الانتظار بين الادعاء والاختيار
الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
قالوا: إن الاختيار لا يكون له واقع إلا إذا كان هناك عدة أمور متاحة للفرد، وعندما يعقد عزمه على انتخاب أحدها يكون حينئذ مختاراً.
وهذه سنة في الحياة، لها مردودات عديدة في شتى المجالات. وقد استغلها العديد من الناس استغلالاً إيجابياً. واستغلت من قبل آخرين.
والدين كان ملتفتاً إلى هذه السنّة. ولذا أعطى تعليماته الخاصة في هذا المجال، ليكون المؤمن على بصيرة، حينما يقف على مفترق طرق، ويترك له الخيار في انتخاب أيهما شاء.
وهذه سيرة أئمتنا (عليهم السلام) تعطينا الخطوط العامة لممارسة الاختيار بصورة صحيحة، فما خُيّر أحدهم بين أمرين إلا اختار ارضاهما لله تعالى.
إلا أن هناك حقيقة مرة لا بد من الالتفات إليها، وهي أن الاختيار عادة ما يكون مدعاة للتعارض بين المبادئ والرغبات. وهنا تبرز قوة الإيمان من ضعفه، لتحكي لنا الواقع الذي يعيشه الفرد، وأن أظهر خلاف ذلك.
ونحن في زمن الغيبة، نعيش هذا الخطر، ليتمخض الأمر في النتيجة عن صدق دعوانا بأننا منتظرون ونعمل على أن نكون ممهدين أو عدم صدق ذلك. ويتجلى ذلك في العديد من المواقف، منها:
- عندما يدعو أحدنا بتعجيل الفرج، فإن دعاءه يحكي عن عزم للعمل على توسيع رقعة الصالحين، ولكن مع الأسف نجد البعض يخالف قوله عمله، ليعمل عملاً غير ذلك، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويرجي التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين ...).
- إن المنتظر حقاً هو من يكون مستعداً تمام الاستعداد لقوانين الظهور المقدس، والتي ينطوي كثير منها على مخاطر التخلي عن المال والأولاد وجميع الناس لو تعارضت هذه الأمور مع دولة الحق.
ولكن البعض تنكشف حقيقته عندما يجد ولده أو أخاه على خلاف الدين، ولكنه مع ذلك يركب شعار: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً! فكيف إذا كان ممن استوجب نقمة الله تعالى على يدي المهدي، فهل سيكون المدعي للانتظار راضياً بفعل الإمام مهما كان؟!
- إن حركة الظهور المقدس ستغير كثيراً من الأمور التي باتت من الثوابت اليوم، وهذا يعني أن على المنتظر الحقيقي أن يعمل - لا أن يتمنى فقط - على الاستعداد التام لذلك والرضا المطلق به، ولا ينخدع بقوم علقوا على صدورهم المصاحف. أو آخرين تباكوا من أجل الدين، فإن اختيار المرء للإمام (عليه السلام) يعني أنه هو الحق وما سواه باطل، وشعار المنتظر لابد أن يكون: فالحق ما رضيتموه، والباطل ما اسخطتموه.
هي دعوة للعمل بصدق على اختيار الدين عموماً، والقضية المهدوية خصوصاً، وهي أمنية بحاجة إلى الكثير من العمل الصادق، والدعاء بالتوفيق من الله (جلّ وعلا).