بواطن الرحمة الإلهية في ظواهر الشرور السفيانية
السيّد محمّد القبانجي
ما زالت قضيّة السفياني وما يرتكبه من جرائم بحقّ شيعة أهل البيت (عليهم السلام) هاجساً عند الكثير من المؤمنين يعكّر عليهم حلمهم السعيد بظهور الإمام (عجّل الله فرجه) والعيش بكنفه برفاهية وسعادة.
وهذا الهاجس ليس حديث الساعة فقط، بل تداوله أصحاب الأئمّة (عليهم السلام) وتمنّوا عدم وجوده، ففي غيبة النعماني عن عبد الملك بن أعين، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فجرى ذكر القائم (عجّل الله فرجه)، فقلت له: أرجو أن يكون عاجلاً ولا يكون سفياني. فقال: «لا والله، إنَّه لمن المحتوم الذي لابدَّ منه».
وكذا عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر محمّد بن علي (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾، فقال (عليه السلام): «إنَّهما أجلان: أجل محتوم، وأجل موقوف»، فقال له حمران: ما المحتوم؟ قال (عليه السلام): «الذي لله فيه المشيئة»، قال حمران: إنّي لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف. فقال أبو جعفر (عليه السلام): «لا والله، إنَّه لمن المحتوم».
فمن خلال هاتين الروايتين يتَّضح لنا أنَّ فكرة السفياني ومجازره الوحشية كانت غصَّة في قلوب الشيعة منذ زمن الأئمّة (عليهم السلام).
ومن الطبيعي أن تكون قضيَّته هاجساً مزعجاً يقضُّ المضاجع ويذهب الكرى، لأنَّ الفكر البشري محدود مؤطّر بالظاهر من الأمور، ويرى القشور دون اللباب، وتخفى عليه وجوه الحكمة من التدبير، وقد لا يسعنا المقال في الانفتاح على معالم التدبير الإلهي ونفي وجود الشرور في الخلق، وما نلحظه من وجود ظواهر للشرّ يكون شرّها نسبياً لا مطلقاً، وما نبحث فيه يمكن أن يكون خير جواب للتدبير الإلهي والعدل الربّاني، حيث يمكن اقتناص مكامن الرحمة الإلهية في قضيّة السفياني بما يلي:
١ - كونه نقمة على الأعداء أيضاً، وبعبارة أخرى دفع الأفسد بالفاسد، وكما ورد في الحديث القدسي: «الظالم سيفي أنتقم به وأنتقم منه»، إذ مع عدم السفياني لا نعلم ربَّما يصطلمنا الأعداء حتَّى لا يتركوا فينا عرقاً ينبض ولا حياة ترجى، فلعلَّ قتاله الأبقع والأصهب وقضاءه عليهما هو منع من شرور كبيرة خطيرة جدّاً على شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لا يعلم مداها إلّا الله.
٢ - كونه علامة مهمّة وشاخصة من العلامات الدالّة على الظهور المقدَّس وبشكل قريب جدّاً، إذ إنَّ الفاصلة بين السفياني والظهور ما هي إلّا أشهر معدودة، فالسفياني في رجب، والنداء في (٢٣) رمضان، والظهور في عاشوراء.
وهذا ما ألمحت بل صرَّحت به الرواية الواردة عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «... وكفى بالسفياني نقمةً لكم من عدوّكم، وهو من العلامات لكم، مع أنَّ الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتَّى يقتل خلقاً كثيراً دونكم».
ومن الجدير القول: إنَّ الأمر لا يقتصر على السفياني وحده في هذه المسألة، بل أشار أهل البيت (عليهم السلام) إلى مكامن الخير والبركة في صورة اختلاف الشيعة قبل الظهور، فعن عميرة بنت نفيل، قالت: سمعت الحسين بن علي (عليهما السلام) يقول: «لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتَّى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً)، فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير؟ فقال الحسين (عليه السلام): «الخير كلّه في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كلّه».
ويمكن أن نعطي مثالاً آخر على المطلوب وهو ثورة صاحب الزنج، فصحيح أن ظاهرها السوء والشر ولكنها كانت وقاءً لحفظ المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه) حتى انشغلت الطغمة العباسية بصاحب الزنج وثورته المسعورة وتركوا البحث والتنقيب عن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) وفي هذا رحمة كبرى للأُمة.
وهكذا يعطي أهل البيت (عليهم السلام) الجانب المشرق والجهة المضيئة في جميع الشؤون حتَّى ما كان ظاهره الظلمة والشرور، فحينما يتألَّم ويتأسّى أحدهم على الوضع السياسي للإمام (عليه السلام) وتنحيتهم عن مقاماتهم التي جعلها الله لهم يقول له الإمام (عليه السلام): «أمَا لو كان ذلك لم يكن إلّا سياسة الليل، وسباحة النهار، وأكل الجشب، ولبس الخشن، شبه أمير المؤمنين (عليه السلام) وإلّا فالنار، فزوى ذلك عنّا فصرنا نأكل ونشرب، وهل رأيت ظلامة جعلها الله نعمة مثل هذا»؟!
إذن ومن خلال كلّ هذه الروايات يجب على الإنسان المؤمن أن يكون متفائلاً ومنتظراً وناظراً لجميع الأمور بأنَّها خير وبركة وتمهيد لظهور المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه).
جعلنا الله من أتباعه والمستشهدين تحت لوائه.