منهج قراءة علامات الظهور
مجتبى الساده
في خضم الأخبار السياسية والعسكرية المتسارعة التي تمر على العالم الإسلامي، يتساءل كثير من المؤمنين عن علاقة هذا الحدث وذاك الخبر بعلامات ظهور الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه)، فقد ملَّ الناس من الظلم وضجروا من الجور، فكثر تطلُّعهم للبحث عن المنقذ والمخلص، وزاد اهتمامهم بالقضية المهدوية، وصب تركيزهم للبحث عن إرهاصات اليوم الموعود، لعلهم يجدون إشارة وبصيص أمل لقرب الفرج، مما يتطلب من المؤمنين التحلي بمزيد من الوعي الثقافي والفكري ليساعدهم على فهم واستيعاب الروايات الشريفة الخاصة بالملاحم والفتن، بالإضافة للتأكيد على مجموعة من الثوابت التي يجب مراعاتها عند قراءة علامات الظهور وملامح الفرج، وهي كالتالي:
أولاً: معرفة العلامات وتقسيماتها:
لابد من معرفة أن علامات الظهور تعني تلك الأخبار والحوادث التي ستقع في المستقبل وتكون مؤشرة على الظهور، وقد أخبر بها الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام)، إذ نحن نتعامل مع روايات صادرة عن المعصومين (عليهم السلام)، فيجب أن يكون التعامل ذات صفة شرعية وعلمية ونبتعد عن الهوى والمزاجية والسطحية.
عند قراءتنا لروايات الملاحم والفتن يجب مراعاة التقسيمات التالية:
١ - لابد أن نفرق بين:
علامات قيام الساعة وهي عشرة: (ظهور المهدي (عجّل الله فرجه) - نزول عيسى (عليه السلام) - الدجال - يأجوج ومأجوج - الدابة - ...).
وبين علامات ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، حتى لا يلتبس علينا الأمر ونصاب بسوء فهم عند قراءتنا واطلاعنا على الروايات الشريفة التي تتحدث عن أخبار المستقبل وآخر الزمان.
٢ - لابد من معرفة علامات الظهور (المحتومة) والتي لابد وأن تقع، والتي لا يتدخل البداء في كلياتها ولها الكثير من الارتباط بالظهور وتكون مقارنة له، وهي خمس علامات (اليماني، السفياني، الصيحة، قتل النفس الزكية، خسف البيداء)، وبين علامات الظهور (غير المحتومة) وهي كثيرة والتي لا يمكن الجزم واليقين بأنها ستقع.
ثانياً: إدراك الأبعاد التربوية للعلامات:
ليس المطلوب من المعصومين (عليهم السلام) أن يذكروا كل خبر سيحدث في المستقبل ويشيرون إليه في رواياتهم الشريفة وربطه بالقضية المهدوية، بل نجدهم (عليهم السلام) يختارون من الأحداث والأخبار المستقبلية ما فيه مصلحة من إذاعته والإفصاح عنه، وهنا لابد من معرفة الأهداف التربوية والعقائدية من وراء ذكر هذه العلامة وتلك، حيث إن معرفة العلامات تعتبر حالة تعبئة (تثقيفية) تحصن المؤمن من مخاطر المتاهات الفكرية، علماً بأن الهدف الأساسي من ذكر العلامات هو:
١ - بعث الأمل وزرع التفاؤل في النفوس عبر مختلف القرون والأجيال.
٢ - الإيعاز للمؤمنين إلى قرب الظهور والتنبيه إليه.
٣ - خلق حالة إيجابية في روحية الانتظار والاستعداد النفسي للظهور.
٤ - تحصين الأُمة من الرايات الضالة والمنحرفة.
من هنا نعرف أن علامات الظهور بشكل عام تجعل العلاقة بين الأُمة وإمام زمانها (عجل الله تعالى فرجه الشريف) علاقة دافئة متَّقدة وذات ارتباط مستمر، ومخزون روحي كبير تغذيه الروايات الشريفة الخاصة بالعلامات، ولذا صيغت الروايات بلغة كلية عمومية مقصودة، يمكن أن تنطبق على قرون مختلفة.
ثالثاً: المحافظة على سرية حركة الظهور:
إن علامات الظهور هي أشبه برسائل خاصة من المعصومين (عليهم السلام) إلى شيعتهم ومحبيهم بمرأى ومسمع من الأعداء، لذا لا نتصور أن يضع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) أسرار الظهور في متناول أجهزة الاستخبارات العالمية مما يؤدي إلى فشل الحركة في بداية انطلاقتها، ولذا نفهم سبب صياغة أخبار وعلامات الظهور بصورة رمزية خاصة وبغموض مقصود وبلغة كلية عامة مراعاة لحساسية هذه الأخبار لدى مؤسسات الكفر العالمي وامتداداته، وهذا ما يؤكد اعتماد لغة الترميز باعتباره جزء من مهمة المحافظة على السرية التامة وعدم إلحاق الضرر بحركة اليوم الموعود.
من هنا نلاحظ أن روايات علامات الظهور تعتمد طريقة خاصة في الصياغة لا تدع مجال للأعداء، وكذلك المؤمنين من الجزم بتحليل محدد وتشخيص دقيق يرسم لنا معالم الخارطة العسكرية للظهور، وبالتالي لابد أن نعرف أن الروايات الشريفة لا تمكننا إلّا من الوصول إلى قرائن قوية تبعث على الأمل، ولكنها لا تذيع أسرار أهل البيت (عليهم السلام).
رابعاً: قراءة علامات الظهور بصورة شاملة:
يتطلب من المؤمنين والباحثين أن يقرؤوا علامات الظهور كلها وبصورة دقيقة وشاملة، وليس كل علامة وخبر مستقل عن بقية العلامات والأحداث، فلابد من ربط العلامة الواحدة بجميع العلامات والأحداث الأخرى المرتبطة بها، ناظماً كل الأحداث في سلك تاريخي واحد لنستطيع ونتمكن من إيجاد وتحديد القرائن القوية لكل علامة ومدى تحققها، أمّا الاستغراق في كل حادثة وعلامة بمفردها سيؤدي إلى حالة من التيه والضبابية، وتكون حينها كل علامة منعزلة عن الأخرى ليس بينهما ضابط ولا رابط، فضلاً عن تشتيت الأفكار وبعثرة الجهود.
إن دراسة علامات الظهور جميعها، والاطلاع على روايات أهل البيت (عليهم السلام) كلها في هذا الخصوص، تعتبر مقدمة ضرورية لرؤية شاملة عن إرهاصات الظهور، فبتحليل منطقي جيد ونظرة كلية مستمدة من بصيرة نافذة ووجدان عميق يتسنى لنا تحديد القرائن القوية لكل علامة، وبضم القرائن مع بعضها البعض نستطيع الإلمام بالصورة الشاملة لوقائع وأحداث وملامح اليوم الموعود.
خامساً: استيضاح مصدر الخبر والعلامة:
لابد من التفريق بين الخبر والتحليل فيما يتعلق بأحداث وعلامات عصر الظهور لنعرف مصدر المعلومة ودقة صدقها.
١ - الخبر (علامة): حدث سيقع في المستقبل وأشار إليه أهل البيت (عليهم السلام) في رواياتهم الشريفة وله انعكاساته القريبة والبعيدة على الظهور، وهو عبارة عن علامة من علامات الظهور.
٢ - التحليل (ليس علامة): ذكر الخبر مع التطرق إلى التفاصيل والأسباب والمسببات والانعكاسات المنجرة على هذا الحدث، وهو عبارة عن رأي واجتهاد واستنباط الكاتب والباحث والخطيب يوضح به فهمه للعلامة والرواية الشريفة.
فمثال على ذلك عندما يقول الإمام علي (عليه السلام): «ثم رجفة تكون بالشام، يهلك فيها مائة ألف يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين» (غيبة الطوسي: ص٢٧٨)، فكلمة «رجفة» مصدرها أمير المؤمنين (عليه السلام)، أمّا تفسيرها وتحليلها فآراء مختلفة: أحدهم يقول: زلزال أرضي، وآخر يقول: انفجار نووي، وثالث يقول: اضطراب أمني وسياسي وهكذا، فعندما نسمع بزلزال سيكون بالشام وبانفجار سيقع بالشام وباضطراب أمني سيحدث في الشام، فلابد أن نعرف أن هذا الكلام عبارة عن تحليل وفهم للرواية وليس خبر يقين صادر عن معصوم، لذا لابد أن نعرف مصدر المعلومة. الخبر الذي هو عبارة عن علامة من علامات الظهور إذا كان مصدرها المعصومين (عليهم السلام) فهذا صدق ويقين – بعيداً عن موضوع البداء- أمّا المعلومة التي مصدرها التفسير والتحليل والفهم فقد تصيب الحقيقة وقد تخطئ، ولا يصح أن نطلق عليها علامة.
ليتسنى للمؤمنين الحصول على مَلَكة وإمكانية التفريق بين الخبر والتحليل لابد من الاطلاع على مجمل روايات أهل البيت (عليهم السلام) الخاصة بعلامات الظهور واستيعاب ألفاظها بدقة، فضلاً عن دراسة صحة الرواية من عدمها.
خاتمة القول: عند الحديث عن علامات الظهور لابد من التأكيد على ثوابت أساسية وجوهرية بأن تكون واضحة للجميع ومن المسلَّمات: أن قراءة العلامات يجب أن لا تشغلنا عن معرفة الأبعاد الأخرى للقضية المهدوية مثل الجوانب العقائدية وشرائط الظهور وواجبات الانتظار وتهيئة النفس. الابتعاد عن التوقيت المنهي عنه وعدم تصديق من يحدد سنة الظهور.
اجتناب إسقاط الروايات الشريفة وتطبيق شخصيات عصر الظهور على واقعنا الحالي وعلى أشخاص بعينها وعدم الجزم عند تحديد القرائن للعلامات. كذلك في هذا السياق التأكيد على أن يكون الحديث عن ملامح يوم الظهور مقدمة لتقوية وزيادة ارتباط المؤمنين العاطفي بإمام زمانهم (عجّل الله فرجه)، حيث إن من واجبنا في عصر الغيبة أن نعد أنفسنا لنكون من جنده لاحتمال إدراك زمن خروجه (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، نسأل الله أن يوفقنا لذلك، فكم نحن تواقون لرؤية الإمام (روحي فداه)، وحريصون على الانضمام إلى حركة الفتح التاريخية الفريدة.