لماذا الشباب فقط؟
حسين الماجدي
نحن نعلم أن كبار السن هم أكثر تعقلاً وأصوب منطقاً وأهدأ سلوكاً في العادة من الشباب الذين يغلب على تصرفاتهم التسرع في أطلاق الأحكام وكثرة عثرات اللسان.
ولكن في الوقت نفسه نجد أن الرواية الشريفة تؤكد على أن أنصار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كلهم من الشباب إلا ما ندر! ففي (غيبة النعماني) ص ٣٢٩ -٣٣٠ عن أبي يحيى حكيم بن سعد، قال: سمعت علياً (عليه السلام) يقول: (إن أصحاب القائم شباب لا كهول فيهم إلا كالكحل في العين، أو كالملح في الزاد، وأقل الزاد الملح).
فيا ترى لماذا يبتعد أصحاب التعقل والتريث عن المشاركة الفعالة في الحركة المهدوية!
وربما يمكننا تلمس أسباب ذلك فيما يلي آخذين بنظر الاعتبار أن الرواية الشريفة لم تذكر أن كبار السن سيعارضون الإمام! وإنما ذكرت أن مشاركتهم الميدانية ستكون أقل بكثير من مشاركة الشباب:
أولاً: إن المرء حينما يتقدم في السن، فإنه عادة يفقد كثيراً من مرونته العقلية والنفسية - على غرار ما يفقد من مرونته الجسمية - وبالتالي يكون التيبس عادة هو سيد الموقف لديه. وهذا التيبس ليس خاصاً بفقرات ظهره، وإنما يتعدى ذلك ليشمل النواحي العقلية في كثير من الأحيان، لذلك نجد الحنين إلى الماضي والتمسك بتقاليد الآباء أهم شيء لديهم - الكهول والشيوخ - وبالتالي سيكون موقفهم من التغيير موقفاً (يابساً) حتى وإن لم يعارضوه، أي أنهم لو قبلوا بالتغيير نظرياً فإنهم لا يشاركون فيه ميدانياً.
طبعاً هذا ليس أمراً عاماً وقاعدة كلية، إنما قد يوجد عند مجموعة من كبار السن، خصوصاً إذا مُزج كِبَرُ السن بشيء من الأمية والعصبية.
ثانياً: الواقع المعاش شاهد على أن الأجيال الناشئة - بسبب حداثة السن - تبدي مطاوعة أكثر لأية حركة تجديد وتغيير، وهي أكثر تسامحاً بلحاظ التقاليد والأعراف والعادات، أما كبار السن فيعيش غالبهم شعار (قديم تعرفه خير من جديد لا تعرفه)
وبالتالي ستكون استجابة الشباب للدعوة المهدوية التجديدية متناسبة مع ما بنى عليه الشباب عليه أمرهم.
ثالثاً: إن أي تغيير مهماً كان بسيطاً، فإنه يحتاج إلى بذل جهد إضافي فوق المعتاد، وهذا يتطلب قوة البدن على الأقل، فكيف إذا كان التغيير شاملاً لجميع مناحي الحياة!
وحركة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) التغيرية تحتاج - كما في الرواية - إلى بذل جهد جهيد، قد لا يتناسب مع كبر السن.
ففي (بحار الأنوار) ج ٥٢ - ص ٣٠٨ (... رجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها... يتمسحون بسرج الإمام (عليه السلام) يطلبون بذلك البركة، ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم. رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيدها، كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون يدعون بالشهادة، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله شعارهم: يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر).
وبعد هذا لا بد أن نذكر بأن الرواية الشريفة لم تذكر أن الكهول سيعارضون الإمام (عجّل الله فرجه)، وإنما هم لأسباب موضوعية ربما لا يستطيعون المشاركة الميدانية، ولكن ربما يكون إيمانهم قوياً جداً مما يؤهلهم لمناصب إدارية أو ما شابه، خصوصاً وأن الرواية الشريفة تؤكد على أن المعنى الحقيقي للفتوة والشباب في الدين هو قوة الإيمان فأهل الكهف كانوا كهولاً، ولكن القرآن عبر عنهم بالفتية، وليس لنا أن تستبق الأحداث أكثر من هذا المقدار، ولله الأمر من قبل ومن بعد.