دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وبدائل العولمة
محاولة لقراءة مشروع الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) على ضوء سلبيات العولمة وهفواتها
مرتضى معاش
إن الوضع المأساوي في عالم اليوم من انتهاك لحقوق الإنسان وسلب حريته ونشر الحروب واستهلاك الإنسان كسلعة واحتكار الموارد الأرضية وتدمير البيئة وانتشار الظلم والاستعباد في ظل مشروع العولمة، كل هذا يدعونا لقراءة العدل العالمي في مشروع المنقذ الذي ننتظره.
كانت أهم المشاكل التي تقلق المجتمع البشري على طول التاريخ هو ذلك التنافر الإنساني الذي برز في شكل صراعات دامية وحروب استنزافية زرعت أمراضاً مستعصية في عمق الجسد البشري، مثل العرقية والعنصرية والقومية. ولا شك أن الصراع المستميت على المصالح قد حوَّل هذه الأمراض إلى أيديولوجية متأصلة تبحث عن أعداء لها لتبتلعهم رغبة لمصالح منظِّريها وكانت الحربين العالميتين شاهد مروع على ذلك.
ولأن الإنسان كائن اجتماعي بفطرته يميل إلى الانسجام مع أخيه الإنسان ومد وشائج الإنسانية، فإن وجود عالم إنساني موحد يقوم على السلام والمحبة والوحدة البشرية بدون وجود أي قواطع أو حواجز مادية أو معنوية كان المشروع المثالي الذي حلم به الفلاسفة والمصلحين والمفكرين.
لكن كل ذلك كان يصطدم بواقع مُر وهو أن الكثير من هذه الدعوات كان تستغل من قبل السلطات لفرض هيمنتها على الدول الأخرى بداعي التوحيد والاندماج.
إن هذا يقودنا إلى بحث ظاهرة جديدة تطرحها وسائل الإعلام بقوة وهي ظاهرة العولمة، هذه الظاهرة الجديدة في مصاديقها وليس في مفهومها تهدف في مشروعها الرئيسي إلى دمج العالم البشري في وحدة بلا حواجز جغرافية أو اقتصادية أو سياسية، حيث يدَّعي منظروها: بأن العولمة هي كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو دون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد(١).
ويعتقد هؤلاء أن السرعة التي نمت بها البشرية في القرن الأخير وخصوصاً في العقد التسعيني هو تحول حتمي نحو سيادة العولمة ووجود المجتمع العالمي الواحد، حيث إن البشرية تواجه اليوم ما بعد مرحلة عام ٢٠٠٠ عليها أن تعيش لحظة حضارية جديدة مليئة بالتحولات والمستجدات المتلاحقة تدفع في اتجاه انكماش العالم زيادة ترابط أفراده ودوله واقتصاداته، تقارب أجزاء العالم يتم بمعدلات سريعة ويؤثر على السلوكيات والقناعات ويشير إلى بروز وعي عالمي جديد بأننا جنس بشري يسكن في قمر صناعي واحد(٢).
بل إن بعضهم وهو فوكوياما يتجاوز ذلك ويقول إن هذه التحولات هي نهاية للتاريخ بعد أن تسقط كافة المبادئ والمذاهب وتسيطر الرأسمالية الليبرالية وينتهي التاريخ. ويقول آخر أن التاريخ ليس سجلاً للتقدم فحسب بل هو العلم التقدمي، فالتاريخ كمسيرة للأحداث تقدم نحو الليبرالية أمّا التاريخ كسجل لتلك الأحداث فهو تقدم نحو فهم الليبرالية، وكلتا العمليتان متلازمتان وتسيران جنباً إلى جنب(٣).
أي أن التاريخ حسب رأيهم يسير بشكل حتمي نحو الليبرالية الرأسمالية، وهذه حتمية تشبه تلك الحتمية التي كانت يدعيها الماركسيون في منهجها. فالماركسية كانت تدعي أن التاريخ في دورته سوف ينتهي إلى سيطرة الشيوعية وإيجاد عالم واحد. ولكن العالم بقي متشتتاً وانتهت الشيوعية قبل أن يحس التاريخ بوجودها.
هل تنجح العولمة في إيجاد المجتمع العالمي الواحد؟
هذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه إلّا بعد معرفة الغايات التي وجدت من أجلها والوسائل التي تستخدمها لذلك.
فأصحاب هذه النظرية يدعون أن تحول العالم إلى قرية صغيرة ما هو إلّا بداية إلى انحسار القوميات والثقافات والاقتصاديات وذوبانها في التيار العالمي الواحد، فقد أصبح من غير الممكن أن يعزل الفرد نفسه عن هذا العالم المنكمش ويعيش في داخل وطنه الخاص، فقد: أصبح التفاعل مباشرة بين الفرد والعالم، ويعني ذلك تخطي الحدود بعد أن فقدت خاصيتها في ربط الإنسان القومي بالعالم. وباندثار الحدود القومية أصبح حتمياً أن تنحسر أهميتها القومية أيضاً، فقد أضحت الدولة من المخلفات القديمة التي فقدت جدواها وهي الأخرى في طريقها إلى الزوال(٤).
وهذا بالتالي يقود العالم إلى توحيد شامل تحت راية الرأسمالية الجديدة المتمثلة بأباطرة المعلومات والتكنولوجيا.
العولمة في غايتها ليست نبيلة لأنها لا تهدف من التوحيد العالمي إلّا إيجاد أسواق الاستهلاك المفتوحة دون أي قيود كمركية أو موانع اقتصادية أو ثقافية أو سياسية، فهي تشن هجوماً كاسحاً لتهميش سلطة الدولة القومية من أجل خضوعها لقانون العولمة الذي تقننه نخبة سماسرة البورصات وملوك المعلومات، ذلك أن: السمة البارزة من سمات العولمة الاقتصادية أممية رأس المال المنتصرة على أممية الطبقة العاملة، وهي أممية صامتة يقبع سدنتها في مكاتب وثيرة يمثلون نخبة النخبة، هؤلاء هم الذين يقودون مجتمع الخمس (٢٠% من سكان العالم) الذي يستحوذ على (٨٤،٧%) من الناتج الإجمالي في العالم، وعلى (٨٤،٢%) من التجارة الدولية، ويمتلك (٨٥،٥%) من مدخرات العالم، أي أن (٢٠%) من سكان القرية المعولمة سيتمتعون بشغل مستقر ومستوى معيشي محترم أما الباقون فهم فائضون عن الحاجة ينبغي التفكير في إلهائهم عبر وسائل ثقافة الاستهلاك وسد رمقهم بمص حلم الأثداء المسكنة(٥).
فليست العولمة إلّا مشروع تجاري آخر يهدف إلى استعمار العالم بأدوات ثقافية ومعلوماتية تحت غطاء إعلامي وسياسي مبتكر.
إن العولمة في أدواتها الأخطبوطية تطرح الديمقراطية وحقوق الإنسان كأهداف نبيلة تسعى لنشرها عالمياً من تدويل سلطاتها ونشر قيمها الخاصة، ولكننا نجد أن أباطرة العولمة يضحون بالديمقراطية وحقوق الإنسان عندما يتعارض ذلك مع مصالحهم، حيث نلاحظ أن العولمة كيف دقت إسفين الانهيار في دول شرق آسيا عندما أرادت أن تفرض سيطرتها المطلقة على هذه البلاد. فهذه الدول التي يعتبرها الغرب مثالاً لنجاح انتقال العولمة إلى المجتمعات غير الغربية حيث ظلت حكوماتها تسلطية أو شبه تسلطية رغم انصباغها بديمقراطية مزيفة (إندونيسيا وماليزيا مثلاً)، وهذا الأمر يدل على حتمية التناقضات في المجتمع الرأسمالي الغربي الحديث في ظروف العولمة، فقد أثبت الواقع أن الإفراط الليبرالي الذي لازم العولمة يمثل تعدياً على الديمقراطية نفسها لصالح عمالقة المال خاصة حقوق العمال وأحوالهم المتدهورة(٦).
لذلك نرى أن أشخاص مثل (بيل جيتس) و(روبرت مردوخ) الذين يعيشون تحت نظام ليبرالي مفرط في إعطاء الحريات الشخصية - ولو على حساب حريات الآخرين -، قد تحولوا طغاة مستبدين يفرضون على العالم قيمهم وسلعهم وسلطاتهم على حساب الأخلاق والقيم الإنسانية، وعلى حساب الديمقراطية نفسها.
إذن العولمة تسير في تناقض مثير مع الديمقراطية يؤدي إلى سياسة الازدواجية وتطبيق الديمقراطية وفقاً لمصلحة رأس المال لا مصلحة المبادئ الإنسانية. فالرأسمالية اتجاه مَصلحي يتناقض مع الديمقراطية جملة وتفصيلاً والليبرالية اتجاه يرسخ أنانية الإنسان وفرديته في اتجاه متناقض مع غاية العولمة في بناء مجتمع عالمي متناغم في مسؤولياته الاجتماعية، ذلك: أن المؤسسات الحرة والديمقراطية الليبرالية أدوات في يد المجتمع التكنولوجي الحديث تستخدم للحد من الحريات وقمع الفردية وإخفاء الاستغلال. ويخضع المجتمع لسيطرة أقلية ذات مصلحة مباشرة تتحكم في رغباته وحاجياته الزائفة التي تخلقها المؤسسات الرأسمالية العملاقة، وما يميز هذه المؤسسات أن مصالحها الاستغلالية تحتمي بالقيم السامية للديمقراطية مما يمكنها من تفادي النقد وعدم التأثر بالحركات المناوئة(٧).
فالديمقراطية في عالم الرأسمالية والعولمة ليست إلّا قناع تحتمي به النخبة لتحقيق مصالحها. فإذا كانت العولمة كاذبة في ادِّعاءاتها الديمقراطية والليبرالية فإنها لا تستطيع أن تحقق المجتمع العالمي الواحد لأنها لا تمتلك المقومات الإنسانية الأساسية لتحقيق ذلك، بل إنها تعتمد بشكل كبير على الوسائل المادية والمصالح الآنية وهذا يقودها في اتجاه معاكس نحو الفوضى والحرب والتشرذم.
هفوات العولمة:
إن مقومات تحقيق المجتمع الإنساني الواحد يعتمد بشكل كبير على العنصر الإنساني المعنوي وليس العنصر المادي أو الأدواتي، لأن المشاركة الإنسانية المتكاملة تنشأ من عملية التناغم الثقافي والتفاهم الفكري وليس من عملية التبادل التجاري أو التواصل المعلوماتي فقط، ولهذا فإننا نرى أن الإنترنت الذي هو أداة تواصل معلوماتي مادي من أدوات العولمة لم يحقق ذلك التواصل الثقافي والفكري الهادف بقدر ما كان أداة لنشر الجريمة والفساد والإباحية وتبادل المعلومات التافهة.
لذلك يمكن أن نرى هفوات عميقة قد أفرزتها العولمة تعمق الشرخ العالمي وتقودها إلى مزيد من الانشقاق والعزلة. وهذا هو تعبير واضح عن عناصر تفكك المجتمع البشري وافتقاده لمقومات التوحد والانسجام.
أولاً: الاحتكار، الاستبداد:
إن العولمة في ظاهرها تحمل شعارات الحرية والديمقراطية والأسواق الحرة وحقوق الإنسان، ولكنها في حقيقتها وآثارها ليست غير طريق لاحتكار التجارة العالمية ووسائل الإعلام وأدوات الإنتاج المعلوماتي، فالدعوة إلى العولمة دعوة مبطنة بإلغاء الدول والثقافات والاقتصاديات من أجل السيطرة المطلقة لأباطرة العولمة والشركات الكبرى التي أصبحت تشكل خطراً كبيراً على الدولة الديمقراطية، إذ من خلال التركيز المتزايد للشركات تنشأ مقدرة هائلة لسلطة خارجة عن البرلمان والحكومة، فالشركات الكبرى تملك مواقع قوية لوضع أهدافها في وجه السياسة والشركات الصغيرة، ودائماً على نحو واسع تستغل هذه الشركات دعم بحوثها من أموال الدولة، وهي لا تتقاسم الربح الذي تحصل عليه مع المجتمع(٨).
بل إن شركات العولمة أصبحت لها نفوذاً كبيراً في إسقاط الحكومات وافتعال الانقلابات وتحريك الأزمات وضرب الاقتصاديات المستقلة. وهي تتجه تدريجياً إلى تحويل المجتمع البشري إلى مجتمع مستعبد مدجن بواسطة وسائل الإعلام والدعاية الإعلانية الاستهلاكية. فالعولمة تعمل على الاستعباد فتحول دون حصول الأفراد والشعوب الخاسرة على الدنيا من الوفرة(٩).
ثانياً: المعلوماتية أدوات تسلطية للفساد:
يبشر دعاة العولمة إلى بداية المجتمع العالمي بلا حدود، وذلك لأن المعلوماتية وصلت إلى قدرة كبيرة على التوسع والانتشار والسرعة بحيث تكون قادرة على إيجاد التواصل والحوار بين الشعوب، ومن ثم وجود المجتمع العالمي الواحد. ولكن تبرز الإشكالية الأساسية في هذا المجال وهو السيطرة المطلقة للولايات المتحدة على الوسائل المعلوماتية، فهي إذن لا تمثل إلّا السياسة والمصالح والقيم الأمريكية، وهذا هو الذي أزعج حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا ودعاهم للتشكيك في العولمة. يرى (بريزيجبنسكي) أن: لدى أمريكا مشروعاً كونياً يؤدي إلى تمكنها من تصدير التقنية، ومنظمة ضمن عناصر متمايزة ذات سلطة بنيوية يرافقها اقتصاد استهلاكي وثقافة جماهيرية ذات نزعات حزبية مصممة(١٠).
ذلك أن أساس القدرة الأمريكية يعود في الغالبية العظمى من الحالات إلى سيطرتها على السوق العالمية للاتصالات، إن (٨٠%) من الكلمات والصور التي تنتشر في العالم تأتي من الولايات المتحدة. وهذه السيطرة المطلقة على تيار المعلومات يعطي المبادرة لأمريكا في التصدي لقيادة العالم، وهو أمر في صميم العقلنة السليمة بين القوى المجددة لرجال الأعمال والإدارة السياسية للدولة، أن السيطرة على تقانة المعلومات والاتصال يضفيان على الولايات المتحدة مكانة محورية في النظام الدولي ويشكلان حجر الأساس في سلطته(١١).
إن المعلوماتية الجديدة يمكن أن تشكل جسراً مادياً واسعاً للاتصال بين الشعوب ونشر القيم الاستهلاكية والإباحية، لكنها سوف تكون عاجزة عن رفع الحواجز النفسية وتعميق الاتصال الثقافي، بل إن هذه المعلوماتية سوف توجد الدافع القوي عند الشعوب لتحصين ذاتي محسوس في مواجهة هذا الغزو الجديد.
إن التصاعد العددي لبعض الجماعات الانتمائية (ذات البعد الأيديولوجي المحسوس) واستخدامها للوسائل التقنية من أجل الارتقاء بصورتها الخاصة والتعريف بمدى تعبئتها يثيران تساؤلات جديدة في إطار التفكير الدولي(١٢).
فإيجاد قنوات الحوار الجدي يتم عبر رفع الشكوك التي لازالت تتراكم يوماً بعد يوم في أهداف الغرب الساعي وراء مصالحه الخاصة، وليس لبناء الحضارة الإنسانية. ورفض الكونغرس الأمريكي الأخير لحظر التجارب النووية شاهد على تضحية الولايات المتحدة بمقدرات العالم الأمنية والحضارية لأجل مصالحها الخاصة ومنفعة مصانع وتجارة الأسلحة.
ثالثاً: العولمة تحطيم العدالة الاجتماعية:
إن أساس قيام المجتمع العالمي الموحد يعتمد بشكل أساسي على رفع الحواجز النفسية والاجتماعية التي أوجدت شروخاً كبير في الجسد البشري، فالفوارق الطبقية والعنصرية والقومية كانت الأساس لتشرذم العالم وانتشار الحروب وضياع العدل وسيطرة الظلم. ولكن ما يحدث في عصر العولمة هو تحطيم لقيم العدالة الاجتماعية في أشد مراحلها على طول التاريخ، فلم يعرف التاريخ ارتفاعاً في نسبة الفقر في العالم مثلما عرفه في عقد التسعينات. فالعالم الذي يضم حالياً أكبر عدد من الفقراء هو أكثر فقراً من أي وقت آخر، ونسبة الفقر من إجمالي سكان الأرض هي الأعلى في تاريخ الأرض، والفقر أصبح فقراً مطلقاً ومركباً يتضمن الحرمان من كل مقومات الحياة(١٣).
وهناك قرابة (٤،٥) مليار إنسان يعيشون في تلك الدول التي تدعى النامية، (٨٠%) من الإنسانية هم فقراء، (١،٣) مليار إنسان يتوجب عليهم العيش بأقل من دولار واحد في اليوم، أكثر من (٨٠٠ مليون) إنسان لا يجدون طعاماً كافياً، بينما (٨٠٠ مليون) أخرى يتوجب عليهم التخلي عن الرعاية الصحية، وعلى الأقل هناك (٨٤٠ مليون) بالغ لا يستطيعون القراءة والكتابة. وهناك اليوم في عالم نخب العولمة (٣٥٨) ملياردير عالمي أغنياء بطريقة العولمة حيث تماثل ثرواتهم مجموع ما يملكه (٢،٨) مليار إنسان أي قرابة نصف سكان الأرض(١٤).
إن جوهر العولمة يعتمد بالأساس على ازدياد ثروات النخب وتراكمها على حساب إفقار سكان الأرض وثرواتها. فمن يضمن حينئذٍ أن تعيش الأرض في أمان في ظل هذا التفاوت الطبقي الرهيب، فالشركات الكبيرة تسحق القيم الإنسانية من أجل أن ترتفع أسهمها في البورصات العالمية بعد أن تقتصد في الكلفة بحيث تصل إلى أقل مستوى.
فهنا العولمة هي تبرير واضح للتقليص الاجتماعي للخدمات والأجور المخفضة التي تدفع الناس إلى حافة الفقر والتي ترغم السياسة على اتخاذ إجراءات سياسية تناسب الشركات. إن الاتجاه لعولمة الاقتصاد يتسبب بانحدار اجتماعي لا إنساني، فالخدمات يتم تقليصها بغية الحصول على مزايا التكلفة في الفترة قصيرة الأجل(١٥).
لذلك يزداد ضغط النخب والشركات الكبرى على الدول من أجل خصخصة القطاع العام وتعديل أنظمتها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية عبر إلغاء الضمان الاجتماعي والصحي والقيود الكمركية وإلغاء القوانين التي تحمي العمال من استغلال أصحاب العمل من أجل فتح أبواب الاستثمار أمامها بأقل تكلفة وأكثر ربحاً.
رابعاً: فقدان الأمن:
إن اختلال ميزان العدالة الاجتماعية في ظل أحلام العولمة قد حول العالم إلى بؤرة من الجريمة واللاأمن، لأن افتقاد الإنسان للشعور بوجوده العادل وحقه الإنساني سوف يغرقه في مستنقع اليأس، وبالتالي يقوده لاستخدام العنف والجريمة من أجل استرداد كرامته المفقودة. فعندما يستمر الإيمان بأيديولوجية المنافسة الكونية بين السلع والرأسمال وتستمر الوعود بأن السوق هي الدواء الشافي، وعلى مذابح أيديولوجية التجارة الحرة والليبرالية الجديدة تتم التضحية بحق الوجود الإنساني الكريم، بالأمان الاجتماعي، وببيئة سليمة نظيفة(١٦).
لقد انفتحت آفاق جديدة للجريمة في ظل العولمة لأنها تشترك في القيم التي تعتمد عليها معنوياً بالاستغلال والنفعية فوق أي اعتبار إنساني أو أخلاقي، ومادياً في استخدامها المفتوح لأدوات المعلوماتية، بل قد تتلاقى عملياً في مشاركة ربحية متفقة.
لقد ساهمت العولمة في نشر الجريمة العالمية على عدة أصعدة، وأهم عامل انحسار الحدود القومية التي كثفت التجارة غير القانونية مع سهولة تحويل رأس المال، والتقدم التقني قد أدى إلى تسهيل تبادل المعلومات الإجرامية في خلال ثوان قليلة. وقد ازدادت أرباح تجارة مخدر الهيروئين خمسين مرة خلال العقدين الأخيرين، وساعد تفكك الاتحاد السوفيتي إلى انتشار الأسلحة وسرعة الحصول عليها.
وهذه الولايات المتحدة التي تفتخر بديمقراطيتها تفوق العالم في مجال الجريمة، حيث إن نسبة (٢%) من الشعب الأمريكي إمّا قابعون تحت السجون أو تحت إجراءات حسن السلوك. ومقاطعة كاليفورنيا التي تفاخر بقوتها الاقتصادية السابعة في العالم قدر إنفاقها على السجون بقدر ما تخصصه لميزانية التعليم. ويبلغ ما تنفقه الحكومة الأمريكية على السجين سنوياً مقدار كلفة الدراسة في جامعة هارفارد المعروفة.
إن من السخرية أن أغنياء العولمة يعيشون في سجون من صنعهم أيضاً حيث إن ما يراوح من (٢٨ مليون) أمريكي يعيشون في مساكن محروسة بكل وسائل التقنية الحديثة من أسلحة وكاميرات وغيرها، والسبب في ذلك عدم الاطمئنان جراء الجريمة المستفحلة(١٧).
وفي أوروبا فقد ارتفع عدد السجناء في ألمانيا بين أعوام ١٩٩٢ و١٩٩٦ بنسبة (٢٥%)، وفي بريطانيا بنسبة (٧٥%)(١٨).
إن أحد الأسباب الرئيسة لانتشار الجريمة هو افتقاد العدالة وتفاقم البطالة وانتشار الفقر واندثار الطبقة الوسطى التي تشكل البنية الأساسية لتحقيق التوازن الاجتماعي، فالعولمة لم تفشل في تحقيق النمو والحد من البطالة فحسب، بل ونسفت المكاسب الاجتماعية القديمة ورمت بفئات اجتماعية متعددة كانت تحظى بمستوى اجتماعي مستقر إلى هوة البطالة والفقر، وأن أكثر النتائج السلبية خطراً هو القضاء على الطبقة الوسطى ودحرجتها نحو حافة الفاقة، وهي الطبقة النشطة والنواة الصلبة للمجتمعات، والكابحة لتيارات الغلو والتطرف، والسند القوي لدولة القانون والمؤسسات(١٩).
خامساً: الفوضى والتفكك والانقسام:
تهدف العولمة في شعاراتها إلى تشكيل العالم ضمن نظام عالمي موحد ينسجم في وحدة متلاحمة. لكن من خلال ما أفرزته فإنها لم تخلق إلّا الفوضى والتفكك في عالم أصبح أكثر تنافراً وصراعاً وعزلة، لقد ذهب البعض إلى وصف الوضع السائد باللانظام أو الفوضى العالمية. ذلك أنها لا تريد أن تحقق من خلال التوحيد العالمي إلّا مصالح آنية ترفع الأرباح في سوق الأسهم، وليس لها أهداف بعيدة المدى تخدم الجنس البشري.
إن الرأسمالية إذا ما أديرت بافتراض أن نظرية القطاع الخاص هي المبدأ بزعم أن الحرية المطلقة دائماً ستفضي إلى رفاهية الكل فإنها ستؤدي حتماً إلى حروب أهلية، والعديد من المجتمعات يعيش اليوم نوعاً من الفوضى الاقتصادية حيث ينتج العمال ما لا يستهلكون ويستهلكون ما لا ينتجون(٢٠).
لقد تحولت العولمة إلى صراع محموم بين النخبة للمنافسة والوصول إلى أكبر رقم تتكاثر فيه الأصفار، هذا الصراع هو نقطة انشقاق وشرخ ونقض لمصداقية هذه النظرية. إن معيار العولمة ومحورها هو المصالح وليس التقارب الأيديولوجي ويتجلى ذلك داخل الإطار الرأسمالي نفسه، مثلاً بين الولايات المتحدة وفرنسا صراع بدور كل منهما في العولمة إذ تسعى فرنسا لإحياء ونشر اللغة الفرنسية لئلا تؤدي العولمة إلى طمسها وأفراد اللغة الإنجليزية بقيادة الإعلام والثقافة في العالم. إن الخلافات داخل المنظمات الدولية والتجارية هي في جوهرها صدامات مصالح اتخذت طابع الحروب التجارية وإن اتحدت المبادئ(٢١).
ويوم بعد يوم يزداد الظن قوة على تزايد الانعزال والتقوقع الذي اتخذته الجماعات الدينية والأيديولوجية والقومية والعنصرية للدفاع عن نفسها في مواجهة غزو العولمة، ولا شك أن ازدياد حركات العنف والتطرف والحروب الأهلية والدعوات إلى استقلال الأقليات في كانتونات ودول صغيرة هي مؤشر على مزيد من الانقسام والفوضى والتفكك في عالم أصبحت فيه العولمة هي المسؤول الكبير عن انتهاك أبسط الحقوق الإنسانية وقواعد القانون الطبيعي. فكيف يمكن أن نرى العالم من خلال قيادة النخبة المبشرة بعالمها الوردي الخاص..؟!
الحكومة العالمية للمهدي الموعود:
لقد تواتر في الكتب والرسالات السماوية والمذاهب المختلفة عن وجود منقذ عالمي يقود البشر نحو الخلاص وإيجاد مجتمع بشري قائم على العدالة والحرية والحق. وهذا ليس مجرد خطاب مذهبي أو شعار ديني، بل هي حقيقة فطرية تعيش في أعماق العقل البشري ويحسها الضمير الإنساني، ويؤمن بها الإنسان الذي يعيش الألم والعذاب اليومي والقلق والخوف واللاأمن. ذلك أن العقل يدرك في كينونته أن العالم هذا قائم على العدل والتوازن وليس من خصائصه الظلم والفوضى، فإذا كان هناك فوضى فإنها من حصاد الظلم البشري بحق البشر.
فإذن لابد من تحقق العدل وإلّا فإن العدالة الإلهية تصبح لغواً وعبثاً. ولذلك كانت بعثة الأنبياء وتواتر الرسل وقيام المصلحين من إيجاد مجتمع إنساني واحد يعبد الله (عزَّ وجلَّ) ويحقق عدالته. وهذا هو هدف الأديان جميعاً، وهدف الرسالة الإسلامية التي تخاطب البشر جميعاً بلا استثناء لأنها تملك قدرة قوية على إيجاد الوحدة العالمية بما تحمله من مبادئ مثل الأخوَّة والسلام والتسامح والعفو والوحدة، يقول (نعوم تشومسكي): في هذا الجزء من العالم سيكون الإسلام بسبب تأييده المطلق للمقهورين والمظلومين أكثر جاذبية، فهذا الدين المطرد في الانتشار على المستوى العالمي هو الديانة الوحيدة المستعدة للمنازلة والكفاح(٢٢).
فالإسلام دين عالمي يحمل مقومات بناء المجتمع العالمي، يخاطب الله تعالى رسوله : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ﴾. ولكن هذا الدين الذي أنقذ العالم من فوضى الجاهلية وظلماتها سوف يعود يوماً بإذن الله لإنقاذ العالم وقيادة المستضعفين نحو الخلاص كما بشر بذلك القرآن الكريم: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾(٢٣) ويروى عن الإمام علي (عليه السلام) في الجزء الثالث من نهج البلاغة: «لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها»، ثم تلا (عليه السلام) الآية. ويقول ابن أبي الحديد في شرحه على النهج: إن أصحابنا يقولون إنه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك(٢٤).
وفي آية أخرى يقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾(٢٥).
يقول الإمام الباقر (عليه السلام): «إن ذلك وعد الله للمؤمنين بأنهم يرثون جميع الأرض».
وكذلك بشر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بظهور المهدي (عجّل الله فرجه) حيث روى عنه سعيد ابن جبير عن ابن عباس أنه قال: «إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لأثنا عشر، أولهم أخي وآخرهم ولدي». قيل يا رسول الله من أخوك؟ فقال: «علي بن أبي طالب»، قيل ومن ولدك؟ قال: «المهدي الذي يملؤها - أي الأرض - قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بالحق بشيراً لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب»(٢٦).
ماذا يحدث عندما يظهر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؟
إن هدف ظهور المنتظر هو انتشال العالم من مستنقع الظلم والجور ونشر العدل والمساواة لذلك يؤمن به البشرية معظمها وتنقاد له الأديان، ذلك أن الأديان تؤدي غرضاً فطرياً واحداً يتوحد فيه الشعور الإنساني ويحس به عندما يتكامل إدراكه العقلي مع وجود قيادة حكيمة ينبعث منها الإخلاص والصدق والواقعية. يقول الفيلسوف الألماني (كنت): اختلاف الأديان تعبير غريب، مثل هذا كمثل ما لو تكلم المرء عن أخلاق مختلفة أنه يمكن أن يوجد أنواع مختلفة من الاعتقادات لا في الدين، لكن لا يوجد غير دين واحد مقبول لكل الناس وفي كل الأزمان، فما تلك إذن غير محامل للدين، أي شيء عرضي ومتغير وفقاً لاختلاف الأمكنة والأزمنة(٢٧).
وقد يكون المراد من هذه الآية القرآنية : ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ هو أن بعثة الأنبياء والرسل هي لتحقيق هدف واحد، وذلك الهدف هو الذي يقود البشرية بكافة تياراتها للانضواء تحت راية المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه). يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون﴾(٢٨).
يقول الإمام الكاظم (عليه السلام): «يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم (عليه السلام)».
إن الخطوة الأولى في توحيد العالم والمجتمع البشري هو إيمان الأديان جميعاً بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والدخول تحت رايته، ذلك أن الدعوة لدمج العالم ليست دعوة حديثة، بل إنها ارتبطت تاريخياً بالديانات السماوية القديمة، لقد انطلقت هذه الديانات من فكرة وحدة البشرية أمام الخالق، وبالتالي فإن الجوهر بالنسبة لكل الديانات هو دعوة الشعوب والأمم للتقارب والتكافل تحت راية الإيمان بوجود رب واحد وخالق واحد وقيم وقناعات ومسلمات مشتركة تحكم السلوك الإنساني في كل أنحاء العالم(٢٩).
لذلك تتوقع الأديان ظهور المهدي وتنتظره، وعندما يظهر فإنها تؤمن به خاصة أنه (عجّل الله فرجه) يظهر مع علائم تجعل من المستحيل التشكيك به. فيخرج معه عيسى بن مريم كما ذكرنا في الرواية المروية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويصلي خلف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه). يقول الإمام الباقر (عليه السلام): «إذا ظهر القائم ظهر براية رسول الله وخاتم سليمان وحجر موسى وعصاه».
وعنه (عليه السلام): «فإذا اجتمع عنده عشرة آلاف فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحد ممن يعبد غير الله إلّا آمن به وصدقه وتكون الملة واحدة ملة الإسلام».
وعنه (عليه السلام) أيضاً: «وإنما سمي المهدي لأنه يهدى إلى أمر خفي ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها انطاكية».
إن عالمية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تظهر من خلال تواصله العالمي وقدرته على إيصال الرؤى إلى كافة بقاع العالم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) حيث يقول عن النداء السماوي: «يسمعه كل قوم بألسنتهم». إذ إن اللغة هي من أهم وأصعب العوائق والحواجز التي تفصل بين البشر وتمنعهم عن التواصل والحوار وتؤدي إلى الانعزال والتقوقع والانقسام.
العدالة في ظل الحكومة العالمية للإمام المهدي (عجّل الله فرجه):
إن العالم البشري الذي يتخبط في أزماته وحروبه وأن العولمة تسير في الاتجاه المعاكس لتحقيق السعادة البشرية، لدليل على أن العدالة حلم بشري تحن لتحقيقه. ومن هنا فإن هذا الحلم البشري لا يتحقق إلّا عند ظهور المنتظر الذي يحمل راية نشر العدل والقضاء على الظلم.
يبدأ مشروع العدالة العالمي عند المهدي (عجّل الله فرجه) من تحقيق التكامل المعرفي والعقلي عند الإنسان، لأن معظم الشرور تنشأ من الجهل وعدم المعرفة، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم».
وهذا الجمع يعني أمرين:
الأول: أن التكامل الحضاري لا يعتمد على مستوى التقدم المادي والتكنولوجي والمعلوماتي، بل يعتمد على التكامل العقلي والتركيز المعرفي من أجل بناء النفس والذات، والحضارة المادية هي وسيلة وليست غاية.
والثاني: هو الحوار العقلاني والفكري الذي يعتمد على الثقة والتفاني فيتم التواصل والتقارب وهذا ما يحققه المهدي (عجّل الله فرجه).
والمرحلة الثانية من مشروع الحكومة العالمية تنطلق من خلال إيجاد التوازن الاجتماعي والاقتصادي وإلغاء الاستغلال والاحتكار والتفرد في السيطرة على موارد الأرض. يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فيجيء إليه الرجل يقول يا مهدي اعطني اعطني اعطني، فيحثى له في ثوبه ما استطاع أن يحمله».
وعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أبشروا بالمهدي... ويقسم المال صحاحاً بالسوية، ويملأ قلوب أُمة محمد غنى، ويسعهم عدله، حتى أنه يأمر منادياً ينادي من له حاجة إليّ... وتكثر الماشية وتعظم الأُمة... وتزيد المياه في دولته وتمد الأنهار وتضاعف الأرض أكلها...»(٣٠)، ويطبق الإمام (عجّل الله فرجه) قانون الإسلام الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أحيا أرضاً مواتاً فهي له». وهذه هي قمة العدالة التي تعطي الحق للإنسان في امتلاك الأرض كالآخرين، يقول الإمام الباقر (عليه السلام): «أيما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعمروها فهم أحق بها وهي لهم». لذلك تزدهر الأرض وتموج بالنشاط والعمل، وكمثال على ذلك يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا قام قائم آل محمد... اتصلت بيوت الكوفة بنهر كربلاء».
وبتحقيق العدالة والعدل ينتشر الأمن وتختفي الجريمة ويتحقق الأمان، يقول الإمام الباقر (عليه السلام) في حديثه عن الأمن والأمان في عصر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): «... وتخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب لا يؤذيها أحد».
وتتكامل دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) العالمية بإلغاء الحدود الجغرافية وترفع الحواجز المصطنعة، ويصل البشر إلى مبتغاهم في حرية العمل والحركة والحياة، يقول (فكتور باش): حق كل إنسان بوصفه إنسان في امتلاك حقوق، وهو الذي يخول لكل مواطن دولة أن يدخل أراضي دولة أخرى، وهذا الحق في التجول بحرية على الأرض وفي عقد اتفاقيات قانونية مع سائر الناس يقوم حق المواطن العالمي(٣١).
فالأرض تصبح موطناً لكل إنسان في عهد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إن القائم منا منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز كلها، ويظهر الله به دينه ولو كره المشركون». ويقول (عليه السلام): «إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي بالمغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي بالمشرق».
إن المجتمع البشري لا يصل إلى طريق الوحدة الحقيقية التي تقضي على الحروب والأزمات والعواصف إلّا بعد أن يرجع إلى العوامل الواقعية المشتركة التي تجمع العنصر البشري، ولا شك أن العامل المادي لا يمثل غير عنصر للاختلاف والتنازع والاستغلال. أمّا العقل والفطرة فهما العاملان اللذان يقودان البشرية لاستجماع ذاتها والوصول إلى حقيقتها، وهذا لا يكون إلّا بوجود قيادة واقعية تقودها نحو التكامل العقلي والتأصل الفطري والتنكر عن الدوافع الأنانية المميتة، وهو عصر العدالة والحرية والأمان والسعادة، عصر الإمام المنتظر المهدي (عجّل الله فرجه)، وفقنا الله لرؤية نور وجهه الكريم والامتثال لأوامره والعيش تحت راية عدالته العالمية الإلهية.
الهوامش:
(١) كتاب العولمة، مالكوم واترز، نقلاً عن عالم الفكر العدد الثاني ١٩٩٩.
(٢) عالم الفكر العدد الثاني ١٩٩٩.
(٣) العولمة دراسة تحليلية، عبد الله عثمان وعبد الرؤوف آدم.
(٤) العولمة دراسة تحليلية، عبد الله عثمان وعبد الرؤوف آدم.
(٥) عالم الفكر العدد الثاني ١٩٩٩.
(٦) العولمة دراسة تحليلية.
(٧) العولمة دراسة تحليلية.
(٨) الكذبات العشر للعولمة. جيرالد بوكسبرغر.
(٩) شؤون الشرق الأوسط، العدد ٧١ ابريل ١٩٩٨.
(١٠) العولمة محاولة في فهمها، ناهد طلاس.
(١١) العولمة محاولة في فهمها، ناهد طلاس.
(١٢) العولمة محاولة في فهمها، ناهد طلاس.
(١٣) عالم الفكر العدد الثاني ١٩٩٩.
(١٤) الكذبات العشر للعولمة.
(١٥) الكذبات العشر للعولمة.
(١٦) الكذبات العشر للعولمة.
(١٧) العولمة دراسة تحليلية.
(١٨) الكذبات العشر للعولمة.
(١٩) عالم الفكر العدد الثاني ١٩٩٩.
(٢٠) العولمة دراسة تحليلية.
(٢١) العولمة دراسة تحليلية.
(٢٢) عالم الفكر العدد الثاني ١٩٩٩.
(٢٣) سورة القصص، الآية رقم ٥.
(٢٤) الإمام المهدي من المهد إلى الظهور، السيد محمد كاظم القزويني.
(٢٥) سورة الأنبياء، الآية رقم ١٠٦.
(٢٦) فرائد السمطين للجويني ج ٢.
(٢٧) فلسفة القانون والسياسة، عبد الرحمن بدوي.
(٢٨) سورة التوبة، الآية رقم ٣٣.
(٢٩) عالم الفكر العدد الثاني ١٩٩٩.
(٣٠) الإمام المهدي من المهد إلى الظهور.
(٣١) فلسفة القانون والسياسة، عبد الرحمن بدوي.