الترغيب والترهيب/ آليات ونتائج
الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
من أهم آليات نظام الوجود هو آلية التخصص في العمل، فللشمس عملها الخاص، وللقمر كذلك، وللجبال والماء والنبات وكل شيء له وظيفة خاصة يقوم بها ويترك غيرها لغيره ليتخصص بها.
وتلك الآلية اليوم باتت السمة العامة للمعامل والمصانع، لما فيها من توفير للجهد والوقت وزيادة في الإنتاج وجودة في المنتج، وهذه عملية اقتصادية ليست هي محل النظر.
المهم هنا هو ان نلتفت إلى أن من أهم المجالات في حياة بعض المؤمنين هو التخصص في الدعوة إلى دينه وعقائده حسب قوله تعالى ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ....﴾
ومن ضمن مجالات دعوة المؤمن إلى دينه هو هداية الناس وتمهيد عقولهم ونفوسهم ليوم الظهور المقدس، وباعتقادنا إن هذا هو من الواجبات المهمة الملقاة على المؤمنين زمن الغيبة الكبرى.
وهذا المجال له آلياته وسياقاته الخاصة، ومن المعلوم أن من أهم الأساليب التي يستعملها الدعاة لإقناع جمهورهم هو أسلوب الترغيب والترهيب، وهو أسلوب مفعم بالحياة، وقد أكثر القرآن الكريم من استعماله.
وقد رفدت الروايات الشريفة جعبة الداعية بالكثير من المرغبات والمرهبات في خصوص القضية المهدوية.
فمن الترغيبات ما ذكرته الروايات الشريفة من سيادة العدل وعموم الأمن وكثرة المال وطول الحياة إلى الحد الذي يرى فيه الشخص أحفاداً كثيرين له، والحياة المرفهة عموماً والصحة الدائمة وغيرها كثير.
ومن الترهيبات ما ذكرته الروايات من قتل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لبعض الفئات كبعض من قريش وسراق بيت الله الحرام، ومن سيحاربون الإمام رغم أنه (عجّل الله فرجه) سيلقي عليهم البينة وغيرهم، وما أشارت له بعض الروايات من عدم نفع الإيمان النظري ما لم يرفده عمل صالح، وكذا كثرة الاختبارات والامتحانات التي تقع زمن الظهور ...
وحتى تتم هذه الدعوة بهذا الأسلوب ينبغي أن نلتفت إلى ما يلي:
أولاً: يجب على الداعية أن يكون على بينة من الأسلوب المناسب لطرح موضوعه، فيختار الأوقات المناسبة لذكر الترغيبات، والأخرى مناسبة للترهيبات، فلا يصح ذكر الأولى في مناسبة وفاة، ولا الثانية في مناسبة ولادة مثلاً.
ثانياً: يُلاحظ أن البعض يركز على قضية كثرة من يقتلهم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حتى يصل الحال إلى أنه يصور المهدي وكأنه قاتل سفاح أو قصاب أرواح!
وهذه الصورة من شأنها أن تنفّر النفوس من الإمام، وتجعلها تكره أن تدرك يوم الظهور!
والحال أنه يجب على الداعية إذا ما دعت الحاجة إلى ذكر روايات القتل أن يذكر الفلسفة الحياتية من وراءها، وأن يعرف الناس على الجوانب الإيجابية شرعاً وعقلاً وراء تلك الإجراءات العملية التي يقوم بها المهدي إبان الظهور.
ثالثاً: على الداعية أن لا يذكر من المرغبات والمرهبات إلا بما تقتضيه الضرورة زمانياً ومكانياً، على أن عليه أن يركز على تنمية المعرفة المهدوية في صدور الناس خصوصاً فيما يتعلق بالأعمال التي تساعد على توسعة رقعة وجود الصالحين مما يساعد في تعجيل الظهور المبارك، وعليه أن يطرح مناهج عملية منقّطة في هذا المجال، بمعنى أن يركز على القضايا التربوية والسلوكية أكثر من أي شيء آخر، وإن كان عليه - إلى جانب ذلك - أن يذكر الجوانب الأخرى لإشباع الفضول العلمي لدى الجمهور، أو لبيان مرتكزات الروايات المرهبة والمرغبة كما قلنا قبل قليل.
رابعاً: ينبغي أن يكون الداعية على قدر المسؤولية في دعوته للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأن يتمثل ما يقوله بعمله، وأن لا يخرج في سلوكه عن الخوف من المرهبات والرغبة عند المرغبات، حتى لا يقل أو ينعدم تأثيره في الجمهور.