرة الإسلامية (وإن كان حديثنا يتصوره البعض حديثاً عن أفراد لا حديثاً عن ظواهر اجتماعية إذ هؤلاء الأفراد لا يشكلون ظاهرة اجتماعية، إلا إننا نقول أن استقصاء ذلك الذي تم في محله يؤكد على أن هذه الانحرافات التي انعكست في هذا المقال وهي بصفتها الفردية تشكل ظاهرة اجتماعية لان بعض الأفراد كانوا يمثلون جماعات لا أنهم يمثلون أنفسهم فقط، بل وهي وسنة كونية كما دلت على ذلك جملة من روايات الفتنة وآيات الامتحان).
إلا أننا نريد أن نؤكد أنه على الرغم من وجود فئات منحرفة على طول خط الهداية سواء كانت هذه الفئات التي تمثل هذا الخط المنحرف تتشكل بأفراد أو جماعات إلا أن خط الاستقامة وخط الهداية والنور بيّن وواضح، لذلك نجد أن وجدان الإنسان بشكل عام يتجه صوب هذا الطريق المستقيم ويكون طالباً له ويرغب في أن يكون سالكاً ويرغب أن يكون ممن يسلكه إلا أن المنافع والمصالح الآنية التي بتوهمه أنها أهم تدعوه إلى الانحراف والانحياد عن طريق الهداية، هذا ما تؤكده وجدانيات الإنسان بشكل عام، ولنا في قول الله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ شاهد على أن المعتقدات الحقة التي تمثل ركائز طريق الهداية والاستقامة حتى وإن استيقن بها الإنسان إلا أنه في بعض الأحيان يجحد بها ويكون ظالماً لنفسه بسبب هذا الجحود وخروجه عن طريق الهداية إلى طريق الانحراف وأكدت جملة من الروايات التي رويت عن أهل البيت (عليهم السلام) هذا المعنى فمما جاء في كتاب الكافي للشيخ الكليني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إياكم والتنويه أما والله ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم ولتمحصن حتى يقال مات، قتل، هلك، بأي وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه، ولترفع اثنتا عشرة رايةً مشتبهةً، لا يدرى أي من أي، قال: فبكيت ثم قلت: فكيف نصنع؟ قال: فنظر إلى شمس داخلة في الصفة فقال: يا أبا عبد الله ترى هذه الشمس قلت: نعم، فقال: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس).
هذا الحديث الذي يجسد لنا الواقع الذي نعيشه في أيامنا المعاصرة يؤكد على أنه رغم وجود رايات كثيرة مشتبهةً ومتشابه وكل هذه الرايات رايات ضلال وانحراف وتمثل طريق الظلام إلا أن هناك راية واحدة مستقيمة تمثل خط الهداية والوضوح، وهذه الراية في ضمن هذا المعترك والتشابه حالها أبين من الشمس، فكيف مع هذا الوضوح الذي يفوق وضوح الشمس وبيانها يدعى أن أمر أهل البيت (عليهم السلام) أمر خافي وأمر ضبابي وغير واضح المعالم مع أن رواياتهم (عليهم السلام) تؤكد وضوحه بل إنه أوضح من الشمس كما في النص.
إذن رغم وجود خطوط وتيارات وجهات تدعو الى الانحراف على مر الأزمنة إلا أن خط الاستقامة وطريق الهداية طريق الصراط المستقيم طريق واضح بيّن وبيانه أبين من الشمس، لذلك عندما نقول إن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عندما يظهر يكون ظهوره مقروناً بالحجة البالغة والمحجة الواضحة والأدلة الظاهرة محفوفاً بعناية الله سبحانه وتعالى مؤيداً بنصره حتى يكون أمره غير خاف على مؤمن وحتى تكون حجته واضحةً لا يضل معها طالب للحق عن سبيله، فان قولنا هذا لم يأتِ عن فراغ ولم يأتِ لحسابات شخصية، وإنما جاء عن وضوح شكلته جملة من الأدلة التي شكلتها روايات أهل البيت (عليهم السلام) فلا يتصور البعض أننا ندعي دعاوى عارية عن الدليل والصحة، لذلك فمن استعجل في أمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فلا يضلّن إلا نفسه لان الله سبحانه وتعالى لا يعجل بعجلة عباده كما أكدت هذا المعنى نصوص وردت عن أهل البيت (عليهم السلام).
فالنتيجة التي نتوخاها مما تقدم من الحديث أن لا نستكثر ولا نتهيب وجود أشخاص ينحرفون عن مسير الهداية والاستقامة لان هذه سنة قد جرت في الأمم التي سبقتنا بل فيمن هم على ملتنا من أسلافنا الذين سبقونا وقد أكد القرآن الكريم وتبعاً له ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام) أن الكثير من الناس سينقلبون على أعقابهم وسيتبعون سنن المنحرفين إلا من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه، فخط الاستقامة والهداية شاخص واضح بين على طول الخط، وهذا ما يؤكده القرآن الكريم في أن حجة الله سبحانه وتعالى بالغة على عباده وانه تعالى يقطع حجة من يدعي التباس الأمر عليه لأنه كما ذكرنا طريق الهداية والاستقامة والصراط المستقيم طريق واضح بين بل هو أوضح من الشمس.