بسم الله الرحمن الرحيم
والده السيد الجليل حيدر الصدر، ولد فى سامراء ١٣٠٩ هـ. ق، و كان من كبار مراجع الدين آنذاك، و قد عاش زهدا، حتى ان عائلته قد أمضت ليلتها يوم وفاته بدون عشاء، توفى رحمه الله عليه فى سنه ١٣٥٩ هـ. ق في مدينه الكاظمية المقدسه و له ثلاثه اولاد: السيد اسماعيل، السيد محمد باقر، و السيده آمنه المعروفه (بنت الهدى).
والدته الكريمه حفيده آية الله الشيخ محمد حسن آل ياسين، و بنت آية الله الشيخ عبد الحسين آل ياسين و اخت كل من آية الله العظمى الشيخ محمد رضا آل ياسين، و آية الله الشيخ مرتضى آل ياسين و العالم المجاهد الشيخ راضى آل ياسين.
ولد السيد الشهيد فى الخامس و العشرون من شهر ذى القعده الحرام لسنه ١٣٥٣ هـ. ق (المصادف ٢/٣/١٩٣٣ م ) فى مدينة الكاظميه المقدسه، و قد حرم من فيض الابوه و هو في طفولته المبكره ، لذا نشاء وترعرع تحت رعايه اخيه الاكبر و عناية والدته المكرمة.
في سنه ١٣٧٨ هـ.ق (١٩٥٨ م ) انهى السيد الشهيد جميع مراحل دراسته الحوزويه و كان قد بلغ الخامسة و العشرين من عمره الشريف.
و بعد سنه واحده شرع بتدريس (خارج الاصول) الذي يعبر عن أعلى مراحل التدريس فى الحوزه العلمية.
تزوج (رضوان الله تعالى عليه) بنت عمه (اخت كل من الامام السيد موسى الصدر و آية الله السيد رضا الصدر، و هي بنت آية الله العظمى السيد صدر الدين الصدر) و كان ثمره هذا الزواج المبارك خمسه اولاد: ابن واحد (السيد جعفر) و اربع بنات; ثلاث منهن تزوجن ثلاثه من أبناء المرجع الشهيد السيد محمد صادق الصدر، و قد نالت اثنتان منهن شرف الشهادة مع زوجيهما (السيدان مصطفى و مومل ) برفقه و الدهما السيد محمد الصدر قبل عامين على أيدى جلاوزة النظام الاسود في العراق.
أهم نشاطاته:
١- زاول التدريس فى اءعلى المراحل العلميه في حوزه النجف الاشرف العلميه لمده تجاوزت العشرين سنه.
٢- اثرى (جماعه العلماء فى النجف الاشرف) بالعطاء الفكري و العلمي عبر مجله (الاضواء) و غيرها من المنشورات الاخرى الصادره عن جماعه العلماء.
٣- اثرى كليتي اصول الدين ، والفقه بالعطاء الفكري و العلمي.
٤- صمم اطروحه جديده للمرجعيه الشيعيه فى العالم الاسلامي و اسماها (المرجعيه الموضوعيه).
٥- ترك تراثا قيما تجسد في عشرات المؤلفات القيمة فى حقول: الاقتصاد و الفلسفه و المنطق و علم الاصول و علم الفقه و اصول العقائد و غيرها.
٦- اتخذ المواقف الفكريه و السياسيه العظيمه و الساميه فى الدفاع عن الجمهوريه الاسلاميه فى ايران،
شخص السيد الشهيد الصدر خطر وجود المجموعات المنحرفه عن الثوره الاسلاميه منذ انتصارها، لذا عمد لثبيت اسس الثوره عقائديا و فكريا من خلال تدريس دوره مركزه تحت عنوان (الاسلام يقود الحياه ) و قد صدرت منها سته أجزاء، و للاسف حال اغتياله و استشهاده فى سبيل الله دون اتمام المشروع.
تعريف اجمالى لاثار السيد الشهيد العلميه:
ان السيد الشهيد كاءى عالم كبير، قد ذهبت معه افكاره الساميه و لم تسنح الفرصه و الظروف لاظهارها كما ينبغي; و لا ريب ان فقدان السيد الشهيد محمد باقر الصدر يستحق الاسى و الحزن المضاعف و ذلك لانه نال درجه الشهادهة الرفيعه فى سن لم يتجاوز السابعه والاربعين عاما، و اكثر من هذا ان بعض آثاره قد سرقها الجلادون البعثيون، منها:
كتاب كان قد الفه; فى تحليل الفكر البشرى حول فلسفه المعرفه، و مدونات قيمه اخرى.
اهم خصائص مدرسه الشهيد السيد محمد باقر الصدر العلميه:
١- الشمول و الموسوعيه.
٢- الاستيعاب و الاحاطه للموضوعات المنظوره للبحث.
٣- و الابداع وا لتجديد.
٤- المنهجيه و التنسيق.
٥- النزعه المنطقيه و الوجدانيه.
كتاباته الأولى:
١ - فدك في التاريخ: في مطلع حياته وبداية انفتاحه على الصراع الذي تعيشه الأمة، عايش شهيدنا الغالي مسئلة رئيسية ومهمة في التاريخ الإسلامي وقد تركت آثارا سلبية كثيرة على مسيرة الإسلام وهي مسئلة الصراع بين الزهراء وغاصبيها حقها.
وفي هذا الكتاب نلاحظ السيد مع صغر عمره دقيقاً في حججه، رقيقاً في أسلوبه، علمياً في منهجه، مما يدل على إمكانيات فذة كشف عنها الزمان فيما بعد.
٢ - غاية الفكر في علم الأصول: وهو من بواكير نتاجات السيد في علم الأصول وكان عمره حين كتابته عشرين عاماً فقط، وهذا الكتاب الذي طبع ونشر سنة ١٣٧٦هــ ويحتوي على آراء ونظريات الشهيد في مجال علم الأصول والتي طرحها في فترة مبكرة.
أهم مؤلفاته:
١- اقتصادنا، فى مجلدين.
٢- فلسفتنا، الذى يتناول فلسفه المعرفه ، و فلسفه الوجود.
٣- الاسس المنطقيه للاستقراء، و هو اطروحه جديده فى فلسفه المعرفه و حل لمشكله الاستقراء الفلسفيه.
٤- دروس فى علم الاصول، فى اربعه مجلدات ، يتضمن منهجا دراسيا لثلاثه مراحل علميه فى تعليم علم الاصول.
٥- بحوث فى شرح العروه الوثقى، اربعه مجلدات تتضمن جمله من بحوثه الفقهيه الاستدلاليه.
العمل الفكري:
وما يهمنا ذكره هنا هو التصدي الفلسفي والفكري للاستعمار الكافر الممثل بمذاهبه المختلفة. لقد عانت الساحة العراقية في الخمسينات من اشتداد الحركة الشيوعية التي كانت تركز على حرب المعتقدات الدينية وتسعى بجد لانتزاعها من قلوب الأمة.
وقد نجحت حينها نجاحاً شديداً لعدم وجود المبارز القادر على ردها حتى جاء الشهيد رضوان الله تعالى عليه فعارض الدليل بالدليل والحجة بالحجة فسطع نور الحق. ومن النتاجات المهمة آنذاك:
١ - فلسفتنا: ألف هذا الكتاب في ٢٩ ربيع الثاني ١٣٧٩هــ أي سنة ١٩٥٩م.
إن هذا الكتاب دراسة دقيقة وموضوعية للأسس التي تقوم عليها الفلسفة الماركسية ودياليكتيتها ودحضها علمياً رصينا.
يقول الشهيد (رض) "فلسفتنا هو مجموعة مفاهيمنا الأساسية عن العالم وطريقة التفكير فيه ولهذا كان الكتاب".
٢ - اقتصادنا: لقد عالج السيد الشهيد المشاكل الفلسفية الداخلية في الصراع بكتابة فلسفتنا، ولكن الصراع الذي كان يتناول في جملة ما يتناول النظريات الاقتصادية إضافة للإشكالات الفلسفية وتطرح الشيوعية نظرياتها وكذلك تفعل الرأسمالية ويبقى الإسلام مغبوناً بين هذه الاتجاهات ليدخل عنصراً فاعلاً في ساحة الصراع وسلاحاً بيد الإسلاميين في معركتهم مع الكفر والانحراف.
شعبية الفكر الإسلامي عند السيد:
لقد تكونت ونمت وتربت على الخط الإسلامي الصحيح الذي طرح السيد الشهيد، وامتلكت رصيداً قوياً في الصراع ودليلاً قاطعاً في الحجاج، ولكن المستوى العميق الذي طرحه شهيدنا في "اقتصادنا وفلسفتنا" لا يمكن استيعابه من قبل القطاعات الكبيرة من أبناء الأمة بل هناك صعوبة بالغة حتى في تدريسه وشرحه؛ لذلك وبعد ثلاث سنوات من تأليف كتاب فلسفتنا طرح الشهيد كتاب المدرسة الإسلامية لعموم أبناء الشعب، وقد ركز كتاب المدرسة الإسلامية على مبحثين مهمين هما:
١ - الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية. وقد تناول فيه المسائل المهمة التالية:
أ - الإنسان المعاصر وقدرته على حل المشكلة الاجتماعية.
ب - الديمقراطية الرأسمالية.
ج - الاشتراكية الشيوعية.
د - الإسلام والمشكلة الاجتماعية.
هـ - موقف الإسلام من الحرية والضمان.
٢ - ماذا تعرف عن الاقتصاد الإسلامي: وقد تناول في هذا البحث ما يلي:
أ - ما هو نوع الاقتصاد الإسلامي.
ب - الاقتصاد الإسلامي كما نعوض به.
ويقول السيد الشهيد في معرض تبيانه لضرورة المدرسة الإسلامية: "وقد لاحظنا من البدء مدى التفاوت بين الفكر الإسلامي في مستواه العالي وواقع الفكر الذي نعيشه في بلادنا بوجه عام حتى يصعب على كثير مواكبة ذلك المستوى العالي إلا بشيء كثير من الجهد، فكان لابدّ من حلقات متوسطة يتدرج خلالها القارئ إلى المستوى الأعلى ويستعين بها على تفهم ذلك المستوى الأعلى وهنا نشأت فكرة (المدرسة الإسلامية)".
وللشهيد الكريم مؤلفات كثيرة تتجاوز الثلاثين مؤلفا وكلها تعد من المؤلفات العظيمة التي أضفت على المكتبة الشيعية صبغة التكامل في الطرح الإسلامي وسلبت الحرية التي كانت بيد الأعداء من أن المسلمين يفتقرون إلى النظرية المتكاملة في الطرح، ونذكر هنا إضافة لما ذكرنا بعض مؤلفات الشهيد رضوان الله تعالى عليه:
١ - البنك اللاربوي في الإسلام.
٢ - الأسس المنطقية للاستقراء.
٣ - بحث حول المهدي.
٤ - بحث حول الولاية.
٥ - دروس في علم الأصول.
٦ - بحوث في العروة الوثقى (أربع مجلدات).
٧ - تعليقة على منهاج الصالحين.
٨ - لمحة فقهية عن دستور الجمهورية الإسلامية.
٩ - المرسل والرسول والرسالة.
١٠ - غاية الفكر في الأصول (خمس أجزاء).
لقد كتب الشهيد السعيد للأمة الإسلامية في كل حقول المعرفة الدينية والفكرية، مراعياً مختلف قطاعات الأمة - كما وضحنا ذلك -فكتب لها في نظرية المعرفة وتفسير الكون ووجود الله تعالى بأسلوب المقارنة مع المدارس المضادة كالمدرسة الماركسية والمنطقية الوضعية، وكتب لها عن المهدي على أساس الحقائق العلمية والعقلية في إطار المسيرة العامة للبشرية؛ مجيباً على كل الأسئلة المطروحة في شخص المهدي، في كتاب بحث حول المهدي.
وكتب لها في الرسالة والرسول مثبتاً بالأدلة القاطعة ربانية الإسلام ونبوة محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في كتاب المرسل والرسول والرسالة.
كما كتب الشهيد السعيد في العبادة الإسلامية، وأوضح بأن العبادة ضمن إطار الحاجات الثابتة التي يواجهها الإنسان في جميع العصور على أساس حاجته للإرتباط بالمطلق مع الإشارة إلى الدور الاجتماعي في العبادة ذاتها في كتاب نظرة عامة في العبادات الإسلامية. هذا ولم يكن السيد الشهيد يكتب للترف أو للمجد الشخصي، وإنما للأمة الإسلامية بهدف التحرك الفكري والسياسي والاجتماعي والجهادي، ومن أجل تحقيق الحكم الإلهي العادل، ولذا تميزت كتاباته بالروح الحركية، وعلى هذا قال الشهيد السعيد في مقدمة كتاب فلسفتنا "وكان لابدّ للإسلام أن يقول كلمته في معترك هذا الصراع المرير - الصراع الفكري على أرض الإسلام - ليتاح للأمة أن تعلن كلمة الله وتنادي بها وتدعو إليها كما فعلت في فجر تأريخها العظيم، وليس هذا الكتاب إلا جزء من تلك الكلمة.."، ولكي يجابن الإنسان المسلم أعداءه بالمنطق الذي تفرضه المرحلة التي يعيشها، ولكي يطرح الإسلام بمنطق يتناسب وروح العصر؛ جاءت كتابات الشهيد السعيد ثرية بالحيوية وتجديدية بمعنى الكلمة، فأسلوبها يتمتع بالسبك اللغوي المتين ومنهجيتها حديثة عصرية.
العمل النسوي في منهج السيد الشهيد:
لم يغب عن ذهن الشهيد صورة العمل النسوي في أوساط الأمة فتعاهده على طول عمله الجهادي وأعد له أخته المجاهدة العالمة آمنة حيدر الصدر "المكناة ببنت الهدى"، وقد مارست السيدة الشهيدة العمل للإسلام منذ صغرها، وكانت تسير مع أخيها في تحركاته، وتكملها على الصعيد النسوي.
وينبغي للمتابع لمسيرة السيد الصدر الجهادية أن ينظر إلى بنت الهدى ونتاجاتها على أنها الامتداد الطبيعي لعمل السيد في المجال النسوي. وكان عمل العلوية المجاهدة بنت الهدى من خلال محورين رئيسيين هما:
١ - المحور الثقافي: إعداد الفتيات الرساليات من خلال المحاضرات والندوات ومتابعة عبادة الفتيات ونشر الحجاب الإسلامي بينهن، وكانت -رحمها الله- تشرف على مدارس الزهراء عليه السلام للبنات في الكاظمية والنجف الأشرف، فقد كانت تسافر ثلاث أيام إلى الكاظمية لمتابعة الإشراف والتفقد للمدرسة فيها.
٢ - المحور الفكري: وقد كان للسيدة الشهيدة باع طويل في النتاجات الفكرية وخصوصاً فيما يتعلق في مجال المرأة، ويمكن حصره في ميادين مختلفة منها كتابة القصة: وتعتبر العلوية الشهيدة رائدة القصة النسوية الإسلامية وقد أثرت على النساء من خلال هذا الفن، ومن قصصها:
١ - ليتني كنت أعلم.
٢ - امرأتان ورجل.
٣ - لقاء في المستشفى.
٤ - الباحثة عن الحقيقة.
٥ - ذكريات على تلال مكة.
وغيرها الكثير من روائع القصص، والتي تقول عنها الشهيدة هذه البضاعة المسجاة والمجموعة الإسلامية كمذكرة أخوية تزداد بها مناعة ووقاية من السموم الأجنبية الفاتكة وهي بالوقت نفسه بلسم لجراحها وشفاء لصدرها وقوة جبارة لبعض نقاط ضعفها..
ولقد شاركت بنت الهدى السيد الشهيد في جميع مصائبه حتى نالت شرف الشهادة الرفيعة معه، وقد سبق منها أن قالت كلمة معبرة تربط حياتها بحياة أخيها فيها كعمتها زينب وجدها الحسين -عليهما السلام- حيث قالت "إن حياتي من حياة أخي وسوف تنتهي حياتي مع حياته إن شاء الله".
وقد قيّم الإمام الخميني (قده) هذه العلوية الطاهرة بقوله "… وشقيقته المكرمة المظلومة والتي كانت من أساتذة العلم والأخلاق ومفاخر العلم والأدب".
اعتقالات السيد الشهيد الصدر
الاعتقال الاول: في أواخر رجب ١٣٩٢ هـ. ق.
الاعتقال الثاني: في صفر ١٣٩٧ هـ. ق اثر انتفاضه الشعب العراقي في صفر.
الاعتقال الثالث: في ١٧ رجب ١٣٩٩ هـ. ق الذي كان سببا في انتفاضه الشعب العراقي في رجب ; الاعتقال الرابع. و أخيرا بعد عده محاولات فاشله لاغتياله ، اعتقل السيد الشهيد فى الساعه الثانيه و النصف من بعد ظهر يوم السبت الخامس من نيسان ١٩٨٠م (الموافق ١٩ جمادى الاولى ١٤٠٠ هـ. ق) و في مساء اليوم الثامن من نيسان ١٩٨٠م حوالي الساعه العاشرة ليلا انقطع التيار الكهربائي في النجف، و في منتصف تلك الليله استدعت قوى الامن آية الله السيد محمد صادق الصدر ابن عم السيد الشهيد (و والد المرجع الشهيد السيد محمد الصدر) و سلمته الجثمانين الطاهرين (للسيد الشهيد و اخته المظلومه) و هما مخضبان بدمائهما الزاكيه، و كانت آثار التعذيب واضحه في رأسيهما ووجهيهما المباركين ، و بعد اقامه الصلاه عليهما دفنا في نفس الليله فى مقبره وادى السلام فى النجف الاشرف.
وطوال مسيره السيد الصدر الجهاديه كانت اخته العالمه المظلومه العضد الاقوى له.
استشهاده:
لقد خشى الطاغية صدام من وجود السيد الشهيد حتى وإن كان محتجزاً في بيته فبمجرد وجوده كان كالكابوس للنظام العفلقي، لذلك اعتقل السيد المجاهد وأخته العلوية الطاهرة "بنت الهدى" بتاريخ ٥/٤/١٩٨٠م ونقلا إلى بغداد حيث قام النظام الكافر بأخس جريمة في سجله الإجرامي بقتل المرجع المفكر العظيم ودفن في مدينة النجف الأشرف وذلك يوم الأربعاء المصادف ٩/٤/١٩٨٠م. فسلام الله عليه وعلى أخته العلوية المجاهدة يوم ولدا ويوم استشهدا ويوم يبعثان أحياء.