انتظار الفرج تنمية روحية للمؤمن
حسين علي ناصر
فتقمع جميعَ الأشواك والموانع الصادَّة، لتنشرَ فروعَها الطيِّبة وثمارَها الجنيَّة في السماء حتَّى تؤتى أكلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها.
لا يخفى على كلِّ من آمن بالله سبحانه أنه ليس في القاموس الإلهي إلّا ميزان واحد، يقاس به الأفضلية وهو الميزان الحقيقي (وهو الحق)، وغيره ليست بموازين، بل يُتراءى أنها موازين، فلا حقيقة لها ولا ثِقل فيها، قال تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ﴾، ﴿فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ وهذا الميزان هو: (التقرب إلى الله سبحانه وتعالى) فيجب أن نبحثَ عن مستوى التقرُّب إليه تعالى في الانتظار.
وعلى ضوئه نقيِّم مستوى قدسيِّة الانتظار، حتَّى نعرف السرَّ في أفضليَّته على سائر الأعمال، بل حتَّى العبادات، بحيث صار المنتظر كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله. إنَّ من أهم نتائج انتظار الفرج تنميةَ روحيةِ الرجاء بالله في الإنسان المؤمن، حيث يُشاهد أمامَه مجالاً وسيعاً من الفضل والكرم والخير الإلهي الذي سوف تظهر مصداقيَّتُها في تلك الدولة العظيمة المباركة وهي دولة المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه)، تلك الدولة الكريمة التِّي يعزُّ الله بها الإسلام وأهلَه ويذلُّ بها النفاق وأهلَه، ومن الطبيعي لمن يمتلك هذه الرؤية أن يحتقر العالم الذي يعيشه بما فيه من المُغريات الخلّابة الدنيوية والتسويلات الشيطانية.
وهذا الأمر (أعني تحقير المظاهر الدنيويَّة) هو أوَّل خطوة يخطوها السالك إلى الله وهي (التخلية) التِّي تستتبعها (التحلية)، ومثل هذا الإنسان المؤمن قد وصل بالفعل إلى مُستوى من العرفان والعبودية بحيث يكون لسان مقالِه حالِه وعملِه هو «صلِّ على محمدٍ وآل محمد وأثبتْ رجاءك في قلبي، واقطعْ رجائي عمَّن سواك حتى لا أرجو إلّا إيّاك...».
ثمَّ يترقَّى في العبوديَّة فيقول: «بسم الله الذي لا أرجو إلّا فَضله»، «يا من أرجوه لكل خير»، هذه الروحية إن تركَّزت في الإنسان المؤمن فسوف تُعمِّق جذورَها فتقمع جميعَ الأشواك والموانع الصادَّة، لتنشرَ فروعَها الطيِّبة وثمارَها الجنيَّة في السماء حتَّى تؤتى أكلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها. فكيف لا يكون الانتظار أفضلَ الأعمال، بل أفضل العبادات؟! وهو الذي يُخيِّم على جميع الأعمال ويُلقى الضوء عليها.