دعاء العبرات
بسم الله الرحمن الرحيم
اللّهم إِنّي أَسْأَلُكَ يا راحِمَ الْعَبَراتِ، وَيا كاشِفَ الْكُرُباتِ، أَنْتَ الَّذي تَقْشَعُ سَحابَ الْمِحَنِ وَقَدْ أَمْسَتْ ثِقالاً، وَتَجْلُو ضَبابَ الْإِحَنِ وَقَدْ سَحَبَتْ أَذْيالاً، وَتَجْعَلُ زَرْعَها هَشيماً، وَعِظامَها رَميماً، وَتَرُدُّ الْمَغْلُوبَ غالِباً وَالْمَطْلُوبَ طالِباً.
إِلهي فَكَمْ مِنْ عَبْدٍ ناداكَ أَنّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فَفَتَحْتَ لَهُ مِنْ نَصْرِكَ أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْتَ لَهُ مِنْ عَوْنِكَ عُيُوناً فَالْتَقى ماءُ فَرَجِهِ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْتَهُ مِنْ كِفايَتِكَ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ.
يا رَبِّ إِنّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، يا رَبِّ إِنّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، يا رَبِّ إِنّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَافْتَحْ لي مِنْ نَصْرِكَ أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ، وَفَجِّرْ لي مِنْ عُيُونِكَ لِيَلْتَقِيَ ماءُ فَرَجي عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَاَحْمِلْني يا رَبِّ مِنْ كِفايَتِكَ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ يا مَنْ إِذا وَلَجَ الْعَبْدُ في لَيْلٍ مِنْ حَيْرَتِهِ يَهيمُ، وَلَمْ يَجِدْ صَريخاً يَصْرُخُهُ مِنْ وَلِيٍّ حَميمٍ وَجَدَ يا رَبِّ مِنْ مَعُونَتِكَ صَريخاً مُغيثاً، وَوَلِيّاً يَطْلُبُهُ حَثيثاً يُنْجيهِ مِنْ ضيقِ أَمْرِهِ وَحَرَجِهِ، وَيُظْهِرُ لَهُ الْمُهِمَّ مِنْ أَعْلامِ فَرَجِهِ.
اللّهم فَيا مَنْ قُدْرَتُهُ قاهِرَةٌ، وَآياتُهُ باهِرَةٌ، وَنَقِماتُهُ قاصِمَةٌ، لِكُلِّ جَبَّارٍ دامِغَةٌ، لِكُلِّ كَفُورٍ خَتَّارٍ، صَلِّ يا رَبِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَانْظُرْ إِلَيَّ يا رَبِّ نَظْرَةً مِنْ نَظَراتِكَ رَحيمَةً، تَجْلُ بِها عَنّي ظُلْمَةً واقِفَةً مُقيمَةً، من عاهَةٍ جَفَّتْ مِنْهَا الضُّروُعُ، وَتَلِفَتْ مِنْهُ الزُّرُوعُ، وَاشْتَمَلَ بِها عَلَى الْقُلُوبِ الْيَأْسُ وَجَرَتْ وَسَكَنَتْ بِسَبَبِهَا الْأَنْفاسُ.
اللّهم صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَسْأَلُكَ حِفْظاً لِغَرائِسَ غَرَسَتْها يَدُ الرَّحْمانِ، وَشَرَبَها مِنْ ماءِ الْحَيْوانِ، أَنْ تَكُونَ بِيَدِ الشَّيْطانِ تُحَزُّ، وَبِفأسِهِ تُقْطَعُ وَتُجَزُّ.
إِلهي مَنْ أَوْلى مِنْكَ أَنْ يَكُونَ عَنْ حَريمِكَ دافِعاً، وَمَنْ أَجْدَرُ مِنْكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَنْ حِماكَ حارِساً وَمانِعاً. إِلهي إِنَّ الْأَمْرَ قَدْ هالَ فَهَوِّنْهُ، وَخَشُنَ فَأَلِنْهُ، فَإِنَّ الْقُلُوبَ كاعَتْ فَطَمِّنْها، وَالنُّفُوسَ ارْتاعَتْ فَسَكِنّْها.
إِلهي تَدارَكْ أَقْداماً زَلَّتْ، وَأَفْهاماً في مَهامَةِ الْحِيَرَةِ ضَلَّتْ، أَجْحَفَ الضُرُّ بِالْمَضْرُورِ في داعِيَةِ الْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، فَهَلْ يَحْسُنُ مِنْ فَضْلِكَ أَنْ تَجْعَلَهُ فَريسَةَ الْبَلاءِ وَهُوَ لَكَ راجٍ، أَمْ هَلْ يَجْمُلُ مِنْ عَدْلِكَ أَنْ يَخُوضَ لُجَّةَ النَّقِماتِ وَهُوَ إِلَيْكَ لاجٍ.
مَوْلايَ لَئِنْ كُنْتُ لا أَشُقُّ عَلى نَفْسي فِي التُّقى، وَلا أَبْلُغُ في حَمْلِ أَعْباءِ الطَّاعَةِ مَبْلَغَ الرِّضا، وَلا أَنْتَظِمُ في سِلْكِ قَوْمٍ رَفَضُوا الدُّنْيا، فَهُمْ خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الطَّوى، عُمْشُ الْعُيُونِ مِنَ الْبُكاءِ، بَلْ أَتَيْتُكَ يا رَبِّ بِضَعْفٍ مِنَ الْعَمَلِ، وَظَهْرٍ ثَقيلٍ بِالْخَطَأِ وَالزَّلَلِ، وَنَفْسٍ لِلرَّاحَةِ مُعْتادَةٍ، وَلِدَواعِي التَّسْويفِ مُنْقادَةٍ.
أَما يَكْفيكَ يا رَبِّ وَسيلَةً إِلَيكَ، وَذَريعَةً لَدَيْكَ، أَنَّني لِأَوْلِياءِكَ مُوالٍ وَفي مَحَبَّتِهِمْ مُغالٍ، أَما يَكْفيني أَنْ أَرُوحَ فيهِمْ مَظْلُوماً، أَوْ أَغْدُوَ مَكْظُوماً وَأَقْضِيَ بَعْدَ هُمُومٍ هُمُوماً، وَبَعْدَ وُجُومٍ وُجُوماً.
أَما عِنْدَكَ يا رَبِّ بِهذِهِ حُرْمَةٌ لا تَضيعُ، وَذِمَّةٌ بِأَدْناها يُقْتَنَعُ، فَلَمْ تَمْنَعْني نَصْرُكَ يا رَبِّ وَها أَنَا ذا غَريقٌ وَتَدَعُني بِنارِ عَدُوِّكَ حَريقٌ.
أَتَجْعَلُ أَوْلِياءَكَ لِأَعْداءِكَ طَرائِدَ، وَلِمَكْرِهِمْ مَصائِدَ، وَتُقَلِّدُهُمْ مِنْ خَسْفِهِمْ قَلائِدَ، وَأَنْتَ مالِكُ نُفُوسِهِمْ أَنْ لَوْ قَبَضْتَها جَمَدُوا، وَفي قَبْضَتِكَ مَوادُّ أَنْفاسِهِمْ لَوْ قَطَعْتَها خَمَدُوا، فَما يَمْنَعُكَ يا رَبِّ أنْ تَكُفَّ بَأْسَهُمْ وَتَنْزِعَ عَنْهُمْ مِنْ حِفْظِكَ لِباسَهُمْ، وَتُعْرِيَهُمْ مِنْ سَلامَةٍ بِها في أَرْضِكَ يَفْرَحُونَ، وَفي مَيْدانِ الْبَغْيِ عَلى عِبادِكَ يَمْرَحُونَ.
اللّهم صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَدْرِكْني وَلَمْ يُدْرِكْنِي الْغَرَقُ وَتَدارَكْني وَلَمَّا غَيَّبَ شَمْسِي الشَّفَقَ.
إِلهي كَمْ مِنْ عَبْدِ خائِفٍ إِلْتَجَأَ عَلى سُلْطانٍ فَآبَ عَنْهُ مَحْفُوفاً بِأَمْنٍ وَأَمانٍ، أَفَأَقْصُدُ يا رَبِّ أَعْظَمَ مِنْ سُلْطانِكَ سُلْطاناً، أَمْ أَوْسَعَ مِنْ إِحْسانِكَ إِحْساناً، أَمْ أَكْثَرَ مِنِ اقْتِدارِكَ اقْتِداراً، أمْ أَكْرَمَ مِنِ انْتِصارِكَ انْتِصاراً.
اللّهم أَيْنَ أَيْنَ كِفايَتُكَ الَّتي هِيَ نُصْرَةُ الْمُسْتَغيثينَ مِنَ الْأَنامِ، وَأَيْنَ أَيْنَ عِنايَتُكَ الَّتي هِيَ جُنَّةُ الْمُسْتَهْدَفينَ لِجَوْرِ الْأَيَّامِ إِلَيَّ إِلَيَّ بِها، يا رَبِّ نَجِّني مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمينَ، ﴿إِنّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمينَ﴾(١).
مَوْلايَ تَرى تَحَيُّري في أَمْري، وَتَقَلُّبي في ضُرّي، وَانْطِوايَ عَلى حُرْقَةِ قَلْبي، وَحَرارَةِ صَدْري، فَصَلِّ يا رَبِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَجُدْ لي يا رَبِّ بِما أَنْتَ أَهْلُهُ فَرَجاً وَمَخْرَجاً، يَسِّرْ لي يا رَبِّ نَحْوَ الْبُشْرى مَنْهَجاً وَاجْعَلْ يا رَبِّ مَنْ نَصَبَ لي حِبالاً لِيَصْرَعَني بِها صَريعاً فيما مَكَرَ، وَمَنْ حَفَرَ لي بِئْراً لِيُوقِعَني فيها أَنْ يَقَعَ فيما حَفَرَ.
وَاصْرِفِ اللّهم عَنّي مِنْ شَرِّهِ وَمَكْرِهِ، وَفَسادِهِ وَضُرِّهِ ما تَصْرِفُهُ عَمَّنْ قادَ نَفْسَهُ لِدينِ الدَّيَّانِ، وَمُنادٍ يُنادي لِلْإيمانِ.
إِلهي عَبْدُكَ عَبْدُكَ أَجِبْ دَعْوَتَهُ، وَضَعيفُكَ ضَعيفُكَ فَرِّجْ غَمَّهُ، فَقَدِ انْقَطَعَ كُلُّ حَبْلٍ إِلّا حَبْلُكَ، وَتَقَلَّصَ كُلُّ ظِلٍّ إِلّا ظِلُّكَ.
إِلهي دَعْوَتي هذِهِ إِنْ رَدَدْتَها أَيْنَ تُصادِفُ مَوْضِعَ الْإِجابَةِ، وَمَخيلَتي إِنْ كَذَّبْتَها أَيْنَ تُلاقي مَوْقِعَ الْإِصابَةِ، فَلا تَرُدَّ داعِيَ بابِكَ مَنْ لا يَعْرِفُ غَيْرَهُ باباً وَلا تَمْنَعْ دُونَ جَنابِكَ مَنْ لا يَعْرِفُ سِواهُ جَناباً، وتسجد وتقول:
إِلهي إِنَّ وَجْهاً إِلَيْكَ بِرَغْبَتِهِ تَوَجَّهَ خَليقٌ بِأَنْ تُجيبَهُ، وَإِنَّ جَبيناً لَكَ بِابْتِهالِهِ سَجَدَ حَقيقٌ أَنْ يَبْلُغَ ما قَصَدَ، وَإِنَّ خَدّاً لَدَيْكَ بِمَسْأَلَتِهِ تَعَفَّرَ جَديرٌ بِأَنْ يَفُوزَ بِمُرادِهِ وَيَظْفَرَ، وَها أَنَا ذا يا إِلهي قَدْ تَرى تَعَفُّرَ خَدّي وَابْتِهالي وَاجْتِهادي في مَسْأَلَتِكَ، وَجِدّي فَتَلَقَّ يا رَبِّ رَغَباتي بِرَأْفَتِكَ قَبُولاً وَسَهِّلْ إِلَيَّ طَلِباتي بِعِزَّتِكَ وُصُولاً، وَذَلِّلْ لي قُطُوفَ ثَمَرَةِ إِجابَتِكَ تَذْليلاً.
إِلهي لا رُكْنَ أَشَدُّ مِنْكَ فَآوي إِلى رُكْنٍ شَديدٍ، وَقَدْ آوَيْتُ وَعَوَّلْتُ في قَضاءِ حَوائِجي عَلَيْكَ، وَلا قَوْلَ أَسَدُّ مِنْ دُعائِكَ فَأَسْتَظْهِرَ بِقَوْلٍ سَديدٍ، وَقَدْ دَعَوْتُكَ كَما أَمَرْتَ، فَاسْتَجِبْ لي بِفَضْلِكَ كَما وَعَدْتَ، فَهَلْ بَقِيَ يا رَبِّ إِلّا أَنْ تُجيبَ وَتَرْحَمَ مِنّي الْبُكاءَ وَالنَّحيبَ.
يا مَنْ لا إِلهَ سِواهُ، يا مَنْ يُجيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ، رَبِّ انْصُرْني عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمينَ، وَافْتَحْ لي وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحينَ، وَالْطُفْ بي يا رَبِّ وَبِجَميعِ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمينَ(٢) (٣).
الهوامش:
(١) الأنبياء: ٨٣.
(٢) مهج الدعوات: ٤٠٣، جنّة المأوى: ٢٢٢، الصحيفة المباركة المهدوية.
(٣) الدّعاء المعروف يقرأ في المهمّات وهو مرويّ عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام).
روى المولى السعيد فخر الدين محمّد بن الشيخ الأجلّ جمال الدين، عن والده عن جدّه الفقيه يوسف، عن السيّد الرضيّ المذكور أنّه كان مأخوذاً عند أمير من اُمراء السلطان جرماغون مدّة طويلة، مع شدّة وضيق، فرأى في نومه الخلف الصالح المنتظر صلوات الله عليه، فبكى وقال: يا مولاي، اشفع في خلاصي من هؤلاء الظلمة. فقال عليه السلام: اُدع بدعاء العبرات، فقال: ما دعاء العبرات؟ فقال عليه السلام: إنّه في مصباحك، فقال: يا مولاي ما في مصباحي؟ فقال عليه السلام: اُنظره تجده، فانتبه من منامه وصلّى الصبح، وفتح المصباح، فلقي ورقة مكتوبة فيها هذا الدّعاء بين أوراق الكتاب، فدعا أربعين مرّة.
وكان لهذا الأمير امرأتان، إحداهما عاقلة مدبّرة في اُموره، وهو كثير الاعتماد عليها، فجاء الأمير في نوبتها، فقالت له: أخذت أحداً من أولاد أمير المؤمنين عليّ عليه السلام؟ فقال لها: لِمَ تسألين عن ذلك؟
فقالت: رأيت شخصاً وكأنَّ نور الشمس يتلألأُ من وجهه، فأخذ بحلقي بين أصبعيه، ثمّ قال: أرى بعلك أخذ ولدي، ويضيّق عليه من المطعم والمشرب. فقلت له: يا سيّدي، من أنت؟ قال: أنا عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قولي له: إن لم يخلِّ عنه لأخربنَّ بيته.
فشاع هذا النوم للسلطان فقال: ما أعلم ذلك، وطلب نوّابه، فقال: من عندكم مأخوذ؟ فقالوا: الشيخ العلويّ أمرت بأخذه، فقال: خلّوا سبيله، وأعطوه فرساً يركبها، ودلّوه على الطريق فمضى إلى بيته.