الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٤٦) المهدوية والحركات الإسلامية
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٤٦) المهدوية والحركات الإسلامية

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: أحمد راسم النفيس تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٣/٠٦/٠٢ المشاهدات المشاهدات: ٣٨٤٠ التعليقات التعليقات: ٠

المهدوية والحركات الإسلامية

د. أحمد راسم النفيس

شكلت (الفكرة المهدوية) مكوناً هاماً من المكونات الفكرية للحركات الإسلامية القديمة والمعاصرة، بغض النظر عن صحة الرؤية التي يعتمدها هؤلاء عن المهدوية من عدمها.
التصورات التي يتبناها البعض عن الإسلام ليست بالضرورة نابعة من الكتاب والسنة، خاصة عندما لا يعلق في أذهان الناس بمن فيهم من يعدهم البعض قادة الإصلاح من التصور الأصلي إلّا خيالات أو ذرات هائمة من الحقيقة.
المهدوية عند أصحابها عقيدة قديمة قدم التاريخ الإسلامي وهي ذروة عملية من التغيير والإصلاح التكاملي الذي احتاج قروناً من الزمان، وربما يحتاج قروناً إضافية، وهي عند غيرهم نزوة طارئة وشهوة زعامة تهبط على عقل صاحبها كما تهبط أمطار الصيف من سماء زرقاء صافية!
المهدوية عند المدعين إمّا أن ترتدي لبوس المهدي شخصاً ودوراً أو تكتفي بانتحال دور المخلص المنتظر الذي تشتاق إليه البشرية ليملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، والذي جاء ليطبق الشريعة الإسلامية ويخلص الناس من الانحرافات العقائدية ربما ليوقعهم في المزيد منها أو ليزيد أزماتهم تعقيداً، ويضيع من بين أيديهم حلولاً واقعية ربما كانت لتخفف بعضاً من آلامهم ريثما يظهر المخلص الحقيقي الموعود!
المهدوية ليست مجرد بدعة شيعية، وإلّا فليشرح لنا القوم معنى (الأسماء والصفات) التي يسبغونها من دون ضابط ولا رابط على بعض القادة، فهم إمّا مجدد للقرن أو إمام ملهم أو أعجوبة الزمان أو إمام العصر الذي من أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله ورسوله!
الحديث عن المهدوية وعلاقتها بالحركات الإسلامية المعاصرة لا ينبغي أن يقتصر على تلك الحركات التي تصدى لقيادتها من انتحلوا صفة (الإمام المهدي المنتظر) لحماً ودماً، بل يمتد إلى غيرها من الحركات التي زعم قادتها أو زعم لهم صفات قيادية ومهام كونية جامعة، من ذلك النوع الذي يختص به الإمام المهدي وهو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
يعرض العلامة المفكر آية الله مرتضى المطهري في كتابه القيم عن الحركات الإسلامية أسباب أفول الفكر الإصلاحي في العالم العربي بقوله:
لو كان هناك أفراد يمكن أن نعدهم أبطالاً للحركة الإصلاحية في العالم العربي، فإنهم لا يتعدون ثلاثة، هم من حيث الأهمية: السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ عبده والكواكبي.
وهنا تطرح عدة أسئلة: لماذا لم تقم تلك الشخصيات التي ادَّعت الإصلاح في العالم العربي، بعمل متكامل وصحيح؟
ولماذا سقطت جاذبية الحركة الإصلاحية الإسلامية من البلدان الإسلامية؟ ولماذا حصلت الحركات القومية والعربية من أمثال البعث والناصرية، أو الحركات الاشتراكية والماركسية على جاذبية الكثيرين من الشباب العربي؟
السبب الرئيسي الذي جعل الحركة الإسلامية التي بدأها السيد جمال الدين تفقد أهميتها وحرارتها، هو تحولها إلى حركة سلفية تحصر (الرجوع إلى الإسلام الأصيل) بـ(الرجوع إلى الحنبلية) ثم تغيرت بعد ذلك الروح الثورية من النضال ضد الاستعمار والاستبداد إلى النضال ضد العقائد التي تخالف معتقدات الحنابلة.
إن من أعجب العجب أن تلك الحركات ذات المرجعية السلفية، حاولت وما زالت تحاول أن تقدم قادتها في صورة (أئمة مهديين) بدلاً من الاكتفاء بوضعهم في إطار واقعي كأصحاب (مشروع إصلاحي) يصيب أو يخطئ ويتعثر تارة وينهض تارة أخرى.
الإخوان المسلمون مثلاً يرون أن مؤسس الجماعة هو (أعجوبة هذا الزمن، ورائداً من روّاد الخير والحرية والفضل، عاش للإسلام، واستشهد في سبيل الإسلام رافعاً لرايته، رافعاً لهذا الحق، مربياً لهذه الأجيال...).
يكتب أحدهم في ذكرى مقتل مؤسس الإخوان: (في هذه الأيام تحلُّ علينا مئوية الشيخ البنّا الرجل العملاق مجدد القرن العشرين بغير منازع، صاحب الفهم العميق والتصوُّر المحيط والإدراك الشامل لحقائق الإسلام وأحكامه والداعية صاحب البيان الرائع والبلاغة الآسرة واللفظ الساحر والحكمة العميقة، والتنظيم الدقيق، والصفات الكثيرة المتنوعة، التي تستحيل (لاحظ وتأمل!) أن توجد في رجل أو تُجمَع في إنسان، ومع هذا عاش الرجل يجالد الفساد في التصور، والانحراف في الفهم، ويصارع الأباطيل، عسى أن يهدي اللهُ الضالَّ، ويصلح الفاسد، ويبصِّر الأعمى، ولكن الفساد كان عميقاً والظلام داجياً؛ بحيث إذا أخرج الإنسان يده لم يكد يراها، والكيد إبليسيّاً وشيطانيّاً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض، ولكن الرجل صارعهم فصرعهم ونازلهم فهزمهم).
إنها مهدوية بلا مهدي، وحسب كتاب الجماعة وشعرائها أن ينسبوا لزعيمها وقائدها كل أو بعض صفات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فتتدفق الجموع لتعطي بيعتها لإمام (أحيا كل موات في ضمائرنا) فكان كل المسلمين (إخواناً) وكان أن أصبح الإنسان إنساناً، شئنا أم أبينا!
الأمر ليس كما يتصور البعض مجرد جنوح خطابي للمبالغة والتهويل، بل هو جنوح نفسي للبحث عن إمام قائد مخلص يرتمي الأتباع في أحضانه فيأخذهم إلى سماوات الخيال العلا لا لشيء سوى امتلاكه هو الآخر للسان خطابي جموح يمتلك الجرأة على إطلاق التهديدات وبذل الوعود غير العقلانية بغير ضابط ولا رابط.
ولك أن تلاحظ أن الرجل أضحى (إماماً) في حين أن مربط الفرس وموضع الإنكار على الشيعة هو في اعتقادهم بالنص على إمامة أهل البيت (عليهم السلام)!
مهدوية بمهدي!
تحدثنا سابقاً كيف أن الكثير من الحركات الإسلامية كانت مهدوية بلا مهدي، أي أنها تمنح قائد الحركة ومؤسسها أغلب خصائص المهدي المنتظر دون أن تمنحه اللقب، بينما قام البعض بجرأة يحسد عليها بمنح (القائد) المكانة واللقب بلا تردد ولا مداراة.
تحت عنوان (كيف صار مهدياً) يقول الدكتور عبد الودود شلبي:
أقبل اليوم الموعود ليعلن محمد أحمد أنه المهدي المنتظر وإمام الزمان الذي تجب طاعته على كل البشر، وكان هذا في غرة شعبان سنة ١٢٩٨ الموافق ٢٩ يونيو ١٨٨١ حيث جاء في بيان إعلان مهدويته (وحيث إن الأمر لله والمهدية المنتظرة أرادها الله واختارها للعبد الفقير محمد بن السيد عبد الله فيجب التسليم والانقياد لأمر الله ورسوله... وبعد هذا البيان فالمؤمن يؤمن ويصدق لأن المؤمنين هم الذين يؤمنون بالغيب ولا ينتظرون لأخبار أخر، فمن انتظر بعد ذلك فقد استوجب العقوبة لأنه (صلّى الله عليه وآله) قال: من شك في مهديته فقد كفر بالله ورسوله).
ثم يقول الدكتور شلبي: وماذا ينقص محمد أحمد حتى يكون مهدياً؟! إنه عالم وصالح وشريف النسب، كما أنه أفرق الثنايا على خده خال وبينه وبين رسول الله شبه في الاسم وشبه في اليتم.
أدبيات المهدي السوداني:
يعرض لنا الدكتور شلبي بعضاً من أدبيات المهدي السوداني:
(من العبد المفتقر إلى الله محمد المهدي بن عبد الله إلى أحبابه في الله المؤمنين بالله وكتابه، أمّا بعد: فلا يخفى تغير الزمن وترك السنن ولا يرضي ذلك ذوو الإيمان والفطن، بل أحق أن يترك لذلك الأوطار والوطن لإقامة الدين والسنن، ثم أحبابي كما أراد الله في أزله وقضائه تفضل على العبد الذليل بالخلافة الكبرى من الله ورسوله وأخبرني سيد الوجود (صلى الله عليه [وآله] وسلم) بأني المهدي المنتظر وخلفني عليه الصلاة والسلام بالجلوس على كرسيه مراراً بحضرة الخلفاء الأربعة والأقطاب والخضر (عليه السلام) وأيدني بالملائكة المقربين وبالأولياء الأحياء والميتين من لدن آدم إلى زماننا هذا، وكذلك بالمؤمنين من الجن والإنس وفي ساحة الحرب يحضر معهم سيد الوجود (صلّى الله عليه وآله) بذاته الكريمة وكذلك الخلفاء الأربعة والأقطاب والخضر (عليه السلام) وأعطاني سيف النصر من حضرته (صلّى الله عليه وآله) وأعلمت أنه لا ينصر عليّ معه أحد ولو كان الثقلين الجن والإنس. ثم أخبرني سيد الوجود بأن الله جعل لي علامة أخرى تخرج راية من نور وتكون معي في حالة الحرب يحملها عزرائيل (عليه السلام) فيثبت بها أصحابي وينزل الرعب في قلوب أعدائي، فلا يلقاني أحد بعداوة إلّا خذله الله.
وحيث إن الأمر لله والمهدية أرادها الله لعبده الحقير الذليل محمد المهدي بن عبد الله فيجب التصديق بذلك لإرادة الله، وقد أجمع الخلف والسلف على تفويض العلم لله فعلمه سبحانه لا يتقيد بضبط القوانين ولا بعلوم المتفننين، بل يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده علم الكتاب. هذا وقد أخبرني سيد الوجود بأن من شك في مهديتك فقد كفر بالله ورسوله كررها ثلاث مرات، وجميع ما أخبرتكم به من خلافتي على المهدية فقد أخبرني به سيد الوجود يقظة في حال الصحة خالياً من الموانع الشرعية، لا بنوم ولا بجذب ولا سكر ولا جنون، بل متصفاً بصفات العقل، أقفو أثر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالأمر فيما أمر به والنهي عما نهى عنه.
وإني لا أعلم بهذا الأمر حتى هجم علي من الله ورسوله من غير استحقاق لي بذلك، فأمره مطاع وهو يفعل ما يشاء ويختار وحكم نبيه كحكمه ولما تكاثرت منه البشائر والأوامر لي في هذا المعنى امتثلت قياماً بأمر الله وقد كنت قبل ذلك ساعياً في إحياء الدين وتقويم السنة، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
ولما حصل يا أحبابي من الله ورسوله أمر الخلافة الكبرى أمرني سيد الوجود (صلّى الله عليه وآله) بالهجرة إلى (ماسة) بجبل قدير، وأمرني أن أكاتب جميع المكلفين أمراً عاماً، فكاتبنا بذلك الأمراء ومشايخ الدين فأنكر الأشقياء وصدق الصديقون الذين لا يبالون بما لقوه في الله من المكروه، وما فاتهم من المحبوب المشتهى، بل ناظرون إلى وعده سبحانه وتعالى بقوله: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (القصص: ٨٣)، والهجرة المذكورة بالدين واجبة كتاباً وسنة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ (الأنفال: ٢٤) وقال (صلى الله عليه وآله): «من فر بدينه من أرض إلى أرض استوجب الجنة» إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث، فإذا فهمتم ذلك فقد أمرنا جميع المكلفين بالهجرة إلينا لأجل الجهاد في سبيل الله وإلى أقرب بلد منكم لقوله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ﴾ فمن تخلف عن ذلك دخل في وعيد قوله تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾ فإذا فهمتم ذلك فهلموا للجهاد في سبيله ولا تخافوا من أحد غير الله، لأن الخوف من غير الله يعدم الإيمان بالله والعياذ بالله من أجل ذلك قال الله تعالى: ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾، فمن كان مهتماً بإيمانه حريصاً على أمر ربه أجاب الدعوة واجتمع مع من ينصر دينه. وليكن معلومكم: أني من نسل رسول الله فأبي حسني من جهة أبيه وأُمه وأُمي كذلك من جهة أُمها وأبوها عباس والعلم لله أن لي نسبة إلى الحسين وهذه المعاني الحسان تكفي لمن أدركه الله بالإيمان فلا عبرة لمن يراها ولم يصدق بها.
حضرة نبوية؟!
ومن البشائر التي حصلت لنا أنه حصلت لي حضرة نبوية حضرها الفقيه عيسى فيأتي النبي ويجلس معه ويقول للأخ المذكور شيخك هو المهدي فيقول الفقيه عيسى إني مؤمن بذلك فيقول من لم يصدق بمهديته فقد كفر بالله ورسوله قالها ثلاث مرات، ثم يقول له الأخ المذكور: يا سيدي يا رسول الله: الناس من العلماء يستهزئون بنا والخشية من الترك فيقول: إن قوي يقينكم إن أشرتم بأدنى قشة تنقضي حوائجكم.
يتعين علينا أن نتأمل في هذا الخطاب (المهدوي) خاصة عندما يكشف لنا المهدي السوداني أنه لم يكن يطمع في هذا المنصب الرفيع فضلاً عن أنه لم يكن يعرف أنه المهدي المنتظر ولا أنه صاحب الزمان لولا أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رجاه وألح عليه في القيام بهذه المهمة كما أنه لم يكن يرى نفسه أهلاً لهذا المقام، ولكنه اضطر للقبول بهذا المنصب! بعد كثرة الإلحاح والرجاء خشية أن يخرب العالم ويفسد الدين لو لم يقبل القيام بهذه المهمة! حيث يقول: (وإني لا أعلم بهذا الأمر حتى هجم عليَّ من الله ورسوله من غير استحقاق لي بذلك، فأمره مطاع وهو يفعل ما يشاء ويختار وحكم نبيه كحكمه ولما تكاثرت منه البشائر والأوامر لي في هذا المعنى امتثلت قياماً بأمر الله وقد كنت قبل ذلك ساعياً في إحياء الدين وتقويم السنة ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم).
ولأنه قبل إلحاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ورجائه وصار مهدياً، بل وأصبح من (معلوماً من الدين بالضرورة) بعد أن لم يكن معلوماً حتى لنفسه!
لذا فقد أوجبت عليه الديباجة السابقة أن يعلن للدنيا بأسرها أن من شك في مهديته فقد كفر بالله ورسوله خاصة، أن رسول الله أخبره بذلك شفاهة ويقظة لا نوماً ولا سكراً!
ومن ثم فلا حاجة لإقامة دليل أو برهان أو شهادة على صحة ما ادعاه هذا المهدي المزعوم من وجود اتصال مباشر بينه وبين رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
مهدي وهابي!
يقول الدكتور عبد الودود شلبي في كتابه: عندما نعود إلى البيانات والمنشورات التي أصدرها المهدي نرى مطابقة أقواله وأحكامه لهذا الفكر السلفي ومنابعه حيث يقول: (لا تستغيثوا بأحد دون الله ولو كان نبياً رسولاً أو ملكاً، فجميع الأنبياء دعوا إلى وحدانية الله فلا تتوهموا وتنسبوا إلى رجل صالح شيئاً أو تطلبوا منه شيئاً، فإن ما سوى الله يقطع النظر عن الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾، وقال تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ﴾).
ويضيف الدكتور شلبي (وفي هذا المنشور تجسيد آخر لتعاليم ابن تيمية وابن عبد الوهاب فيما يأتي: أولاً: منع الاستغاثة بغير الله ولو كان نبياً أو ملكاً، ثانيا: ألا ينسبوا أو يتوهموا أو يطلبوا من رجل صالح شيئاً، ثالثاً: اعتبار أي عمل من هذه الأعمال شركاً، إنها نفس الآراء والأحكام التي أصدرها بن عبد الوهاب وابن تيمية وتكاد الألفاظ والعبارات أن تكون واحدة على نحو ما بينا في المقدمة).
ويذكر الدكتور شلبي أن التعايشي (خليفة المهدي) أعلن إلغاء المذاهب والطرق الصوفية حتى لا يبقى إلّا الدين الخالص.
(التعايشي) والبحث عن مهدي!
الدور الذي لعبه عبد الله التعايشي (خليفة المهدي) ووارث دولته بعد موته يحتاج أيضاً إلى وقفة تأمل إذ إن هذا النوع من الرجال هو آفة من آفات الحركة الإصلاحية، بل آفة من آفات هذا الدين فهو قد جمع بين خصلتين من أسوأ الصفات فهو من ناحية لا يبالي بما أفسد أو خرب وهو من ناحية أخرى ممن «يَطْلُبُ اَلدُّنْيَا بِعَمَلِ اَلْآخِرَةِ وَلاَ يَطْلُبُ اَلْآخِرَةَ بِعَمَلِ اَلدُّنْيَا» كما قال الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
كان هذا التعايشي كما يذكر الدكتور شلبي تواقاً إلى النفوذ والسلطة وقد بذل والده عناية خاصة في تعليم أبنائه، ولكنه وجد عناء معه إذ اشتهر بانصرافه عن علوم الدين وحفظ القرآن فكان أن انشغل بهذا النوع من المغامرات والبطولات فانضم للرزيقات في حربهم مع الزبير رحمة باشا ووقع أسيراً في يديه فأمر بقتله لولا أن تشفع فيه الفقهاء ورجال الدين فإن أرسل إلى الزبير باشا رحمة أنه حلم حلما رأى فيه أنه المهدي المنتظر وأنه أي عبد الله التعايشي سيكون وزيره فزجره الرجل وأمره بألا يعود إلى هذا الدجل الرخيص!
ثم ذهب إلى الشيخ محمد شريف نور الدائم شيخ الطريقة السمانية وقال له: أنت المهدي المنتظر! أي أن الرجل كان يبحث عن مهدي منتظر ليكون مستشاره ووزيره (ووصيه ووارثه من بعده!) وقد رفض الشيخ محمد شريف هذه اللعبة ثم قال له: إن كنت تبحث عمن يقول ذلك فعليك بتلميذي السابق محمد أحمد الذي كان في ذلك الوقت يقيم قبة على قبر شيخه القرشي، وكان الشيخ القرشي قد أعلن أن من يختن أولاده ويبني قبة على ضريحه سيكون هو المهدي، وبينما هو على هذا الحال إذ وفد عليه التعايشي وخر ساجداً بين قدميه يتمرغ ويبكي وحين سأله محمد أحمد عن سبب ذلك قال: كان لي أب صالح من أهل الكشف وقد أخبرني قبل وفاتي أنني سأقابل المهدي وأكون وزيره، فلما حضرت إليك رأيت فيك العلامات التي أخبرني بها والدي فابتهج قلبي لرؤية مهدي الله وخليفة رسوله.
ثم يقول الدكتور شلبي: لقد كان (التعايشي) هو الذي دفع محمد أحمد للمسارعة بإعلان دعوته ولو تأخر عشر سنوات (في إبلاغه بهذا الكشف الهام والخطير!) لتأخرت الدعوة عشر سنوات وقد حفظ محمد أحمد للتعايشي هذه اليد وجعله الوارث لدعوته وخلافته من بعده وهدد كل من يتناول أعماله وتصرفاته بالنقد (لأن جميع أعماله وأحكامه محمولة على الصواب، ولأنه أوتي الحكمة وفصل الخطاب، ولو كان حكمه على قتل نفس منكم أو سلب أموالكم ومن تكلم في حقه ولو بالكلام النفسي فقد خسر الدنيا والآخرة ويخشى عليه من الموت على سوء الخاتمة...).
انتهى الأمر بمهدي السودان المزعوم كما هو معلوم، ولسنا في حاجة لسرد واستقصاء وقائع وأحداث التاريخ فها هم أحفاده الآن في السودان يتحدثون عن الديموقراطية والليبرالية، ولم يبق من ذكريات هذا المزعوم إلّا بعض الألقاب والذكريات.
خلفاء المهدي:
قام مهدي السودان بتعيين (خلفاء) ولكنهم ليسوا خلفاء له، بل كانوا خلفاء قادة الحكم الإسلامي الأوائل، فالمهدي هو خليفة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمّا عبد الله بن محمد (التعايشي) فكان خليفة أبي بكر أو (خليفة الصديق)، أمّا علي محمد حلو فكان (خليفة عمر بن الخطاب) ومنح قريب المهدي محمد شريف بن حامد منصب (خليفة علي) نسيب النبي وابن عمه (خليفة الكرار) وبقي مكان واحد ظل شاغراً هو منصب (الخليفة الثالث عثمان بن عفان)، وبعد أن استولى المهدي على الأبيض دعا محمد بن المهدي بن السنوسي زعيم الطائفة السنوسية في جغبوب لقبول منصب الخليفة الثالث، ولكنه لم يتسلم رداً على خطابه ولم يتم ملء ذلك المنصب (فظل شاغراً إلى الآن!).
أمّا كيف ملأ (المهدي) هذه المناصب؟ فيحكي (هولت) نقلاً عن محمد أحمد (ثم حصلت حضرة عظيمة عين فيها النبي (صلى الله عليه [وآله] وسلم) خلفاء أصحابه من أصحابي، فأجلس أحد أصحابي على كرسي أبي بكر الصديق وأحدهم على كرسي عمر وأوقف بكرسي عثمان، وقال هذا الكرسي لابن السنوسي إلى أن يأتيكم بقرب أو طول وأجلس أحد أصحابي على كرسي علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، وما زالت روحانيتك معنا في بعض الحضرات مع بضع أصحابي الذين هم خلفاء رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم)).
إنها نفس الشعارات التي رفعتها وما زالت ترفعها أغلب الحركات الإسلامية عن مقاومة الظلم والفساد ومحاربة الشرك وانحراف العقيدة الذي ملأ أطباق السماوات والأرض، فضلاً عن تعطيل الحكم بما أنزل الله من دون أن يحاول أي من هؤلاء أن يحدد لنا متى ظهر هذا الفساد أو متى انتهى العمل بأحكام الشريعة الإسلامية، ناهيك عن استبدال ظلم بظلم وقتلة ومصاصي دماء بقتلة آخرين ومصاصي دماء آخرين وكل ما هنالك أن الظلم الجديد يحمل راية الإسلام والتجديد أو راية المهدي السوداني أو خليفته التعايشي!
المهدي المنتظر: حدث داخل السياق:
لسنا في وارد عرض الأدلة والبراهين المتعلقة بإثبات حقيقة المهدي المنتظر، فهو شخص معلوم لأنصاره ومنتظريه والأمر يتعلق بمنهجية أهل البيت (عليهم السلام) التي هي امتداد للمنهج الإسلامي الذي جاء به رسولنا الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم).
الأهم من هذا أن ظهور المهدي هو حدث كوني كبير يجري داخل سياق منهجي وتاريخي وفي إطار صراع طويل وممتد بين النهج الرسالي ونهج الانحراف عن جادة الصراط.
فالظلم باسم الإسلام لم يبدأ عشية الاحتلال التركي أو المصري للسودان، ولا عشية سقوط الخلافة العثمانية، ولكنه بدأ منذ الانحراف الأموي، وكان كل ما جرى من ظلم بعد ذلك فرعاً على هذا الظلم الأصلي.
من هذه الناحية لن يكون ظهور المهدي ليجتث الظلم من أصله لا من فرعه مفاجأة للمسلمين الواعين من حيث طبيعة الصراع، ربما باستثناء التوقيت.
لن يكون ولا يمكن أن يكون هناك مهدي حنبلي ولا مهدي يعمل برأي من عنده، إذ كيف يكون المهدي تابعا لغيره؟!
المهدي إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يأتمر بأمر الله ويعمل بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله).

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016