الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٢٢) مستقبل العالم من وجهة نظر الإسلام
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٢٢) مستقبل العالم من وجهة نظر الإسلام

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: آية الله العظمى الشيخ عبد الله الجوادي الآملي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٣/٠٦/٠١ المشاهدات المشاهدات: ٤١٣٣ التعليقات التعليقات: ٠

مستقبل العالم من وجهة نظر الإسلام

آية الله العظمى الشيخ عبد الله الجوادي الآملي

تبيين وجهة نظر الإسلام تجاه مستقبل العالم يتطلب منا الوقوف عند بعض القواعد الكلية الخاصة بمعرفة العالم في مكتب الإسلام؛ لكي تتضح لنا شفافية رؤية الدين من الحكم العالمي السائد، ورد الأفكار غير الناضجة التي تخلل أوعية الاستكبار العالمي تجاه فكرة نهاية العالم.
أما الأصول والقواعد التي أكد عليها المكتب الإسلامي والتي لها دور كبير في معرفة مستقبل العالم يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
الأولى: أن هناك أهداف شريفة وغاية ربانية نبيلة من وراء خلق العالم، ولا وجود للعبث والبطلان في عمل الخالق كما ورد في قوله تعالى:﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا...﴾.
ولاشك أن الهدف المرجو من كل شي هو الوصول إلى كمال ذلك الشيء، والكمال الوجودي لعالم الخلقة، هو النيل من الدرجات العالية في هذا الكون والابتعاد من النقص والعيب للوصول إلى الكمال النهائي وشاطئ السلامة.
الثانية: عدم الانسجام بين الظلم وعالم الخلقة لوجود التضاد والتنافر بين الاثنين.
إن الظلم كالسَم القاتل لا يتناسب بتاتاً مع الجهاز الهضمي لنظام الخلقة، فأن بثه في المجتمع يؤدي إلى ضياع النظام الحاكم، وبما انه لا يتناسب مع النظام الداخلي السائد في عالم الخلقة، فلا شك انه يتعارض مع الأهداف السامية المرجوة لهذا العالم، ولذا يشكل بنفسه مانع كبير في تحقق أهدافه كما ورد في قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ...﴾، ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ...﴾.
الثالثة: الإنسان كائنُ مفكر وحرُ، ولم يخلق عبثا، أو لإشباع غرائزه وشهوته، وإنما هناك أهداف وأغراض شريفة من وراء ظهوره إلى الوجود؛ لان لا وجود للعبث أو الجزاف في ساحة حريم الباري تعالى كما ورد في قوله تعالى ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾، ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾.
الرابعة: الظلم والتعدّي على حقوق الآخرين، بمثابة النار المشتعلة التي لا تتناسب والكمال الإنساني السامي، وهذين المفردتين – الظلم والتعدي على حقوق الآخرين- هما اللذان يعملان بشكل جدّي على جهل الإنسان بمعرفة الهدف النبيل لعالم الخلقة، هذا الهدف الذي لا يتيسر للإنسان دون الابتعاد عن الظلم الفردي والاجتماعي، المتمثل بالاستبداد، والاستثمار، والاستعمار؛ وهذا الثلاثي المشؤوم يجتمع في مفردة الاستبعاد الذي يرغم الناس على العبودية الفردية.
الخامسة: حياة الإنسان عبارة عن حياة اجتماعية، سواء كان المجتمع يرى بأن الوجود الفردي يختلف عن الوجود الاجتماعي كما يذهب إليه البعض، أو أن المجتمع هو بمثابة تعدد الحيثيات الفردية كما يذهب إليه البعض الآخر؛ وعليه يجب البحث عن صلاح الفرد في الحياة الاجتماعية للمجتمع، لا ننكر وجود أشخاص يعيشون بمنتهى الصفاء والإخلاص في مجتمعات ملوثة، كما أننا لا ننكر وجود أفراد يعملون أبشع الرذائل والجرائم بحق أنفسهم والآخرين في المجتمعات التي يسودها النظام الديني؛ لأن القانون الكلي لا يعتمد على هذه النوادر وإنمّا النظرة الكلية للعالم هي المهمة في طرح القانون الجامع والكلي.
السادسة: إن تأمين الحياة الاجتماعية السليمة رهن بوجود نظام حاكم.
لا شك أن سيادة الحياة الاجتماعية في مجتمع ما بحاجة إلى وجود نظام حكومي عادل؛ لان في حال عدم وجود قانون ودستور واحد، وقائد واحد، وعدم خضوع أفراد هذا المجتمع للقانون والقائد، يؤدي أما إلى استحالة استمرار الحياة الاجتماعية، أو استمرار الحياة لكن دون تحقق الهدف والغاية المطلوبة.
وكما أن تعدد القانون والدستور في المجتمع، يؤدي في النهاية إلى عدم استقرار النظام الحكومي، كذلك تعدد وكثرة القيادات في المجتمع الواحد - وإن كانت الأوامر تصدر من شورى مركزية لهذه القيادات- سوف تمنع من تحقيق نظام اجتماعي مقتدر ومطلوب.
السابعة: حاجة المجتمع إلى قانون وقائد نزيه.
إن تدوين القانون من قبل شخص معين أو مجموعة معينة، سوف لا يضمن حقوق ومصالح جميع أطياف المجتمع؛ وذلك لان كل فرد او مجموعة، أما يعملان لجر النفع لأنفسهم، أو التخبط في معرفة ما ينفع الآخرين وما هو مضر لهم، كما أن القائد الذي يحظى بشعبية كبيرة في مجتمعه، دون التأييد أو التسديد الإلهي، أو لم يكن بطريقة صحيحة وارث للمكتب الإلهي، سوف لن يضمن مصالح جميع فئات مجتمعه؛ بل نجده يتأثر بالتجاذبات الحزبية والفئوية السياسية منها أو الاجتماعية، وينحاز إلى طبقة دون أخرى أو يقدم مصلحة حزبه على مصالح الآخرين، لذلك سوف لن تحلّ هذه المعضلة في المجتمع دون تأمين الركنين الأصليين في المجتمع وهما الركن السياسي والاجتماعي، والأول يتمثل في القانون والحرية، والثاني في وجود قائد نزيه وحر.
الدستور الذي يكتب بأيادي حرة سوف تجده خاليا من الخطأ والتمييز الذي لا محل له، وكأنّه الدستور الإلهي، وفي المقابل القائد الحر هو الإنسان النزيه المتحرر من قيود التحزب والفئوية، وقد تعدى حدود إيصال أو الإلحاق الضرر بالآخرين.
الثامنة: إن عالم الخلقة لم يشهد إلى الآن نظام حكومي مثالي؛ والمجتمعات البشرية لم تحظى بمجتمع مثالي ونزيه؛ يعني لم تتحقق الأهداف السامية لعالم الخلقة إلى الآن، صحيح أن هناك أيادي خيرة وطيبة عملت على تحقيق الأهداف المرجوة لنظام التكوين والخلقة، وفي هذا المجال نجدها قدمت قرابين في تحقيق هذه الأهداف السامية، لكن لم يحصل الهدف النهائي وهو سيادة العدل والقسط في أنحاء العالم، طبعاً العمل الذي بادرت به تلك الأيادي الخيرة يعتبر أرضية مناسبة لتحقق الأهداف النهائية، وسوف يشكر سعيهم ومجهودهم على امتثال الأوامر الملقاة عليهم.
التاسعة: وبحسب الأصول التي ذكرت أعلاه أن الإسلام يبشر بحكومة عادلة تمتد حدودها إلى أقصى العالم لتشمل جميع العالم، يقودها أُناس عظماء متحررين من رذائل الدنيا ومغرياتها، لإنهاء ظلم المستكبرين، وتطهير الطغاة من على وجه العالم؛ وإحقاق الحق ونجاة الفقراء من الواقع المرير الذي هم عليه كما ذكر تعالى في قوله: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿...أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
العاشرة: إن برنامج حكومة الثلة الصالحة، إنّما هو تطهير الأرض من دنس الظلم، ونجاتها من أي نوع تعدّي وطغيان، وإصلاحها لاستقبال القسط والعدل على أحضانها؛ وبما أن أهم عامل في النجاة من سلطة الشيطان وهوى النفس هو بث روح العبودية لله تعالى في الفرد والمجتمع، فقد رسم الدين الإسلامي واجب المصلحين وورثة الأرض في هذه المفردات التي أشارت إليها الآية المباركة في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾.
وعليه يمكن تلخيص ما مر علينا من أصول التي أناطت اللثام عن وجه الرؤية الإلهية لمستقبل العالم في:
التفاؤل بالمستقبل، ومواجهة الظلم، وتهيئة الأرضية المناسبة للسلام العالمي، والاعتقاد بالأهداف التي تسمو إليها البشرية، والتحرر من اليأس والقنوط، والوقوف ضد انتشار الأسلحة النووية غير السلمية وحرب التكنلوجية الهدامة لمبادئ البشرية، وانتظار ظهور المصلح العالمي الحر، وعدم البخل بما نملك من الغالي والنفيس في عصر الغيبة لتوفير أرضية الظهور، والجهاد في سبيل استقرار وترسيخ دعائم حكومة هذا الإنسان الكامل وخلفية الله على أرضه، وتبديل الآلام وآهات الفقراء والمساكين إلى حلاوة وسعادة بعد الاقتصاص من الأغنياء الذين يكنزون الأموال، ورضا خالق العالم والكائنات في سيادة العدل والقسط بين البشرية.
في أمل ذلك اليوم السعيد، اليوم الذي يظفر به الحق والعدل على الظلم والطغيان، عندما ترفرف راية القسط فوق القصور والأكواخ على جميع أنحاء البسيطة!
والحمد للّه رب العالمين.

التقييم التقييم:
  ١ / ٢.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016