اعتبروا يا أولي الأبصار
حسين الماجدي
هناك كثير من الآيات التي نزلت في واقعة ما، ولكن القرآن الكريم رسمها رسم المثل، وسطّرها سُنّة ثابتة، تتكرر على مدى الحياة، وتلك طريقة بلاغية عُرف بها القرآن الكريم.
ومن تلك الآيات قوله تعالى: ﴿فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ﴾ التي جاءت في ذيل الآية التي تكلمت عن الكيفية التي خرج بها بنو النضير من المدينة المنورة.
يرسم لنا القرآن الكريم خروجهم بالصورة التالية:
أولاً: أن الأسباب المادية والظاهرية كانت تحكي قوة لا مثيل لها عند بني النضير، وأن هناك استحالة ظاهرية محيطة بالمسلمين عن زحزحتهم عن حصونهم، قال تعالى: ﴿ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ﴾.
ثانياً: أن الله تعالى أسقطهم بطريقة غير محتسبة، فلم يهدم قوتهم من الخارج، وإنما أتاهم من الداخل، وخلخل عزيمتهم، فخارت قواهم، وضعفت إرادتهم، فما كان منهم إلّا أن ينسحبوا من الساحة أذلاء، وفوق ذلك نشبت الخلافات بينهم حتى خرّبوا بيوتهم بأيديهم، إضافة إلى أيدي المؤمنين، قال تعالى: ﴿فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْديهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنينَ﴾.
ثالثاً: ثم يحكي القرآن الكريم سُنّة لله تعالى في هذه الحياة، فيقول: ﴿فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ﴾ في تصريح منه بأن ذلك يمكن أن يتكرر وأن اليد الإلهية دائماً حاضرة لنصرة المؤمنين.
وما أشبه اليوم بالبارحة!
اليوم، في زمن الغيبة الكبرى، يعيش كثير من المؤمنين - فضلاً عن غيرهم - حالة من الفزع والهلع مما يسمى بالدول العظمى، فهي دول محصَّنة بترسانة ضخمة من الأسلحة الدفاعية، فضلاً عن امتلاكها إمكانات هجومية تفوق التصور، هذا مع غض النظر عن امتلاكها للإمكانات الاقتصادية وسيطرتها على الموارد المادية بوسيلة أو بأخرى، هذا إذا لم ندخل في الحساب السيطرة الثقافية على عقول الشباب وغيرهم من فئات العالم.
أمام هذه الأوضاع، يعيش كثير من الناس اليأس من الانتصار عليهم، حتى أنهم يستغربون ممن يحكي انتصار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) على كل تلك القوى وغيرها!
ولكن الروايات الشريفة حكت لنا كرّة أخرى لتلك السُنّة، سُنّة إلقاء الرعب، وتضعيف الهمة من الداخل، ونقلت لنا أسباباً غير متوقعة لهدم أية قوة موجودة زمن الظهور. فمن عنصر المباغتة (الذي يعني الإتيان من حيث لا يحتسب العدو زمانياً ومكانياً)، إلى التدخل الغيبي بنصرة الملائكة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وبإلقاء الرعب في قلوب الأعداء وبصورة لم يسبق لها نظير، فالرعب يسبق الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) شهراً كاملاً، هذا فضلاً عن المؤمنين المخلصين الذين ينضوون تحت لوائه (عجّل الله فرجه)، ليعيش العدو حالة من الفزع والخوف المتواصل، حتى إذا اقترب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأصحابه من العدو لم يجدوا إلّا عزائم خائرة وقوى ناخرة وأبواب مفتحة وأيادي مستسلمة، لتدخل مدن ومدن تحت لوائه (عجّل الله فرجه) من دون قتال، بفتوح سلمية تعم الأرض إلّا القليل منها.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) كما جاء في (بحار الأنوار) ج٢ ص٣٦١: «ويؤيده الله بثلاثة أنصار: بالملائكة والمؤمنين والرعب».
وكذلك جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): «... يسير الرعب أمامه شهراً وخلفه شهراً...».
هذه الروايات وغيرها كثيرة تبشر المؤمنين بالنصر، وتنذر الكافرين بالهزيمة النكراء، فهل من معتبر؟ ﴿فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ﴾.