المهدوية ضرورة في الإسلام
الشيخ حسن الجواهري
في الكافي عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «يا زرارة وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه، ومنهم من يقول: حمل [مات أبوه وهو حمل]، ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين»، ثم قال: «يا زرارة، إن أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء: «اللهم عرفني نفسك...» الحديث.
في هذا الحديث يبين لنا الإمام (عليه السلام) أن معرفة الحجة على الخلق من أهم مسائل البناء العقائدي؛ لأنها المقدمة الموصلة إلى الله تعالى، والأئمة (عليهم السلام) يقولون:
«بنا عرف الله، بنا عرف الله، لولانا ما عرف الله».
وحينما يقول الإمام (عليه السلام): «بنا عرف الله»، يعني بذلك الأئمة والرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأن الرسول خاتم وإمام بالإضافة إلى نبوته (صلّى الله عليه وآله وسلّم). فهو على رأسهم وهو أولهم (عليهم السلام). وأن معرفة الله معرفة حقيقية لا تتم إلّا عن طريقهم.
فالإمامة هي الارتباط بيننا وبين الله سبحانه وتعالى، وبهذا يتأكد أن الإمامة أصل المطلب.
وبهذه النظرية تنهدم قواعد غير الشيعة الإمامية، هؤلاء الذين لا يقولون بأن الإمامة منصوبة من قبل الله تعالى، والآية الكريمة تقول: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً﴾، وعليه فإن الإمامة بالجعل وليست بالانتخاب وليست بالادِّعاء، والقول ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً﴾ يعني أنّ هؤلاء الذين كانوا مع الرسل قد جعلناهم أئمة، جعلنا هذه الأطروحة التي في الإمامة، أي الإمامة التي تكون في زمان مخصوص، وفي مكان مخصوص.
وهنا نقول: هذه الإمامة الصغيرة، الخاصة تحتاج إلى جعل، فكيف إذن مطلق الإمامة العامة التي تكون بعد الرسول الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والتي هي للبشرية جمعاء ولا يحدها زمان ولا يحدها مكان، ألا تحتاج أن تكون مجعولة من قبل الله تعالى وليست بانتخاب أو بادِّعاء، وهذا ما نريد أن نثبته.
إننا حينما نزور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، نقول ومن ضمن فقرات الزيارة الواردة عن الأئمة (عليهم السلام) هذه العبارة: «السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفأ» ويعني: السلام عليك أيها المهدي يا نور الله الذي لا يطفأ.
وإننا حينما نأتي إلى القرآن الكريم نرى أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ وفي آية ثانية يقول عز من قال: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾.
أترى أن بين ما جاء في الزيارة التي جاءت من قبل الأئمة (عليهم السلام)، أي عبارة «السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفأ» وبين الآية القرآنية التي تقول ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللهِ﴾ أمراً مشتركاً؟ فهل هذا اتفاق أم هو إعجاز من القرآن؟
نقول: إنه بلا شك إعجاز، فالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) نور الله الذي لا يطفأ، ومن لم يكن إمامياً مهدوياً فهو يسعى لإطفاء ذلك النور، والقرآن يقول: ﴿وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
فبالتأكيد ليس بين الأمرين اتفاق، بل إعجاز.
نحن نعتقد بأن الأئمة (عليهم السلام) بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثنا عشر، كلهم من قريش، أولهم الإمام علي (عليه السلام) وآخرهم المهدي الحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه)، هذه عقيدتنا وعليها الأدلة الروائية التي هي سنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وفكرة المهدوية فكرة إسلامية ضرورية، اعترفت بها جميع الفرق الإسلامية، وهناك ستة آلاف رواية يذكرها (الشيخ لطف الله الصافي) في كتابه - منتخب الأثر - كلها تدل على أن المهدوية من صميم دين الإسلام. وقلّما تجد في موضوع واحد مثل هذا العدد الهائل من الروايات.
إننا نرى حتى من هو متعصب ضد الإمامية مثل (ابن تيمية) يقول:
(إنّ الأحاديث التي يحتجّ بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة)، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيره، ومن حديث ابن مسعود وغيره كقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل مني يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً» وفي رواية سلمان (رضي الله عنه) قال: من أي ولدك يا رسول الله؟ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من ولد ولدي هذا»، وضرب على كتف الحسين (عليه السلام). وقد ورد أيضاً في حديث أبي بكر الإسكافي: (قال من كذّب بالدّجال فقد كفر، ومن كذب بالمهدي فقد كفر).
فهل توجد في العالم نظرية تقول بأن الأئمة بعد رسول الله اثنا عشر غير نظرية الإمامية؟
لقد صرَّح بعض أهل السنّة فقال: (إن هذه الروايات لا يمكن أن تفسر وليس لها وجه صحيح إلّا على ما تقوله النظرية الإمامية).
إذن ما أخذناه قد أخذناه من السنة النبوية وليس من تراثنا نحن - القضية الأولى تقول: إن المهدوية ضرورة إسلامية، والأخرى التي تقول إنهم - أي الأئمة (عليهم السلام) اثنا عشر وكلهم من قريش.
يدّعي البعض أن هذه الروايات قد اخترعها الشيعة لأنهم وقعوا في مأزق باعتبار أن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مات وعمره ثمان وعشرون سنة ولم يوصِ ولم يكن له ولد، فاخترع الشيعة الإمامية هذه الرواية، لأن عندهم أن الإمام لا يموت حتى يوصي إلى ولده، فلما لم يكن لديه ولد فالشيعة قد اختلقوا هذه المقالة.
ونحن نقول بإزاء هذا الادّعاء: إن هذا إرهاب فكري، والإرهاب اثنان عملي وفكري، فأي مأزق للشيعة إذا مات الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وليس له ولد؟ كان بإمكان الشيعة أن يقولوا إن الإمام هو أخوه أي أخو الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، كما أن الإمام الحسن (عليه السلام) إمام، والإمام الحسين (عليه السلام) إمام أيضاً، فإذا أراد الشيعة أن يخرجوا من المأزق فسيقولون إن الإمام أخوه، فلماذا لم يقولوا ذلك إذن؟
وقالوا إن الإمام ولده وقد غاب، فلا قضية هناك ولا مأزق.
والنتيجة أنه لا يوجد تفسير لتلك الروايات إلّا ما يقوله الشيعة الإمامية.
وأن جملة من أهل الإنصاف من السنة قد ذكروا ذلك واعترفوا بأن المهدي هو الحجة بن الحسن العسكري (عجّل الله فرجه)، منهم (محيي الدين بن العربي) في الفتوحات المكية - حيث ذكر أن الذي بشر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الحجة بن الحسن العسكري - ولكننا نجد في الطبعة الثانية من الكتاب أن ما ذكره ابن عربي، قد حذف - أي حذفت العبارة التي تؤكد نسب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، لكن من حذفوها نسوا أن علماء السنة كانوا قد نقلوا العبارة عن الفتوحات المكية في طبعتها الأولى في كتبهم، وأن حذفها في طبعات لاحقة لخيانة كبرى - خيانة أن يحذف رأي عالم من كتابه في طبعات متأخرة.
ومن أهل الإنصاف أيضاً (الشعراني) في (اليواقيت والجواهر) ومنهم (الحمزاوي) في (مشارق الأنوار) ومنهم (الصبان) في كتاب (إسعاف الراغبين) ثم (سبط ابن الجوزي) في كتابه( تذكرة الخواص) ثم (ابن الخشاب المالكي) في كتابه (الفصول المهمة) و(محمد النجار الحنفي) في كتابه (فصل الخطاب)، كل هؤلاء اعترفوا أن الذي بشَّر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الحجة بن الحسن العسكري (عجّل الله فرجه).
فهذه هي الحجة، وهذا هو الدليل، وكان من السنة النبوية، وبالسّنة النبوية تنتهي كل الإشكالات.