مهدي الأُمة غائبها
وسن محمد العابدي
في هدأة الليل، عم الظلام أرجاء المنطقة لم تعرف ماذا حل لهذا البدر فلم يعد يضيء؟! الصمت يغمر المكان وأخبار تتناقل عبر الشفاه عيون مدمعة لا تستطيع أهطال دموعها خوفاً من الموت الذي يطوق أعناقها، هنا وقفت عجلة التاريخ التي كانت حينها تدور بسرعة، وكأنها تريد أن توقفنا أمام أمر عظيم عنت الوجوه للرحمن لا تسمع إلّا همساً، شلت الأرجل فلا نرى سوى وقع أقدام مضطربة، لقد اختفى البدر المضيء بنور ربه ونبيه وأمامه حجب الغيم شمساً، إلّا أنه ظهر نور يسطع من بعض الشفاه الماضية يرويها لنا التاريخ رسماً للحضارة الجديدة بعد السقوط والانحطاط وهو طلوع ذلك البدر، شئتم أم أبيتم سينصر العدل ويكف الظلم والجور، سيأخذ بثأر النهر النازف في كربلاء في سجون العراق في كل بلد مظلوم ونحن نشرب رحيق العدالة يقطع أعناق المعتدين، سيعيد نظم الحياة من جديد كما جاء بها القرآن الكريم إذ يقول: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
هنا وقف التاريخ صامتاً ينتظر عودته، نعم فقدنا الوسائل فلا نملك سوى دم وثبات لتبدأ مرحلة الحياة بعد الموت رحلة العدالة بعد الظلم، إمامنا قد اختفى ولكنه وعدنا بالرجوع مع أنه الآن يعيش بيننا.
لكننا نراه أو لا نراه ولم نعرفه لذنوبنا التي وقفت حاجزاً بيننا وبينه، فمن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية!
لا تخلو الأرض من حجة:
﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «آخر من يموت الإمام لئلا يحتج أحد على الله (عزَّ وجلَّ) أنه تركه بغير حجةٍ لله عليه»، وعن الامام علي (عليه السلام) قال: «لا تخلو الأرض من قائم بحجة الله إمّا ظاهر مشهور وإمّا خائف مغمور لئلا تبطل حجج الله وبياناتهِ»، ومن خلال هذا الخطاب نعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يتركنا في هذه الأرض بلا هادٍ ودليل، بل استمرت حجته سبحانه على الخلائق وما زالت من عهد النبي آدم (عليه السلام) وحتى ظهور الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) وبموته تموت الأرض وتنقطع الأعمال عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «إنما مثل أهل بيتي كمثل نجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم»، فلولا حجج الله في أرضه لما عرف الحق من الباطل ولولا حجة الله لساخت الأرض والتبست فيها الأمور فكان ولايزال هادياً إلى طريق التكامل الأبدي وظهوره (عليه السلام) وعد رباني وصفه القرآن بقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾.
كررت هذه الآية الشريفة ثلاث مرات في القرآن الكريم وهي من أعظم الآيات المختصة بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فعن الصادق (عليه السلام) قال: «والله ما أنزل تأويلها بعد ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم (عليه السلام)، فإذا خرج لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلّا كره خروجهُ». فالتأويل هو التطبيق أي تجسيد المعنى، إذن لم ينزل تأويلها بعد إلّا بظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، وقد قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره الشهير البحر المحيط عند تفسير قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾.
وفسر الإمام مالك بن أنس إمام المالكية الآية الكريمة ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
فسرها بأن مصداقها لم يتحقق وأن الأُمة ما زالت تنتظر من يتحقق على يديه هذا النصر.
فقد أجمع المسلمون باختلاف مذاهبهم على ظهور المصلح لهذه الأُمّة بغض النظر عن اختلافهم بشخص هذا المصلح الموعود، فكما كان الظهور وعداً ربانياً فكان أيضاً وعداً تاريخياً، فبظهوره (عجّل الله فرجه) يتخلص العالم من كل الصراعات التي تمخضت اليوم من جراء صاعقة الظلم والعصيان، فهم (عليهم السلام) السبل إلى الله (عزَّ وجلَّ) ويمثلون الامتداد التاريخي المتواصل عبر مسيرة الأجيال من أجل إقامة الخير والإسلام على وجه المعمورة، وقد حرمنا اليوم من تذوق حلاوة العدل والأمان، فبدأت الشرور والجاهلية تعود إلينا مرة أخرى بعد ذلك الكفاح الذي ذهب من ورائه الرجال العظماء في تحركاتهم الإسلامية التي أسسها رسولنا المبعوث رحمة لكل العالمين، فعاد الظلم والجور إلى ربوع الأرض ولا يتحقق النصر إلّا بظهور مصلح البشرية مهدي الأُمة فهو حبل الله المتين وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وقد روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً صالحاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».
القيادة الواعية:
﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾.
القيادة تحتاج إلى تعاطف الأُمة وتكاتفها فيما بينها وحتى نرفع الظلم نحتاج إلى سواعد قوى، لكن إذا لم توجد أُمة تنصر الإمام أو لم تستطع حفظ وجوده فكيف تكون هذه الأُمة حقيقة وتدعي الإيمان؟ في حينها نلاحظ أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كان محاصراً من قبل المشركين وهو في بطن أُمّه حتى أن الإمام العسكري (عليه السلام) أخفى ولادة ابنه، وكل ذلك ليحافظ على امتداد الخط النبوي الشيعي ولانحراف الأُمة وفقدان مساعدتها غيّب الإمام عن الأنظار.
وربما تكون نهاية غيبته حينما تتمخض الظروف الاجتماعية عن الأجواء الملائمة لثورة الإمام المنتظر أو بعد اندثار معالم الإسلام وابتعادها عن الواقع الاجتماعي والواقع الفكري وانحسارها عن مجالها.
ولكن لم تكن هذه غيبة نهائية للأُمة أبداً فكانت هذه هي الغيبة الصغرى (غياب جزئي) وكانت كتمهيد للأُمة حتى تستعيد قوتها وتسعى لقوة الإيمان والعمل فكانت غيبة واجبة في هذه.
إن الله سبحانه وتعالى لم يتركنا في الأرض بلا هاد ودليل، بل استمرت حجته سبحانه على الخلائق وما زالت من عهد النبي آدم (عليه السلام) وحتى ظهور الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) لا يتحقق النصر إلّا بظهور مصلح البشرية مهدي الأمة، فهو حبل الله المتين وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.
الظروف الحرجة:
إذن فمن غير الطبيعي أن لا يغيب بدر النبوة، فغيابه من صالح الأُمة لتستعيد الأمة نشاطها في نصرته وحمايته بوصفه خطاً والتزاماً وعقائدياً وفي رحلة الظهور يمارس الإمام (عجّل الله فرجه) دوره القيادي بشكل مباشر.
من خصائص دولة الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) العالمية:
١. قيام حكومة إسلامية عالمية، فأبرز دولة الإمام هي عالمية النفوذ السياسي وعالمية العقيدة الإسلامية وعمومها وتطهير الأرض من كل عقائد الشرك والكفر والضلال والنفاق ومن ذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا قام القائم المهدي لا تبقى أرض إلّا نودي فيها شهادة أن لا اله إلّا الله وأن محمداً رسول الله».
٢. عموم العدل والأمن والرخاء في ربوع الأرض وقد روي في ذلك: «إذ قام قائمنا قسم بالسوية وعدل في الرعية فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله».
٣. انتشار الثقافة والعلم وتكامل العقول ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث له «وتؤتون الحكمة في زمانه».
٤. التجسيد لسيرة الرسول وذلك بالأعراف الجاهلية نفسها فيأمر الناس بطاعة الله ورسوله.
أهم التكاليف المطلوبة في عصر الغيبة:
١. الاعتراف بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بوصفه إمام مفترض الطاعة وقائد فعلي للأُمة، وعلى الفرد أن يعمق شعوره بالمسؤولية تجاه الإسلام والمسلمين ويشارك في تحقيق شرط الظهور وبقرب اليوم الموعود، ومن ثم نسمع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقوله: «من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني».
إذن فالمهدي هو الرائد الأكبر في عصره لتطبيق الإسلام وظهوره، هو الأمل الكبير في أن تسود شريعة السماء في الأرض.
٢. الانتظار وهو التوقع الدائم لتحقق الوعد الإلهي الكبير بقيادة الإمام المهدي، وهذا المعنى مفهوم إسلامي عام، تشترك فيه المذاهب الكبرى في الإسلام!
إذن فمن المحتمل في كل يوم أن يقوم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بحركته الكبرى لتطبيق العدل الإلهي لوضوح تعلق إرادة الله تعالى به في أي وقت.
٣. الالتزام بالتعاليم الإسلامية الحقة النافذة فيما قبل الظهور، سواء كان على مستوى الأحكام حتى لا ينحرف الفرد مع التيارات المعادية للإسلام. إذ ما يغزو المجتمع المسلم من عقائد غريبة وأحكام وضعية فلا تعد حقاً ولا واجبة الامتثال.