المهدية بين اتجاهين
الدكتور الشيخ زكي بدوي
كتب فهمي عبد اللطيف وهو عالم أزهري في الأربعينات كتاباً عن المهدية في الإسلام كان اتجاهه إنكار فكرة المهدية جميعاً.
يقول فهمي عبد اللطيف أن هذه الفكرة أو هذا الاتجاه هو اتجاه إنساني تلجأ إليه الجماعات بخيالاتها عندما تصاب بالصدمات العنيفة وعندما تصاب باليأس ويصبح اعتمادها على شيء من الأمل، وهذا الأمل ينبني على وهم من الأوهام.
فالقضية في نظر المؤلف حالة نفسية ووهم لمحاولة المعيشة وقبول الوضع.
ثم يقول أن هذه الفكرة لها أخطارها، الخطر الأول أنها تجعل الأمة الإسلامية امة متواكلة فهي لا تصلح أحوالها ولا تحارب الظلم وإنما تنتظر حتى يأتي المخلص فيخلصها من الظلم الذي وقعت فيه، يجعلها امة قابلة للظلم وقابلة للقهر وقابلة للعدوان وقابلة لكل شيء لا يقبل أخلاقياً ولا دينياً لأنها تتوقع أن المسألة والمهمة ليست مهمتها وإنما هي مهمة الله سبحانه وتعالى الذي يرسل المخلّص الذي يخلصهم منها.
فإذاً الفكرة خطيرة وخطرة على الأمة ويجب أن تُبْرأ أو تُبَرَأ الأمة منها تماماً، يجب أن نقول للناس اعتمدوا على أنفسكم فان العدل لا يأتي من السماء أو من الوحي أو من أي شيء آخر، لن يأتيكم مخلص وإنما انتم الذين تخلصون أنفسكم.
هذا هو محتوى الكتاب على ما أذكر وأذكر إنني قرأته وأنا طالب في الأزهر وأعجبني كلامه بالنسبة للناحية النفسية، وأعجبني كلامه بأنها أمر عام في الأمم جميعاً.
ولكني نظرت لما ذكره بالنسبة للأحاديث النبوية حيث ذكر ما ذكره ابن خلدون من أن قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لم يتعرض لها أو لم تذكر في الصحيحين صحيح مسلم أو صحيح البخاري، هذا حق ولكن من قال أن الصحيحين يحتويان كل الأحاديث الصحاح؟ لم يقل بهذا أحد فكل الناس تعلم أن هناك صحاحاً أخرى، ومعروف أن يقال الصحاح الستة عند السنة والصحاح الأربعة مسند أحمد وابن ماجة والترمذي موجود فيها أحاديث تتصل بالمهدي (عجّل الله فرجه)، وهذه الأحاديث كثيرة ويقوي بعضها بعضاً، حتى أن العلماء قالوا أنها تصل إلى درجة التواتر فكيف نفعل بهذه الأحاديث.
نقول أن هناك قواعد للنظر في الأحاديث.
الأمر الأولى: إذا تعارض الحديث مع القرآن الكريم فهو غير مقبول.
الأمر الثاني: إذا تعارض مع العقل هو كذلك غير مقبول.
الأمر الثالث: إذا كان هناك شك في الرواة فهو غير مقبول.
فإذاً هناك السند وإذا ظهر فيه من بين الرواة من هو متهم بالكذب أو متهم بالغفلة أو ضعف الذاكرة أو ما شابه فعندئذ في هذه الحالة نقول نحن لا نقبل الحديث لأنه جاء من مصدر غير موثوق به.
ولكن إذا كان الرواة أهل ثقة فماذا نقول؟ ننظر للمتن فإذا كان المتن يعارض كتاب الله (عزَّ وجل) فمن المؤكد أننا لا نقبله.
ما هي إذاً قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهل هي تناقض القرآن الكريم؟ هل هي تناقض العقل؟ هل الرواة متهمون؟ وإذا اتهم بعض الرواة مع الكثرة وتعدد الطرق التي جاءت إلينا بحيث يصعب علينا أن نقول أن السند كله متهم فلا بد أن نقبل صحة السند وبالتالي نقبل أن هذه الأحاديث وردت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
نحن نعلم أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ينزل عليه خبر من السماء، وهو شخص من البشر اختاره الله ليبلغنا رسالة منه، أليس هذا شيئاً عجباً أن يختار شخص من البشر، يوحي إليه ويخاطبه الله ويكلمه بالوحي فيبلغنا هذه الرسالة، هذا أمر لا يقل صعوبة على الفهم وعلى الإدراك عن قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فان آمنت - أيها الإنسان - بالرسالة فلا يصعب عليك أن تؤمن بفكرة المهدية أو العقيدة المهدية.
فإذا فكرة المهدية ثابتة بالسنة.
فإذا آمنت بالسنة فلا بد أن تؤمن بفكرة المهدية.