زيارة الإمام علي (عليه السلام) يوم الغدير
بسم الله الرحمن الرحيم
اَلسَّلامُ عَلى مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله خاتَمِ النَّبِيّينَ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلينَ، وَصَفْوَةِ رَبِّ الْعالَمينَ، أَمينِ الله عَلى وَحْيِهِ، وَعَزائِمِ أَمْرِهِ، اَلْخاتِمِ لِما سَبَقَ، وَالْفاتِحِ لِمَا اسْتُقْبِلَ، وَالْمُهَيْمِنِ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ، وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ وَصَلَواتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ، اَلسَّلامُ عَلى أَنْبِياءِ الله وَرُسُلِهِ، وَمَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ، وَعِبادِهِ الصَّالِحينَ.
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أمير المؤمنين، وَسَيِّدَ الْوَصِيّينَ، وَوارِثَ عِلْمِ النَّبِيّينَ، وَوَلِيَّ رَبِّ الْعالَمينَ، وَمَوْلايَ وَمَوْلَى الْمُؤْمِنينَ، وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أمير المؤمنين، يا أَمينَ الله في أَرْضِهِ، وَسَفيرَهُ في خَلْقِهِ، وَحُجَّتَهُ الْبالِغَةَ عَلى عِبادِهِ.
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا دينَ الله الْقَويمَ، وَصِراطَهُ الْمُسْتَقيمَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبَأُ الْعَظيمُ، اَلَّذي هُمْ فيهِ مُخْتَلِفُونَ، وَعَنْهُ يُسْأَلُونَ.
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أمير المؤمنين، آمَنْتَ بِالله وَهُمْ مُشْرِكُونَ، وَصَدَّقْتَ بِالْحَقِّ وَهُمْ مُكَذِّبُونَ، وَجاهَدْتَ وَهُمْ مُحْجِمُونَ(١)، وَعَبَدْتَ الله مُخْلِصاً لَهُ الدّينَ، صابِراً مُحْتَسِباً حَتَّى أَتاكَ الْيَقينُ، أَلا لَعْنَةُ الله عَلىَ الظَّالِمينَ.
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَيِّدَ الْمُسْلِمينَ، وَيَعْسُوبَ الْمُؤْمِنينَ، وَإِمامَ الْمُتَّقينَ، وَقائِدَ الْغُرِّ الْمُحَجَّلينَ، وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ.
أَشْهَدُ أَنَّكَ أَخُو الرَّسُولِ وَوَصِيُّهُ، وَوارِثُ عِلْمِهِ، وَأَمينُهُ عَلى شَرْعِهِ، وَخَليفَتُهُ في اُمَّتِهِ، وَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِالله، وَصَدَّقَ بِما أَنْزَلَ عَلى نَبِيِّهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ عَنِ الله ما أَنْزَلَهُ فيكَ، وَصَدَعَ بِأَمْرِهِ، وَأَوْجَبَ عَلى اُمَّتِهِ فَرْضَ وِلايَتِكَ، وَعَقَدَ عَلَيْهِمُ الْبَيْعَةَ لَكَ، وَجَعَلَكَ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَما جَعَلَهُ الله كَذلِكَ.
ثُمَّ أَشْهَدَ الله تَعالى عَلَيْهِمْ فَقالَ: أَلَسْتُ قَدْ بَلَّغْتُ؟ فَقالُوا: اللّهم بَلى، فَقالَ: اللّهم أَشْهَدُ وَكَفى بِكَ شَهيداً، وَحاكِماً بَيْنَ الْعِبادِ، فَلَعَنَ الله جاحِدِ وِلايَتَكَ بَعْدَ الْإِقْرارِ، وَناكِثِ عَهْدَكَ بَعْدَ الْميثاقِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ أَوْفَيْتَ بِعَهْدِ الله تَعالى وَأَنَّ الله تَعالى مُوفٍ بِعَهْدِهِ لَكَ، ﴿وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتيهِ أَجْراً عَظيماً﴾(٢).
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ أمير المؤمنين الْحَقُّ، اَلَّذي نَطَقَ بِوِلايَتِكَ التَّنْزيلُ، وَأَخَذَ لَكَ الْعَهْدَ عَلَى الْاُمَّةِ بِذلِكَ الرَّسُولُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَعَمَّكَ وَأَخاكَ، اَلَّذينَ تاجَرْتُمُ الله بِنُفُوسِكُمْ، فَأَنْزَلَ الله فيكُمْ ﴿إِنَّ الله اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ في سَبيلِ الله فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْريةِ وَالْإِنْجيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظيمُ * اَلتَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ الله وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنينَ﴾(٣).
أَشْهَدُ يا أمير المؤمنين أَنَّ الشَّاكَّ فيكَ ما آمَنَ بِالرَّسُولِ الْأَمينِ، وَأَنَّ الْعادِلَ بِكَ غَيْرَكَ عادِلٌ(٤) عَنِ الدّينِ الْقَويمِ، اَلَّذِي ارْتَضاهُ لَنا رَبُّ الْعالَمينَ، فَأَكْمَلَهُ بِوِلايَتِكَ يَوْمَ الْغَديرِ.
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِ الْعَزيزِ الرَّحيمِ ﴿وَإِنَّ هذا صِراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِهِ﴾(٥)، ضَلَّ وَالله وَأَضَلَّ مَنِ اتَّبَعَ سِواكَ، وَعَنَدَ عَنِ الْحَقِّ مَنْ عاداكَ.
اللّهم سَمِعْنا لِأَمْرِكَ، وَأَطَعْنا وَاتَّبَعْنا صِراطَكَ الْمُسْتَقيمَ، فَاهْدِنا رَبَّنا، وَلا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ الْهُدى عَنْ طاعَتِكَ، وَاجْعَلْنا مِنَ الشَّاكِرينَ لِأَنْعُمِكَ.
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ لَمْ تَزَلْ لِلْهَوى مُخالِفاً، وَلِلتُّقى مُحالِفاً، وَعَلى كَظْمِ الْغَيْظِ قادِراً، وَعَنِ النَّاسِ عافِياً، وَإِذا عُصِيَ الله ساخِطاً، وَإِذا اُطيعَ الله راضِياً، وَبِما عَهِدَ الله إِلَيْكَ عامِل(٦)، راعِياً مَا اسْتُحْفِظْتَ، حافِظاً مَا اسْتُوْدِعْتَ، مُبَلِّغاً ما حُمِّلْتَ، مُنْتَظِراً ما وُعِدْتَ.
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مَا اتَّقَيْتَ ضارِعاً، وَلا أَمْسَكْتَ عَنْ حَقِّكَ جازِعاً، وَلا أَحْجَمْتَ عَنْ مُجاهِدَةِ عاصيكَ(٧) ناكِلاً، وَلا أَظْهَرْتَ الرِّضا بِخِلافِ ما يُرْضِيَ الله مُداهِناً، وَلا وَهَنْتَ لِما أَصابَكَ في سَبيلِ الله، وَلا ضَعُفْتَ وَلَا اسْتَكَنْتَ عَنْ طَلَبِ حَقِّكَ مُراقِب(٨).
مَعاذَ الله أَنْ تَكُونَ كَذلِكَ، بَلْ إِذْ ظُلِمْتَ فَاحْتَسَبْتَ رَبَّكَ، وَفَوَّضْتَ إِلَيْهِ أَمْرَكَ، وَذَكَّرْتَ فَما ذَكَرُوا، وَوَعَظْتَ فَمَا اتَّعَظُوا، وَخَوَّفْتَهُمُ الله فَما يَخافُو(٩).
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ يا أمير المؤمنين جاهَدْتَ فِي الله حَقَّ جِهادِهِ، حَتَّى دَعاكَ الله إِلى جَوارِهِ، وَقَبَضَكَ إِلَيْهِ بِاخْتِيارِهِ، وَأَلْزَمَ أَعْداءَكَ الْحُجَّةَ بِقَتْلِهِمْ إِيَّاكَ، لِتَكُونَ لَكَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، مَعَ ما لَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبالِغَةِ عَلى جَميعِ خَلْقِهِ.
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أمير المؤمنين عَبَدْتَ الله مُخْلِصاً، وَجاهَدْتَ فِي الله صابِراً، وَجُدْتَ بِنَفْسِكَ صابِراً مُحْتَسِباً، وَعَمِلْتَ بِكِتابِهِ، وَاتَّبَعْتَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ، وَأَقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَأَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، مَا اسْتَطَعْتَ، مُبْتَغِياً مَرْضاةَ ما عِنْدَ الله، راغِباً فيما وَعَدَ الله.
لا تَحْفِلُ بِالنَّوائِبِ، وَلاتَهِنُ عِنْدَ الشَّدائِدِ، وَلا تَحْجِمُ عَنْ مَحارِبِ، أَفِكَ مَنْ نَسَبَ غَيْرَ ذلِكَ، وَافْتَرى باطِلاً عَلَيْكَ، وَأَوْلى لِمَنْ عَنَدَ(١٠) عَنْكَ.
لَقَدْ جاهَدْتَ فِي الله حَقَّ الْجِهادِ، وَصَبَرْتَ عَلَى الْأَذى صَبْرَ احْتِسابٍ، وَأَنْتَ اَوَّلُ مَنْ امَنَ بِالله، وَصَلَّى لَهُ، وَجاهَدَ وَأَبْدى صَفْحَتَهُ في دارِ الشِّرْكِ، وَالْأَرْضُ مَشْحُونَةٌ ضَلالَةً، وَالشَّيْطانُ يُعْبَدُ جَهْرَةً.
وَأَنْتَ الْقائِلُ لا تَزيدُني كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلي عِزَّةً، وَلا تَفَرُّقُهُمْ عَنّي وَحْشَةً، وَلَوْ أَسْلَمَنِي النَّاسُ جَميعاً لَمْ أَكُنْ مُتَضَرِّعاً، إِعْتَصَمْتَ بِالله فَعَزَّزْتَ، وَآثَرْتَ الْآخِرَةَ عَلَى الْاُولى فَزَهَّدْتَ، وَأَيَّدَكَ الله وَهَداكَ، وَأَخْلَصَكَ وَاجْتَباكَ.
فَما تَناقَضَتْ أَفْعالُكَ، وَلَا اخْتَلَفَتْ أَقْوالُكَ، وَلا تَقَلَّبَتْ أَحْوالُكَ، وَلَا ادَّعَيْتَ وَلَا افْتَرَيْتَ عَلَى الله كَذِباً، وَلا شَرِهْتَ إِلَى الْحُطامِ، وَلا دَنَّسَكَ الْآثامُ، وَلَمْ تَزَلْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَيَقينٍ مِنْ أَمْرِكَ، تَهْدي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى صِراطٍ(١١) مُسْتَقيمٍ.
أَشْهَدُ شَهادَةَ حَقٍّ، وَاُقْسِمُ بِالله قَسَمَ صِدْقٍ أَنَّ مُحَمَّداً وَآلِهِ صَلَواتُ الله عَلَيْهِمْ ساداتُ الْخَلْقِ، وَأَنَّكَ مَوْلايَ وَمَوْلَى الْمُؤْمِنينَ، وَأَنَّكَ عَبْدُ الله وَوَلِيُّهُ وَأَخُو الرَّسُولِ، وَوَصِيُّهُ وَوارِثُهُ، وَأَنَّهُ الْقائِلُ لَكَ: وَالَّذي بَعَثَني بِالْحَقِّ ما آمَنَ بي مَنْ كَفَرَ بِكَ، وَلا أَقَرَّ بِالله مَنْ جَحَدَكَ.
وَقَدْ ضَلَّ مَنْ صَدَّ عَنْكَ، وَلَمْ يَهْتَدِ إِلَى الله تَعالى وَلا إِلَيَّ مَنْ لا يُهْدي بِكَ، وَهُوَ قَوْلُ رَبّي عزّ وجلّ: ﴿وَإِنّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى﴾(١٢) إِلى وِلايَتِكَ.
مَوْلايَ فَضْلُكَ لا يَخْفى، وَنُورُكَ لا يُطْفَأُ، وَأَنَّ مَنْ جَحَدَكَ الظَّلُومُ الْأَشْقى، مَوْلايَ أَنْتَ الْحُجَّةُ عَلَى الْعِبادِ، وَالْهادي إِلَى الرَّشادِ، وَالْعُدَّةُ لِلْمَعادِ.
مَوْلايَ لَقَدْ رَفَعَ الله فِي الْاُولى مَنْزِلَتَكَ، وَأَعْلى فِي الْآخِرَةِ دَرَجَتَكَ، وَبَصَّرَكَ ما عَمِيَ عَلى مَنْ خالَفَكَ، وَحالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَواهِبِ الله لَكَ.
فَلَعَنَ الله مُسْتَحِلِّي الْحُرْمَةِ مِنْكَ وَذائِدِ الْحَقِّ عَنْكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُمْ الْأَخْسَرُونَ، الَّذينَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ، وَهُمْ فيها كالِحُونَ.
وَأَشْهَدُ أَنَّكَ ما أَقْدَمْتَ، وَلا أَحْجَمْتَ، وَلا نَطَقْتَ، وَلا أَمْسَكْتَ إِلّا بِأَمْرٍ مِنَ الله وَرَسُولِهِ، قُلْتَ وَالَّذي نَفْسي بِيَدِهِ لَنَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَضْرِبُ قُدَّامَهُ بِسَيْفي(١٣).
فَقالَ: يا عَلِيُّ أَنْتَ عِنْدي بِمَنْزِلَةِ هارُونَ مِنْ مُوسى إِلّا أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدي، وَأَعْلَمَكَ أَنَّ مَوْتَكَ وَحَياتَكَ مَعي وَعَلى سُنَّتي، فَوَالله ما كَذِبْتُ وَلا كُذِّبْتُ، وَلا ضَلَلْتُ وَلا ضَلَّ بي، وَلا نَسيتُ ما عَهِدَ إِلَيِّ رَبّي، وَأَنّي لَعَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبّي، بَيَّنَها لِنَبِيِّهِ، وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ لي، وَأَنّي لَعَلَى الطَّريقِ الْواضِحِ، أَلْفِظْهُ لَفْظاً، صَدَقْتَ وَالله وَقُلْتَ الْحَقَّ.
فَلَعَنَ الله مَنْ ساواكَ بِمَنْ ناواكَ، وَالله جَلَّ ذِكْرُهُ يَقُولُ: ﴿هَلْ يَسْتَوِى الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمُونَ﴾(١٤)، وَلَعَنَ الله مَنْ عَدَلَ بِكَ مَنْ فَرَضَ الله عَلَيْهِ وِلايَتَكَ.
وَأَنْتَ وَلِيُّ الله وَأَخُو رَسُولِهِ، وَالذَّابُّ عَنْ دينِهِ، وَالَّذي نَطَقَ الْقُرْآنُ بِتَفْضيلِهِ، قالَ الله تَعالى: ﴿وَفَضَّلَ الله الْمُجاهِدينَ عَلَى الْقاعِدينَ أَجْراً عَظيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ الله غَفُوراً رَحيماً﴾(١٥).
وَقالَ الله تَعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْاخِرِ وَجاهَدَ في سَبيلِ الله لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ الله وَالله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ * الَّذينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا في سَبيلِ الله بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ الله وَاُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فيها نَعيمٌ مُقيمٌ * خالِدينَ فيها أَبَداً إِنَّ الله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظيمٌ﴾(١٦).
أَشْهَدُ أَنَّكَ الْمَخْصُوصُ بِمِدْحَةِ الله، اَلْمُخْلِصُ لِطاعَةِ الله، لَمْ تَبْغِ بِالْهُدى بَدَلاً، وَلَمْ تُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّكَ أَحَداً، وَأَنَّ الله تَعالَى اسْتَجابَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ فيكَ دَعْوَتَهُ.
ثُمَّ أَمْرَهُ بِإِظْهارِ ما أَوْلاكَ لِاُمَّتِهِ، إِعْلاءً لِشَأْنِكَ، وَإِعْلاناً لِبُرْهانِكَ، وَدَحْضاً لِلْأَباطيلِ، وَقَطْعاً لِلْمَعاذيرِ، فَلَمَّا أَشْفَقَ مِنْ فِتْنَةِ الْفاسِقينَ، وَاتَّقى فيكَ الْمُنافِقينَ، أَوْحَى الله رَبُّ الْعالَمينَ: ﴿يا أَيَّهُا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما اُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾(١٧).
فَوَضَعَ عَلى نَفْسِهِ أَوْزارَ الْمَسيرِ، وَنَهَضَ في رَمْضاءِ الْهَجيرِ، فَخَطَبَ فَأَسْمَعَ، وَنادى فَأَبْلَغَ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ أَجْمَعَ، فَقالَ: هَلْ بَلَّغْتُ؟ فَقالُوا: اللّهم بَلى، فَقالَ: اللّهم اشْهَدْ، ثُمَّ قالَ: أَلَسْتُ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ فَقالُوا: بَلى، فَأَخَذَ بِيَدِكَ، وَقالَ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَوْلاهُ، اللّهم والِ مَنْ والاهُ، وَعادِ مَنْ عاداهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ.
فَما آمَنَ بِما أَنْزَلَ الله فيكَ عَلى نَبِيِّهِ إِلّا قَليلٌ، وَلا زادَ أَكْثَرُهُمْ إِلّا تَخْسيراً، وَلَقَدْ أَنْزَلَ الله تَعالى فيكَ مِنْ قَبْلُ وَهُمْ كارِهُونَ: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِيَ الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكافِرينَ يُجاهِدُونَ في سَبيلِ الله وَلا يَخافُونَ لَوْمَةُ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتيهِ مَنْ يَشاءُ وَالله واسِعٌ عَليمٌ﴾(١٨).
﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغالِبُونَ﴾(١٩).
رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدينَ، رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.
اللّهم إِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ هذا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ، فَالْعَنْ مَنْ عارَضَهُ وَاسْتَكْبَرَ وَكَذَّبَ بِهِ وَكَفَرَ، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾(٢٠).
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا أمير المؤمنين، وَسَيِّدَ الْوَصِيّينَ، وَأَوَّلَ الْعابِدينَ، وَأَزْهَدَ الزَّاهِدينَ، وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ وَصَلَواتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ.
أَنْتَ مُطْعِمُ الطَّعامِ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَيَتيماً وَأَسيراً لِوَجْهِ الله، لا تُريدُ مِنْهُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً، وَفيكَ أَنْزَلَ الله تَعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَاُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(٢١).
وَأَنْتَ الْكاظِمُ لِلْغَيْظِ، وَالْعافي عَنِ النَّاسِ، وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ، وَأَنْتَ الصَّابِرُ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحينَ الْبَأْسِ، وَأَنْتَ الْقاسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَالْعادِلُ فِي الرَّعِيَّةِ، وَالْعالِمُ بِحُدُودِ الله مِنْ جَميعِ الْبَرِيَّةِ.
وَالله تَعالى أَخْبَرَ عَمَّا أَوْلاكَ مِنْ فَضْلِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُنَ * أَمَّا الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً لِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾(٢٢).
وَأَنْتَ الْمَخْصُوصُ بِعِلْمِ التَّنْزيلِ وَحُكْمِ التَّأْويلِ، وَنَصْرِ الرَّسُولِ، وَلَكَ الْمَواقِفُ الْمَشْهُورَةُ، وَالْمَقاماتُ الْمَشْهُورَةُ وَالْأَيَّامُ الْمَذْكُورَةُ، يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ الْأَحْزابِ، ﴿إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُوناً * هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَديداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُوراً * وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَريقٌ مِنْهُمُ النَّبِيُّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِي بِعَوْرَةٍ إِنْ يُريدُونَ إِلّا فِراراً﴾(٢٣).
وَقالَ الله تَعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلّا إيماناً وَتَسْليماً﴾(٢٤).
فَقَتَلْتَ عَمْرَوهُمْ وَهَزَمْتَ جَمْعَهُمْ ﴿وَرَدَّ الله الَّذينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى الله الْمُؤْمِنينَ الْقِتالَ وَكانَ الله قَوِيّاً عَزيزاً﴾(٢٥).
وَيَوْمَ أُحُدٍ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوهُمْ في اُخْراهُمْ، وَأَنْتَ تَذُودُ بِهِمُ الْمُشْرِكينَ عَنِ النَّبِيِّ ذاتِ الْيَمينِ وَذاتِ الشِّمالِ، حَتَّى صَرَفَهُما عَنْكُمُ الْخائِفينَ، وَنَصَرَ بِكَ الْخاذِلينَ.
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَلى ما نَطَقَ بِهِ التَّنْزيلُ: ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ الله سَكينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنينَ﴾(٢٦).
وَالْمُؤْمِنُونَ أَنْتَ وَمَنْ يَليكَ، وَعَمُّكَ الْعَبَّاسُ يُنادِي الْمُنْهَزِمينَ: يا أَصْحابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، يا أَهْلَ بَيْعَةِ الشَّجَرَةِ، حَتَّى اسْتَجابَ لَهُ قَوْمٌ قَدْ كَفَيْتَهُمْ الْمَؤُونَةَ، وَتَكَفَّلْتَ دُونَهُمُ الْمَعُونَةَ.
فَعادُوا آيِسينَ مِنَ الْمَثُوبَةِ، راجينَ وَعْدَ الله تَعالى بِالتَّوْبَةِ، وَذلِكَ قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، ﴿ثُمَّ يَتُوبُ الله مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ﴾(٢٧)، وَأَنْتَ حائِزُ دَرَجَةَ الصَّبْرِ، فائِزٌ بِعَظيمِ الْأَجْرِ.
وَيَوْمَ خَيْبَرٍ إِذْ أَظْهَرَ الله خَوْرَ الْمُنافِقينَ، وَقَطَعَ دابِرَ الْكافِرينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ، ﴿وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا الله مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ الله مَسْئُولاً﴾(٢٨).
مَوْلايَ أَنْتَ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ، وَالْمَحَجَّةُ الْواضِحَةُ، وَالنِّعْمَةُ السَّابِغَةُ، وَالْبُرْهانُ الْمُنيرُ، فَهَنيئاً لَكَ ما أَتاكَ الله مِنْ فَضْلٍ، وَتَبَّاً لِشانِئِكَ ذِي الْجَهْلِ.
شَهِدْتَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ جَميعَ حُرُوبِهِ وَمَغازيهِ، تَحْمِلُ الرَّايَةَ أَمامَهُ، وَتَضْرِبُ بِالسَّيْفِ قُدَّامَهُ، ثُمَّ لِحَزْمِكَ الْمَشْهُورِ، وَبَصيرَتِكَ بِما فِي الْأُمُورِ، أَمَّرَكَ فِي الْمَواطِنِ، وَلَمْ يَكُ عَلَيْكَ أَميرٌ، وَكَمْ مِنْ أَمْرٍ صَدَّكَ عَنْ إِمْضاءِ عَزْمِكَ فيهِ التُّقى، وَاتَّبَعَ غَيْرُكَ في نَيْلَةِ الْهَوى، فَظَنَّ الْجاهِلُونَ أَنَّكَ عَجَزْتَ عَمَّا إِلَيْهِ إِنْتَهى، ضَلَّ وَالله الظَّانُّ لِذلِكَ وَمَا اهْتَدى.
وَلَقَدْ أَوْضَحْتَ ما أَشْكَلَ مِنْ ذلِكَ لِمَنْ تَوَهَّمَ وَامْتَرى بِقَوْلِكَ صَلَّى الله عَلَيْكَ: قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحيلَةِ، وَدُونَها حاجِزٌ مِنْ تَقْوَى الله، فَيَدَعُها رَأْيَ الْعَيْنِ، وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَها مَنْ لا جَريحَةَ لَهُ فِي الدّينِ، صَدَقْتَ وَخَسِرَ الْمُبْطِلُونَ.
وَإِذْ ماكَرَكَ النَّاكِثانِ فَقالا: نُريدُ الْعُمْرَةَ، فَقُلْتَ لَهُما: لَعَمْري لَما تُريدانِ الْعُمْرَةَ لكِنِ الْغَدْرَةَ، وَأَخَذْتَ الْبَيْعَةَ عَلَيْهِما، وَجَدَّدْتَ الْميثاقَ فَجَدَّا فِي النِّفاقِ، فَلَمَّا نَبَّهْتَهُما عَلى فِعْلِهِما أَغْفَلا وَعادا، وَمَا انْتَفَعا، وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِهِما خُسْراً.
ثُمَّ تَلاهُما أَهْلُ الشَّامِ فَسِرْتَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْأَعْذارِ، وَهُمْ لا يَدينُونَ دينَ الْحَقِّ وَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، هِمَجٌ رِعاعٌ ضالُّونَ، وَبِالَّذي اُنْزِلَ عَلى مُحَمَّدٍ فيكَ كافِرُونَ، وَلِأَهْلِ الْخِلافِ عَلَيْكَ ناصِرُونَ.
وَقَدْ أَمَرَ الله تَعالى بِاتِّباعِكِ وَنَدَبَ إِلى نَصْرِكَ، قالَ الله تَعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ﴾(٢٩).
مَوْلايَ بِكَ ظَهَرَ الْحَقُّ، وَقَدْ نَبَذَهُ الْخَلْقُ، وَأَوْضَحْتَ السُّنَنَ بَعْدَ الدُّرُوسِ وَالطَّمَسِ، وَلَكَ سابِقَةُ الْجِهادِ عَلى تَصْديقِ التَّنْزيلِ، وَلَكَ فَضيلَةُ الْجَهادِ عَلى تَحْقيقِ التَّأْويلِ، وَعَدُوُّكَ عَدُوُّ الله، جاحِدٌ لِرَسُولِ الله، يَدْعُو باطِلاً، وَيَحْكُمُ جائِراً، وَيَتَأَمَّرُ غاصِباً، وَيَدْعُو حِزْبَهُ إِلَى النَّارِ.
وَعَمَّارٌ يُجاهِدُ وَيُنادي بَيْنَ الصَّفَّيْنِ: اَلرَّواحَ الرَّواحَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَمَّا اسْتَسْقى، فَسُقِيَ اللَّبَنَ كَبَّرَ وَقالَ: قالَ لي رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ: آخَرُ شَرابِكَ مِنَ الدُّنْيا ضَياحٌ مِنْ لَبَنٍ وَتَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْباغِيَةُ، فَاعْتَرَضَهُ أَبُو الْعادِيَةِ الْفَزاري فَقَتَلَهُ.
فَعَلى أَبِي الْعادِيَةِ لَعْنَةُ الله وَلَعْنَةُ مَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ أَجْمَعينَ، وَعَلى مَنْ سَلَّ سَيْفَهُ عَلَيْكَ وَسَلَلْتَ عَلَيْهِ سَيْفَكَ يا أمير المؤمنين مِنَ الْمُشْرِكينَ وَالْمُنافِقينَ إِلى يَوْمِ الدّينِ، وَعَلى مَنْ رَضِيَ بِما ساءَكَ وَلَمْ يَكْرَهْهُ، وَأَغْمَضَ عَيْنَهُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، أَوْ أَعانَ عَلَيْكَ بِيَدٍ أَوْ لِسانٍ، أَوْ قَعَدَ عَنْ نَصْرِكَ، أَوْ خَذَلَ عَنِ الْجَهادِ مَعَكَ، أَوْ غَمِطَ فَضْلَكَ، أَوْ جَحَدَ حَقَّكَ، أَوْ عَدَلَ بِكَ مَنْ جَعَلَكَ الله أَوْلى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَصَلَواتُ الله عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ وَسَلامُهُ وَتَحِيَّاتُهُ، وَعَلَى الْأَئِمَّةِ مِنْ آلِكَ الطَّاهِرينَ، إِنَّهُ حَميدٌ مَجيدٌ.
وَالْأَمْرُ الْأَعْجَبُ وَالْخَطْبُ الْأَفْظَعُ بَعْدَ جَحْدِكَ حَقَّكَ، غَصْبُ الصِّدّيقَةِ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ النِّساءِ فَدَكاً، وَرَدُّ شَهادَتِكَ وَشَهادَةِ السَّيِّدَيْنِ سُلالَتِكَ وَعِتْرَةِ أَخيكَ الْمُصْطَفى صَلَواتُ الله عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْلَى الله تَعالى عَلَى الْاُمَّةِ دَرَجَتَكُمْ، وَرَفَعَ مَنْزِلَتَكُمْ، وَأَبانَ فَضْلَكُمْ، وَشَرَّفَكُمْ عَلَى الْعالَمينَ، فَأَذْهَبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَكُمْ تَطهيراً، قالَ الله جَلَّ وَعَزَّ: ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلّينَ﴾(٣٠).
فَاسْتَثْنَى الله تَعالى نَبِيَّهُ الْمُصْطَفى وَأَنْتَ يا سَيِّدَ الْأَوْصِياءِ مِنْ جَميعِ الْخَلْقِ، فَما أَعْمَهَ مَنْ ظَلَمَكَ عَنِ الْحَقِّ، ثُمَّ أَفْرَضُوكَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبى مَكْراً، أَوْ حادُوهُ عَنْ أَهْلِهِ جَوْراً.
فَلَمَّا آلَ الْأَمْرُ إِلَيْكَ أَجْرَيْتَهُمْ عَلى ما أَجْرَيا رَغْبَةً عَنْهُما بِما عِنْدَ الله لَكَ، فَأَشْبَهَتْ مِحْنَتُكَ بِهِما مِحَنَ الْأَنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ عِنْدَ الْوَحْدَةِ وَعَدَمِ الْأَنْصارِ، وَأَشْبَهْتَ فِي الْبَياتِ عَلَى الْفَراشِ الذَّبيحَ عَلَيْهِ السَّلامُ، إِذْ أَجَبْتَ كَما أَجابَ، وَأَطَعْتَ كَما أَطاعَ إِسْماعيلَ صابِراً مُحْتَسِباً، إِذْ قالَ لَهُ: ﴿يا بُنَيَّ إِنّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُني إِنْ شاءَ الله مِنَ الصَّابِرينَ﴾(٣١).
وَكَذلِكَ أَنْتَ لَمَّا أَباتَكَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْكُما، وَأَمَرَكَ أَنْ تَضْطَجِعَ في مَرْقَدِهِ، واقِياً لَهُ بِنَفْسِكَ، أَسْرَعْتَ إِلى إِجابَتِهِ مُطيعاً، وَلِنَفْسِكَ عَلَى الْقَتْلِ مُوَطِّناً، فَشَكَرَ الله تَعالى طاعَتَكَ، وَأَبانَ عَنْ جَميلِ فِعْلِكَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ الله﴾(٣٢).
ثُمَّ مِحْنَتُكَ يَوْمَ صِفَّيْنِ، وَقَدْ رُفِعَتِ الْمَصاحِفُ حيلَةً وَمَكْراً، فَأَعْرَضَ الشَّكُّ، وَعُرِفَ الْحَقُّ، وَاتُّبِعَ الظَّنُّ، أَشْبَهَتْ مِحْنَةَ هارُونَ إِذْ أَمَّرَهُ مُوسى عَلى قَوْمِهِ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَهارُونُ يُناديهِمْ: ﴿يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمانُ فَاتَّبَعُوني وَأَطيعُوا أَمْري * قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى﴾(٣٣).
وَكَذلِكَ أَنْتَ لَمَّا رُفِعَتِ الْمَصاحِفُ قُلْتَ: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِها وَخَدَعْتُمْ، فَعَصَوْكَ وَخَالَفُوا عَلَيْكَ، وَاسْتَدْعَوْا نَصْبَ الْحَكَمَيْنِ، فَأَبَيْتَ عَلَيْهِمْ، وَتَبَرَّأْتَ إِلَى الله مِنْ فِعْلِهِمْ وَفَوَّضْتَهُ إِلَيْهِمْ.
فَلَمَّا أَسْفَرَ الْحَقُّ وَسَفِهَ الْمُنْكَرُ، وَاعْتَرَفُوا بِالزَّلَلِ وَالْجَوْرِ عَنِ الْقَصْدِ وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلْزَمُوكَ عَلى سَفَهِ التَّحْكيمِ الَّذي أَبَيْتَهُ، وَأَحَبُّوهُ وَحَظَرْتَهُ، وَأَباحُوا ذَنْبَهُمُ الَّذِي اقْتَرَفُوهُ.
وَأَنْتَ عَلى نِهَجِ بَصيرَةٍ وَهُدًى، وَهُمْ عَلى سُنَنِ ضَلالَةٍ وَعَمًى، فَما زالُوا عَلَى النِّفاقِ مُصِرّينَ، وَفِي الْغَيِّ مُتَرَدِّدينَ، حَتَّى أَذاقَهُمُ الله وَبالَ أَمْرِهِمْ، فَأَماتَ بِسَيْفِكَ مَنْ عانَدَكَ، فَشَقِيَ وَهَوى، وَأَحْيا بِحُجَّتِكَ مَنْ سَعِدَ فَهَدى، صَلَواتُ الله عَلَيْكَ غادِيَةً وَرائِحَةً، وَعاكِفَةً وَذاهِبَةً، فَما يُحيطُ الْمادِحُ وَصْفَكَ، وَلا يُحْبِطُ الطَّاعِنُ فَضْلَكَ.
أَنْتَ أَحْسَنُ الْخَلْقِ عِبادِهِ، وَأَخْلَصُهُمْ زَهادَةً، وَأَذَبَّهُمْ عَنِ الدّينِ، أَقَمْتَ حُدُودَ الله بِجُهْدِكَ، وَفَلَلْتَ عَساكِرَ الْمارِقينَ بِسَيْفِكَ، تُخْمِدُ لَهَبَ الْحُرُوبِ بِبَنانِكَ، وَتَهْتِكُ سُتُورَ الشُّبَهِ بِبَيانِكَ، وَتَكْشِفُ لَبْسَ الْباطِلَ عَنْ صَريحِ الْحَقِّ، لا تَأْخُذُكَ فِي الله لَوْمَةُ لائِمٍ.
وَفي مَدْحِ الله تَعالى لَكَ غِنًى عَنْ مَدْحِ الْمادِحينَ وَتْقريظِ الْواصِفينَ، قالَ الله تَعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهِمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْديلاً﴾(٣٤).
وَلَمَّا رَأَيْتَ قَدْ قَتَلْتَ النَّاكِثينَ وَالْقاسِطينَ وَالْمارِقينَ، وَصَدَّقَكَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعْدَهُ، فَأَوْفَيْتَ بِعَهْدِهِ، قُلْتَ: أَما آنَ أَنْ تُخْضَبَ هذِهِ مِنْ هذِهِ، أَمْ مَتى يُبْعَثُ أَشْقاها، واثِقاً بِأَنَّكَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَبَصيرَةٍ مِنْ أَمْرِكَ، قادِماً عَلَى الله، مُسْتَبْشِراً بِبَيْعِكَ الَّذي بايَعْتَهُ بِهِ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظيمُ.
اللّهم الْعَنْ قَتَلَةَ أَنْبِيائِكَ وَأَوْصِياءِ أَنْبِيائِكَ بِجَميعِ لَعَناتِكَ، وَأَصْلِهِمْ حَرَّ نارِكَ، وَالْعَنْ مَنْ غَصَبَ وَلِيَّكَ حَقَّهُ، وَأَنْكَرَ عَهْدَهُ، وَجَحَدَهُ بَعْدَ الْيَقينِ، وَالْإِقْرارِ بِالْوِلايَةِ لَهُ يَوْمَ أَكْمَلْتَ لَهُ الدّينَ.
اللّهم الْعَنْ قَتَلَةَ أمير المؤمنين وَمَنْ قَتَلَتَهُ(٣٥)، وَأَشْياعَهُمْ وَأَنْصارَهُمْ، اللّهم الْعَنْ ظالِمِي الْحُسَيْنِ وَقاتِليهِ وَالْمُتابِعينَ عَدُوَّهُ وَناصِريهِ، وَالرَّاضِينَ بِقَتْلِهِ وَخاذِليهِ لَعْناً وَبيلاً.
اللّهم الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمٍ ظَلَمَ آلَ مُحَمَّدٍ وَمانِعيهِمْ حُقُوقَهُمْ. اللّهم خُصَّ أَوَّلَ ظالِمٍ وَغاصِبٍ لِآلِ مُحَمَّدٍ بِاللَّعْنِ وَكُلَّ مُسْتَنٍّ بِما سَنَّ إِلى يَوْمِ الدّينِ.
اللّهم صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ خاتِمِ النَّبِيّينَ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلينَ(٣٦) وَآلِهِ الطَّاهِرينَ، وَاجْعَلْنا بِهِمْ مُتَمَسِّكينَ، وَبِمُوالاتِهِمْ مِنَ الْفائِزينَ الْآمِنينَ، الَّذينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا يَحْزَنُونَ، إِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ(٣٧) (٣٨).
الهوامش:
(١) مُجْمِحون، خ.
(٢) الفتح: ١٠.
(٣) التوبة: ١١٢ - ١١١.
(٤) عاند، خ.
(٥) الأنعام: ١٥٣.
(٦) حاملاً، خ.
(٧) غاصبيك، خ.
(٨) مراغباً، خ.
(٩) فلم يَخافوا، فما تَخَوَّفوا، خ.
(١٠) عدَل، خ.
(١١) طريق، خ.
(١٢) طه: ٨٢.
(١٣) أضرب بالسيّف قُدماً، خ.
(١٤) الزمر: ٩.
(١٥) النساء: ٩٥.
(١٦) التوبة: ٢٢ - ١٩.
(١٧) المائدة: ٦٧.
(١٨) المائدة: ٥٤.
(١٩) المائدة: ٥٥.
(٢٠) الشعراء: ٢٢٧.
(٢١) الحشر: ٩.
(٢٢) السجدة: ١٨ - ١٩.
(٢٣) الأحزاب: ١٠ - ١٣.
(٢٤) الأحزاب: ٢٢.
(٢٥) الأحزاب: ٢٥.
(٢٦) التوبة: ٢٥ و٢٦.
(٢٧) التوبة: ٢٧.
(٢٨) الأحزاب: ١٥.
(٢٩) التوبة: ١١٩.
(٣٠) المعارج: ١٩ - ٢٢.
(٣١) الصّافّات: ١٠٢.
(٣٢) البقرة: ٢٠٧.
(٣٣) طه: ٩٠ و٩١.
(٣٤) الأحزاب: ٢٣.
(٣٥) ظلمه، خ.
(٣٦) وعلى عليّ سيّد الوصيّين، خ.
(٣٧) المزار الكبير: ٢٦٣، هديّة الزائرين: ٢٢٠، الصحيفة المباركة المهدوية.
(٣٨) الزيارة المنقولة عن عثمان بن سعيد وحسين بن روح قدّس سرّهما. أخبرني الفقيه الأجلّ أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي رضى الله عنه، عن الفقيه العماد محمّد بن أبي القاسم الطبري، عن أبي علي، عن والده، عن محمّد بن محمّد بن النعمان، عن أبي القاسم جعفر بن قولويه، عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي القاسم بن روح وعثمان بن سعيد العمري، عن أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري، عن أبيه صلوات الله عليهما، وذكر أنّه عليه السلام زار بها في يوم الغدير في السنة الّتي اشخصه المعتصم.
تقف عليه صلوات الله عليه وتقول: (اَلسَّلامُ عَلى مُحَمَّدٍ رَسُولِ الله خاتَمِ النَّبِيّينَ...).