بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين
وبعد: الحديث عن شخصية لامعة في سماء الفقه والحديث كشخصية الكليني (قدس سره الشريف) لا شك انه واسع الاطراف، متعدد الجوانب، خصب الميادين: اذ لم يكن الكليني رحمه الله فقيها ومحدثا فحسب، بل كان اول مجدد لمذهب اهل البيت عليهم السلام على راس المائة الثالثة وقد شهد بذلك كبار العلماء من الطرفين كما سياتي في بيان ثناء العلماء عليه.
ثم ان استجلاء معالم شخصية الكليني الفذة النادرة، ورسم ابعادها العلمية في صحائف معدودة - مع ما لثقة الاسلام من مقام عال، ومنزلة رفيعة، وشان جليل، وتضلع في الفقه، وشهرة في الحديث، و تتبع عبقري في الرجال، وعطاء زاخر على مر الاجيال لابد وان يكون على حساب ابعاد خصبة اخرى، وعندها فلن يعطى الكليني من الدراسة حقه.
ولكن ما لم يدرك كله، لا يترك جله: وان تعذر علينا امر الاحاطة بحياة وعطاء علم من ابرز اعلام هذه الامة، فلا اقل من التعرض ولو لبعض ملامح تلك الحياة وذلك العطاء الخالد، فنقول:
بيئته:
عاش ثقة الاسلام الكليني في حقبة حاسمة من تاريخ العصر العباسي الثاني امتدت من اوائل النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وحتى الربع الاول من القرن الرابع الهجري، وذلك في بيئتين مختلفتين، هما الري، وبغداد، وقد امتازت تلك الحقبة الزمنية الى جانب تدهور الاوضاع السياسية كثيرا انتعاش الحركة الفكرية التي استمرت بعطائها قوية نشطة دون ان تؤثر عليها الاحداث الجسيمة كقتل الخلفاء، او عزلهم وسمل اعينهم فقد برزت في الري وحاضرتها مدينة قم المشرفة طاقات عملاقة في الفقه والحديث وغيرهما من علوم الشريعة الاخرى، وفي بغداد وحاضرتها الكوفة كذلك.
لقد اصبحت هذه المراكز التي ارتادها الكليني من اهم مراكز الاشعاع الفكري في العالم الاسلامي وصارت خصوصا الري وبغداد ملتقى العلماء والمفكرين العظام من شتى المذاهب والفرق الاسلامية، فقد تنوعت الثقافة، وسادت آراء المذاهب، وتوسعت الدراسة في تلك المراكز كالفقه، و الحديث، والتفسير، واللغة، والنحو ، والادب، والتاريخ، وغيرها من العلوم الاخرى كالطب، والفلك، والرياضيات، والجغرافيا ونحوها، وياتي في مقدمة تلك العلوم علوم الشريعة السمحاء التي استوعبها الشيخ الكليني استيعابا كاملا، يشهد بذلك كتابه الخالد «الكافي » الذي احتوى من الاخبار التي اختار روايتها الكليني ما يشتمل على مختلف العلوم، كالفقه، والحديث، والتفسير، والاصول، والفلسفة، و الكلام، والعقائد، والاخلاق، بل وحتى اللغة ظهرت آثارها واضحة في ديباجة الكافي التي ضمنت فقرات من النثر الرائع الذي يعبر عن مدى قدرته اللغوية، وتمكنه من صياغة الكلام بلفظ موجز مع دقة في التعبير خالطها السجع المطبوع الذي كان يمثل ابرز خصائص النثر الفني في القرن الرابع الهجري.
اسمه:
هو الشيخ محمد بن يعقوب بن اسحاق، باتفاق جميع كتب الرجال، والتراجم، والتاريخ، وقد شذ ابن الاثير (ت/٦٣٠هـ) في كتابه الكامل فقال: «محمد بن علي ابو جعفر الكليني، وهو من ائمة الامامية وعلمائهم ». ولا يبعد ان تكون تسميته ب (محمد) سيما والمسمي والده، وهو من الشيوخ الاجلاء المعروفين، ومن رجالات العلم والدين جاءت تيمناً باسم نبينا الكريم صلى الله عليه واله وسلم، هذا وقد صادف ان يكون اسمه الثلاثي مطابقاً لثلاثة من اسماء الانبياء عليهم الصلاة والسلام.
كنيته:
وهي: (ابو جعفر) باتفاق مترجميه قاطبة، ولعل اختياره لهذه الكنية جاء اعتزازاً بكنية الامام محمد بن علي الباقر عليهما السلام اذ ليس من باب المصادفة اكتناء المحمدين الثلاثة (الكليني، والصدوق، والطوسي) اصحاب الكتب الاربعة (الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، والتهذيب والاستبصار للطوسي) بهذه الكنية بعد ان اتفقت اسماؤهم وهم من اخص الموالين للامام جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام.
لقبه:
لقب الشيخ محمد بن يعقوب بالقاب كثيرة، ويمكن تقسيمها على طائفتين:
الاولى: ما دل منها على الشيخ الكليني من حيث المكان.
الثانية: ما دل منها عليه من حيث الصدق والوثاقة.
اما الاولى: فهي على نحوين من الالقاب، وهما:النحو الاول: ما دل من القابه على نشاته الاولى وموطنه الاساس، وقد انحصر ذلك في لقبي:
١ - الكليني: نسبة الى (كلين) بضم الكاف وفتح اللام قرية من قرى الري تقع على بعد ثمانية وثلاثين (كيلومتراً) جنوبي غرب بلدة الري الحالية شرقي طريق مدينة قم، بينها وبين الطريق خمسة (كيلومترات). وقد اشتبه الفيروزآبادي (ت/١٤١٤هـ ) ، فنسبه الى (كلين) بفتح الكاف وكسر اللام، وهي قرية من قرى الري ايضا ، وقد حرف لقبه في تاريخ الادب العربي الى (الكوليني) بدلا من (الكليني)، ولعله من المترجم.
٢ - الرازي: نسبة الى الري، وهو من النسب الشاذة التي لا تنطبق مع حروف اصل النسبة (الري) اذ يقتضي ان يكون اللقب وفقا لذلك هو (الريي)، كما هو معروف في صحة اطلاق اللقب عند اقترانه بمكان معين.
النحو الثاني: ما دل منها على سكنه الاخير واقامته، وقد انحصر ذلك في لقبي:
١ - البغدادي: نسبة الى (بغداد) التي اتخذها مقرا ومقاما.
٢ - السلسلي: نسبة الى درب السلسلة الواقع بباب الكوفة ببغداد، اذ اختار له سكنا بهذا الدرب، وبقي فيه حتى الايام الاخيرة من حياته.
واما الطائفة الثانية من القابه الدالة على الصدق والوثاقة، فان اشهرها على الاطلاق (ثقة الاسلام)، وهناك مجموعة اخرى من القابه يعرفها العلماء خاصة والمتضلعون بهذا الفن لانصرافها عند الاطلاق اليه راسا، وقد جهلها الكثيرون لطغيان (ثقة الاسلام) عليها وقد يكون السبب الحقيقي وراء اطلاق هذا اللقب على الشيخ الكليني حتى عرف به واشتهر من بين سائر (ثقات الاسلام)، بل وصار له علما وغلب على اسمه هو اتفاق علماء الرجال من اهل السنة والشيعة على وثاقته، اذ لم اقف بالرغم من التتبع في كتب الرجال على من مس الكليني بسوء قط من علماء الرجال من اهل السنة.
اقول: لم يتعرض له احد منهم بجرح قط لا مفسرا، ولا غير مفسر، وهذا يدل على حصول الاجماع على وثاقته، كما يدل على ان استحقاقه للقب (ثقة الاسلام) انما كان عن جدارة، ويدل ايضا على ان لثقة الاسلام مكانة مرموقة بين سائر العلماء، لا يمسها احد بسوء الا وقد كذب، وافتضح امره بين اهل الاسلام. وكيف لا؟ وقد عده اهل السنة انفسهم كما سيوافيك من المجددين لمذهب اهل البيت عليهم السلام على راس المائة الثالثة.
ولادته:
لم يؤرخ احد من العلماء ولادة الشيخ الكليني ( قدس سره)، ولكن يمكن القول بانه ولد في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، فهو قد اخذ الحديث عن بعض المشايخ من اصحاب الائمة (الجواد، والهادي، والعسكري) عليهم السلام، ولا يبعد ان تكون ولادته في اواخر زمن الامام العسكري عليه السلام، ويعلم من تاريخ وفاته انه من الطبقتين السادسة والسابعة وان ما بين وفاته ووفاة الامام العسكري عليه السلام (ت/٢٦٠هـ) هو اقل من سبعين سنة، وعلى هذا يكون قد ادرك تمام الغيبة الصغرى، بل بعض ايام الامام العسكري عليه السلام .
ومما يقرب ذلك انه طلب منه تاليف الكافي ليكون مرجعا للشيعة، ولا يطلب مثل هذا الطلب غالبا ممن لم يذرف سنه على الاربعين او الخمسين، هذا مع اتفاق الكل انه صنف الكافي في عشرين سنة زيادة على عدم العلم بتاريخ الانتهاء من تصنيف الكافي، وان كان الظاهر هو قبيل وفاته بمدة قصيرة.
أسرته:
تربى الكليني رحمه الله في اسرة فاضلة، وارتشف منها من الاعلام، وقتل في طريق مكة قاصدا اداء فريضة الحج، وهو من رجال العدة التي يروي الكليني بتوسطها عن سهل بن زياد كثيرا في الكافي، وهو خال الكليني واستاذه، ومن المحتمل ان تكون ام ثقة الاسلام كما هو المعتاد في الاسر العلمية قد اخذت من علم اخيها وعمها وابيها قسطاً باعتبار عامل التربية المهم في تكوين شخصية الفرد فالكليني اذن هكذا كانت اسرته، ومنها تعرف سلامة نشاته في هذا البيت الذي توافرت فيه الاسباب وتظافرت لان تكون للمولود الجديد تربية خاصة، ونشأة جيدة في اسرة جل اهلها من العلماء.
رحلاته العلمية:
وجد الكليني في اسرته من اسباب الرقي ما اهله في اوان شبابه الى ملاقاة العلماء في كلين واخذه العلم عنهم، حتى اذا ما اشتد ساعده وهضم ما في كلين من علوم الشريعة راح الى الري وهي من ارقى حواضر العلم ونواديه المعروفة في ذلك العصر، فقد خرجت الري المئات من الفقهاء والمحدثين والمفسرين، ولازال التراث الاسلامي الذي كتب باقلام الرازيين له الفضل في رفد حركة الفكر الاسلامي الى اليوم; ومن اجل تحصيل علوم مشايخ الري من قبل ثقة الاسلام، نراه قد التقى بالكثيرين منهم وحدث عنهم وحدثوا عنه، وتبادل معهم رواية الحديث سماعاواجازة.
ثم لم يلبث ان غادرها متابعا رحلته في طلب حديث اهل البيت عليهم السلام، مركزا على احاديثهم عليهم السلام فيما يخص اصول الدين وفروعه حتى جاب بتلك الرحلة اهم المراكز العلمية في بلاد فارس متقلبا من مدينة الى اخرى، والتقى بخلق كثير من المشايخ وحدث عنهم وحدثوا عنه لا سيما في مدينة قم المعروفة يوم ذاك بتشددها وحرصها على حديث اهل البيت عليهم السلام، وصيانته من عبث المغالين والوضاعين، ولهم في ذلك قصص ليس هنا محل الكلام عنها.
ويبدو ان الكليني رحمه الله كان عازما على رحلة اوسع ومتابعة السفر الطويل في تحصيل آثار اهل البيت عليه السلام بعد ان لمس فوائد رحلاته الاقليمية وعوائدها الطيبة، وهذا ما نجده واضحاً في تحوله الى بغداد عاصمة الخلافة العباسية، ومركز الحضارة الاسلامية، ومستوطن سفراء الامام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف). هذا بعد ان زار مدن العراق وحدث بها واخذ عن اهلها لا سيما الكوفة، ذلك المركز الاسلامي العريق الذي شع منه حديث علي عليه السلام الى كل الآفاق.
ولعل بغداد كانت منطلقه الى الشام ثم العودة اليها، فقد ذكر ابن عساكر (ت/٥٧١هـ) في تاريخه عن الكليني انه قدم دمشق، وحدث ببعلبك وهذا يعني ان وصوله الى العراق اول مرة لا يمكن ان يكون بسنة (٣٢٧هـ) كما ظنه البعض اعتمادا على اجازة الكليني رواية مصنفاته واحاديثه لتلميذه ابي الحسين عبدالكريم بن عبدالله بن نصر البزاز بباب الكوفة بدرب السلسلة ببغداد سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، كما في مشيخة التهذيب، وفهرست الشيخ واي علاقة بين تاريخ منح الاجازة العلمية لشخص ببغداد وبين تحديد زمن دخول المانح الى العراق وكيف يجتمع اللقاء مع مشايخ الكوفة، وسوراء، وبغداد، ثم يرحل منها الى دمشق ويحدث ببعلبك ويعود الى بغداد في سنة واحدة وهي سنة (٣٢٧هـ) ؟ اذ كانت وفاته بسنة (٣٢٨هـ) على قول سياتي. هذا مع انعدام واسطة السفر السريع في ذلك العصر البهي، وكون تقلبه في تلك المراكز لغاية علمية، مما يتطلب المكوث في كل مركز زمنا.
وعلى اية حال، فقد كان لوصوله بغداد الاثر المهم في تحقيق سائر ما سجله من آثار العترة الطاهرة عليهم السلام والى هذا تشير عبارة السيد ابن طاووس (ت/٦٦٤هـ) . قال: «فتصانيف هذا الشيخ محمد بن يعقوب، ورواياته في زمن الوكلاء المذكورين يجد طريقا الى تحقيق منقولاته ». وهو يعني بهذا الكلام: ان الكليني كان في بلد السفراء، وبوسعه التأكد منهم مباشرة فيما يشك بصحته من الاخبار. ولا يفهم من هذه العبارة غير هذا المعنى.
مشايخه:
تتلمذ الشيخ الكليني قدس سره على يد الكثير من المشايخ الثقات المعروفين والحفاظ المشهورين من حملة علوم اهل البيت عليهم السلام ولا مجال لذكرهم جميعا فضلا عن ذكر ما قيل بحقهم من كلمات الثناء منهم الشيخ علي بن ابراهيم القمي، وهو من اهم مشايخ ثقة الاسلام الكليني، اخرج عنه ما يزيد على ربع احاديث الكافي.
ومنهم الشيخ محمد بن علي بن ابراهيم بن محمد الهمداني، والشيخ ابو الحسين محمد بن علي الجعفري السمرقندي، ومحمد بن احمد الخفاف النيسابوري، والحسن بن الفضل بن يزيد اليماني، والحسين بن الحسن الهاشمي العلوي الرازي، وعلي بن محمد بن ابراهيم بن ابان الكليني، ومحمد بن محمود بن ابي عبدالله القزويني، وحميد بن زياد نزيل سوراء، واحمد بن محمد بن احمد بن طلحة ابوعبدالله العاصمي نزيل بغداد، واحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة الكوفي، وكثير غيرهم، على انا اقتصرنا على ذكر من اختلفت القابهم ومناطقهم، والا فمشايخه الاجلاء اضعاف هذا العدد فيما احصيناه.
تلاميذه:
من المتعذر حصر تلاميذ الكليني بعدد معين لان الذي يحدث في مختلف الامصار الاسلامية، لاشك بتعدد مجالسه العلمية التي كانت تضم الكثير من الفضلاء وطلاب العلوم الشرعية، على ان عدداً ليس باليسير منهم قد تلقوا كتاب الكافي من مصنفه واستنسخوه، ونشروه، والى نسخهم تنتهي نسخته، ونظرا لسمعته الطيبة، وشهرته وثقته وامانته فقد تتلمذ على يديه مجموعة من علماء اهل السنة، كالفقيه الشافعي محمد بن ابراهيم بن يوسف الكاتب الذي روى كتاب الكافي عن مؤلفه ببغداد، وابي سعد الكوفي شيخ الشريف المرتضى، وابي القاسم علي بن محمد بن عبدوس الكوفي، وعبدالله بن محمد بن ذكوان.
ومن تلامذته ايضا احمد بن احمد ابو الحسين الكوفي الكاتب، وابو عبدالله احمد بن ابراهيم الصيمري، وابو الحسن ابن داود، وابو الحسن العقراني، واحمد بن الحسين العطار، واحمد بن علي بن سعيد ابو الحسين الكوفي، واحمد بن محمد بن علي ابو الحسين الكوفي الكاتب، واحمد بن محمد ابن سليمان بن الحسن ابو غالب الزراري، وجعفر بن محمد بن موسى بن قولويه، وعبدالكريم بن عبدالله بن نصر ابو الحسين البزار التنيسي، وعلي بن محمد الرازي، وعلي بن احمد بن موسى الدقاق، وعلي بن عبدالله الوراق، ومحمد بن ابراهيم ابن جعفر ابو عبدالله الكاتب النعماني المعروف بابن زينب، ومحمد بن احمد المعروف بالصفواني يكنى ابا عبدالله مولى بني اسد، ومحمد بن احمد بن محمد بن سنان الزاهري نزيل الري، ومحمد بن الحسين البزوفري، ومحمد بن عبدالله بن المطلب ابو المفضل الشيباني، ومحمد بن علي بن طالب ابو الرجاء البلدي، ومحمد بن علي ماجيلويه، ومحمد بن محمد ابن عصام الكليني ، وهارون بن موسى بن احمد بن سعيد التلعكبري، ومحمد بن موسى بن المتوكل، وغيرهم.
مؤلفاته:
للكليني رحمه الله مؤلفات غير الكافي ذائع الصيت والذي يحز في النفس الما انها تعد اليوم كلها سوى الكافي من الكتب المفقودة، وهذا هو ما يؤسف عليه حقا، على ان بعضها قد تخطى القرون ووصل بسلامة الى القرن الحادي عشر الهجري كما تتبعناه ثم لم يعد له بعد هذا التاريخ عين ولا اثر.
وفيما يأتي أسماء مؤلفاته وهي:
١ - كتاب تعبير الرؤيا.
٢ - كتاب الرد على القرامطة.
٣ - كتاب الرسائل، او (رسائل الائمة عليهم السلام) واما ذكره بعنوان (الوسائل) كما في كشف المحجة للسيد ابن طاووس، فهو مصحف من الناسخ ولعله من غلط المطبعة; لوروده في عدة مواضع من كشف المحجة بعنوان (الرسائل)، وقد اشتبه بعضهم، فعده ثلاثة كتب وقد تتبعت النقل المباشر عن هذا الكتاب فوجدته قد وصل سالما الى القرن الحادي عشر، وبالضبط الى عصر الفيلسوف صدر الدين الشيرازي (ت/١٠٥٠هـ) ، اذ نقل عنه مباشرة في شرح اصول الكافي ٢: ٦١٢ - ٦١٥ خطبة لامير المؤمنين عليه السلام مصرحا باخذه من هذا الكتاب ما هو مواضع الحاجة.
٤ - كتاب ما قيل في الائمة عليهم السلام من الشعر.
٥ - كتاب الرجال.
٦ - كتاب خصائص الغدير، او خصائص يوم الغدير.
٧ - كتاب الكافي ويظهر من تعداد كتب الكليني انه كان مقلا في التاليف قياسا الى شيوخ الشيعة كالمفيد، والصدوق، والطوسي، واضرابهم،وعذره في هذا هو انه رحمه الله كان منصرفا بكل همته وعلمه الى معرفة حديث اهل البيت عليهم السلام الذي لم يجمع في موسوعة كالكافي قبله، ولم ينقح بعضه، بل كان موزعا على مئات الكتب، منها وهو الاعم الاغلب ما هو معتبر ومعتمد في ذلك العصر، ومنها ما هو ليس كذلك، مع تفرق هذه الكتب ومشايخ الحديث في معظم امصار الاسلام، ولما كان الكليني هو اول من تصدى لجمع احاديث اهل البيت عليهم السلام من عيونها ومصادرها وحفاظها الثقات لذا نراه قد استرخص من عمره لاجل هذه المهمة عشرين سنة، ولولا الكافي لكانت تلك المدة الطويلة حافلة في التصنيف والتاليف.
والحق، انه لو لم يكن للكليني الا الكافي لكفاه فخرا وثوابا على مر العصور، اذ خلد حسنة جارية له الى يوم النشور، وعلى مثل هذا فليتنافس المتنافسون. والكافي كتاب موسوعي، ذكر فيه ما يحتاجه الفقيه والمحدث والمتكلم والمؤرخ وطالب العلم، هذا مع تناوله دقائق فريدة لا توجد في غيره تتعلق بشؤون العقيدة، وتهذيب السلوك، ومكارم الاخلاق. والكتاب بحسب تصنيف مصنفه يقع في ثلاثة اقسام وهي:
١ - اصول الكافي: حظي هذا القسم بعناية خاصة من لدن العلماء، لم يحظ بها عند الامامية كتاب في بابه، وذلك لاشتماله على احاديث وابواب لم تذكر في غيره من كتب الحديث عندهم، اذ تعرضت احاديث الاصول من الكافي لمختلف مباحث العقيدة، كالتوحيد، والعدل، والنبوة، والامامة، والمعاد يوم القيامة، هذا مع كثرة الاحاديث الواردة في مجالات معرفية اخرى كالموت، وحياة البرزخ، والبعث، والنشور، والثواب، والعقاب، والجنة، والنار، والسراط، والميزان، والقضاء، والقدر، والجبر، والتفويض، والقدم، والحدوث. مع بيان اهمية العقل، والعلم وفضائله، وقبح الجهل ورذائله، ودرجات الايمان والكفر، واهمية الدعاء في حياة المسلم، وما للقرآن الكريم من فضل عظيم، وآداب العقيدة، الى غيرها من الامور الاخرى التي اهتمت بدراستها كتب الكلام، والفلسفة، والعقائد.
وقد رتب الكليني رحمه الله احاديث الاصول من الكافي في ثمانية كتب، وهي: كتاب العقل والجهل، وكتاب فضل العلم، وكتاب التوحيد، وكتاب الحجة، وكتاب الايمان والكفر، وكتاب الدعاء، وكتاب فضل القرآن الكريم، وكتاب العشرة.
٢ - فروع الكافي: صنف الكليني (رحمه الله تعالى) احاديث الفروع على اساس تعلقها بمعرفة الاحكام الفرعية الشرعية التي تبحث عادة بكتب الفقه الاسلامي، لذا نرى من الضرورة التعرض الى بيان هيكلها العام في فقه الشيعة الامامية، فنقول: تقسم الاحكام الفرعية عند فقهاء الشيعة الامامية على قسمين وهما: (العبادات والمعاملات).
اما العبادات فيدخل فيها: احكام المياه، والوضوء، وآداب التخلي، واحكام الغسل واقسامه، والحيض، والاستحاضة، والنفاس، واحكام الاموات، والتيمم، والنجاسات، والمطهرات، والصلاة، والزكاة، والخمس، والصوم، والاعتكاف، والحج، والعمرة، واعمال المدينة المنورة، والجهاد، والوقف والصدقة، ودخول الوقف والصدقة في العبادات هو لاعتبار نية القربة الى الله عز وجل ويدخلان في قسم العقود من المعاملات باعتبار آخر.
واما المعاملات، فتقسم عندهم على ثلاثة اقسام وهي:
١ - العقود: ويدخل فيها: التجارة وآدابها، والبيع واقسامه من النقد والنسيئة، والسلف ، والصرف، والربا، والبيع، والخيارات، والشفعة، والاجارة، والمزارعة، والمساقاة، والجعالة، والسبق، و الرماية، والشركة، والمضاربة، والوديعة، والعارية، والضمان، والحوالة، والكفالة، والدين، والرهن، والصلح، والوكالة، والهبة، والصدقة، والوقف، والسكنى، والعمرى، والوصية، والنكاح وتوابعه كالرضاع، والقسم، والنشوز، واحكام الاولاد، والنفقات، والخلع، والمباراة، والمكاتبة.
٢ - الايقاعات: ويدخل فيها: الاقرار، والطلاق وتوابعه كاحكام العدة والظهار والايلاء واللعان، والعتق، والتدبير، والايمان، والنذور، والعهود.
٣ - الاحكام: ويدخل فيها: اللقطة، والغصب، واحياء الموات، والحجر، والكفارات، والصيد، والذباحة، والاطعمة، والاشربة، والميراث، والقضاء، والشهادات، والحدود، والتعزيرات، والقصاص، والديات. وبمراجعة احاديث الفروع من الكافي نجدها قد ارتبطت ارتباطا وثيقا بسائر تلكم الامور، مع روعة التصنيف الذي وفر للفقيه سهولة مراجعتها، اذ وزعها الكليني قدس سره على كتب الفروع الفقهية، وهي: كتاب الطهارة، وكتاب الحيض، وكتاب الجنائز، وكتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، واما ما يتعلق بالخمس فقد ذكره في آخر كتاب الحجة من اصول الكافي لارتباطه بحق الامام عليه السلام، وكتاب الصيام، وكتاب الحج، وكتاب الجهاد، وكتاب المعيشة، وكتاب النكاح، وكتاب العقيقة، وكتاب الطلاق، وكتاب العتق والتدبير والكتابة، وكتاب الصيد، وكتاب الذبائح، وكتاب الاطعمة، وكتاب الاشربة، وكتاب الزي والتجمل والمروءة، وكتاب الدواجن، وكتاب الوصايا، وكتاب المواريث، وكتاب الحدود، وكتاب الديات، وكتاب الشهادات، وكتاب القضاء والاحكام، وكتاب الايمان والنذور والكفارات.
هذا وقد بوب الاحاديث في هذه الكتب تبويبا دقيقا، اضاف مسحة جمالية على الكتاب، يستطيع الباحث تلمسها باستخراج اي حديث شاء من الفروع بسهولة ويسر. فلا غرابة اذن في ان يشهد معلم الامة، ومن منحته بغداد كرسي كلامها فيقول عن الكافي: انه من «اجل كتب الشيعة واكثرها فائدة ».
٣ - روضة الكافي: اختار الكليني قدس سره لهذا القسم من الكافي اسم (الروضة) لاشتماله على امور كثيرة يصعب تصنيفها في كتب وابواب. فقد تعرض فيه الى كثيرمن الاحاديث المفسرة لكتاب الله عزوجل، مع بيان زهد النبي صلى الله عليه واله وسلم، وسيرته العطرة، واقواله الكريمة، مع شي ء من قصص بعض الانبياء عليهم السلام لاخذ العبرة منها، زيادة على خطب الائمة عليهم السلام، ورسائلهم، وحكمهم، ومواعظهم، مع نتف من الاحداث التاريخية المهمة، وسير بعض الصحابة، وكيفية اسلامهم، مع الكثير من اخبار الصالحين، وآداب المتادبين، ولم ينس فيه رواية ما يتعلق بحقوق المسلمين فيما بينهم، وما جبلت عليه القلوب، ومخالطة الناس، واصنافهم، وامراضهم وعلاجها، كما حشد في الروضة الكثير من احاديث الاخلاق، وآداب المسلم، مع روايته لما يتعلق بآيات الله تعالى الناطقة على وجوده كالمطر، والشمس، والقمر، والنجوم، حتى يبدو للباحث ان هذا الجزء الحافل بمختلف الاخبار، ونفائس الاعلاق، من عقائد، وتفسير، واخلاق، وقصص، وتاريخ، وجغرافيا، وفلك وطب ونحوها قد جاء اسما على مسماه; فهو كالروضة الندية حقا فيها من كل الورود والرياحين «بيد انها لا تخلو من اشواك قليلة وعلى الخبير المنقب ان يتحاشاها».
على ان الكليني رحمه الله قد التزم في الكافي التزاما عجيباً في رواية النص المنقول عن اهل البيت عليهم السلام، فهو لا يتصرف ابدا في لفظ الحديث، ولا ينقله بالمعنى بتاتا لفرط امانته في الرواية، هذا مع كونه فقيها مجددا قريب العصر من مصدر رواياته وكتابه الكافي «رزق فضيلة الشهرة، والذكر الجميل، وانتشار الصيت، فلا يبرح اهل الفقه ممدودي الطرف اليه، شاخصي البصر نحوه، ولا يزال حملة الحديث عاكفين على استيضاح غرته، والاستصباح بانواره; وهو مدد آثار النبوة، ووعاة علم آل محمد صلى الله عليه واله وسلم، وحماة شريعة اهل البيت عليهم السلام، ونقلة اخبار الشيعة، ما انفكوا يستندون في استنباط الفتيا اليه وهو قمن ان يعتمد عليه في استخراج الاحكام، خليق ان يتوارث، حقيق ان يتوفر على تدارسه، جدير ان يعنى بما تضمن من محاسن الاخبار، وجواهر الكلام، وطرائف الحكم ».
ومن دلائل شهرته: انه طبع اكثر من عشرين طبعة، ولا زالت المكتبة الاسلامية العلمية تحتفظ بجهود عمالقة التشيع بهذا الفن بخصوص ما بذلوه من جهد وعناء حول نص الكافي، من تحقيق، وشرح، وتعليق، وتهميش، وتحشية، وبيان كنوز احاديثه، ودراسة رجاله، وترتيب اسانيده، وتمييز مشتركاته، واختصاره، وترجمته، وفهرسة مطالبه بما يناهز واحدا وثمانين كتابا فيما احصيناه وهم مع كل هذه الجهود، لم يقل احد منهم بوجوب الاعتقاد والعمل بما بين دفتيه، او الاقرار بصدور كل ما فيه عن الائمة عليهم السلام جزما، ما خلا المحدث الاسترابادي فقط الذي رام ان يجعل كل احاديثه قطعية الصدور بقرائن لا تنهض على ذلك، باعتراف المحدث النوري وكلاهما من الاخباريين.
كما ان الكليني قدس سره لم يقل: ان كل ما اخرجته في هذا الكتاب صحيحا ولم يصرح احد من اعلام الشيعة بان الكليني رحمه الله لم يخرج الحديث الا عن الثقة، عن مثله في سائر الطبقات، بل غاية ما يستفاد من كلامهم قدس سرهم، هو ان اخباره مستخرجة من الاصول المعتبرة التي شاع بين قدماء الشيعة الوثوق بها والاعتماد عليها اذ كانت مشهورة معلومة النسبة الى مؤلفيها الثقات.
واما عن اعراض الفقهاء عن بعض مرويات الكافي فلا يدل على عدم صحتها عندهم، ولا ينافي جلالة الكافي بين كتبهم، اذ رب صحيح لم يعمل به لمخالفته المشهور، كما ان اعراض الفقيه عن خبر لا يدل على ضعفه عنده، فضلا عن غيره، اذ قد يكون وجه الاعراض لدليل آخر، وعلة اخرى لا ربط لها بالضعف المظنون. هذا مع اختلاف مصطلح الصحيح بين قدماء الشيعة وبين متاخريهم على ما هو معروف ومشهور.
والكليني قدس سره لم يجر في الكافي الا على متعارف الاقدمين في اطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه، او اقترن بما يوجب الوثوق به والركون اليه، كوجوده في كتب الاصول الاربعمائة وهي اربعمائة مصنف لاربعمائة مصنف من اصحاب الائمة عليهم السلام، او لوجوده في كتب مشهورة متداولة نقلت عن الثقات الاثبات بالطرق المتصلة باهل البيت عليهم السلام، او لتكرره في اصل او اصلين بطرق مختلفة واسانيد متعددة، او لوجوده في اصل معروف الانتساب الى من اجمعوا على تصديقهم والاقرار لهم بالفقه والعلم، او كان في احد الكتب التي عرضت على الائمة عليهم السلام فاثنوا على مؤلفيها، او كاخذه من احد الكتب التي شاع بين ثقات الطائفة اعتمادها سواء كانت من كتب الامامية ككتاب الصلاة لحريز بن عبدالله السجستاني، وغيره من الكتب المعتبرة، او من كتب غير الامامية ككتاب حفص بن غياث القاضي، والحسين بن عبد الله السعدي، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.
ولا شك ان تصنيف الحديث ابتداء من عصر ابن طاووس (ت/٦٦٤هـ) وتطويره على يد العلامة (ت/٧٢٦هـ) ، كان على اثر فقدان معظم تلك القرائن، فصنفوه الى صحيح، وحسن، وموثق، وضعيف، ثم حاول المتاخرون تطبيق هذا الاصطلاح على كتب الحديث ومن بينها الكافي، فظن من لا خبرة له ان هذا قادح بالكثير من احاديث الكافي، ولم يلتفت الى ان هذا التطبيق لم يلحظ فيه ما جرى عليه ثقة الاسلام رضي الله عنه من اطلاق لفظ الصحيح على ما اقترن بالقرائن المتقدمة التي صار فقدان معظمها سبباً للتصنيف الجديد.
ومن مميزات الكافي ما قاله في الوافي من ان الكليني «ملتزم في الكافي ان يذكر في كل حديث - الا نادراً - جميع سلسلة السند بينه وبين المعصوم عليه السلام، وقد يحذف صدر السند، ولعله لنقله عن اصل المروي عنه من غير واسطة، او لحوالته على ما ذكره قريبا، وهذا في حكم المذكور».
اقول: لا تنافي بين النقل المباشر عن اصل المروي، وبين الاحالة على ما ذكر قريبا، لحاجة النقل المباشر - ما لم تكن معاصرة مع صاحب الاصل - الى اتصال الرواية بالاصل، بل الاختصار السندي في تلك الحالات انما هو للاشعار بالنقل المباشر عن الاصل، مع وضوح الطريق اليه، لا لمجرد الاختصار كما اشتبه بذلك البعض، فظن ان القائلين بالنقل المباشر عن اصل المروي، انما هو قول بالارسال والانقطاع وفي المقام نكات لا يسع المقام لتفصيلها.
ومن مميزاته الاخرى كما نبه عليه بعض المحققين: وضع الاحاديث المخرجة الموضوعة على الابواب على الترتيب بحسب الصحة والوضوح، ولذلك احاديث اواخر الابواب لا تخلو من اجمال وخفاء. ولا يضر خروج بعض الاحاديث عن هذا الترتيب، اذ المراد هو الاعم الاغلب ومنها ايضا: انه لا يورد الاخبار المتعارضة، بل يقتصر على ما يدل على الباب الذي عنونه، وربما دل ذلك ترجيحه لما ذكر على ما لم يذكر.
ومنها: روايته عن مجموعة من مشايخه الثقات بلفظ (عدة من اصحابنا) وقد عرف اكثرهم وشخصت اسماؤهم.
ونكتفي بهذا القدر عن الكافي، ونعود لشخص مؤلفه فنقول: ثناء العلماء عليه: ارتقى الشيخ الكليني رضي الله تعالى عنه، مكانا مرموقا ومنزلة عظيمة بين علماء الاسلام، فحمدت سيرته، وسار ذكره، وعظم صيته عندهم، وطارت شهرته اليهم، فكان فقيها مجددا، وعالما متضلعا، ومحدثا ثقة، ومتكلما بارعا، وعقائديا فذا، عبقري التتبع، بصيرا، ناقدا، واسع المعرفة، مفرط النباهة، حاد الذكاء، اجتمعت في شخصه - مع العلم الغزير - صفات المسلم المؤمن الحقة، من ورع، وزهد، وتقوى، وعبادة، كل هذا مع صفاء السريرة، ونفاذ البصيرة، يزينها الولاء التام لعترة خير الانام; ولهذا كان علما من اعلام اهل بيت النبوة ومعدن الوحي ومهبط الرسالة، فاق اقرانه في كثير من العلوم، اذ له القدم الراسخ في الفقه والحديث والكلام، حتى صار مفزعا للعلماء، وموردا عذبا للمحدثين والفقهاء الذين ما فتئوا يذكرونه بكل جميل.
وفي ما يلي بيان بعض آيات الثناء والذكر الجميل، اما حصرها ابتداء من عصره والى اليوم فهو من المتعذر علينا بهذا البحث; اذ لا نكاد نجد كتابا رجاليا او حديثيا مع كثير من كتب الاجازات والفقه والاصول والكلام خالية من الاجلال والتعظيم لشخصية الكليني الفذة، هذا فضلا عن كلمات كبار العلماء من اهل السنة بهذا الشان، مع اعتراف بعض المستشرقين بفضل الكليني وكتابه الكافي:
الثناء على الكليني ببعض كتب الشيعة:
قال النجاشي (ت/٤٥٠هـ) : «محمد بن يعقوب بن اسحاق ابو جعفر الكليني - وكان خاله علان الكليني الرازي - شيخ اصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان اوثق الناس في الحديث واثبتهم. صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني - يسمى الكافي - في عشرين سنة ».
وقال الشيخ الطوسي (ت/٤٦٠هـ) في الرجال: «جليل القدر، عالم بالاخبار، وله مصنفات، يشتمل عليها الكتاب المعروف بالكافي ». وقال في الفهرست: «ثقة، عارف بالاخبار، له كتب، منها كتاب الكافي، يشتمل على ثلاثين كتابا». وقال السيد ابن طاووس الحلي (ت/٦٦٤هـ) : «الشيخ المتفق على ثقته وامانته، محمد بن يعقوب الكليني، تغمده الله - جل جلاله - برحمته ».
وعده المحقق الحلي (ت/٦٧٦هـ) من اكابر العلماء، واجلاء الرواة في كتابه «المعتبر» الذي ذكر فيه اسماء اعاظم الطائفة من الرواة العلماء، وادرج اسم الكليني معهم. وترجم له العلامة الحلي (ت/٧٢٦هـ)واثنى عليه بعبائر النجاشي والشيخ الطوسي. واثنى عليه ابن داود الحلي (ت/٧٤٠هـ) بما مر من اقوال عن النجاشي والشيخ الطوسي ايضا.
وعده الشهيد الثاني (ت/٩٦٦هـ) على راس من اشتهروا بالعدالة بين اهل النقل وغيرهم من اهل العلم، مؤكدا على انهم ليسوا بحاجة الى التشخيص على تزكية، ولا تنبيه على عدالة; لما اشتهر - في كل عصر - من ثقتهم، وضبطهم، وورعهم، زيادة على عدالتهم. وهكذا الحال مع جميع اساطين الرجال الذين جاءوا بعد عصر الشهيد الثاني والى الآن، فقد اجمعوا برمتهم على كلمة واحدة الا وهي كون الكليني من اعلام هذه الامة، وسوف نذكر اقوال بعضهم ونشير الى بعضها الآخر لغرض الاختصار:
قال الشيخ محمد باقر بن محمد تقي المجلسي (ت/١١١١هـ) : «الشيخ الصدوق، ثقة الاسلام، مقبول طوائف الانام... محمد بن يعقوب الكليني ». وقال السيد محمد مهدي بحر العلوم (ت/١٢١٢هـ) : «ثقة الاسلام، وشيخ مشايخ الاعلام، ومروج المذهب في غيبة الامام عليه السلام، ذكره اصحابنا... واتفقوا على فضله، وعظم منزلته ».
وقال الشيخ عبدالنبي الكاظمي (ت/١٢٥٦هـ) عن مكانته بين علماء الاسلام من الطرفين: «وهو ثقة، محترم عندهم; فلذا سمي ب : ثقة الاسلام ».
وقال الكنتوري (ت/١٢٨٦هـ) : «ثقة الاسلام، قدوة الانام، رئيس المحدثين الكرام، المجدد لمنهاج الائمة الهدى عليهم السلام في راس المائة الثالثة، الشيخ الاقدم ».
وفي روضات الجنات للخوانساري (ت/١٣١٣هـ) : «هو في الحقيقة امين الاسلام، وفي الطريقة دليل الاعلام، وفي الشريعة جليل قدام، ليس في وثاقته لاحد كلام، ولا في مكانته عند ائمة الانام، وحسب الدلالة على اختصاصه بمزيد الفضل، واتقان الامر: اتفاق الطائفة على كونه اوثق المحمدين الثلاثة ». وقال الشيخ عباس القمي (ت/١٣٥٩هـ) : «الشيخ الامام، قدوة الانام، كهف العلماء الاعلام ، ومفتي طوائف الاسلام ، وملاذ المحدثين العظام ابو جعفر ثقة الاسلام ».
وقال ايضا: «شيج اجل، اوثق، اثبت، ابو جعفر محمد بن يعقوب »، واثنى عليه في كتبه الاخرى ايضا الى كثير من اقوال العلماء المبينة لمكانة الشيخ الكليني في نفوسهم نذكر منهم: الشيخ عناية الله القهبائي (ت/١٠١٦هـ)، والشيخ البهائي (ت/١٠٣١ هـ)، والسيد مصطفى التفريشي (ت/١٠٤٤هـ)، والشيخ الطريحي (ت /١٠٨٥ هـ)، والمقدس الاردبيلي (ت/١١٠٠هـ)، والشيخ محمد بن اسماعيل المشهور بابي علي الحائري من اعلام القرن الثالث الهجري، والسيد محسن الاعرجي الكاظمي (ت/١٢٢٧هـ)، والشيخ النراقي (ت/١٣١٩هـ)، والمحدث النوري (ت/١٣٢٠هـ) ، والشيخ المامقاني (ت / ١٣٥١هـ)، والسيد حسن بن هادي الصدر (ت/١٣٥٤هـ)، والسيد محسن الامين (ت/١٣٧١هـ) .
هذا، ولكل من المحقق العلامة المرحوم السيد محمد صادق بحر العلوم والمحقق العلامة المرحوم الشيخ علي اكبر الغفاري والشيخ النجفي المعاصر عبدالحسين المظفر، واستاذنا العلامة الدكتور حسين علي محفوظ ترجمة ضافية للكليني قدس سره فيها المزيد من اقوال العلماء القدامى والمتاخرين.
ولكاتب هذه السطور كتابان مطبوعان حول ثقة الاسلام وكتابه الكافي حاولنا فيهما دراسة شخصية الكليني وابعادها العلمية، مع دراسة ما قيل حول الكافي وبشكل مفصل. ولا يفوتنا ان نشير الى ما كتبه العلامة المحقق السيد عبدالعزيز الطباطبائي في كتابه الغدير في التراث الاسلامي من ترجمة مختصرة مهمة للشيخ الكليني.الثناء عليه بكتب اهل السنة: ان لجلالة الكليني، ومنزلته، وثقته، وامانته، وعدالته اثرها البارز في بعض كتب اهل السنة; اذ عده بعضهم من المجددين لمذهب الامامية مذهب اهل البيت عليهم السلام على راس المائة الثالثة من الهجرة المشرفة، لما جاء في الحديث الشريف: «ان الله تعالى سيبعث لهذه الامة على راس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» منهم: المبارك بن محمد بن الاثير (ت/٦٠٦هـ) الذي عد الامام محمد بن علي الباقر (ت/١١٤هـ) عليهما السلام، من المجددين لمذهب اهل البيت عليهم السلام على راس المائة الاولى من الهجرة الشريفة، وعلى راس المائة الثانية الامام ابي الحسن الثاني علي بن موسى الرضا (ت/٢٠٣هـ)عليهما السلام، وعلى راس المائة الثالثة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله تعالى، وعلى راس المائة الرابعة السيد علي بن الحسين بن موسى الشريف المرتضى (ت/٤٣٦هـ) رضي الله تعالى عنه.
وفي نهاية الدراية للسيد حسن الصدر ما نصه: «وقال الطيبي في شرح مصابيح البغوي: وعن الجزري في جامع الاصول انه قال: ابو جعفر محمد بن يعقوب الرازي، الامام على مذهب اهل البيت عليهم السلام، عالم في مذهبهم، كبير، فاضل عندهم، مشهور، وله ذكر فيمن كانوا على راس المائة الثالثة.. ومن خواص الشيعة ان لهم على راس كل مائة سنة من يجدد مذهبهم، وكان يجدده [مجدده] على راس المائتين علي بن موسى الرضا عليهما السلام، وعلى المائة الثالثة محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله، وعلى المائة الرابعة علي بن الحسين المرتضى.
وقال الطيبي في شرح مصابيح البغوي: في الثالثة من اولي الامر: المقتدر بالله، ومن الفقهاء: فلان - الى ان قال - وابو جعفر الرازي الامامي ».
وقال عبدالغني بن سعيد الازدي المصري (ت/٤٠٧هـ) في المؤتلف والمختلف: «من الشيعة المصنفين مصنف على مذهب اهل البيت عليهم السلام».
وفي تاريخ ابن عساكر (ت/٥٧١هـ) : «ابو جعفر الكليني الرازي، من شيوخ الرافضة، قدم دمشق وحدث ببعلبك عن ابي الحسين محمد بن علي الجعفري السمرقندي، ومحمد بن احمد الخفاف النيسابوري، وعلي بن ابراهيم بن هاشم.
روى عنه ابو سعد الكوفي شيخ الشريف المرتضى ... وابو عبدالله احمد بن ابراهيم، وابو القاسم علي بن محمد بن عبدوس الكوفي، وعبدالله بن محمد بن ذكوان ».
ثم اخرج عنه حديث الامام الصادق عليه السلام قال: قال امير المؤمنين عليه السلام: «اعجاب المرء بنفسه دليل على ضعف عقله ». وقال عز الدين علي بن محمد بن الاثير (ت/٦٣٠هـ): «الكليني، وهو من ائمة الامامية وعلمائهم».
وقال العلامة السيد عبدالعزيز الطباطبائي: «واثنى عليه الذهبي في المشتبه ٢: ٥٥٣ قائلا: محمد بن يعقوب الكليني من رؤوس فضلاء الشيعة في ايام المقتدر.
واطراه باكثر من هذا في سير اعلام النبلاء حيث ترجم له في ١٥: ٢٨٠ [برقم: ١٢٥] وقال: شيخ الشيعة، وعالم الامامية، صاحب التصانيف ابو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، روى عنه احمد بن ابراهيم الصيمري وغيره، وكان ببغداد، وبها توفي، وقبره مشهور».
وقال صلاح الدين الصفدي (ت ٧٦٤هـ) : «وكان من فقهاء الشيعة والمصنفين على مذهبهم ». وقال ابن حجر العسقلاني (ت/٨٥٢هـ) : «وكان من فقهاء الشيعة والمصنفين على مذهبهم ». و«من رؤوس فضلاء الشيعة في ايام المقتدر». وعده الفيروز آبادي (ت ٨١٧هـ) من فقهاء الشيعة.
ومثله الزبيدي الحنفي (ت/١٢٠٥هـ) قال: «الكليني من فقهاء الشيعة ». وقال خيرالدين الزركلي الوهابي (ت ١٩٧٦م) : «محمد بن يعقوب بن اسحاق ابو جعفر الكليني، فقيه امامي، من اهل كلين (بالري)، كان شيخ الشيعة ببغداد، وتوفي فيها، من كتبه (الكافي في علم الدين) ... صنفه في عشرين سنة ».
الثناء عليه بكتب المستشرقين: لم يقتصر الاعتراف بفضل الكليني على علماء الاسلام وحدهم، بل طارت شهرته الى عالم الاستشراق حتى شهدوا بفضله ايضا، وخير الفضل ما شهدت به الاعداء.
قال ت . ژش چسچا ذخژخحدچذرا : عن المحمدين الثلاثة اصحاب الكتب الاربعة: «واول هؤلاء المحمدين واعلاهم منزلة هو محمد بن يعقوب الكليني الذي الف كتاب الكافي في علم الدين ».
وفاته (قدس سره):
لعلماء الرجال قولان في بيان تاريخ وفاة الشيخ الكليني رحمه الله تعالى. اولهما: انه توفي في شهر شعبان سنة ٣٢٩هـ، وهو ما اقتصر عليه الشيخ النجاشي (ت/٤٥٠هـ) ، والشيخ الطوسي (ت/٤٦٠هـ ) في الرجال، واختاره العلامة الحلي (ت/٧٢٦هـ ) وكثير ممن جاء بعده من المتاخرين.
وثانيهما: انه توفي في سنة ٣٢٨هـ، وقد ذكر هذا التاريخ واقتصر عليه الشيخ الطوسي في الفهرست، وابن الاثير (ت/٦٣٠هـ) في الكامل، والسيد ابن طاووس (ت/٦٦٤هـ) في كشف المحجة، ووقف عليه جملة من المتاخرين. وقد تردد بين هذين التاريخين عدد من العلماء المتاخرين دون ابداء الترجيح بينهما. والظاهر رجاحة القول الاول على الرغم مما ذكره الشيخ في الفهرست; لان كتاب الفهرست هو اسبق تاليفاً من كتاب رجال الشيخ للاكثار من الاحالة في الثاني الى الاول، وعليه يمكن عد قوله الاخير في كتاب الرجال الموافق لقول النجاشي هو بمثابة العدول عن قوله السابق في الفهرست.
ويمكن ان يقال: ان قول الشيخ في الفهرست معارض لقوله في الرجال فيتساقطان، فيبقى قول النجاشي بلا معارض. ولقد وقفت منذ بضع سنين على نص صريح في كتاب اخبار الراضي للصولي المعاصر للشيخ الكليني وكان معه ببغداد، وتوفي الصولي سنة ٣٣٥هـ، يصرح فيه بوفاة الشيخ الكليني في منتصف شعبان سنة ٣٢٩هـ، وللاسف ان هذا الكتاب لم يقع بيدي اثناء تحرير هذا التعريف بالشيخ الكليني.
مكان الوفاة:
اتفقت جميع المصادر المعتمدة - الامامية وغيرها - على حصول الوفاة ببغداد بباب الكوفة، وهي احدى ابواب بغداد من ناحية الجنوب الغربي للمدينة باتجاه الكوفة. وقد اشتبه كل من الدكتور احمد امين المصري (ت/١٣٧٣هـ) Donaldisin ضحى الاسلام، والمستشرق في عقيدة الشيعة باسم باب الكوفة، فذكرا ان وفاته (قدس سره الشريف) كانت في الكوفة .
الوداع الأخير:
وبعد وفاته (رحمه الله تعالى) ببغداد في الجانب الغربي منها بباب الكوفة، درب السلسلة خرجت اعيان بغداد ووجوهها وجماهيرها لتشييع الجثمان الطاهر، وقد ام الجموع المحتشدة - التي خرجت تودع فقيهها ومحدثها الوداع الاخير - للصلاة على الجثمان الطاهر السيد محمد بن جعفر الحسني المعروف بابي قيراط، وهو من كبار علماء الامامية، ونقيب الطالبيين ببغداد.
ولا شك انه كان يومه يوما مشهودا ودعت فيه بغداد علما من اعلامها، ووارت جثمانه الثرى، وهي منطقة (الجعيفر) الحالية ببغداد في جانب الكرخ، وهناك تحقيق عن مكان قبره الشريف تغمده الله عزوجل برضوانه، وانزل عليه شآبيب رحمته، وحشره مع اهل بيت نبيه عليهم السلام.
(ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فاولئك لهم الدرجات العلى)